شرح حديث (قراءة النبي (بلى قد جاءتكِ آياتي...) )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن رافع النيسابوري حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي سمعت أبا جعفر يذكر عن الربيع بن أنس عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت: (قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( بلى قد جاءتكِ آيَاتِي فكذبتِ بها وَاستكبرتِ وكنتِ من الكافرين ))) قال أبو داود : هذا مرسل؛ الربيع لم يدرك أم سلمة ]. أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: (( بلى قد جاءتكِ آيَاتِي فكذبتِ بها وَاستكبرتِ وكنتِ من الكافرين )) والقراءة المشهورة: بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ [الزمر:59]، والقراءة هذه التي فيها التأنيث ترجع إلى النفس، أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا [الزمر:56] فالخطاب للنفس، والنفس مؤنثة، وهي بمعنى الإنسان، فعلى قراءة: (( بلى قد جاءتكِ آيَاتِي فكذبتِ بها )) جاءت النفس على أنها بمعنى الإنسان، على اعتبار أنه لفظ مؤنث، كما قال: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:7-8].
معنى المرسل والمنقطع في اصطلاح المحدثين
[ قال أبو داود : هذا مرسل، الربيع لم يدرك أم سلمة ]. هذا مرسل بالمعنى العام، وهو غير المشهور في اصطلاح المحدثين؛ لأن المرسل عند المحدثين هو: ما قال فيه التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وأما بالمعنى العام فإنه يأتي للانقطاع فيقال: مرسل، وهو أن الراوي يروي عن شخص ما لقيه أو ما أدركه، فهو أعم من المرسل في الاصطلاح المشهور عند المحدثين، وهو الذي قصروه على كون التابعي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يقال في تعريفه كما قال بعض العلماء وهو تعبير غير دقيق: الذي سقط منه الصحابي، مثلما يقول صاحب البيقونية: (ومرسل منه الصحابي سقط)، فهذا التعبير غير دقيق، والتعبير الدقيق أن يقال: ما قال فيه التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو لم يسقط إلا الصحابي فلا مشكلة، والحديث صحيح، ولا يكون ضعيفاً؛ لأن جهالة الصحابة لا تؤثر، فلو عرف أنه لم يسقط إلا صحابي فإن الإسناد ليس فيه شيء، خصوصاً إذا كان التابعي الذي أرسل ثقة، وإنما اعتبروه من قبيل الضعيف، لأن التابعي إذا قال: قال رسول الله، يحتمل أن يكون الساقط صحابياً أو تابعياً، وعلى فرض أنه تابعي يحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً، ومن أجل الاحتمال الثاني اعتبروه ضعيفاً. والمرسل من قبيل المردود وليس من قبيل المقبول. والانقطاع له أحوال: إما أن يكون في أعلى السند بأن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكون في أوله فيقال إنه معلق، أو أن يكون فيه راويان متواليان فأكثر فيقال له معضل، أو يسقط من الإسناد واحد أو أكثر من واحد ولكنهم متفرقون فيقال له: منقطع، ولكن الانقطاع بالمعنى العام هو من هذا القبيل الذي ذكره أبو داود هنا لما قال: مرسل؛ لأنه لا توجد إضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هنا أضافه إلى أم سلمة ، فإذاً الانقطاع أو الإرسال وقع بين الربيع بن أنس وإضافته إلى أم سلمة وهو لم يدركها، فهو مرسل بالمعنى العام المشهور الذي هو بمعنى المنقطع. وهو من المرسل الجلي لا الخفي. والمرسل الخفي هو أن يروي عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه، وأما إذا كان لم يدركه فإنه يكون مرسلاً جلياً وواضحاً، والمرسل الخفي شبيه بالمدلس؛ لكن التدليس خاص بمن عرف لقاؤه إياه، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي.
تراجم رجال إسناد حديث (قراءة النبي (بلى قد جاءتكِ آياتي...) )
قوله: [ حدثنا محمد بن رافع النيسابوري ]. محمد بن رافع النيسابوري هو شيخ مسلم وغيره، ولكن روى له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة ، فهو ثقة، ولكن مسلماً أخرج له وأكثر من الرواية عنه، وكل الأحاديث التي في صحيح مسلم من صحيفة همام بن منبه هي من طريق شيخه محمد بن رافع النيسابوري ، و محمد بن رافع هذا هو من قبيلته؛ لأن مسلماً قشيري وهذا قشيري، و مسلم نيسابوري وهذا نيسابوري، فهو شيخه وبلديه وقبيلتهما واحدة. [ حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي]. إسحاق بن سليمان الرازي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبا جعفر ]. هو الرازي ، عيسى بن أبي عيسى، سيئ الحفظ أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن الربيع بن أنس ]. الربيع بن أنس صدوق له أوهام أخرج له أصحاب السنن. [ عن أم سلمة ]. أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (سمعت النبي يقرؤها (فروح وريحان) )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هارون بن موسى النحوي عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرؤها: فَرُوْحٌ وَرَيْحَانٌ [الواقعة:89]) ]. مر في الإسناد السابق: [ حدثنا يحيى بن الفضل حدثنا وهيب -يعني: ابن عمرو النمري - أخبرنا هارون ]. فهارون كان بينه وبين أبي داود اثنين، وهنا مسلم بن إبراهيم يروي عنه مباشرة، فليس بينه وبينه إلا واحد في هذا الإسناد، ومسلم بن إبراهيم متقدم؛ لأنه معمر، وقد أدرك المتقدمين، مثل قتيبة بن سعيد ، فقد ولد سنة مائة وخمسين، ومات سنة مائتين وأربعين، فعمر تسعين سنة، حتى أدرك شعبة وأدرك سفيان الثوري وهم متقدمون، ولهذا كما قلت: الأسانيد تطول وتقصر باعتبار تتابع الرواة ورواية بعضهم عن بعض وكثرتهم في زمن واحد، وقد تطول بمعنى أن شخصاً معمراً يروي في صغره، ثم يروي عنه أحد في صغره، ثم يعمر ويروي عنه واحد في كبره فيقصر الإسناد. [ قالت: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها: فَرُوْحٌ وَرَيْحَانٌ [الواقعة:89]) ]. (فروح) بضم الراء بدل فتحها.
تراجم رجال إسناد حديث (سمعت النبي يقرؤها (فروح وريحان) )
قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هارون بن موسى النحوي عن بديل بن ميسرة ]. بديل بن ميسرة ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن شقيق ]. عبد الله بن شقيق العقيلي ، ثقة فيه نصب أخرج له البخاري الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. عندما يقال: (فيه تشيع) معناه أن عنده ميلاً إلى أهل البيت، والناصبة عندهم ميل إلى غيرهم، ومعلوم أن أهل البيت والصحابة تجب محبتهم كلهم وموالاتهم، وأن تكون منزلة الجميع في القلوب على أحسن حال، فهذه من الأشياء التي يغمز بها بعض الأشخاص، يقال: فيه تشيع، فيه نصب، رمي بالقدر بالإرجاء... إلى آخره. وشيخ الإسلام ابن تيمية ذكر في العقيدة الواسطية أن من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويذمونهم، ومن طريقة النواصب الذين يذكرون أهل البيت بما لا يليق بهم.
شرح حديث (سمعت النبي على المنبر يقرأ (ونادوا يا مالك) )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل و أحمد بن عبدة قالا: حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء قال ابن حنبل : لم أفهمه جيداً عن صفوان ، قال ابن عبدة: ابن يعلى ، عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر يقرأ: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ [الزخرف:77]). قال أبو داود : يعني: بلا ترخيم ]. أورد أبو داود حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: (( يَا مَالِكُ ))[الزخرف:77] بلا ترخيم)) أي: فيه الكاف، والترخيم أن تحذف منه الكاف ويضم ما قبلها فيقال: (يا مالُ) بدل (يا مالك)، واللفظ المرخم هو الذي يحذف منه آخر حرف، ثم يعطى الحرف الذي قبله الحركة التي له. كما لو قال: أعائش، بدل عائشة.
تراجم رجال إسناد حديث (سمعت النبي على المنبر يقرأ (ونادوا يا مالك) )
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و أحمد بن عبدة قالا: حدثنا سفيان ]. أحمد بن عبدة مر ذكره، وسفيان هو ابن عيينة . [ عن عمرو عن عطاء ]. عمرو بن دينار مر ذكره، وعطاء بن أبي رباح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال ابن حنبل : لم أفهمه جيداً عن صفوان ]. يعني: رواية عمرو عن عطاء لم يفهمها جيداً (عن صفوان)، ويعني: أن الإسناد اتصل عن عطاء . وصفوان بن يعلى ثقة أخرج له أصحاب الكتب. أي: أن رواية أحمد عن صفوان فقط ولم ينسبه، وأما أحمد بن عبدة الشيخ الثاني فقد نسبه، فقال: ابن يعلى . [ عن أبيه ]. يعلى بن أمية صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (أقرأني رسول الله (إني أنا الرزاق ذو القوة المتين) )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبو أحمد أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (أقرأني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إني أنا الرزاق ذو القوة المتين)) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني أنا الرزاق ذو القوة المتين ))، والقراءة التي بين أيدينا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:58]. وهذه من القراءات التي لا يتحملها الرسم؛ لأن الرسم أحياناً يتحمل القراءات، وأحياناً لا يتحملها كما هنا: ( إني أنا الرزاق ) والقراءة المشهورة عندنا فيها (إن الله)، والرسم لا يتحمل، إلا القراءة الثانية. وهي ليست من القراءات العشر المشهورة، والإسناد صحيح، ولكن القراءة غير متواترة أي أنها شاذة، لكن قد يأتي في القراءة المتواترة زيادة حرف، وكما أسلفت أن هذه مما لا يتحملها الرسم؛ لأن المصاحف وزعت، وبعضها فيه شيء يتحمله الرسم وشيء لا يتحمله الرسم، فليست القضية أنه لا يوجد في القراءات شيء لا يتحمله الرسم، بل يوجد ذلك مثل زيادة واو ونقص واو؛ وهذه لا يتحملها الرسم. و ابن مسعود له مصحف، ولكن بعد جمع القرآن على يد عثمان لم يكن بأيدي الناس إلا هذه المصاحف التي جمعها عثمان رضي الله عنه، ولكن هذه المصاحف منها ما يتحد في الرسم بالقراءات، ومنها ما يتفاوت في الرسم، مثل زيادة واو أو نقص واو؛ لأن هذه لا يتحملها الرسم، فتكون في أحد المصاحف، إذ بعض المصاحف فيها ما ليس في الآخر، وكلها صحيحة.
تراجم رجال إسناد حديث (أقرأني رسول الله (إني أنا الرزاق ذو القوة المتين) )
قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، اسم أبيه يوافق اسم جد أبيه، نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو أحمد ]. هو محمد بن عبد الله الزبيري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني مر ذكره. [ عن عبد الرحمن بن يزيد ]. عبد الرحمن بن يزيد النخعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (أن النبي كان يقرؤها (فهل من مدكر) ) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرؤها: فَهل مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:15] يعني: مثقلاً). قال أبو داود : مضمومة الميم مفتوحة الدال مكسورة الكاف ]. عن عبد الله بن مسعود أن النبي كان يقرؤها: (فهل من مدكر) في سورة القمر، يعني مضمومة الميم مكسورة الكاف مثقلة الدال، وهذه هي القراءة المشهورة. قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج ، وأبو داود في الإسناد السابق يروي عن شعبة وكان بينه وبينه ثلاثة، وهنا بينه وبينه واحد، أي أن حفص بن عمر و مسلم بن إبراهيم و قتيبة بن سعيد وأشخاصاً تكرر ذكرهم يدركون المتقدمين. [ عن أبي إسحاق عن الأسود ]. الأسود بن قيس النخعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. عبد الله مر ذكره.
شرح حديث (رأيت النبي يقرأ (أيحسب أن ماله أخلده) )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري حدثنا سفيان حدثني محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ: ( أيحسب أن ماله أخلده )) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: ( أيحسب أن ماله أخلده )) وقد سبق أن مر بنا آية مثلها فيها القراءتان في أول كتاب الحروف والقراءات، وهي: (لا تحسبَن) و (لا تحسبِن).
تراجم رجال إسناد حديث (رأيت النبي يقرأ (أيحسب أن ماله أخلده) )
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ، ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري]. عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا سفيان حدثني محمد بن المنكدر ]. سفيان هو الثوري ، ومحمد بن المنكدر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث قراءة رسول الله (فيومئذ لا يعذَّب عذابه أحد ولا يوثَق وثاقه أحد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن خالد عن أبي قلابة عمن أقرأه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فيومئذٍ لا يُعَذَّب عذابه أَحد * وَلا يوثَق وثاقه أَحد [الفجر:25-26]). قال أبو داود : بعضهم أدخل بين خالد وأبي قلابة رجلاً ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن أبي قلابة عمن أقرأه، يعني: أنه مجهول مبهم، وهو صحابي، ومعلوم أن جهالة الصحابة لا تؤثر. أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها: ( فيومئذ لا يعذَّب عذابه أحد ) ( ولا يوثَق وثاقه أحد )، وهذه إحدى القراءات، والقراءة المشهورة: لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:25-26].
تراجم رجال إسناد حديث قراءة رسول الله (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد...)
قوله: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن خالد ]. خالد هو خالد بن مهران الحذاء ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث قراءة (فيومئذ لا يعذَّب) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة قال: أنبأني من أقرأه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو من أقرأه من أقرأه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فيومئذ لا يعذَّب) ]. هذه رواية أخرى، ولكن فيها شك من خالد : هل الذي أقرأه صحابي هو الذي أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم، أو أقرأه من أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يحتمل أن يكون صحابياً وأن يكون غير صحابي؛ لأن الذي أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم صحابي ولا إشكال في هذا، والصحابي قد يقرئ صحابياً وقد يقرئ تابعياً. ولكن القراءة ثابتة، فهي من القراءات المتواترة. قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد بن حساب ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن زيد ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد الحذاء عن أبي قلابة قال: أنبأني من أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم أو من أقرأه من أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر من قرأ (يعذب) بكسر الذال
[قال أبو داود : قرأ عاصم و الأعمش و طلحة بن مصرف و أبو جعفر يزيد بن القعقاع و شيبة بن نصاح و نافع بن عبد الرحمن و عبد الله بن كثير الداري و أبو عمرو بن العلاء و حمزة الزيات و عبد الرحمن الأعرج و قتادة و الحسن البصري و مجاهد و حميد الأعرج و عبد الله بن عباس و عبد الرحمن بن أبي بكر : (لا يعذب ولا يوثق) إلا الحديث المرفوع فإنه: ( يعذَّب ) بالفتح ]. ثم ذكر أبو داود أن هؤلاء الستة عشر وفيهم أشخاص من الصحابة ومن بعد الصحابة قرءوا: ( لا يعذَّب ) إلا الحديث المرفوع: (يعذِّب)؛ ولكن القراءة الثانية ثابتة كما أشرت. بالمناسبة من كتب التفسير التي تعتني بذكر القراءات تفسير الشوكاني ، فهو مظنة البحث عن القراءات في كتب التفسير، أما ابن كثير وإن كان يأتي بالقراءات لكن ليس باستمرار، فمن يريد أن يجد قراءة ويريد أن يعرفها في المصحف وفي التفسير فليرجع إلى تفسير الشوكاني فإنه يذكر القراءة والقراء الذين قرءوا.
تراجم الذين قرءوا (يعذب) بكسر الذال
[ قال أبو داود : قرأ عاصم ]. عاصم هو ابن أبي النجود ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وروايته في الصحيحين مقرونة. [ و الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و طلحة بن مصرف ]. طلحة بن مصرف ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو جعفر يزيد بن القعقاع ]. أبو جعفر يزيد بن القعقاع ثقة أخرج له أبو داود ، وهذا أبو جعفر أحد القراء المشهورين، وهو من القراء الثلاثة الذين بعد السبعة، لأن هناك القراءات العشر المشهورة، والسبعة هم: نافع و عاصم و حمزة و أبو عمرو و الكسائي و ابن كثير و ابن عامر ، ثم بعدهم ثلاثة ومنهم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع وهو ثقة أخرج له أبو داود . [ و شيبة بن نصاح ]. شيبة بن نصاح ثقة أخرج له النسائي ، ولم يذكر أن أبا داود ممن خرج له؛ لأنه لم يذكره في الأسانيد. [ و نافع بن عبد الرحمن ]. نافع بن عبد الرحمن صدوق ثبت في القراءة، أخرج له ابن ماجة في التفسير. [ و عبد الله بن كثير الداري ]. عبد الله بن كثير الداري صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو عمرو بن العلاء ]. أبو عمرو بن العلاء ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود في القدر و ابن ماجة في التفسير. [ و حمزة الزيات و عبد الرحمن الأعرج ]. عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و الحسن البصري ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مجاهد ]. مجاهد بن جبر المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حميد الأعرج ]. حميد الأعرج هو حميد بن قيس ليس به بأس وهي بمعنى صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عبد الله بن عباس ]. عبد الله بن عباس صحابي مر ذكره. [ وعبد الرحمن بن أبي بكر ]. عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قرءوا: (لا يعذب ولا يوثق) ]. وهي القراءة المشهورة التي في المصحف الذي بين أيدينا. [ إلا الحديث المرفوع فإنه ( يعذب ) بالفتح ]. وهي أيضاً قراءة ثابتة، وقد ذُكِر هنا من القراء عاصم و نافع و حمزة و أبو عمرو بن العلاء و أبو جعفر يزيد بن القعقاع، و عبد الله بن كثير، وهم ستة، ويبقى أربعة وهم: الكسائي و ابن عامر وهما من السبعة، وذكر هنا من الثلاثة الذين بعد السبعة: يزيد بن القعقاع، وبقي منهم: يعقوب بن إسحاق و خلف بن هشام ، وهؤلاء جميعاً هم العشرة أصحاب القراءات المشهورة، وقراءاتهم اشتمل عليها كتاب النشر في القراءات العشر. وفي الحديث الذي سيأتي ذكر الحروف والمراد بها القراءات؛ لأن خلفاً هو أحد القراء قال: منذ أربعين سنة لم أرفع القلم عن كتابة الحروف، أي: أنه اشتغل بعلم القراءات، ولكن قال: ما أعياني شيء ما أعياني جبريل وميكائيل.
الأسئلة
القراءات في كلمة (فُزِّع)
السؤال: المعروف في القراءات: فُزِّعَ [سبأ:23] بالبناء للمجهول، والقراءة الأخرى: ( فَزَّع ) بالبناء للمعلوم، وهي قراءة ابن عامر و يعقوب ؟ الجواب: نعم بالتخفيف، وفي قراءة أخرى: ( فُرِغ )، وهي قراءة أبي هريرة ، كما نقل السيوطي في الدر المنثور، أما قراءة: فَزَّع فقد قرأ بها يعقوب و ابن عامر ، ويعقوب بن إسحاق هو من الثلاثة، و ابن عامر من السبعة.
ضعف الإسناد الذي فيه الشك
السؤال: ما درجة الحكم على هذا الإسناد الذي فيه شك: أنبأني من أقرأه النبي، أو من أقرأه من أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: لا شك أن هذا إسناد غير صحيح.
صحة حديث (وجنبوه السواد) وأحاديث الطاعون في عهد عمر
السؤال: هل الحديث الذي ورد في تجنيب الشعر الصبغة السوداء صحيح، وكذا الطاعون في عهد عمر ؟ الجواب: نعم حديث النهي عن الصبغ بالسواد صحيح. أما أحاديث الطاعون في عهد عمر فهي في صحيح البخاري .
ضعف الأحاديث المشتملة على الغرائب
السؤال: هذا منشور بعنوان: الحديث الشريف الذي جمع فأوعى، عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: (جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! جئتك أسألك عما يغنيني في الدنيا والآخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل عما بدا لك، قال: أريد أن أكون أعلم الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: اتق الله تكن أعلم الناس، قال: أريد أن أكون أغنى الناس، قال: كن قانعاً تكن أغنى الناس، قال: أحب أن أكون أعدل الناس، قال: أحب للناس ما تحب لنفسك تكن أعدل الناس) سرده ثم قال: قال الإمام المستغفري: ما رأيت أعظم وأشمل لمحاسن الدين وأنفع من هذا الحديث جمع فأوعى، ثم قال في ختامه: رواه الإمام أحمد بن حنبل . الجواب: يمكن أن يرجع إلى مسند الإمام أحمد في مسند خالد بن الوليد ويعرف ما درجته، لكن مثل هذه الأحاديث الطوال التي فيها ذكر أشياء غريبة لا تكون صحيحة في الغالب."