عرض مشاركة واحدة
  #728  
قديم 30-06-2025, 01:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,545
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [422]
الحلقة (454)




شرح سنن أبي داود [422]
من الآداب الشرعية التي على المسلم والمسلمة مراعاتها ذكر الله عز وجل والبدء باسمه عند الأكل والشرب، وحمده سبحانه والثناء عليه عند الانتهاء من ذلك؛ فإن الأكل والشرب من نعم الله عز وجل على العبد التي يجب أن يشكره عليها، ومن شكره عليها ذكر اسمه تعالى عند البدء وحمده عند الانتهاء.
كما أن على المسلم أن يذكر الله عز وجل في كل أحيانه وعند جميع تصرفاته؛ فإنه بذلك يُحفظ من شياطين الجن والإنس.



ما جاء في النفخ في الشراب والتنفس فيه



شرح حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النفخ في الشراب والتنفس فيه.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا ابن عيينة عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في النفخ في الشراب والتنفس فيه.
يعني: النفخ في الشراب بفمه بحيث يطلق عليه الريح من فمه، والتنفس فيه يكون بأن يشرب ويتنفس وهو يشرب فيخرج نفسه وهو مواصل للشرب، فيكون ذلك في الشراب.
فجاء النهي عن ذلك؛ لأن النفخ قد يكون فيه الريق فيقع في الشراب.
وكذلك فإن الهواء الخارج من أنفه يقع في الشراب فيكون فيه استقذار له، وسواء كان له أو لغيره؛ لأن هذا شيء غير مرغوب فيه، وسواء كان في حقه أو في حق غيره فإنه مذموم ومنهي عنه، فكونه يظهر شيء من فمه ويقع في الشراب ويشربه هذا ليس بجيد.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينفخ في الإناء وأن يتنفس فيه.
فلا ينفخ فيه ولا يتنفس فيه وإنما يكون التنفس خارجه.
والذي يظهر أن النهي عن النفخ في الإناء والتنفس فيه يحمل على التنزيه، وأنه من الأدب ومن الأشياء التي فيها فائدة وفيها مصلحة له ولغيره، وعدم مضرة عليه وعلى غيره.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا ابن عيينة] .
سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الكريم] .
هو عبد الكريم بن مالك الجزري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة] .
عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (اللهم بارك لهم فيما رزقتهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الله بن بسر رضي الله عنهما من بني سليم قال: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي فنزل عليه، فقدم إليه طعاماً، فذكر حيساً أتاه به، ثم أتاه بشراب فشرب فناول من على يمينه، وأكل تمراً فجعل يلقي النوى على ظهر أصبعيه: السبابة والوسطى، فلما قام قام أبي فأخذ بلجام دابته فقال: ادع الله لي؟ فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم) ] .
أورد أبو داود حديث عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنهما.
وليس فيه مناسبة للترجمة التي هي النفخ في الشراب والتنفس فيه؛ لأنه ليس فيه شيء يتعلق بالشراب وبالتنفس فيه؛ اللهم إلا أن يكون مما اختصر؛ لأن الحديث فيه اختصار كما هو واضح من لفظه، وأما اللفظ الموجود فليس فيه شيء يدل على الترجمة.
وفيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبيه وهو بسر وأنه قدم له طعاماً.
وقوله: (فذكر حيساً أتاه به) يعني: أتاه بهذا النوع من الطعام.
والحيس هو خليط التمر والأقط والسمن، وقد يكون فيه شيء من الدقيق، فهذه الأمور مجتمعة يقال لها: حيس.
ويضرب المثل بالحيس في شدة الاختلاط، فيذكر اختلاط الحيس عند ذكر شدة الاختلاط؛ وهناك أبيات وردت في هذا منها قول الشاعر: واختلط الناس اختلاط الحيس وادعت الروم أباً في قيس يعني: أنه حصل الاختلاط والامتزاج تشبيهاً باختلاط الحيس لشدة امتزاجه ببعضه؛ وهو مكون من هذه الأشياء الثلاثة التي هي التمر والأقط والسمن أو الدقيق.
وقوله: [(ثم أتاه بشراب، فشرب فناول من على يمينه)] .
هذا مثل الذي قبله فيما يتعلق بالذي أعطاه حيث قال: (الأيمن فالأيمن) .
وقوله: [(وأكل تمراً فجعل يلقي النوى على ظهر أصبعيه: السبابة والوسطى)] .
يعني: كأن النوى كان يقع من فمه على ظهر أصبعيه السبابة والوسطى، فكأنه كان يمسك التمر بداخل يده ويضع النوى على خارج الأصبعين فيرميه أو يلقيه.
وقوله: (فلما قام قام أبي) .
والده هو بسر.
قال: (فأخذ بلجام دابته وقال: ادع الله لنا، فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم) .
وهذا دعاء، والرسول صلى الله عليه وسلم قاله بعد الأكل، فدل هذا على أنه يدعى به لصاحب الطعام اقتداءً برسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.



تراجم رجال إسناد حديث (اللهم بارك لهم فيما رزقتهم)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر] .
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير] .
شعبة مر ذكره ويزيد بن خمير صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن بسر] .
عبد الله بن بسر رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد رباعي أيضاً؛ وهذا من الأسانيد العالية عند أبي داود.



مناسبة حديث (اللهم بارك لهم فيما رزقتهم)
قال: العظيم آبادي: ومطابقة الحديث للباب أنه لم يلق النوى الذي خالطه الريق ورطوبة الفم في إناء التمر؛ لئلا يختلط بالتمر فتستقذره النفس، فكيف ينفخ في الشراب والطعام؟! لأن النفخ لا يخلو من بزاق وغيره مما تستقذره النفس.
وهو ألقاه خارج الإناء، ولكن أظن أنه لا يلزم أنه لا يضعه إلا في الإناء، بل يمكن أن يضعه في مكان آخر غير الإناء.
فيمكن أن يكون له وجه لكنه ليس بواضح؛ لأن النوى كما هو معلوم لا يوضع مع التمر وإنما يوضع خارج التمر؛ ولا شك أنه إذا وضع معه فيه استقذار، ويكون فيه شبه بمسألة النفخ، فإذا كان من هذه الناحية فقد يكون له وجه.



ما يقول إذا شرب اللبن



شرح حديث (إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل اللهم بارك لنا فيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول إذا شرب اللبن.
حدثنا مسدد حدثنا حماد -يعني: ابن زيد - ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -يعني: ابن سلمة - عن علي بن زيد عن عمر بن حرملة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت في بيت ميمونة رضي الله عنها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه خالد بن الوليد رضي الله عنه، فجاءوا بضبين مشويين على ثمامتين، فتبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال خالد: إخالك تقذره يا رسول الله؟! قال: أجل! ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن فشرب؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه، وإذا سقي لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه؛ فإنه ليس شيء يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن) .
قال أبو داود: هذا لفظ مسدد] .
أورد أبو داود باب ما يقول إذا شرب لبناً، أي: أنه يقول: (اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه) وهذا اختص به اللبن عن غيره لأنه يجزئ عن الطعام والشراب فإنه غذاء يغني عن غيره.
وأورد أبو داود حديث ابن عباس قال: (كنت في بيت ميمونة) وهي أم المؤمنين ميمونة خالة ابن عباس؛ لأن أمه لبابة بنت الحارث الهلالية وهي لبابة الصغرى ولبابة الكبرى هي أم خالد بن الوليد ولبابة الصغرى هي أم أولاد العباس.
وكان خالد بن الوليد عند خالته ميمونة فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بضبين مشويين على ثمامتين، والثمامة هي أعواد، يعني: كأنهما يحملان بالعود الذي قد غرز في كل منهما، هذا الذي يبدو أنه المقصود بكونهما على ثمامتين، وليس معنى ذلك أنهما شويا على عودين، وإنما المعنى أنه قد أتي بهما كل واحد في عود.
وقوله: [(فتبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم)] .
يعني: لأنه لم يألفه، ففهم ذلك خالد بن الوليد منه وقال: (إخالك تقذره يا رسول الله؟ قال: أجل) يعني: نعم؛ ولكنه قد جاء أنه أذن بأكله وأن خالداً أكله بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وعند خالته ميمونة، كما جاء ذلك في حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنه ليس بأرض قومي فأنا أعافه) والشيء الحلال المباح قد تألف النفوس شيئاً منه وتكره شيئاً، وتميل إليه نفوس وتميل عنه نفوس أخرى؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يألف ذلك فتركه ولم يأكله، ولكنه أكل بين يديه، فدل ذلك على أن أكله سائغ وجائز ولا محذور فيه ولا مانع.
وقوله: [(ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن فشرب، فقال: إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه، وإذا سقي لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه؛ فإنه ليس يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن)] .
وهذا يدل على مشروعية هذا الدعاء عند شرب اللبن، وهو الذي ترجم به المصنف حيث قال: باب ما يقول إذا شرب اللبن؛ أي أنه يقول: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، يعني: بارك لنا في هذا الذي شربنا، وزدنا منه.
فهذا يدل على ميزة اللبن وعلى تفضيله على غيره، وعلل ذلك بقوله: (فإنه ليس يجزئ عن الطعام والشراب إلا اللبن) .



تراجم رجال إسناد حديث (إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل اللهم بارك لنا فيه)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حماد يعني: ابن زيد] .
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا موسى بن إسماعيل] .
ح للتحول من إسناد إلى إسناد، وموسى بن إسماعيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد يعني: ابن سلمة] .
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن علي بن زيد] .
علي بن زيد بن جدعان ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمر بن حرملة] .
عمر بن حرملة مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[عن ابن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب قد مر ذكره.
الحديث فيه ضعيف ومجهول.
وفيما يتعلق بأكل الضب ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح عن ميمونة وأنه أتي بضب وأن خالد بن الوليد أكله بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
وما يتعلق بالنسبة للبن جاء ما يشهد لذلك، وقد ذكر ذلك الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة رقم (2320) وذكر شواهد لهذا الحديث.



الفرق بين اللبن والحليب
اللبن في الأصل يطلق على الحليب ويطلق على اللبن المخيض، ولهذا لبن المرأة هو حليب المرأة، ولكن في الغالب أن اللبن يطلق على المخيض الذي مخض وأخرجت زبدته، وقبل أن يمخض وتخرج زبدته يقال له: حليب، ويقال للحليب: لبن، فيقال: شرب لبن المرأة، يعني: حليبها.



الجمع بين كراهية النبي صلى الله عليه وسلم للضب وبين كونه ما عاب طعاماً قط
قد يستشكل فيقال: كيف يجمع بين حديث (ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً قط) وبين قوله هنا: (إنه تبزق من لحم الضب، وقال له خالد أتكره ذلك؟ قال: أجل) ؟
و الجواب أنه عليه الصلاة والسلام إذا أتاه الطعام فاشتهاه أكله وإلا تركه، وهنا لما وجد في الرسول صلى الله عليه وسلم عدم الارتياح له قال له: كأنك تكره ذلك يا رسول الله؟! فقال: أجل! فهذا فيه بيان أنه شيء مباح ولكن نفسه تعافه، ومعلوم أن النفوس تختلف، فقد يعجب هذا الطعام أناساً ولا يعجب آخرين، ومن الناس من يعجبه -مثلاً- لحم الغنم، ومنهم من يعجبه لحم الإبل، ومنهم من يعجبه لحم البقر، ومنهم من لا يأكل هذا ويأكل هذا، ومنهم من يأكل الدجاج ومنهم من لا يأكل الدجاج، فالناس متفاوتون وكله حلال وكله مباح.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقدم له شيء فسبه وعابه، لكنه لما تركه قيل له: كأنك تعافه؟! فقال: نعم، وجاء في اعتذاره أنه قال: (إنه ليس بأرض قومي، فأجدني أعافه) .



إيكاء الآنية



شرح حديث (أغلق بابك واذكر اسم الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إيكاء الآنية.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني عطاء عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أغلق بابك واذكر اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله، وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه، واذكر اسم الله، وأوك غطاءك واذكر اسم الله) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في إيكاء الآنية، يعني: تغطيتها، فإذا كان هناك سقاء أو قربة فيوكأ بحيث إنه يربط بخيط أو بحبل؛ وإذا كان هناك قدر أو قدح فإنه يغطى، فالإيكاء في الغالب يكون للشيء الذي يكون مثل السقاء أو القربة أو ما إلى ذلك.
وأما تغطية الشيء بأن يوضع عليه شيء يغطيه فهذا لا يقال له إيكاء؛ لأن لفظ الإيكاء يتعلق بالأسقية والقرب وأشباهها.
وقد أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (أغلق بابك واذكر اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً) لأنه ذكر اسم الله، فالإنسان يفعل السبب ويذكر اسم الله عز وجل على ذلك، فيكون في ذلك التخلص من الشيطان.
فإذا أغلق الإنسان بابه فهذا فيه السلامة من شياطين الإنس؛ لأن شياطين الإنس قدرتهم وتمكنهم هي على الشيء الموجود المحسوس أمامهم، والشيطان يطرده ذكر الله عز وجل، ومجرد إغلاق الباب لا يطرد الشيطان وإنما يطرده ذكر الله.
فشياطين الإنس يسلم منهم الإنسان بإذن الله بإغلاق الأبواب، وشياطين الجن يسلم منهم بذكر الله عز وجل.
وقوله: (فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً) يعني: باباً ذكر اسم الله عليه.
ولهذا جاء في الحديث: (إن الإنسان إذا دخل بيته وذكر اسم الله قال الشيطان لأتباعه: لا مبيت لكم، وإذا دخل وأكل وسمى قال: لا طعام لكم) ، وإذا لم يحصل ذكر اسم الله عند الدخول ولا عند الأكل قال: أدركتم المبيت والعشاء.
فهو يشارك في الدخول ويشارك في الأكل.
والمراد بالباب هنا: الباب الخارجي.
وقوله: [(وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله)] .
المصباح كان فيما مضى يُجعل فيه الزيت أو شيء يشتعل به وإذا انكفأ حصل احتراق بسببه، والفويسقة كما جاء في بعض الأحاديث تضرم أو تفسد على أهل الناس بيتهم، فتكفأ السراج فيحصل احتراق.
فكان إطفاء السراج من أجل ألا تأتي مثل الفويسقة التي هي الفأرة فتقلبه فيحصل بسببه حريق؛ هذا هو الذي كان موجوداً في ذلك الزمان، أما الآن فتوجد اللمبات المضيئة والكهرباء، والناس بين أمرين: من الناس من يرتاح لإغلاق الأنوار ويبيت في الظلام، ومن الناس من يعجبه أن يبيت في الضياء وأن يكون عنده ضياء بحيث إنه لو استيقظ ينظر إلى الساعة ولا يحتاج إلى أن يقوم من منامه ليفتح النور، والمحذور الذي كان فيما مضى من ناحية إطفاء السراج هو الإحراق وليس بموجود، إلا أنه يمكن أن يوجد فيما إذا كان حصل تحمل في بعض اللمبات وتأثر وحصلت سخونة وطال المكث، فإنه قد يحصل التماس بسبب ذلك فيترتب على ذلك أمور ضارة مثلما هو مشاهد ومعاين في بعض الأحايين، حيث تجد بعض المفاتيح يحصل لها التماس بسبب ذلك فتحصل مضرة.
فإذا خشي شيئاً من هذا القبيل فيتخلص من المحذور، وإذا كان الناس يحتاجون إلى فتح لمبة وقد ألفوا أنه ليس فيها شيء من الخلل فالأمر في ذلك واسع؛ لأن المحذور الذي خشيه رسول الله صلى الله عليه وسلم غير موجود في مثل هذه الحال.
وقوله: [(وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه واذكر اسم الله)] .
التخمير هو التغطية؛ وقيل للخمار خمار لأنه يغطي الوجه والرأس، وقيل للخمر خمر لأنها تغطي العقل؛ فقيل للغطاء خمار لأنه يغطي الشيء الذي يراد تغطيته.
قوله: (خمر إناءك) يعني: غطه، وتغطيته فيها فائدة من جهة ألا تأتيه حشرات أو حيوانات كدواب تشرب منه ثم تمج فيه وقد تكون من ذوات السموم فيختلط سمها بما فيه فيفسده، فتغطية الأواني فيها مصالح وفيها فوائد.
وعندما يغطيه يذكر اسم الله عز وجل؛ لأنه إذا ذكر اسم الله عز وجل حفظه الله من الشيطان.
وقوله: (ولو بعود تعرضه عليه) قال الحافظ ابن حجر: لعل الحكمة في ذلك أن الإنسان يذكر اسم الله على شيء قد فعله، يعني: ذكر اسم الله يكون على فعل؛ والفعل هو التغطية، وإن لم تكن هناك تغطية فلا أقل من أن يعرض عليه عوداً؛ فعرضه هذا العود فعل من الأفعال يأتي معه بذكر اسم الله فيقول: باسم الله.
ويبدو أيضاً أن الإنسان إذا عود نفسه أن يعرض عوداً إذا لم يجد غطاءً يتعود على ألا يترك الإناء خالياً دون أن يغطى؛ لأنه إذا لم يجد غطاءً وعمل شيئاً فإن ذلك يجعله يألف أن يغطيه ويحرص على ذلك، لأن من يألف الشيء يستمر عليه، فيحصل بذلك استمراره على هذا الشيء وعنايته واهتمامه به.
وقد جاء في بعض الأحاديث في صحيح مسلم أنه توكى الأسقية وتخمر الآنية وقال: (إن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يترك شيئاً مفتوحاً إلا دخله) فيكون في إيكاء الأسقية وتغطية الأواني السلامة من وقوع هذا البلاء فيها، وهذا هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [(وأوك سقاءك واذكر اسم الله)] .
يعني: بربطه بالخيط الذي يربط به، وربطه به فيه مصلحة ألا تدخل فيه حشرات ولا أشياء مستقذرة، وأيضاً يسلم مع ذكر الله عز وجل من الشيطان.



تراجم رجال إسناد حديث (أغلق بابك واذكر اسم الله)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
أحمد بن حنبل مر ذكره.
[حدثنا يحيى] .
يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج] .
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عطاء عن جابر] .
عطاء بن أبي رباح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وجابر رضي الله عنه قد مر ذكره.



صيغة الذكر الذي يقال عند غلق الأبواب وتغطية الآنية
قوله هنا: (واذكر اسم الله) المراد أن تقول: باسم الله؛ لأن ذكر الله على الطعام يكون كذلك، وكذلك عند دخول الإنسان البيت يقول: باسم الله، وإذا أكل يقول: باسم الله، فيمنع الشيطان من المشاركة، فهذا عندما يقول: باسم الله فيه طرد الشيطان، ويكفي أن يقول: باسم الله.



اعتبار باب الثلاجة غطاءً للآنية
إذا كان الإناء مكشوفاً لكنه في الثلاجة أو في دولاب فهو يعتبر مغطى، لكن الأولى أن يكون مغطى بغطاء خاص؛ وإن لم يغط فإن الثلاجة تعتبر غطاءً، وهذا مثل الطعام الذي يكون بغير إناء ويوضع في الثلاجة؛ فإن الغطاء موجود وهو غطاء الثلاجة.



حكم تغطية الآنية إذا لم يكن فيها شيء
الآنية إذا لم يكن فيها شيء لا تغطى، وإنما تغطى إذا كان فيها شيء، أما إذا لم يكن فيها شيء فعلام تغطى؟! فليس فيها محذور؛ لأنه ليس هناك شيء يخشى منه.



الأسباب التي تدفع الشياطين
فإن قيل: هل يحتاج الشيطان إلى فتح باب إذا أراد الدخول وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم؟ ف
الجواب أنه يمنعه ذكر الله، فمجرد إغلاق الباب بدون ذكر الله لا يمنع من الشيطان، وإنما يمنع من شياطين الإنس؛ لأنهم هم الذين تنفع فيهم الأسباب الظاهرة.
أما شياطين الجن فلا تمنعهم جدران ولا أبواب كما قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) ، ولكن الذي يمنع شياطين الجن هو ذكر الله عز وجل.
وأما شياطين الإنس فيعاملون كما قال عز وجل: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] ، فهذا هو الذي ينفع مع شياطين الإنس، وهو كون الإنسان يعامل غيره معاملة طيبة ويقابل السيئة بالحسنة فإن هذا من الأسباب التي تجعل المسيء يندم على إساءته.
وأما شياطين الإنس فأرشد الله عز وجل إلى ما يخلص منهم بقوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36] .
وأما هل يمنع شياطين الإنس من فتح الباب بذكر اسم الله؟ ف
الجواب أن شياطين الإنس قد يكسرون الأبواب، ولاشك أن ذكر الله عز وجل ينفع، ولكن الله عز وجل إذا شاء فإنه يحصل من شياطين الإنس ما يحصل وقد يدخلون بكسر الباب.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.56 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]