شرح حديث (كان رسول الله يقوم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار أوعد لها من الورق ويقومها على أثمان الإبل ...)
[ قال أبو داود : وجدت في كتابي عن شيبان ولم أسمعه منه، فحدثناه أبو بكر صاحب لنا ثقة قال: حدثنا شيبان حدثنا محمد -يعني ابن راشد عن سليمان -يعني ابن موسى - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوِّم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق، ويقومها على أثمان الإبل، فإذا غلت رفع في قيمتها، وإذا هاجت رخصاً نقص من قيمتها، وبلغت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين أربعمائة دينار إلى ثمانمائة دينار، وعدلها من الورق ثمانية آلاف درهم، وقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل البقر مائتي بقرة، ومن كان دية عقل في الشاء فألفي شاة، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن العقل ميراث بين ورثة القتيل على قرابتهم، فما فضل فللعصبة، قال: وقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأنف إذا جدع الدية كاملة، وإذا جدعت ثندوتة فنصف العقل، خمسون من الإبل أو عدلها من الذهب أو الورق، أو مائة بقرة، أو ألف شاة، وفي اليد إذا قطعت نصف العقل، وفي الرِّجل نصف العقل، وفي المأمومة ثلث العقل، ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث، أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاء، والجائفة مثل ذلك، وفي الأصابع في كل إصبع عشر من الإبل، وفي الأسنان في كل سن خمس من الإبل، وقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن عقل المرأة بين عصبتها، من كانوا لا يرثون منها شيئاً إلا ما فضل عن ورثتها، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها، وهم يقتلون قاتلهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ليس للقاتل شيء، وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه، ولا يرث القاتل شيئاً). قال محمد : هذا كله حدثني به سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. يقول أبو داود : [ وجدت في كتابي عن شيبان ولم أسمعه منه، فحدثناه أبو بكر صاحب لنا ثقة ]. يعني: ذكر أنه وجد في كتابه عن شيبان ، ولكنه لم يسمع منه، وإنما أخرجه عنه بواسطة، حدثه به صاحب له وصفه بأنه ثقة وهو أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأبلي ، ذكره في التقريب وقال عنه: صدوق. قوله: [ صاحب لنا ]. يعني: يحتمل أن يكون من شيوخه؛ لأنه قال في التقريب: أخرج له أبو داود ، لكن قال في عون المعبود: تلميذ له، ويمكن أن يكون زميلاً له وهو الأقرب؛ لأن الزملاء يثبت بعضهم بعضاً فيما غفل بعضهم عن أخذه من الشيخ، كما مر بنا في سنن أبي داود في مواضع عدة يقول: وثبتني فلان. قوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق) ]. يعني: أن الأصل في الدية هو الإبل، ولكن أهل القرى الذين ليس عندهم إبل وإنما عندهم نقود فكان يقومها عليهم بالذهب والفضة، وأربعمائة دينار وهذا هو الحد الأدنى، وقد تغلو وتصل إلى ثمانمائة دينار، وقد تنقص، فإذا زادت قيمة الإبل زادت القيمة وإذا نقصت نقصت القيمة، وكان الأمر دائراً بين أربعمائة وبين ثمانمائة دينار، وثمانمائة دينار تعادل ثمانية آلاف درهم. وقد يصير هناك فرق أحياناً بين الدراهم والذهب، إذ معلوم أنها تزيد وتنقص، كما جاء في الحديث: (فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) . قوله: [ (وقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل البقر مائتي بقرة) ]. يعني: وقضى على أهل البقر مائتي بقرة بدل مائة من الإبل. قوله: [ (ومن كان دية عقله في الشاء فألفي شاة) ]. يعني: أهل الشاء وأهل الغنم يصير عليهم ألفا شاة. قوله: (وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن العقل ميراث بين ورثة القتيل على قرابتهم، فما فضل فللعصبة) ]. العقل هو الدية، فإذا قتل قتيل وأخذت ديته فإنها ميراث بين الورثة على قدر ميراثهم، وإن بقي شيء فللعصبة لأولى رجل ذكر؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر). والعصبة هم يعقلون عنه إذا أخطأ، ولكنهم لا يرثون إلا ما فضل عن الفرائض المقدرة، وإن استوعبت الورثة فليس للعصبة شيء. والعصبة بالنفس كما هو معلوم هم الذين يحوزون المال إذا انفردوا، وإذا وجد أصحاب فروض أخذوا ما أبقت الفروض. قوله: [ (وقضى صلى الله عليه وآله وسلم في الأنف إذا جدع الدية كاملة) ]. يعني: الأنف يكون فيه الدية كاملة.
بيان ما فيه نصف الدية
قوله: [ (وإذا جدعت ثندوته فنصف العقل) ]. يعني: طرفه الذي هو أرنبته ففيه نصف العقل؛ لأن فيه التشويه. قوله: [ (خمسون من الإبل أو عدلها من الذهب أو الورق، أو مائة بقرة، أو ألف شاة)] هذه كلها فيها بيان لنصف الدية. قوله: (وفي اليد إذا قطعت نصف العقل) ]. يعني: كل يد فيها نصف الدية، سواء قطعت من الرسغ أو من المرفق أو من أي مكان. قوله: [ (وفي الرجل نصف العقل) ]. أي: وفي الرجل الواحدة نصف الدية.
بيان ما فيه ثلث الدية
قوله: [ (وفي المأمومة ثلث العقل، ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاء) ]. المأمومة: هي الشجة التي خرقت الرأس حتى وصلت إلى الغشاوة المحيطة بالدماغ، يعني: كسرت العظم وتجاوزته بحيث لم يبق سوى الغلاف الذي في داخله المخ، ففيها ثلث الدية. وهي ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث. قوله: [ (وثلث) ] يعني: أن فيها الكسر، وهذا يحسب بقيمة، لأن الكسر لا يجزأ وإنما تقدر قيمته. قوله: [ (والجائفة مثل ذلك) ]. الجائفة: هي الطعنة التي تصل إلى الجوف، فإنها مثل المأمومة فيها ثلث الدية. قوله: [ (وفي الأصابع في كل إصبع عشر من الإبل، وفي الأسنان في كل سن خمس من الإبل) ]. وهذا تكرر في الأحاديث السابقة.
بيان من يتحمل عقل المرأة إن هي قتلت شخصاً خطأً
قوله: [ (وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة بين عصبتها، من كانوا لا يرثون منها شيئاً إلا ما فضل عن ورثتها) ]. يعني: نص على المرأة؛ لئلا يتوهم أنها تختلف عن الرجل، بل هي كالرجل، أي: أنها لو قتلت خطأً فإن عصبتها هم العاقلة الذين يعقلون عنها ويتحملون جنايتها عن طريق الخطأ، كما أنهم يتحملون جناية الرجل لو حصلت منه جناية خطأً أو حصل منه قتل خطأً، والعاقلة هم العصبة. وهنا نص على المرأة لئلا يفهم أنها ليست كالرجل، وأنها تكون مثل العبد الذي تتعلق جنايته في رقبته، فبين أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وأن حكم المرأة في هذا كحكم الرجل، فالعصبة هم الذين يعقلون عنها وليس لهم من الميراث شيء إلا إن فضل شيء أو لم يكن لها وارث سوى العصبة، فإن أقرب قريب للعصبة هو الذي يحوز المال.
بيان من يأخذ عقل المرأة إن هي قتلت خطأً أو عمداً
قوله: [ (وإن قتلت، فعقلها بين ورثتها) ]. هناك القتل منها هي التي قتلت، فعاقلتها هم الذين يتحملون الدية كما أن عاقلة الرجل هم الذين يتحملون الدية، وهنا إذا قُتلت هي خطأً وأخذت الدية عنها، أو كان عمداً وتنوزل إلى الدية، فإن الدية هذه ميراث للورثة، فيأخذ أصحاب الفروض فروضهم، وما بقي يكون لأقرب قريب من العصبة؛ لأن الدية هي من جملة المال، وحكمها حكم المال، فتضاف إلى المال وتقسم كما يقسم المال. قوله: (وهم يقتلون قاتلهم) ]. يعني: إذا كان القتل عمداً فإنهم هم الذين يقتلون قاتل المرأة إذا أرادوا، وإذا تنازلوا أخذوا الدية وصارت الدية لهم. فإذاً: الذين لهم حق الميراث هم الذين لهم حق الأخذ بالقصاص، وليس كل من يكون من القبيلة أو من الأقارب وهو غير وارث يكون له حق الاعتراض على القصاص أو التنازل، وإنما الذي من حقه التنازل أو عدمه هو الذي له ميراث، فإذا تنازل واحد منهم فإنه لا يكون القصاص.
حكم من يقتل قريباً له خطأً أو عمداً
قوله: [ (وقال صلى الله عليه وسلم: ليس للقاتل شيءٌ) ]. يعني: أن من قتل قريباً له سواء كان عمداً أو خطأً، فإنه لا ميراث له من الميراث، وإنما يرثه غير القاتل من ورثته؛ لأن القتل من موانع الإرث، كما يقول الرحبي : ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين قوله: [ (وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه، ولا يرث القاتل شيئاً) ]. يعني: إن لم يكن له وارث من أصحاب الفروض ومن الأقارب، فإن أقرب قريب يرثه، أما القاتل فليس له شيء. قوله: [ قال محمد : هذا كله حدثني به سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. ومحمد هذا هو محمد بن راشد.
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يقوم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق على أثمان الإبل...)
[ قال أبو داود : وجدت في كتابي عن شيبان ، ولم أسمعه منه. فحدثناه أبو بكر صاحب لنا ثقة قال: حدثنا شيبان ]. أبو بكر هو أحمد بن محمد بن إبراهيم، وهو صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا شيبان ]. هو شيبان بن فروخ، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا محمد -يعني ابن راشد- ]. محمد بن راشد صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [ عن سليمان -يعني ابن موسى- ]. سليمان بن موسى صدوق في حديثه بعض اللين، أخرج له مسلم في المقدمة وأصحاب السنن . [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. عمرو بن شعيب وأبوه وجده قد مر ذكرهم. [ قال أبو داود : محمد بن راشد من أهل دمشق هرب إلى البصرة من القتل ]. هذا تعريف به، وبيان شيء من أخباره أنه كان من أهل دمشق فهرب إلى البصرة خوفاً من القتل.
شرح حديث (عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن بكار بن بلال العاملي أخبرنا محمد -يعني ابن راشد -عن سليمان -يعني ابن موسى - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه). قال: وزادنا خليل عن ابن راشد: (وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس، فتكون دماء في عميا في غير ضغينة ولا حمل سلاح) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد). يعني: يفيد بأن العقل في العمد وشبه العمد واحد، ولكن العمد إذا لم يوافق أولياء القتيل على أن يأخذوه وأصروا على القصاص إلا أن يعطوا أكثر من الدية فإن لهم ذلك، ولكن إن أرادوا أن يقتصروا على الدية فالدية هي مثل دية شبه العمد، إلا أن هناك فرقاً بين شبه العمد والعمد، وهي أن العمد يقتص فيه من القاتل، وشبه العمد لا يقتص منه، وليس فيه إلا الدية، وهي مغلظة، والخطأ فيه الدية التي دون ذلك. قوله: [ (ولا يقتل صاحبه) ] يعني: لا يقتل صاحب شبه العمد، وإنما عليه الدية. قوله: [ قال: وزادنا خليل عن ابن راشد: (وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس) ]. يعني: هذا مثال لشبه العمد، وهو أن الشيطان ينزو بين الناس ويحدث بينهم مشكلة أو فتنة من غير أن يكون هناك ضغينة، ومن غير أن تكون هناك أسباب سابقة، وإنما تحصل فتنة فيلتحم بعضهم ببعض ويضرب بعضهم بعضاً بشيء لا يقتل في الغالب، ولكنه أدى إلى القتل، بخلاف الخطأ فإنه أراد أن يصيب شيئاً فطاش السهم وأصاب إنساناً، فهذا خطأ؛ لأنه ما أراد قتله ولم يفكر في قتله. وأما شبه العمد فهو مقصود، ولكنه بشيء لا يقتل غالباً. قوله: [ (فتكون دماءٌ في عميَّا) ]. يعني: يختلط بعضهم ببعض ويضرب بعضهم بعضاً فيحصل قتل، مثل ما مر بنا في الحديث السابق: (في عيما ورميا). قوله: [ (في غير ضغينة ولا حمل السلاح) ]. يعني: ما كان هناك حمل سلاح، ولا كانت هناك عداوة سابقة بينهم تدفعهم إلى أن يتقاتلوا، وإنما حصلت فتنه فالتحم بعضهم ببعض.
تراجم رجال إسناد حديث (عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه...)
قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. محمد بن يحيى بن فارس ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن بكار بن بلال العاملي ]. محمد بن بكار بن بلال العاملي صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي. [ أخبرنا محمد -يعني ابن راشد- عن سليمان -يعني ابن موسى- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. قد مر ذكرهم جميعاً.
شرح حديث ( في المواضح خمس )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين أن خالد بن الحارث حدثهم أخبرنا حسين -يعني المعلم - عن عمرو بن شعيب أن أباه أخبره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (في المواضح خمس) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (في المواضح خمسٌ) ] المواضح: جمع موضحة، والموضحة: هي الشجة التي تخرق الجلد واللحم وتصل إلى العظم، فيصير ظاهراً وواضحاً. وإذا كانت موضحة واحدة ففيها خمس، أما إذا كانت في عدة أماكن، فإن كل موضحة فيها خمس.
تراجم رجال إسناد حديث ( في المواضح خمس )
قوله: [ حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين ]. أبو كامل فضيل بن حسين ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي. [ أن خالد بن الحارث ]. خالد بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا حسين -يعني المعلم- عن عمرو بن شعيب أن أباه أخبره عن عبد الله بن عمرو ] . قد مر ذكرهم جميعاً. وهنا قال: [ عن عمرو بن شعيب أن أباه أخبره عن عبد الله بن عمرو ] هذا يبين أن شعيباً يروي عن جده عبد الله بن عمرو؛ لأن كثيراً من الروايات عن أبيه عن جده، وهي محتملة لأن يكون شعيب يروي عن أبيه محمد، وإذا كان هذا فيكون مرسلاً؛ لأن محمداً ليس بصحابي، ولكنه قد صح سماع شعيب بن محمد من جده عبد الله بن عمرو فصار متصلاً؛ ولهذا يقولون: إذا كان الإسناد إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مستقيماً فإنه يقال له: حسن؛ لأن عمراً صدوق، وأبوه شعيب صدوق. والحافظ يقول: قد صح سماعه من جده عبد الله بن عمرو .
شرح حديث ( قضى رسول الله في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد السلمي حدثنا مروان -يعني ابن محمد - حدثنا الهيثم بن حميد حدثني العلاء بن الحارث حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو : (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية) لأن العين فيها بصر وفيها جمال، وهنا البصر قد ذهب ولكن الجمال موجود، فإذا فقأها شخص، فإنه يكون فيها ثلث الدية؛ لأن العين موجودة على هيئتها وجمالها، وإنما البصر غير موجود، فهي ليست ناتئة بأن تكون بارزة، ولا غائرة بحيث أنها ليست موجودة، وإنما هي قائمة سادة لمكانها، فيكون فيها ثلث الدية.
تراجم رجال إسناد حديث ( قضى رسول الله في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية )
قوله: [ حدثنا محمود بن خالد السلمي ]. هو محمود بن خالد السلمي الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ حدثنا مروان -يعني ابن محمد- ]. مروان بن محمد ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا الهيثم بن حميد ]. الهيثم بن حميد صدوق، أخرج له أصحاب السنن . [ حدثني العلاء بن الحارث ]. العلاء بن الحارث صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. عمرو بن شعيب وأبوه وجده مر ذكرهم جميعاً.
الأسئلة
الرد على القاضي عياض والنووي في وصفهما لمن فر يوم حنين بالغثاء
السؤال: يقول القاضي عياض في إكمال المعلم في الجزء السادس صفحة (130) في قصة غزوة حنين عند حديث البراء رضي الله عنه: (لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسراً ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح) قال القاضي : والأخفاء هنا المسارعون المستعجلون. وروى أبو إسحاق الحربي و أبو عبيد الهروي هذا الحرف: (فانطلق جفاء من الناس) بجيم مضمومة وتخفيف الفاء، قال: القتبي و الهروي : أي: سرعانهم شبههم بجفاء السيل. قال القاضي : إن صحت هذه الرواية فإنما معناها ما تقدم من خروج من خرج معهم من أهل مكة، ومن انضاف إليهم ممن لم يستعد للقتال، وإنما خرج للغنيمة من النساء والصبيان والضعفاء ومن مرض من مُسلمة الفتح، فهؤلاء شبه جفاء السيل الذي لا ينتفع به، ويرميه بجانبيه، وهو الغثاء أيضاً. ومثله قاله الإمام النووي رحمه الله فهل قوله: وهو الغثاء يعتبر سباً للصحابة؟! وإذا قلنا: إنه يعتبر سباً فهل نقول عن هذين الإمامين القاضي عياض و النووي مع أشعريتهما أنهما رافضيان كذلك؟ الجواب: كونه يعبر بهذا التعبير لا يصلح، وإنما الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ينبغي أن يذكروا بالجميل، ولا يذكروا بشيء لا يليق؛ لأن وصفهم بالغثاء غير طيب، ولا يليق أن يوصفوا به، ومعلوم أن الصحابة متفاوتون، وأن فيهم من هو حديث العهد بالإسلام، لكن لا يقال فيهم إلا ما هو جميل، ولا يذكرون إلا بكل حسن. لكن لا يقال عن هذين الإمامين عياض و النووي: إنهما رافضيان، لكن يقال: إنه تعبير خطأ نسأل الله تعالى أن يعفو عنهما، لكن يوجه الحديث: (خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسراً) على أن الخفيف هو الذي ليس معه سلاح ولا معه ثقل، وإنما جاء ليحصل على غنيمة، ولكن كما هو معلوم حصل الانهزام، والرسول صلى الله عليه وسلم ثبت وثبت معه عمه العباس ، وكذلك ابن عمه أبو سفيان بن الحارث ، وأمر العباس أن ينادي وكان جهوري الصوت، فانعطف الناس مرة ثانية، وعادوا بعدما حصل ذلك الانهزام، وكان النصر بعد ذلك للمسلمين.
ذكر ما في بردة البوصيري من حسن وسيئ، والفرق بين صاحب البردة وصاحب الزوائد
السؤال: هل البوصيري صاحب الزوائد على سنن ابن ماجة هو صاحب البردة؟ الجواب: صاحب الزوائد محدث، وأما ذاك فليس بمحدث، وصاحب البردة توفي سنة (694هـ) وصاحب الزوائد توفي سنة (840هـ). والبوصيري صاحب البردة عنده كلام في البردة جميل، وعنده كلام سيئ للغاية، ومن الكلام الجميل فيها أنه كان يمدح الصحابة في ثباتهم وعلو شأنهم، وتمكنهم في الحرب وركوب الخيل، قال: كأنهم في ظهور الخيل نبت ربى من شدة الحَزْم لا من شدة الحُزُمِ يعني: مثل الشجرة التي فوق جبل، أو فوق مكان مرتفع فهي ثابتة على ذلك المكان الذي هي فيه، فالصحابة على الخيل كهذه الشجرة التي فوق المكان الرابي. وكذلك قوله: والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم ويقول أيضاً: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم ومن الكلام السيئ قوله: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم هذا كلام سيئ فيه غلو ومجاوزة للحد؛ لأنه جعل علم اللوح والقلم من علمه صلى الله عليه وسلم، وهو لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وليس كل غيب أطلع الله تعالى نبيه عليه. وسبق أنني أشرت إلى هذا في صحيح البخاري عند حديث: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) وذكرت ما اشتمل عليه كلامه من الغلو والإطراء، وأن هذا لا يسوغ ولا يجوز، فلو قال يخاطب ربه: يا خالق الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم لكان كلامه صواباً، ولكن كونه يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم فهذا هو الباطل."