عرض مشاركة واحدة
  #852  
قديم 03-07-2025, 09:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [517]
الحلقة (547)





شرح سنن أبي داود [517]

إن من أعظم النعم على المسلم بعد الإيمان أن يوفق إلى التمسك بالسنة، فإن ذلك نجاة له من الفتن والمحن، ونجاة من الأهواء والمحدثات، وصدق من قال: إن من نعمة الله على المحدث أن يوفقه إلى صاحب سنة. ومن أعظم الناس تمسكاً بالسنة هم سلف الأمة الصالح، وصدرها الأول، فلتتبع آثارهم، ويهتدى بهديهم، فإن ظريقتهم أعلم وأسلم وأحكم.

تابع لزوم السنة


شرح أثر عمر بن عبد العزيز الطويل في التمسك بالسنة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، ح وحدثنا الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا أسد بن موسى حدثنا حماد بن دليل سمعت سفيان الثوري يحدثنا عن النضر ح وحدثنا هناد بن السري عن قبيصة حدثنا أبو رجاء عن أبي الصلت ، وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم، قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: (أما بعد، أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة فإنها لك -بإذن الله- عصمة، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها -ولم يقل ابن كثير من قد علم- من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم إنما حدث بعدهم، ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر، فعلى الخبير -بإذن الله- وقعت، ما أعلم ما أحدث الناس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة هي أبين أثراً، ولا أثبت أمراً من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء، يتكلمون به في كلامهم وفي شعرهم، يعزون به أنفسهم على ما فاتهم، ثم لم يزده الإسلام بعد إلا شدة، ولقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون فتكلموا به في حياته وبعد وفاته، يقيناً وتسليماً لربهم، وتضعيفاً لأنفسهم أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وإنه مع ذلك لفي محكم كتابه، منه اقتبسوه، ومنه تعلموه، ولئن قلتم لم أنزل الله آية كذا؟ ولم قال كذا؟ لقد قرءوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأوليه ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك: كله بكتاب وقدر، وكتبت الشقاوة، وما يقدر يكن، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً، ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا) ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وذلك أنه سئل عن القدر، فأجاب عنه بهذا الجواب الواسع، فقال في أوله: [ كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر فكتب: أما بعد، أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ]. وهذا فيه الرجوع إلى أهل العلم، وسؤالهم عن أمور الدين، سواء كان ذلك في الأصول أو الفروع، فهذا الرجل كتب يسأل عن القدر، فأجابه عمر رضي الله عنه بهذا الجواب، وقد أوضح فيه ما يتعلق بهذا الموضوع الذي سأله عنه، وزاده تثبيتاً وإيضاحاً بقوله: (على الخبير وقعت) أي: أنك سألت من عنده علم بهذا الذي سألت عنه؛ ليطمئن إلى الجواب، وليكون على هذا النهج والطريق الصحيح الذي كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة، ومن سار على منوالهم، ثم إنه أوصاه في البداية بأربع جمل، فقال: (أوصيك بتقوى الله)، وتقوى الله عز وجل هي سبب كل خير وصلاح وفلاح وسعادة في الدنيا والآخرة، وتقوى الله عز وجل هي: طاعته، وهي: أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب الله وقاية تقيه منه، وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
موافقة عقيدة السلف الصالح وما كانوا عليه للفطرة السليمة


هذا الأثر الطويل هو عن تابعي، وهو عمر بن عبد العزيز الخليفة الإمام المشهور الذي كان على رأس المائة، وقد ولي الخلافة لمدة سنتين، وتوفي وعمره أربعون سنة -رحمة الله عليه- وكان إماماً فقيهاً محدثاً، وقد جاءت عنه نقول كثيرة في بيان السنة، وفي التحذير من البدع والأهواء، ومن ذلك هذا الأثر الطويل الذي ساقه المصنف هنا، وقد جاء عنه أثر آخر مشهور وهو أن رجلاً سأله عن شيء من الأهواء، فقال له: (الزم دين الصبي والأعرابي، والْهُ عما سوى ذلك) أي: خذ بما هو باقٍ على الفطرة، وهو الذي عليه العوام والصبيان والأعراب الذين لم تتلوث أفكارهم بشيء من الأهواء، فهم ما زالوا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهذا كما كشأن الجارية التي سألها رسول الله صلى الله عليه فقال لها: (أين الله؟ فأشارت إلى السماء، وسألها عن نفسه، فأشارت إلى أنه رسول الله -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه)، فعقيدة أهل السنة والجماعة مطابقة للفطرة، وعقائد المتكلمين خارجة عن الفطرة، ولهذا فإن العوام على عقيدة سليمة، وأما الذين تعلموا في المؤسسات العلمية التي تنهج مناهج مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة فقد انحرفوا عن الجادة بسبب ذلك، ولهذا قال عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه كما جاء في (طبقات ابن سعد ): (إلزم دين الصبي والأعرابي)، أي: الزم الشيء الذي كان عليه الصبيان والأعراب، وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فصر إليه ولا تصر إلى شيء يخالفه، وهذا الذي قاله عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه قد جاء عن بعض المتكلمين الذين ابتلوا بعلم الكلام، ومنهم الرازي، فإنه كان من المتمكنين في علم الكلام، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته في (لسان الميزان) نقلاً عن بعض أهل العلم عنه أنه كان يقول مع تبحره في علم الكلام: الفائز من كان على عقيدة العجائز، يعني: على الفطرة. إن كثير ممن ابتلوا بعلم الكلام ندموا على ذلك، وأظهروا الندم والحسرة، وفيهم من ذم علم الكلام كما حصل من الغزالي في كتابه: ( الإحياء) فإنه ذمه ذماً بليغاً، ونقل ذلك عنه في (شرح الطحاوية) وقال: كلامُ مثله في ذلك حجة بالغة؛ لأنه تكلم فيه عن علم، فقد كان متمكناً فيه، وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14]، وقد ذمه ذماً بليغاً وعظيماً. إذاً: فعقيدة العوام والأعراب والصبيان عقيدة مبنية على الفطرة، فلم تتلوث بأفكارٍ خارجة عن الفطرة جاءت نتيجةً للتعلم، أو بسبب الأخذِ عن أهل البدع والأهواء.
الأمر بتقوى الله تعالى والاقتصاد في أمره


وقد أورد أبو داود رحمه الله هذا الأثر الطويل عن عمر بن عبد العزيز وقد سأله رجل عن القدر، فكتب إليه، وأوضح وبين له الجواب، وأتى قبل الإجابة على السؤال بتمهيد بيّن أموراً عامة تتعلق بالعقيدة، وبيّن المسلك الذي ينبغي على الإنسان أن يسلكه، فأوصاه أولاً بتقوى الله، وتقوى الله عز وجل هي وصية الله للأولين والآخرين، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131] وتقوى الله عز وجل هي سبب كل خير، وهي سبب كل صلاح وفلاح في الدنيا والآخرة، وهي: أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب الله وقاية تقيه منه، وذلك بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، والتصديق بالأخبار، فهذا هو المعنى الشرعي للتقوى، وأما المعنى اللغوي للتقوى فهو: أن يجعل الإنسان بينه وبين الشيء الذي يخافه وقاية تقيه منه، وهذا المعنى أعم من المعنى الشرعي، والمعاني الشرعية في الغالب هي جزء من المعاني اللغوية، فتجد المعنى اللغوي عاماً والمعنى الشرعي خاصاً، وذلك مثل الحج، فإنه في اللغة: القصد، وفي الشرع قصد خاص، وهو: قصد مكة لأداء مناسك مخصوصة، فهو إذاً جزء من جزئيات المعنى اللغوي وكذلك العمرة، فإن معناها لغة: الزيارة، وهذا معنى عام، وأما في الشرع: فهي زيارة البيت للطواف فيه، والسعي بين الصفا والمروة، وكذلك الصوم، فهو لغة: الإمساك، فيشمل الإمساك عن الكلام، والإمساك عن الأكل والشرب، فكل ذلك يقال له صوم في اللغة، وأما في الشرع: فهو إمساك مخصوص، أي: الإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات، وذلك من طلوع الشمس إلى غروبها، وعلى هذا فإن تقوى الله عز وجل معناها لغة: أن يجعل الإنسان بينه وبين ما يخافه وقاية تقيه منه، فإنه إذا خاف التأثر من الرمضاء والشوك والحجارة يجعل وقاية بلبس النعال والخفاف، وكذلك إذا تأذى من البرد فإنه يلبس الألبسة الثقيلة التي تقيه شدة البرد،.. وهكذا، وأما في الشرع فكما ذكرنا سابقاً. وكان أول شيء أوصى به ذلك الرجل هو تقوى الله، وهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يوصي بها كثيراً، فكان إذا أمَّر أميراً على جيش أوصاه بتقوى الله، وأوصاه بمن معه من المسلمين خيراً، كما جاء في حديث بريدة بن الحصيب الطويل الذي اشتمل على وصايا عديدة تتعلق بالجهاد والغزو في سبيل الله، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)، فتقوى الله عز وجل هي وصية الله للأولين والآخرين، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بها، وهي معنى جامع لكل خير، فهي تشتمل على فعل المأمورات، وترك المحذورات. ثم أوصاه بعد ذلك بالاقتصاد فقال: (والاقتصاد في أمره) يعني: فيما يأمر الله تعالى به، فالإنسان يقتصد ويتوسط، فلا يكون مشدداً على نفسه، ولا مكثراً من الشيء حتى يمل منه ويفتر، ولا أن يكون مقصراً بحيث يكون مهملاً، ولكن عليه أن يأتي بالأشياء المشروعة، فيأتي بما هو واجب، ويحرص على أن يأتي بالأمور المستحبة، ويداوم على ذلك، وكما يقولون: قليلٌ تداوم عليه خير من كثير تنقطع عنه، وذلك أن الإنسان إذا داوم على الشيء -ولو كان قليلاً- فإنه يكون دائماً على صلة بالله، وذلك بالإتيان بالعبادة الواجبة، والتقرب إلى الله بالنوافل ولو كانت قليلة، وإذا داوم على ذلك فإنه في أي وقت يأتيه الموت يكون على حالة طيبة، وأما إذا كان يجتهد في بعض الأحيان ثم يهمل فقد يأتيه الموت في حال الإهمال، ولهذا جاء عن بعض العلماء أنه قيل له: إن أناساً يجتهدون في رمضان فإذا خرج تركوا، فقال: فبئس القوم هم، لا يعرفون الله إلا في رمضان.
اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وترك البدع والمحدثات


قوله: [ واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ]، ومعلوم أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمعنى العام -كما مر في أول (كتاب السنة)- هي كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن رغب عن سنتي فليس مني)، فسنته هنا: ما جاء به من الكتاب والسنة، والتزام سنته يكون باتّباع كل ما جاء به عليه الصلاة والسلام من الوحي كتاباً وسنة، فمن فعل ذلك فهو سائر على منهاج النبوة، وهو سالك طريقة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الوصية الثالثة. ومعنى اتباع السنة: أن يعرف السنة ويعمل بها، فيكون بذلك متبعاً لا مبتدعاً. والوصية الرابعة -وهي تقابل اتباع السنة- وهي النهي عن اتباع المحدثات والأخذ بها، فعلى المسلم أن يترك ما أحدثه الناس في دين الله، وليكن متبعاً للسنة تاركاً للبدعة، وهاتان الوصيتان قد جاءتا في حديث العرباض بن سارية حيث قال: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)، ثم أرشد إلى اتباع السنة بقوله: (فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، فأمر باتباع السنة، وحذر من الوقوع في البدعة، ففيهما ترغيب في السنن، وتحذير من البدع، فقوله: (فعليكم بسنتي) ترغيب، وقوله: (وإياكم ومحدثات الأمور) ترهيب، وقد مر حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه مشروحاً قريباً في الباب الذي قبل هذا. قوله: [ وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته ] أي: بعد أن جاءت الشريعة واكتملت، وثبتت السنة واستقرت، فلا يضاف إليها شيء؛ لأنها شريعة كاملة لا تحتاج إلى إضافات، فهي في غاية التمام والكمال، وكل ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم قد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، فالواجب هو الاتباع وترك الابتداع. قوله: [ بعد ما جرت به سنته ] أي: بعدما جاءت السنة واستقرت وعرفت، فإن إحداث شيء بعدها يُعدُّ من البدع، ويعدّ من محدثات الأمور؛ ولهذا فإن إضافة شيءٍ إلى شريعة الله عز وجل وإلحاقه وإلصاقه بها ولم يشرعه الله يُعدُّ اتهاماً للشريعة بالنقصان، وأنها تحتاج إلى تكميل، وقد جاء عن مالك بن أنس رحمة الله عليه أثر عظيم ذكره الشاطبي في كتاب (الاعتصام) قال: (من قال: إن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، ثم قال: ما لم يكن ديناً يومئذ فإنه لا يكون اليوم ديناً) يعني: أن ما لم يكن ديناً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه لا يكون ديناً بعد ذلك، ومعنى ذلك: أن الإنسان عندما يأتي بشيءٍ لم يشرعه الله تعالى فيضيفه إلى الشريعة، فكأنه يزعم بلسان حاله أن الشريعة ناقصة تحتاج إلى تكميل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الرسالة كاملة، والحق أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا وقد بلغ كل شيءٍ أُمر بتبليغه، وقد ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه أثراً عن الزهري أنه قال: (من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم) فقوله: (من الله الرسالة) فقد حصل ذلك، وقد أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب (وعلى الرسول البلاغ)، وقد حصل ذلك أيضاً على التمام والكمال (وعلينا التسليم)، وهنا ينقسم الناس إلى موفق ومخذول، فمنهم من يسلِّم فيسلم، ومنهم من لا يحصل منه التسليم فيحصل له الانحراف والإعراض عن الجادة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالحاصل أن الشريعة قد استقرت وليس هناك شيءٌ يضاف إليها بعدما أكملها الله عز وجل؛ ولهذا جاء عن الحسن البصري رحمة الله عليه في تفسير قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:67] أنه قال مشيراً إلى مذهب الجهمية الذي أحدثه الجعد بن درهم ، (لو كان ما يقوله الجعد حقاً لبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى أمره بالتبليغ)، فكيف يكون حقاً ولم يبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم؟! إذاً فهو باطل، وهو من محدثات الأمور، وهو داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي) وليس هذا من سنته، وإنما هو خارج عن سنته، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئاً يقرب إلى الله عز وجل إلا ودل عليه، ولم يترك شيئاً يباعد من الله عز وجل إلا حذر منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فهذه هي الوصايا الأربع النفيسة التي افتتح بها عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه إجابته لهذا الرجل الذي سأله عن القدر، ومهد له بهذا التمهيد، وأتى بهذه الأمور العامة التي عليه أن يأخذ وأن يتقيد بها؛ لأنها مدخل للقدر وغير القدر، فكل ذلك لابد أن ينبني على السنة، وأن يجتنب ما أحدث المحدثون، وابتدعه المبتدعون. قوله: [ واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته، وكفوا مؤنته ] أي: بما أنزل الله عز وجل من الحق والهدى على رسوله، واتبعه على ذلك أصحابه، فالواجب أن يسار على منوالهم، وأن يسلك مسلكهم، ولا يُخرج عن هذا الطريق المستقيم الذي جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد كفوا تلك الأمور المحدثة بما أنزله الله عز وجل من الوحي، وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنن، فليسوا بحاجة إلى أن يأتوا بأشياء خارجة عن ذلك، ولا يجوز لأحد أن يضيف إليها شيئاً ليس منها، وإن حصل شيء من ذلك فإنه مردود على صاحبه كما جاء في الحديث المتفق على صحته عن أم المؤمنين عائشة وقد مر قريباً: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد). وقد عرفنا أيضاً أن العمل المقبول عند الله تعالى لا ينفع صاحبه إلا إذا توافر فيه أمران: الأول: أن يكون خالصاً لوجه الله، والثاني: أن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا اختل أحد هذين الشرطين فإن العمل يكون مردوداً على صاحبه.

التمسك بالسنة عصمة من الزيغ والضلال


قوله: [ فعليك بلزوم السنة ] أي: اتبع السنن، واحذر البدع، واسلك المسلك القويم، وسر على الصراط المستقيم الذي جاء به الرسول الكريم عليه أتم الصلاة وأزكى التسليم، وهو الذي كان عليه أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فإنهم السباقون إلى كل خير، والحريصون عليه، ولتحذر من الأهواء والبدع التي أحدثت بعدهم، فإنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يقال: إن شيئاً من الأهواء والبدع المحدثة التي جاءت بعد الصحابة أو في زمنهم ولم يكونوا عليها إنها حق، بل هي باطل، والحق هو ما كان عليه أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولو كانت تلك الأهواء التي ابتدعها من ابتدعها حقاً لبلغها الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الحسن البصري ، ولو كانت حقاً لسبق إليها السابقون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أحسنوا في أعمالهم، وتقيدوا بسنة الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد سلم من تلك الأهواء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابتلي بها من بعدهم، فلا يمكن أن يقال بحال من الأحوال: إنه حق حجب عن الصحابة وحيل بينهم وبينه، وادخر لأناس يجيئون بعدهم، فهذا لا يصح أن يقال، ولا يصح أن يفكر فيه. قوله: [ فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة ] أي: عصمة من الزلل، وعصمة من الضلال؛ لأنها حق جاء من عند الله الذي هو بكل شيء عليم، ولم تأت من عند البشر، فالواجب اتباع السنن التي جاءت من عند الله، والتي أنزلها الله وحياً على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فإن العصمة فيها؛ لأن العصمة إنما تكون فيما جاء عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، وليست في كلام غير المعصوم، فغيره -عليه الصلاة والسلام- يخطئ ويصيب، وأما هو فهو معصوم فيما يبلغ عن الله، وكل ما يأتي به فهو حق، ومن أخذ به أخذ بما فيه من العصمة، ومن حاد عنه فإنه يقع في الأمور المنكرة والأمور المحدثة. قوله: [ ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها ] أي: قد مضى في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبِّين أنها ليست حقاً -أي هذه البدعة-؛ لأنها مخالفة لما جاء في الكتاب والسنة، فهي خارجة عن الجادة، وليست على الصراط المستقيم، كما قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] فالدين قد كمل، والشريعة قد استقرت، ولهذا فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لما صلى بالناس في شهر رمضان بعض الصلوات جماعة ترك الصلاة بهم بعد ذلك خشية أن يفرض عليهم قيام رمضان، لأن الزمن زمن تشريع، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقرت الشريعة، وانقطع الوحي، وليس هناك مجال لفرض شيء، وعُلم بأن هذا الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم هو سنة ومستحب، فعند ذلك جمع عمر رضي الله عنه وأرضاه الناس إلى قيام الليل وصلاة التراويح في رمضان، فالذي خشي منه الرسول صلى الله عليه وسلم هو أن يفرض عليهم، أما وقد استقرت الشريعة، فليس هناك تشريع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فعمر رضي الله عنه أعاد الناس إلى ما كانوا عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها -ولم يقل ابن كثير: من قد علم- من الخطأ والزلل والحمق والتعمق ]، لقد جاءت السنة من عند الله، فهو الذي سنها وشرعها وأوحاها إلى رسوله صلى الله علي وسلم، فهو يعلم ما في خلافها من الخطأ، وما في خلافها من الضلال، والحمق والتكلف، وعلى هذا فالسنة فيها العصمة كما مر في قوله: (عليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة)، والذي سنها وأنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم هو الله سبحانه وتعالى، وهو يعلم ما في خلافها مما يحدثه الناس من الحمق، ومن التكلف، ومن الخطأ والزلل والضلال. إذاً: فالسنة سليمة من كل ضرر، وغيرها مما هو على خلافها كله ضرر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وهذا فيه بيان عظم شأن الشريعة وشأن السنن، وأنها من عند الله، وأن الذي شرعها هو بكل شيء عليم، وهو يعلم ما في خلافها من الضرر، وما فيها من الخير؛ ولهذا فإن لزومها فيه السعادة والسلامة، والخروج عنها إلى محدثات الأمور وإلى البدع المحدثة فيه الصفات الذميمة التي أشار إلى شيءٍ منها في قوله: (يعلم ما في خلافها من الحمق، والخطأ، والتعمق) أي: التكلف.

الرضا بما كان عليه السلف الأولون


قوله: [ فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم ]، القوم هنا هم: الصحابة، فلا تشذ عنهم، ولا تخرج عن طريقهم، ولا تتصور أن ما أنت عليه من الباطل حق ظفرت به، وأنه حُجب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يظفروا به، فمعاذ الله أن يكون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حيل بينهم وبين الحق، وأن يكون قد ادُّخر لأناس يجيئون من بعدهم؛ ولهذا فإن الخير كل الخير، والسعادة كل السعادة في اتباع ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأما ما أحدث بعدهم فهو من البدع التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة..) ولهذا قال هنا: (فارض لنفسك ما رضي به القوم) أي: يكفيك ما كفى الصحابة، فلا تخرج عن طريقهم، وقد جاء في الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي أورده الدارمي في سننه في قصة الجماعة الذين كانوا متحلقين في المسجد، وكانوا يسبحون بالحصى، وفيهم شخص يقول: كبروا مائة.. هللوا مائة.. سبحوا مائة، ويعدون ذلك بالحصى حتى يكملوا هذا العدد، فوقف على رءوسهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود وقال: [ ما هذا يا هؤلاء؟! عدوا سيئاتكم فأنا ضامن ألّا يضيع من حسناتكم شيء، ثم قال: إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أنكم مفتتحو باب ضلال، قالوا سبحان الله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير في هذا الذي نفعله، فقال رضي الله عنه: (وكم من مريدٍ للخير لم يصبه)، أي: أن هذا من البدع والمحدثات، والحاصل أنه بيّن لهم أن الحق إنما هو في ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن مخالفتهم وفعل شيء لم يكن على منهجهم وطريقتهم إنما هو من الضلال والبدع المحدثة.
عظمة علم السلف وبعد نظرهم

قوله: [ فإنهم على علم وقفوا ] أي: أن المنهج الذي ساروا عليه، والمسلك الذي سلكوه إنما صاروا إليه عن علم وقفوا عليه من كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يحصل منهم شيء من الابتداع، وإنما صاروا إلى ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم قال: [وببصرٍ نافذٍ كفوا] أي: أن ما أقدموا عليه فقد أقدموا عليه على دليل واضح، وحجةٍ بيِّنة، وما تركوه وكفوا عنه وأعرضوا عنه من هذه الأمور المحدثة، وهذه الأمور التي تعمق فيها المتعمقون، وتكلف فيها المتكلفون، إنما تركوه ببصرٍ نافذ، فأخذوا بالحق والهدى على بيّنة من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو يبيّن أنّهم هدوا إلى الحق والهدى واتبعوه، وأن ذلك حصل بوقوفهم عليه، وأنهم كَفُّوا عن الأمور المحدثة والمنكرة، فلم يشغلوا أنفسهم بها، ولم يكلفوا أنفسهم شيئاً منها، وإنما التزموا المنهج القويم الذي جاء في القرآن الكريم، وتركوا السبل الخارجة عن ذلك الطريق الذي قال فيه الله عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]، فكلام هذا الإمام وهذا الخليفة العالم الفقيه المحدث رحمه الله تعالى درر، وهكذا من وفقه الله أن يكون على طريق الحق والهدى، فإنه يخرج منه درر. قوله: [ ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى ]. أي: هم أقوى من غيرهم على إيضاح ما يحتاج إلى إيضاح، وهم أبعد الناس عن الأشياء التي فيها ضرر، وما حصل ذلك إلّا بنفاذ بصيرتهم. قوله: [ وبفضل ما كانوا فيه أولى ] أي: أولى من غيرهم في معرفة الحق والسير عليه، وأما الذين خرجوا عن منهجهم وطريقتهم فقد وقعوا في أمور سلم الله منها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحدثوا أموراً وابتدعوها ما أنزل بها من سلطان، فعليهم آثامها وآثام كل من ابتلي بها.
استحالة أن يكون المتأخرون على حق والسلف على خلافه


قوله: [ فإن كان الهدى ما أنتم عليه ] أيها المتأخرون! أي: أهل الأهواء والبدع، [ فقد سبقتموهم إليه ] أي: أن هذا الحق قد فات الصحابة ولم يظفروا به، وأنتم ظفرتم به، وهذا لا يمكن أن يكون؛ لأن الحق والهدى هو ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، كما جاء في حديث الفرقة الناجية، قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)، وكما قال عبد الله بن مسعود : (إما أنكم على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة). قوله: [ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون]، وهذا صحيح، فإن الذين أحدثوا ذلك هم الذين اتبعوا غير سبيل المؤمنين، ولهذا يقول الله عز وجل وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى [النساء:115]، إذاً: فهؤلاء خارجون عن سبيل المؤمنين، وصاروا إلى خلاف ذلك، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يقال: إن هؤلاء الذين أحدثوا تلك الأمور هم أولى بالحق من الصحابة، بل إن الحق ما كان عليه الصحابة، وأما هؤلاء فخذلوا وابتلوا بتلك الأهواء والآراء المحدثة التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.
الخير والهدى في اتباع سلف الأمة


قوله: [ فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيها بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي ] أي: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم السباقون إلى كل خير، وهم الحريصون عليه، فلا يمكن أن يسبقهم غيرهم إلى ذلك بأن يحجب الحق عنهم ويدَّخر لأناسٍ يجيئون من بعدهم، بل إن الحق والهدى هو ما كانوا عليه رضي الله عنهم، وما سوى ذلك فهو من محدثات الأمور. قوله: [فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي ] أي: بما يكفي عن ما أحدثه الناس، فقد تكلموا في أمور العقيدة، وفي مسائل العلم بما يكفي. قوله: [ ووصفوا منه ما يشفي ] أي: يشفي غيرهم، وليس الحق والهدى في كلام غيرهم ممن جاء بعدهم وأحدث المحدثات، وإنما الحق والهدى فيما كانوا عليه، وفيما قالوه، وفيما دلوا وأرشدوا إليه. قوله: [ فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر ] أي: أنهم حبسوا أنفسهم عن أشياء ولم يتكلموا فيها، فليس هناك أحدٌ سكت كسكوتهم، ولا هناك أحدٌ فوقهم كشف أشياء لم يكشفوها، أو أظهر أشياء لم يظهروها، بل إنهم سكتوا عن كل شر، وكذلك ليس فوقهم أحدٌ يكشف الأمور ويوضحها ويحسر عنها ويبينها، فهم قد بينوا كل حق، وسلموا من أن يقعوا في الأمور الباطلة والمحدثة.
خطأ وضلال من ترك منهج السلف الصالح


قوله: [ وقد قصّرَ قومٌ دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوامٌ فغلوا ]، وهذا يوضح الجملة السابقة في التقصير والحسر، فإن أناساً قصروا عنهم فجفوا، وأناساً تجاوزوا ما هم عليه، وكشفوا عن الأمور على وجهٍ يخالف ما أوضحوه وبينوه، وذلك بالدخول في علم الكلام، وتأويلهم النصوص الشرعية من كتاب وسنة على ما يوافق بدعهم، وليّهم أعناق النصوص حتى تتفق مع الباطل الذي كانوا عليه، وأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وقفوا عند النصوص فلم يقصروا عنها، ولم يتجاوزوها. قوله: [ وإنهم بين ذلك لعلى هدىً مستقيم ] أي: بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والجفاء، فهم على صراط مستقيم، وكما قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: فلا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم فالطرفان اللذان يتوسطهما الحق مذمومان، وهما طرفا الإفراط والتفريط.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]