الإيمان بالقدر ومنزلته في الدين ومراتبه
قوله: [ كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر، فعلى الخبير بإذن الله وقعت ]، الكلام الذي مضى كله كلام عام يتعلق باتباع السنن، واتباع منهج الصحابة، والحذر من البدع مطلقاً، فهو كلام عام فيه وصايا نافعة، وفيه بيان المنهج الصحيح، والطريق المستقيم؛ طريق الفرقة الناجية، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأن ما سوى ذلك فهو من البدع والمحدثات، وهذا الكلام يدخل فيه القدر وغير القدر، ثم إنه بعدما أتى بهذا الكلام المفيد العظيم رجع إلى سؤاله، ثم إنه قبل أن يجيبه على سؤاله في القدر قال له: (فعلى الخبير بإذن الله وقعت) أي: عندي علم ما تسأل عنه، وإنما قال هذا من أجل أن يحفزه على أن يعرف ما يقول له، وأنه إنما قال ذلك عن علمٍ وبصيرة، ثم أخذ يوضح له ذلك، ولم يقل هذا الذي قاله ثناءً على نفسه، وإنما قاله ترغيباً وتحفيزاً له إلى أخذ ما يقوله له، وحتى تطمئن إليه نفسه، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحصل منهم شيءٌ من هذا، وليس ذلك من أجل مدح النفس ولا الثناء عليها، وإنما هو من أجل أن يرغبوا الناس في تلقي ما يجيبون به، وهذا من كمال النصح من سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. ثم بدأ بالكلام على القدر فقال: [ ما أعلم مما أحدث الناس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة هي أبين أثراً، ولا أثبت أمراً من الإقرار بالقدر ]، وهذا يحتمل وجهين: الوجه الأول: أن المقصود بذلك أنه بدعة لغوية، وليس من البدع الشرعية، والمقصود بكونه بدعة أن الكتابة والتبيين فيه إنما جاء متأخراً، وأما التبيين والإيضاح فقد جاء في الشريعة وبينه الصحابة، ولكن تدوين القدر والكلام فيه إنما جاء بعد ذلك، كما أن السنن كلها إنما دونت بعد ذلك، (وهذا ذكره صاحب عون المعبود). الوجه الثاني: هذه البدع الواضحة الجلية التي أحدثها الناس فإن الإقرار بالقدر وأنه حق أوضح وأبين منها، فكما أنها ماثلة للعيان ومشاهدة ومعاينة وهي بدعٌ محققة ما أنزل الله بها من سلطان، فأمر القدر من حيث حصوله ووقوعه هو أبين من هذا الذي أحدثه الناس. قوله: [ لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء، يتكلمون به في كلامهم وفي شعرهم، يعزون به أنفسهم على ما فاتهم ] أي: أن القدر قد جاء في كلام أهل الجاهلية. وقوله: (في الجاهلية الجهلاء) يحتمل وجهين: إما أن يكون: ولقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء، ويكون الجُهلاء فاعل، أو تكون: الجَهلاء بفتح وتكون وصفاً للجاهلية، أي: لقد كان ذكره في الجاهلية الجَهلاء، فيكون الفاعل محذوفاً دل عليه ما بعده، وتكون (الجَهلاء) وصفاً للجاهلية وأنها في غاية الجهالة والضلالة، فيكون الجهلاء إما أنه جمع جاهل، وإما أنه وصفٌ للجاهلية، فهي موصوفة بشدة الجهل. قوله: [ ثم لم يزده الإسلام بعدُ إلا شدة ] أي: أنه جاء في إثباته وتقريره وتوضيحه، وأن كل شيء بقضاء وقدر، وأنه لا يقع في ملك الله إلا ما شاءه الله سبحانه وتعالى، وكل أمر واقع فقد سبق به علم الله أزلاً، وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما ثبت ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أوجده الله تعالى طبقاً لما علمه أزلاً، وطبقاً لما كتب في اللوح المحفوظ، وطبقاً لما شاءه الله وأراده، وهذه هي مراتب القدر الأربع التي لا بد منها في الإيمان بالقدر، وهي: الأولى: العلم الأزلي، فالله تعالى قد علم أزلاً كل ما هو كائن، ولم يتجدد لله علم بشيء لم يكن يعلمه من قبل، بل الله تعالى بكل شيء عليم، فكل حركة أو سكون في الوجود فقد علمه الله تعالى أزلاً، وأما ما جاء في بعض الآيات من ذكر الاختبار حتى يعلم الله تعالى ما سيفعل العباد، كما قال الله عز وجل: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ [البقرة:143]، فليس معنى ذلك: أنه يحصل لله علم لم يكن حاصلاً له من قبل، وإنما المقصود من ذلك: ظهور علم يترتب عليه ثوابٌ وعقاب، ويترتب عليه جزاء، فهذا هو المقصود من ذلك، وليس المقصود من ذلك أنه لم يكن يعلم حتى حصل هذا الشيء بهذا الاختبار والابتلاء، فالله تعالى يعلم كل شيء أزلاً. والمرتبة الثانية من مراتب القدر: كتابة الله عز وجل تلك الأمور التي ستقع في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما ثبت ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمرتبة الثالثة: المشيئة والإرادة، وأن الله شاء وأراد وجود هذا الشيء. والمرتبة الرابعة: الإيجاد، وهو إيجاد الله لذلك الشيء الذي أراد وجوده، فيقع طبقاً لما علمه أزلاً، وطبقاً لما كتب في اللوح المحفوظ، وطبقاً لما شاءه وأراده، فما من أمر يقع في الوجود إلا وقد اجتمع فيه هذه المراتب الأربع، فمثلاً: وجودنا في هذا المكان، وفي هذا الزمان، فإن هذه المراتب الأربع تتوافر فيه، فالله تعالى قد علم أزلاً أننا سنجتمع في هذا الزمان وفي هذا المكان، وكتب في اللوح المحفوظ أننا سنجتمع، وشاء الله أن نجتمع، وحصل اجتماعنا على هذه الهيئة طبقاً لما علمه الله أزلاً، ولما كتبه في اللوح المحفوظ، ولما شاءه وأراده، فكل ما يقع فقد شاءه الله، وأما ما لم يقع فلم يشأه الله، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك) أي: أن الشيء الذي قُدِّر أن يحصل لك لا يتخلف عنك، والشيء الذي قد تخلف عنك لا يحصل لك، وعقيدة المسلمين مبنية على هاتين الكلمتين: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
إثبات القدر وورود أدلته في الكتاب والسنة
قوله: [ ولقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون فتكلموا به في حياته وبعد وفاته ]. لقد جاء القدر في كتاب الله عز وجل، وذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، فقال الله عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] وقال: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22] وقال: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51] ، وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان)، فقوله: (احرص على ما ينفعك) أي: خذ بالأسباب، ومع أخذك بالأسباب اعتمد على مسبِّب الأسباب وهو الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال: (واستعن بالله)؛ لأن الإنسان إذا أخذ بالأسباب ولم يحصل له عون وتوفيق من الله تعالى فلا يحصل ما يريد، فمجرد الأخذ بالأسباب لا يكفي، بل يُحتاج إلى شيء وراءه وهو توفيق الله وإعانته على حصول ذلك الشيء، كما أنه لا يترك الأسباب ويقول: أنا متوكل، وإذا قدر الله لي شيئاً فإنه سيأتيني، فهذا كلام باطل، فلو أن إنساناً قال: إذا قدر الله لي أن يأتيني ولد فسيأتيني ولو لم أتزوج، فيقال له: إن الولد لا يأتي إلا عن طريق الزواج، أو عن طريق التسرّي، لأن الزواج أخذ بالأسباب، ومع الأخذ بالأسباب قد يوجد الولد وقد لا يوجد، فالإنسان إذا تزوج فقد يولد له وقد لا يولد له. فمجرد الأخذ بالأسباب ليس هو كل شيء، لكن السبب مشروع، ومع الأخذ بالأسباب يستعين الإنسان بالله عز وجل، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً) فالطير لم تجلس في أوكارها، وتقول: إن قدِّر لي شيء فسيأتيني، بل إنها تغدو في الصباح خاوية البطون، وترجع في المساء ممتلئة البطون، إذاً فلا بد من الأخذ بالأسباب. وقال صلى الله عليه وسلم: (كل شيء بقدر حتى العجز والكسل) ، فكسل الكسول، ونشاط النشيط، كله مقدّر، فالإنسان المتحرك حركته بقدر، والإنسان الخامل خموله بقدر، وكل شيء بقضاء وقدر، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكذلك جاءت نصوص كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر، وقد عقد الإمام البخاري كتاباً في صحيحه سماه (كتاب القدر)، وكذلك مسلم عقد في صحيحه (كتاب القدر)، وكثير من المحدثين يعقدون في مؤلفاتهم كتباً باسم القدر، ويوردون الأحاديث التي وردت في ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والإيمان بالقدر هو أحد أصول الإيمان الستة المبينة في حديث جبريل، حيث سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره). قوله: [ وقد سمعه منه المسلمون فتكلموا به في حياته وبعد وفاته يقيناً وتسليماً لربهم ]. أي: أن الصحابة سمعوا الكلام في القدر، فتكلموا فيه في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وآمنوا وسلموا به يقيناً وإيماناً وتصديقاً وإقراراً وتضعيفاً لأنفسهم، فلم يترددوا في شيء جاء عن الله ورسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكذلك استبعدوا واستحالوا أن يقع شيء لم يقدره الله عز وجل. قوله: [ وتضعيفاً لأنفسهم أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه ] أي: نزهوا الله عز وجل عن أن يكون هناك شيء لم يحط به علمه، بل إن كل شيء قد أحاط الله به علماً، وكل ما قدر فقد سبق به علم الله، وهو مكتوب في اللوح المحفوظ، فنزهوا الله عز وجل أن يكون هناك شيء لم يحط به علمه، أو لم يشتمل عليه اللوح المحفوظ، وهاتان هما المرتبتان الأوليان من مراتب القدر: علم الله الأزلي، وكتابته في اللوح المحفوظ. قوله: [ ولم يمضِ في قدره ] أي: وقوع الشيء الذي قد شاءه الله وأراده، أو عدم وقوعه. قوله: [ وإنه مع ذلك لفي محكم كتابه ]. أي: كما أنه جاء ذكر القدر في السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وسمعه الصحابة منه، وجاء في أحاديث كثيرة، فكذلك جاء في محكم كتاب الله عز وجل، ومما جاء في ذلك قول الله عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] وقول الله عز وجل: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22] وقول الله عز وجل: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51] وغير ذلك من الآيات، وهو في كتاب الله عز وجل واضح جلي لا خفاء فيه، وكذلك هو موجود في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في السنة على أنه أحد أركان الإيمان الستة كما في حديث جبريل: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره). قوله: [ منه اقتبسوه، ومنه تعلموه ]. يعني: من القرآن اقتبسوه ومنه تعلموه كما تعلموه من السنة، فقد اجتمع على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وهو أحد أصول الإيمان الستة المبينة في حديث جبريل.
عموم قضاء الله وقدره وشموله
قوله: [ ولئن قلتم: لم أنزل الله آية كذا؟ ولم قال كذا؟ لقد قرءوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم ]. أي: ولئن حصل من أحد منكم إيراد بعض الآيات التي قد يكون فيها اشتباه، ثم قلتم: لم كذا ولم كذا؟! فإنهم قد قرءوا هذا الذي قرأتموه، لكنهم قد علموا منه ما جهلتم، فهم تميزوا عنكم بأنهم علموا ما قد جهلتم، فأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام -ومن سار على منوالهم - لا يضربون القرآن بعضه ببعض، ولا يأخذون بالمتشابه منه، وإنما يردون المتشابه إلى المحكم، والقرآن يصدق بعضه بعضاً، ويشبه بعضه بعضاً، ولا يضرب بعضه ببعض، ولا يُتبع منه المتشابه ويُترك المحكم، كما هي طريقة أهل الزيغ والضلال التي ذكرها الله في القرآن، والتي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمّى الله فاحذروهم). فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأوا القرآن، وعلموا ما فيه وفقهوا معانيه، وهؤلاء جهلوا. قوله: [ وقالوا بعد ذلك: كله بكتاب وقدر ]. يعني: أنه مكتوب في اللوح المحفوظ، ومقدّر بقضاء الله وقدره، فكل هذا الذي يحصل ويقع، وكل ما هو كائن في الوجود فهو بقضاء الله وقدره، ولا يمكن أن يكون في الوجود شيء إلا وقد قدّره الله وقضاه. قوله: [ وكتبت الشقاوة ]. أي: أن السعيد قد كُتبت سعادته، والشقي قد كتبت شقاوته. قوله: [ وما يقدر يكن ]. أي: كل ما هو مقدر لا بد وأن يكون، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ويمكن أن يُعرف الشيء الذي قدره الله وقضاه بأمرين: أحدهما: الوقوع، فكل شيء قد وقع فإنه مقدر؛ لأنه لو لم يُقدّر لما وقع، فما شاءه الله كان. الأمر الثاني: أن يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر مستقبل، فخبره حق يجب تصديقه، ويجب اعتقاد أن هذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد وأن يوجد طبقاً لما أخبر به، وهذا الذي سيوجد هو شيء مقدّر، أي: أنه لا يوجد إلا شيء مقدر ولا يقع في الكون إلا ما قدّره الله، والرسول صلى الله عليه وسلم أخباره صادقة؛ لأنه يخبر عن الله، وهو لا ينطق عن الهوى، كما أخبر عن خروج يأجوج ومأجوج، والدجال، ونزول عيسى بن مريم..، وغيرها من الأمور التي تقع في آخر الزمان، فإنها مقدرة وسبق بها القضاء والقدر، ومثل ما حصل من إخباره صلى الله عليه وسلم عن أمور قريبة من زمانه، وقد وقعت طبقاً لما أخبر به عليه الصلاة والسلام، مثل قوله عن الحسن وهو معه على المنبر - حيث كان الحسن صغيراً فحمله النبي صلى الله عليه وسلم - فقال: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، وقد حصل ذلك بعد ثلاثين سنة من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، في عام (41هـ)، ووقع ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا فالمقدّر أمر من أمور الغيب، ولا يعلم ما قدّره الله وقضاه إلا هو سبحانه وتعالى. قوله: [ وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن ]. هاتان الكلمتان فيهما بيان القدر، وأن كل شيء شاءه الله لا بد أن يكون، وكل شيء لم يشأه الله فلا يمكن أن يكون، كما قال الشاعر: فما شئتَ كان وإن لم أشأ وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن أي: إذا شاء الإنسان شيئاً والله لم يشأه فلا يمكن أن يكون؛ لأن الذي يقع هو ما شاءه الله عز وجل. قوله: [ ولا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ]. هذا فيه إشارة إلى مخالفة ما عليه القدرية الذين يزعمون بأن العباد يخلقون أفعالهم، وأنهم يملكون لأنفسهم الضر والنفع! فإن هذا كلام باطل، وأهل السنة والجماعة يخالفونهم في ذلك؛ لأن كل شيء بيد الله عز وجل، فالناس يفعلون الأسباب ويحصل منهم الاكتساب، ولكن لا يقع إلا ما قدره الله وقضاه، وكل ما أرادوه إذا لم يشأه الله فإنه لا يقع، وما شاءه الله عز وجل لا بد وأن يقع، حتى ولو لم يشاءوه. وهذا فيه إشارة إلى أن العبد لا يخلق فعله ولا ينفذه، وأن الله تعالى هو الخالق لكل شيء، والعبد مشيئته تابعة لمشيئة الله، كما قال الله عز وجل: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29] فلا يمكن أن يوجد في ملك الله ما لم يشأه الله سبحانه وتعالى، وكل ما وقع فقد شاءه الله، ولا يمكن أن يقال: إنه قد وُجد شيء لم يشأه الله. كما يزعم المعتزلة القدرية القائلين بأن العباد يخلقون أفعالهم، وأن الله تعالى لم يقدرها عليهم، وأن الله تعالى ما أرادها وما شاءها، وإنما هم الذي شاءوها وأوجدوها!! فقوله: (لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً)، يعني: أن كل شيء بيد الله، وكل شيء بقضاء الله وقدره وبخلقه وإيجاده.
أقسام أفعال العباد
وهنا مسألة يتكرر ذكرها وإيرادها، وهي: هل الإنسان مخيّر أو مسير؟ والجواب: أنه مُخيّر ومُسيّر، فلا يقال: 'نه مخير فقط، ولا مسير فقط؛ لأن القول بأنه مسير فقط هو قول: الجبرية الذين يزعمون أن الإنسان ليس عنده مشيئة ولا إرادة، وأنه مجبور على ما يحصل منه، وأن حركاته كحركات الريشة المعلقة في الهواء. والمعتزلة يقولون: إنه مخير، وإنه يخلق فعله ويوجده. وأهل السنة والجماعة يقولون: هو مسير باعتبار، ومخير باعتبار، أي: مخير باعتبار أن الله عز وجل جعل له عقلاً وجعل له قُدرة، وقد أُمر ونُهي، وعَرَف الخير والشر، وقيل له: إن فعلت كذا فلك كذا، وإن فعلت كذا فعليك كذا، فقد بين الله له الخير والشر، فهو يُقدم على الشيء بمشيئته وإرادته، لكن العمل الذي يعمله بمشيئته وإرادته لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته، بل هو تابع لمشيئة الله وإرادته، فهو مخير باعتبار أنه مكلف وأنه مأمور ومنهي، وأنه قد بين الله له طريق الخير وطريق الشر، وقيل له: هذا الطريق يوصلك إلى الجنة، وهذا الطريق يوصلك إلى النار. فهو مخير بأن يسلك أحد الطريقين. وهو مسير باعتبار أنه لا يحصل منه إلا ما قدره الله وقضاه، فقضاء الله وقدره لا بد أن يكون، ولكن لا يقال: إن الإنسان مجبور! بل يجب التفريق بين الفعل الذي يكون باختيار الإنسان، والفعل الذي يكون بغير اختياره، فالأكل والشرب والذهاب والإياب والسفر والبيع والشراء..، كل هذه أفعال اختيارية، تُفعل بمشيئة الإنسان وإرادته، فيثاب على ما كان منها حسناً، ويعاقب على ما كان سيئاً. وهناك حركات اضطرارية، مثل حركة المرتعش الذي ترتعش يده، فليست هذه الحركة اختيارية بمشيئته وإرادته، بل هي خارجة عن مشيئته وإرادته، فهذا هو الذي يقال: إنه مجبور عليه، وإنه لا يدخل في مشيئته وإرادته، وأما كون الإنسان يبين له طريق الخير وطريق الشر، وأن هذا يوصل إلى الجنة وهذا يوصل إلى النار، ثم بعد ذلك يُقدم على هذا أو هذا، فإقدامه هذا بمشيئته وإرادته، ولكن مشيئة الإنسان وإرادته هي تحت مشيئة الله وإرادته وتابعة لها، كما قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]. فلا يقال: إنه مخير، بمعنى: أنه لم يُقدّر عليه شيء. ولا يقال: إنه مسير، بمعنى: أنه مجبور، وأنه ليس له مشيئة ولا إرادة، بل له مشيئة وإرادة، ولكنها لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته. فهو باعتبار أنه يفعل ما يشاء بإرادته ومشيئته، فهو مخير، وباعتبار أنه لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته فهو مسير. فإذا سئل الإنسان: هل أنت مخير أو مسير؟ فلا يكون الجواب بواحدة من الاثنتين، ولا يقول: ميسر. أو يقول: مخير، بل يكون الجواب بالجمع بينهما، أي: مسير ومخير، ويكون التفصيل كما سبق. وهذا يشبه المسألة المعروفة التي يقال: إذا أقيم الحد على إنسان، هل يكون هذا الحد زاجراً أو جابراً؟ والجواب: أنه زاجر وجابر في نفس الوقت، إذ يكون جابراً للنقص الذي حصل؛ لأنه قد وقعت عقوبته في الدنيا بإقامة الحد عليه، وفي نفس الوقت هو زاجر عن أن يعود إلى ذلك الفعل، وزاجر لغيره أيضاً أن يقع فيما وقع فيه هذا الذي أقيم عليه الحد، فيتعرض لتلك العقوبة التي عوقب بها هذا الجاني، فهذا مما يكون الجواب فيه بالجمع بين الاثنين، وليس باختيار واحد منهما. وكذلك يعرف النحويون الفاعل بتعريف يشمل الاثنين، فيقولون: الفاعل: اسم مرفوع يدل على من حصل منه الحدث أو قام به الحدث. فإذا أكل زيد أو شرب، نقول: حصل منه الحدث، لكن إذا قيل: مات زيد.. مرض زيد.. ارتعشت يده، فلا يقال: إنه حصل منه الحدث، وإنما هذا وصف حصل له، فارتعاش يده ليس من فعله، وإنما هو وصف قام به، وكذلك: مات زيد، فالموت حلّ به وقام به، وكذلك المرض حصل له وهو ليس من فعله، وإنما الذي من فعله هو الذي يدخل تحت مشيئته وإرادته، مثل: أكل، وشرب، ودخل، وخرج... وما إلى ذلك، فيقولون في تعريف الفاعل: اسم مرفوع يدل على من حصل منه الحدث وهو الأفعال الاختيارية- أو قام به الحدث -وهي الأمور الااضطرارية التي لا تدخل تحت مشيئته وإرادته.
مسارعة السلف إلى الطاعات مع علمهم أن كل شيء مقدر
قوله: [ ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا ]. يعني: كانوا يعلمون أن كل شيء مقدر، ومع ذلك كانوا يرغبون ويرهبون، فيفعلون الأعمال الصالحة رغبة فيما عند الله، ويتركون المعاصي خوفاً من عقوبة الله عز وجل، ويتضح هذا من سؤال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم عندما قالوا له: (أنتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: لا، اعملوا فكلٌ ميسر لما خُلق له) فهم يعملون الأعمال الصالحة يرجون بذلك ثواب الله، ويتركون المعاصي خشية من عقاب الله عز وجل، وهذا الذي فعلوه من الرغبة والرهبة هو من أفعالهم الاختيارية، وحصول ذلك منهم يكون طبقاً لما شاءه الله وقدره وقضاه، ويوضح هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة).
تراجم رجال إسناد أثر عمر بن عبد العزيز في التمسك بالسنة
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير هو العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز ]. هذا الكلام مرسل؛ لأن سفيان لم يدرك عمر بن عبد العزيز ، فعمر بن عبد العزيز توفي سنة (101هـ)، وقد ولد سفيان قبل وفاة عمر بأربع سنوات، وتوفي سنة (161هـ) وعمره أربع وستون سنة، إذاً فهو لم يسمع من عمر بن عبد العزيز، وإنما أدركه وعمره ثلاث سنوات أو أربع سنوات، إذاً فالأثر مرسل، ولهذا جاءت طريق أخرى يروي فيها سفيان عن رجل وهو النضر. و عمر بن عبد العزيز هو الخليفة الإمام، وهو محدث فقيه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ]. الربيع بن سليمان المؤذن هو المرادي ، وهو صاحب الشافعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ حدثنا أسد بن موسى ]. أسد بن موسى صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و النسائي. [ حدثنا حماد بن دليل ]. حماد بن دليل صدوق، أخرج له أبو داود. [ سمعت سفيان يحدث عن النضر ]. سفيان هو الثوري ، و النضر هو ابن عربي، وهو لا بأس به، أي: أنه صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي. وهذا الإسناد الثاني أنزل من الإسناد الأول، فبين أبي داود وبين سفيان في الإسناد الأول واحد، وهو محمد بن كثير، وأما في الإسناد الثاني فبينه وبين سفيان ثلاثة أشخاص، فالأول يعتبر عالياً، وأما الثاني فهو نازل؛ لكثرة الوسائط بينه وبين سفيان. [ ح وحدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قبيصة ]. هو قبيصة بن عقبة، وهو صدوق ربما خالف، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو رجاء ]. أبو رجاء، يقول عنه: الحافظ في التقريب: قيل هو الهروي ، والإ فمجهول، أخرج له أبو داود. [ عن أبي الصلت ]. أبو الصلت، قيل: شهاب الخراشي وإلا فمجهول. يعني: أن النسبة لهذا غير محققة, لكن كما هو معلوم قبله طريقان. [ وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم ]. أي: لفظ حديث ابن كثير في الطريق الأولى، ومعناهم، أي: معنى الطرق الأخرى. [ ثم قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر ]. أي: وقد أجابه رحمة الله عليه بهذا الجواب العظيم، وبهذه الدرر التي تبين كيف كان سلف هذه الأمة، وكيف كانت سلامة معتقداتهم وسلامة ألسنتهم، وأنهم يتكلمون بالحق، ويتبعون النصوص، وليس كلامهم مبنياً على العقل، ولا علم الكلام المذموم، ولا على آراء الرجال، وإنما يتكلمون ويعولون على ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة، فهم يأخذون بالنقول، ويأخذون بالعقول الصحيحة التي تطابق النقول، وأما غيرهم فإنهم يعولون على المعقول، ويحرفون المنقول.
الأسئلة
حكم ذكرنا للمدعو أنه اهتدى على أيدينا
السؤال: هل يجوز لنا أن نذكر للمدعو أنه اهتدى على أيدينا؟ الجواب: لا يصلح هذا؛ لأنه قد يكون فيه شيء من المنّ أو الإدلال عليه، وقد يظن أنك تبحث عن عوض، أو أنك تبحث عن مقابل، فمثل هذا لا يصلح، وإنما على الإنسان أن يفرح بهذا الذي حصل له من اهتداء بعض الناس على يديه، وعليه أن يرجو ثواب ذلك عند الله.
اشتراط البيان على من تاب من بدعته
السؤال: ذكر ابن القيم رحمه الله أن المبتدع يشترط في توبته البيان، وتحذير الناس من هذه البدعة، لقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا [البقرة:160] فهل يقال: إن من دعا إلى ضلالة لا تقبل توبته ما لم يبين، حتى لا يحصل له آثام من تبعه؟ الجواب: نعم، لا بد من البيان، فمجرد التوبة بدون أن يبيِّن نقص فيها، فمن كمال توبته أن يبين حتى لا يغتر الناس بما حصل منه.
وصف من كانت له أخطاء عقدية بالإمامة
السؤال: هل صحيح أنه لا يوصف بالإمامة من كانت له أخطاء في العقيدة، فلا يقال: مثلاً حجة الإسلام الغزالي ، ولا الإمام ابن حجر ؟ الجواب: من كان عنده علم واسع وغزير ووجد عنده شيء من الأخطاء فلا بأس أن يقال له: إمام، فأخطاؤه مغمورة في جانب صوابه فيشهد له بالإمامة والتقدم في العلم، ويدعى له ويستغفر له، ويستفاد من علمه، ويحذر من خطئه. ومثل هذه الألقاب كحجة الإسلام مثلاً تركها أولى، وأما الغزالي فقد جاء عنه ما يدل على رجوعه وندمه على ما قد حصل منه فيما مضى، فيذكر بما حصل منه من الرجوع إلى الخير وينبه على ذلك، ويحذر مما في كتبه من الأمور الباطلة والمنكرة.
التحذير من الدعاة الذين فُتنوا بالتحليلات السياسية ولم ينقادوا لكلام العلماء
السؤال: الدعاة الذين فتنوا بالتحليلات السياسية والحديث عن فقه الواقع، وناقشهم العلماء في ذلك ولم يرجعوا، هل يحذر منهم ومن أشرطتهم، وهل يصرح بأسمائهم ويوصفون بالبدعة؟ الجواب: نعم، يحذر منهم، فالذين يركبون رءوسهم ويتكلمون في أهل العلم، ويحصل منهم كلام في الولاة مما يترتب عليه فتن، ويترتب عليه أمور منكرة، لاشك أن الابتعاد عن أشرطتهم والاشتغال بما هو مأمون الجانب أولى، وكما أسلفت فإن على الإنسان أن يشغل نفسه بما فيه السلامة، وأما الإنسان الذي عنده خلط واشتباه، فيستغنى عما عنده بالكتب والأشرطة التي هي مأمونة الجانب، فالذين هذا شأنهم وطريقتهم لاشك أنه يحذر منهم، ولا يشتغل بكلامهم، وإنما يشتغل بكلام أهل العلم المأمونين الذين يدعون إلى الله عز وجل على بصيرة ويحذرون من الفتن وأسبابها، ومن الوقوع فيها.
حكم امتحان الناس بالأشخاص
السؤال: هل يجوز أن يمتحن الناس بشخص معين، فيقال لأحدهم: ما قولك في فلان، ثم يصنَّف من خلال هذا الجواب؟ الجواب: لا يجوز مثل هذا، وهو من تلاعب الشيطان بالناس، فمن الخطأ أن يشغلوا أنفسهم بسؤال الأشخاص عن هذا، ثم بعد ذلك ينابذ ذلك الممتحن أو يقرَّب بناء على الجواب، والواجب على كل إنسان ناصح لنفسه أن يشتغل بطلب العلم، وأن يشغل نفسه بما ينفعه، وألا يشغل نفسه بما يضره ولا ينفعه.
حكم عد التسبيحات بالسبحة، وكذلك عد الآيات في الصلاة بها
السؤال: هذه مطوية توزع في فضل الذكر، وفي الصفحة الأخيرة منها، قال: عدّ الذكر بالسبحة، قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله: وعد التسبيح بالأصابع سنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: (سبحن واعقدن بالأصابع؛ فإنهن مسئولات مستنطقات)، وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن، وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين تسبح بالحصى وأقرها على ذلك، وروي أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يسبح به، وأما التسبيح بما يُجعل في نظام من الخرز ونحوه فمن الناس من كرهه، ومنهم من لم يكرهه، وإذا حسنت به النية فهو حسن غير مكروه، وأما اتخاذه من غير حاجة، أو إظهاره للناس مثل تعليقه في العنق، أو جعله كالسوار في اليد أو نحو ذلك فهذا إما رياء للناس، أو مظنة المراءاة ومشابهة المرائين من غير حاجة، فالأول محرم، والثاني أقل أحواله الكراهة. مجموع الفتاوى (22/506). قال: وأما عن عد الآيات في الصلاة بالسبحة فسئل شيخ الإسلام رحمه الله عما إذا قرأ القرآن ويعد في الصلاة بسبحة هل تبطل صلاته أم لا؟ فأجاب: إن كان المراد بهذا السؤال أن يعد الآيات، أو يعد تكرار السورة الواحدة، مثل قوله قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] بالسبحة، فهذا لا بأس به. مجموع الفتاوى (2/625). الجواب: هذا غير واضح، ولا يصلح مثل هذا، ولا يشترط أن الإنسان يأخذ سبحة يعد بها الآيات، أو يعد تكرار السور، ولا أدري ما صحته، والحقيقة أنه كلام غريب، بل إنّ الإنسان لا يحمل في صلاته شيئاً يعد به، لا سبحة ولا غيرها، وإنما يضع يده اليمنى على يده اليسرى ويجعلها على صدره، ولا يشغل نفسه بحمل شيء؛ فإن ذلك غير لائق. وأما ما يتعلق بالتسبيح بالسبحة فما نعلم شيئاً يدل على ذلك، ولا شك أن الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه هو أنه كان يسبح بأصابعه، فيكفي الناس ما ثبت، وأما قضية الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فما نعلم شيئاً ثابتاً يدل على أنهم كانوا يعدون بالحصى، نعم أنه قد وجد ولكنه غير صحيح، وقد مر بنا في سنن أبي داود شيء من هذا، وهو غير ثابت، فما أعرف شيئاً ثابتاً في ذلك عن الصحابة، وإنما الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التسبيح بالأصابع، فعلى الإنسان أن يحرص عليها، ولا يشتغل بشيء سواها.
من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه.
السؤال: قد يثبت الله عز وجل المدعو على أداء العبادة واستجابته للداعي، ثم إن الله عز وجل قد يضاعف لمن يشاء من عباده، فهل يعني ذلك: أن الداعي ينال مثل أجر المدعو، سواء ضوعف له في أجره أو لم يضاعف له؟ الجواب: الحديث يدل على هذا، ففيه: (فله مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)، ومعناه: أن الداعي يكون له من الأجر مثل أجر المدعو.
حكم العمل خارج مؤسسة الكفيل
السؤال: هل علي إثم إن دفعتُ نسبة إلى كفيلي مقابل عملي خارج المؤسسة؟ الجواب: على الإنسان في مثل هذا أن يتقيد بأنظمة الدولة، وإن احتاج إلى عمال فإنه يأتي بهم ليعملوا تحت إشرافه، وأما أن يأتي بهم ويتركهم حتى يأتوه بشيء، فهذا غير صحيح، وهذا غير لائق، وهذا لا تقره الدولة، فعلى الإنسان أن يتقيد بالأنظمة في هذا."