شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [519]
الحلقة (549)
شرح سنن أبي داود [519]
جعل سبحانه وتعالى النبوة رحمة ببني البشر وسراجاً كاشفاً لما يجب على الخلق تجاه خالقهم وأنفسهم، وجعل سبحانه الخلافة امتداداً لمهمة الأنبياء عليهم السلام، والواجب الملقى على عواتق ولاة الأمر عظيم، فهم ساسة الناس وعليهم القيام بمصالح العباد، وإقامة شرع الله في الأرض، ولهم فضل عظيم عند الله وعند الخلق إن قاموا بذلك، وإن لم يقوموا بواجبهم كانت ولايتهم وبالاً عليهم.
ما جاء في الخلفاء
شرح حديث الرؤيا التي فسرها أبو بكر عند النبي فقال (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الخلفاء. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق -قال محمد : كتبته من كتابه- قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: كان أبو هريرة يحدث: (أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أرى الليلة ظلة ينطف منها السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون بأيديهم، فالمستكثر والمستقل، وأرى سبباً واصلاً من السماء إلى الأرض، فأراك يا رسول الله! أخذت به فعلوت به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع، ثم وصل فعلا به، قال أبو بكر: بأبي وأمي لتدعني فلأعبرنها، فقال: اعبرها، قال: أما الظلة فظلة الإسلام، وأما ما ينطف من السمن والعسل فهو القرآن لينه وحلاوته، وأما المستكثر والمستقل فهو المستكثر من القرآن والمستقل منه، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به بعدك رجل فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع، ثم يوصل له فيعلو به، أي رسول الله! لتحدثني أصبت أم أخطأت؟ فقال: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، فقال: أقسمت -يا رسول الله- لتحدثني: ما الذي أخطأت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقسم). أورد أبو داود رحمه الله باباً في الخلفاء. والخليفة هو الذي يلي الأمر، ويقال له: خليفة؛ لأنه يكون خليفة لمن قبله، ولهذا لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع المسلمون أبا بكر صاروا يلقبونه بخليفة رسول الله، لأنه خلفه وقام بالأمر بعده، فيلقبونه: خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا اللقب اختص به؛ لأنه لما جاء عمر رضي الله عنه ثم عثمان ثم علي صار كل واحد منهم يقال له: أمير المؤمنين، وذلك لأن الإضافات ستكثر، فأبو بكر هو خليفة رسول الله، وعمر يصير خليفة خليفة رسول الله لو جعلت المسألة بالإضافة، و عثمان خليفة خليفة خليفة رسول الله، فتزاد كلمة، وعلي أيضاً يزيد كلمة، فهم بدلاً من هذه الإضافات اختاروا هذا اللقب الذي هو أمير المؤمنين، فصار أول من تلقب بلقب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، ثم صار يقال لكل واحد من الخلفاء: أمير المؤمنين، فالخلفاء هم الولاة الذين يلون الأمر وكل واحد يخلف الثاني، ويأتي خليفة من بعده، فأبو بكر جاء بعده عمر وخلفه وولي الناس من بعده، وكان ذلك بعهد إليه أي أن أبا بكر عهد إلى عمر وأوصى بأن يكون هو الخليفة من بعده، واعتبر هذا الاختيار من أعظم حسنات أبي بكر رضي الله عنه؛ لأنه اختار للمسلمين رجلاً قوياً شجاعاً حصل على يديه الخير الكثير حيث فتحت الفتوحات، واتسعت رقعة البلاد الإسلامية، وقضي على دولة الفرس، وحجّم دولة الروم، وأنفقت كنوز كسرى وفلول الروم في سبيل الله على يديه حيث أخذتها الجيوش المظفرة التي بعث بها وأتوا بها إلى المدينة، وتولى قسمتها بنفسه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم اختار الصحابة من بعده عثمان ثم بعد ذلك اختاروا علياً رضي الله تعالى عن الجميع؛ فهؤلاء هم أول الخلفاء، ثم جاء خلفاء من بعدهم. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه رأى ظلة في منامه، والظلة: الشيء الذي له ظل، والمقصود بذلك سحابة لها ظل، تنطف السمن والعسل، يعني: يتساقط منها سمن وعسل، والناس يتكففون بأكفهم هذا السمن والعسل الذي ينزل، (فمنهم المستقل ومنهم المستكثر) أي: منهم الذي حصل شيئاً كثيراً وقع في كفه، ومنهم من حصل له شيء قليل، قال: (ورأيت سبباً نزل من السماء)، والسبب هو: الحبل. قال: (فأخذت به)، يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم، (فعلوت به ثم أخذه رجل آخر من بعدك فعلا به، ثم آخر فعلا به، ثم آخر انقطع فعلا به) فأبو بكر رضي الله عنه بادر وقال: إنني أريد أن أعبر هذه الرؤيا، وطلب منه أن يأذن له فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (أما الظلة فظلة الإسلام)يعني: هذا الدين الذي جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأما كونها تنطف السمن والعسل فإن ذلك ما جاء به من القرآن، وأن الناس يتفاوتون في الأخذ من القرآن وفي العمل بما جاء في القرآن، فمنهم المستقل ومنهم المستكثر، يعني: على حسب ما يحصل منهم من التطبيق والتنفيذ لما جاء في القرآن، ثم الحبل الذي نزل من السماء وعلا به الرسول صلى الله عليه وسلم هو إشارة إلى ذهابه وإلى الخلفاء من بعده، وأبو بكر رضي الله عنه هو الذي يليه، ثم عمر ، ثم عثمان رضي الله عنه، ثم إنه يحصل ما يحصل له من قيام بعض الناس عليه وحصره في داره ثم قتله فيها، ثم إنه وصل بعد ذلك لعلي رضي الله عنه، يعني: علا به عثمان ثم انقطع، ثم وصل وجاء رجل آخر فعلا به وهو علي رضي الله عنه وأرضاه، فهذا هو تعبير هذه الرؤيا، ولما فسر أبو بكر رضي الله عنه هذا التفسير وعبرها بهذا التعبير قال: (أخبرني هل أصبت؟ قال عليه الصلاة والسلام: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، قال: أقسمت لتخبرني بذلك، قال له: لا تقسم) فقوله: لا تقسم أو قال: أقسمت، قيل: المقصود أنه قال: أقسمت ولم يقل: أقسمت بالله، ومثل هذا لا يعتبر قسماً، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقسم، ومن العلماء من يقول: إنه قسم، ولكن اليمين لا تبر إلا إذا كان يترتب على عدم الإبرار مضرة، وأما إذا كان عدم البر فيه مصلحة فإنها لا تبر اليمين، وليس كل من حلف على شيء أن يخبر به فإنه يلزم من حلف عليه الإخبار، فإنه إذا لم يكن في إخباره مصلحة فإنه يحنث في يمينه ويكفرها، وهو خير وأولى من أن يخبر بأمر لا ينبغي الإخبار عنه، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبره لأن في ذلك إشارة إلى ما حصل لعثمان رضي الله عنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أخبر به لكان في ذلك حزن وتأثير على الناس بمثل هذا الخبر، فأخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه بعد ذلك وقع وعرفه الناس بالوقوع، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله رداً على من تساءل بقوله: كيف لم يفسره الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يخبر به، ثم بعد ذلك يأتي الناس ويفسرونه؟ فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبر عن أمر سيقع لأنه يترتب عليه شيء، ولكنه بعدما وقع وبعدما ظهر والناس شاهدوه وعرفوه لم يعد هناك بأس أن يتحدث عنه الناس على ضوء ما وقع وعلى ضوء ما قد حصل. ومن قال: حلفت عليك أن تعمل كذا أو لا تعمل كذا، ما دام أنه ليس فيه (بالله) فهو ليس بحلف، وكلمة: حلفت أو أقسمت من دون أن يقول: (بالله) ما يعتبر قسماً، لكن حتى لو قال: أقسمت بالله، أو حلف عليه بالله أنه يخبره بسر من الأسرار التي لا ينبغي أن يخبره بها، فالذي حلف هو مخطئ في حلفه، وعليه أن يكفر عن يمينه، لكن الحديث ظاهره أنه ليس فيه حلف، يعني ليس فيه إلا كلمة: (أقسمت). أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقسم). معناه: نهي عن القسم في المستقبل، وليس بواضح أنه اعتبرها قسماً؛ لأن قوله: لا تقسم،تعني: لا يحصل منك قسم، لأنه هنا قال: (أقسمت) فقط. والرواية عند البخاري : (فوالله يا رسول الله! لتحدثني) هذا يوضح كلمة (أقسمت) ويكون الجواب مثل ما ذكر أنه ما يلزم أن كل من حلف تبر يمينه؛ لأن الإنسان قد يحلف على أن يخبر بسر لا ينبغي أن يخبر به. قوله: [ (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً) ]. الإصابة معروفة في مسألة الحبل، والاتصال بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم وبالنسبة للسمن والعسل والظلة، ولكن يبدو أن الشيء الذي أخطأه هو بيان ما جاء في آخر القصة، مما حصل لعثمان، وتفسيره له قوله: (وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به بعدك رجل فيعلو به) هذا على أنه أبو بكر وهذا طبعاً فيما يتعلق بالخلافة، مجرد كونه يحكم بالحق، وأنه يعلو به، أو يكون عالياً به، بل أيضاً حتى في نفس كونه خليفة، وأنه تبعه ومات بعده. وهكذا تفسير قوله: (ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به) على أنه عمر . وقوله: (ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع، فيوصل له فيعلو به). وهذا فيه إشارة إلى خلافة عثمان ، وابن القيم رحمه الله قال: إن البخاري ما عنده كلمة: (له)، وإنما عنده: (فينقطع)، ثم يوصل، يعني: يوصل لغيره وليس له، والمقصود من ذلك: علي رضي الله عنه والخلافة التي جاءت بعد عثمان، فذكر ذلك ابن القيم في تهذيب السنن حيث قال: البخاري ما جاء عنده (له)، بخلاف مسلم وغيره فإنه جاء عندهم: (فيوصل له)، ومعنى ذلك: أنه يرجع إلى السابق، بينما المقصود عند البخاري: أنه يرجع إلى الذي جاء بعده، لأنه هو انتهى بكونه قتل رضي الله عنه. وفي اللفظ هنا أنهم ثلاثة فقط: (ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع، ثم يوصل له فيعلو به) ولا يوجد رابع. قوله: [ (ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع، ثم يوصل له فيعلو به) ]. الخلافة في حقه قطعت بموته، بخلاف غيره فإن الأول مات، وتاليه قتل ولكنه ما قتل على الخلافة رضي الله عنهم، وأما هذا فقد قتل على الخلاف
شرح حديث (الرؤيا التي فسرها أبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان بن كثير عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة، قال: (فأبى أن يخبره) ] أورد أبو داود الحديث عن ابن عباس وفيه: (فأبى أن يخبره) ومعناه: أنه طلب منه أن يخبره والرسول ما أخبره، والألباني ضعف هذه الرواية، وسبب التضعيف هو سليمان بن كثير ؛ لأنه لا بأس به في غير الزهري ، وهنا روايته عن الزهري ، لكن قوله: (فأبى أن يخبره) هو مقتضى ما تقدم من أنه طلب وما تحقق له ذلك؛ لأن هذا إخبار عن الواقع، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما أخبره، وامتنع عن إخباره وقد طلب منه وأكد ذلك عليه.
تراجم رجال إسنادي حديث الرؤيا التي فسرها أبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً)
قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق ]. محمد بن يحيى بن فارس مر ذكره، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال محمد : كتبته من كتابه]. محمد هو الذهلي، وقوله: كتبته من كتابه، أي: من كتاب شيخه عبد الرزاق . [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. مر ذكره. [ عن عبيد الله بن عبد الله ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير هو العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره. والعادة أن أبا داود يروي عنه مباشرة، إلا أنه هنا روى عنه بواسطة. [ حدثنا سليمان بن كثير ]. هو سليمان بن كثير العبدي، وهو لا بأس به في غير الزهري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ]. مر ذكرهم. وهذا يعتبر مرسل صحابي؛ لأن الرواية السابقة تدل على ذلك. فهناك يقول: (كان أبو هريرة يحدث)، وهنا (عن عبد الله ).
شرح حديث (من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا، رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر ، فرجحت أنت بأبي بكر ، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر ، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ، ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله! رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت بأبي بكر ، ثم وزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ، ثم وزن عمر وعثمان فرجح عمر ، ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا مثل الذي قبله، يدل على خلافة الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الترتيب، وأن أبا بكر بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعمر بعد أبي بكر ، وعثمان بعد عمر رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. فهو دال على خلافتهم وعلى أن كل واحد منهم يأتي بعد الآخر، وأما ذكر أنهم رأوا الكراهية في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلعل ذلك لما يحصل لعثمان في آخر الأمر مما قد حصل ووقع.
تراجم رجال إسناد حديث (من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء...)
قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن العنزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ]. محمد بن عبد الله الأنصاري من كبار شيوخ البخاري ، ممن روى عنه الثلاثيات، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأشعث ]. الأشعث يحتمل أن يكون أشعث بن عبد الله الحداني ، أو أن يكون أشعث بن عبد الملك الحمراني ؛ لأن كلاً من هذين الاثنين روى عن الحسن البصري ، وروى عنه محمد بن عبد الله الأنصاري ، وكل منهما محتج به، فالحداني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن، والحمراني ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بكرة ]. أبو بكرة هو نفيع بن الحارث رضي الله عنه، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (أيكم رأى رؤيا؟.. فقال: خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: أيكم رأى رؤيا؟ -فذكر معناه، ولم يذكر الكراهية- قال: فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: فساءه ذلك- فقال: خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء) ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وما ذكر الكراهية، ولكن ذكر الاستياء، وهو بمعنى واحد، فكونه استاء أو أنهم رأوا الكراهية في وجهه معناهما واحد، وفيه أيضاً: أنه قال: (خلافة نبوة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء).
تراجم رجال إسناد حديث (أيكم رأى رؤيا؟... فقال: خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء)
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن علي بن زيد ]. هو علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ]. عبد الرحمن بن أبي بكرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. مر ذكره. وهذا الإسناد فيه ابن جدعان ، ولكن الحديث ثابت بالطريق التي قبله. وقوله: [ (خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء) ]. جاء ما يدل عليه، وهو حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء).
شرح حديث (أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن ابن شهاب عن عمرو بن أبان بن عثمان عن جابر بن عبد الله أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر قال جابر : فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما تنوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم). قال أبو داود : ورواه يونس وشعيب ، لما يذكرا عمرو بن أبان ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن عمر نيط بأبي بكر ، وعثمان نيط بعمر) فقالوا: أما الرجل الصالح -يعني أولوها- أن الرجل الصالح هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن هؤلاء الذين ذكروا من الخلفاء هم ولاة الأمر من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنوط بعضهم ببعض أي أن كل واحد يلي الآخر ويخلفه ويجيء بعده، فرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بعده أبو بكر ، ثم أبو بكر جاء بعده عمر ، ثم عمر جاء بعده عثمان . والحديث في إسناده ضعف من جهة أن الذي يروي عن جابر في بعض الطريق الموجودة مقبول، وأيضاً جاء عن بعض الرواة أن ذلك المقبول لم يذكر فيكون فيه انقطاع بين الزهري وبين جابر رضي الله تعالى عنه.
تراجم رجال إسناد حديث (أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم...)
قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا محمد بن حرب ]. هو محمد بن حرب الحمصي الأبرش، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزبيدي ]. الزبيدي هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن ابن شهاب ]. هو ابن شهاب محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن أبان ]. عمرو بن أبان مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : ورواه يونس وشعيب ، لم يذكرا عمرو بن أبان ]. قال أبو داود : ورواه يونس وشعيب عن الزهري ، ولم يذكرا عمرو بن أبان ، فيكون منقطعاً، والزهري لا يروي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فيكون منقطعاً، وعلى كل حال فهو إما منقطع وإما فيه ذلك الواسطة الذي هو مقبول ويحتاج إلى متابعة، ويونس هو ابن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وشعيب هو ابن أبي حمزة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (أن رجلاً قال: يا رسول! إني رأيت كأن دلواً دلي من السماء...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثني عفان بن مسلم حدثنا حماد بن سلمة عن أشعث بن عبد الرحمن عن أبيه عن سمرة بن جندب (أن رجلاً قال: يا رسول الله! إني رأيت كأن دلواً دلي من السماء، فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها، فشرب شرباً ضعيفاً، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان فأخذ عراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منها شيء) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه رأى كأن دلواً دلي، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بعراقي الدلو، والعراقي هي الخشبتان المعترضتان اللتان تربط بها أطراف الدلو، فهذه يقال لها: العراقي، قال: (فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شرباً ضعيفاً، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع). حتى تضلع، يعني: ملأ بطنه واتصل بطنه بضلعه من امتلاء البطن، وكذلك جاء عثمان فشرب حتى تضلع، ثم أخذها علي رضي الله عنه فانتشطت، يعني: اضطربت، فأصابه شيء منها، وهذا يدل على خلافة كل واحد منهم، وأن أبا بكر رضي الله عنه مدته وجيزة، و عمر مدته طويلة، وهي عشر سنوات وأشهر، و عثمان رضي الله عنه مدته اثنتا عشرة سنة، و علي رضي الله أربع سنوات وأشهر، ولكن الحديث في إسناده رجل فيه ضعف، وهو الذي يروي عن سمرة وهو مقبول.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً قال: يا رسول! إني رأيت كأن دلواً دلي من السماء...)
قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى هو أبو موسى العنزي الملقب بالزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثني عفان بن مسلم ]. هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن سلمة ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أشعث بن عبد الرحمن ]. أشعث بن عبد الرحمن صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه ]. مقبول أخرج له أبو داود . [ عن سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ثبوت حديث رؤيا النبي للبئر والنزع منها، ودلالة ذلك على خلافة أبي بكر وعمر)
ورد في الصحيحين (أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى أنه كان على بئر وأن معه دلواً فنزع بها ما شاء الله أن ينزع، فأخذها أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعه ضعف، ثم أخذها عمر فاستحالت غرباً، أي: دلواً كبيرة جداً، فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن) هذا ثابت في الصحيحين وفي غيرهما، وهو يدل على خلافة أبي بكر وأنها قصيرة، ويدل على خلافة عمر وأنها طويلة، وما حصل من النفع الكثير واتساع البلاد الإسلامية وقوة الإسلام وأهله في ذلك الزمان، حتى اتسعت رقعة البلاد الإسلامية، وفتحت الفتوحات الواسعة، وقضي على دولة الفرس وقوض دولة الروم، وهما الدولتان العظيمتان في ذلك الزمان، وأنفقت كنوز كسرى وقيصر ملكي الفرس والروم في سبيل الله، وذلك على يد الفاروق حيث أرسلت إليه في المدينة وتولى قسمتها رضي الله تعالى عنه وأرضاه. فالحديث الذي فيه رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف في حق أبي بكر و عمر ثابت في الصحيحين، وأما هذا الذي فيه نزول الدلو، وأن أبا بكر شرب شرباً ضعيفاً و عمر شرب حتى تضلع -يعني: حتى اتصل أو التصق بطنه بضلعه من امتلائه بالماء- وكذلك عثمان هذا الحديث فيه ضعف.
شرح قول مكحول (لتمخرن الروم الشام أربعين صباحاً...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن سهل الرملي حدثنا الوليد حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن مكحول قال: لتمخرن الروم الشام أربعين صباحاً لا يمتنع منها إلا دمشق وعمان ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن مكحول قال: لتمخرن الروم الشام أربعين صباحاً، يعني: أربعين يوماً، ومعناه: أنهم يجوبونها مثلما تمخر السفينة في الماء حيث تشقه وتمضي فيه، لا يمتنع منها إلا دمشق وعمّان، وهما مدينتان من مدن الشام مشهورتان معروفتان. ولا يظهر له مناسبة فيما يتعلق بالخلفاء، إلا إذا كان كما يقول صاحب العون: انقضاء الخلافة وظهور الفتن بعد زمن الخلفاء الراشدين. لكن وكما هو معلوم فإن كانت الخلافة الراشدة قد انتهت، إلا أن الخلافة استمرت بعدها، وحصل لها ثبات واستقرار، وكلام مكحول كلام تابعي، فهو ليس ثابتاً، ولا يقال: له حكم الرفع؛ لأنه ما هو بكلام صحابي، وإنما هو كلام تابعي، وهو كلام مرسل، ويجوز أنه أخذ من بعض الكتب أو القصص أو الحكايات، فلا يعتبر ولا يعول عليه؛ لأنه ما جاء فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو صح فيمكن أن يكون في المستقبل، ولا يقال: إنه بعد الخلافة الراشدة، لأنه بعد الخلافة الراشدة -كما هو معلوم- كانت الأمور مستقرة والمسلمون متمكنون من الشام، ولم يحصل للروم دخول بعد أن خرجوا منه في زمن عمر، ومعاوية رضي الله عنه بعدما حصل تنازل الحسن مكث في الخلافة عشرين سنة والأمر بيده، وأمر الإسلام ظاهر وقوي وعزيز، وقد غزوا البلاد المختلفة والجهاد ماض، والروم ما دخلوا بلاد الشام إلا دمشق وعمان، فالقول بأن الخلافة ضعفت بعد الخلفاء الراشدين غير صحيح.
تراجم رجال إسناد قول مكحول (لتمخرن الروم الشام أربعين صباحاً...)
قوله: [ حدثنا علي بن سهل الرملي ]. علي بن سهل الرملي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا الوليد ]. الوليد هو ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن عبد العزيز ]. سعيد بن عبد العزيز ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مكحول ]. مكحول هو الشامي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. و الألباني ضعف هذا الأثر، ولا أدري هل تضعيفه من جهة الوليد بن مسلم وأنه مدلس، أو شيء آخر، لكن كما هو معلوم من حيث الثبوت لا يعتبر ثابتاً؛ لأن هذا إخبار عن أمر مستقبل، وهذا لا يعتبر إلا إذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقال: إن له حكم الرفع؛ لأن هذا كلام تابعي، والصحابي إذا أخبر عن أمر ليس للرأي فيه مجال ولم يكن معروفاً بالأخذ بالإسرائيليات فإن له حكم الرفع -أي: كلام الصحابي- لأنه إخبار بالأمور المغيبة.
قول أبي الأعيس (سيأتي ملك من ملوك العجم...) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن عامر المري حدثنا الوليد حدثنا عبد العزيز بن العلاء أنه سمع أبا الأعيس عبد الرحمن بن سلمان يقول: سيأتي ملك من ملوك العجم يظهر على المدائن كلها إلا دمشق ]. أورد هذا الأثر عن عبد الرحمن بن سلمان قال: يأتي ملك من ملوك العجم يظهر على المدائن كلها إلا دمشق، وهذا مثل الذي قبله، يعني: هو كلام تابعي وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ولا كلام صحابي. قوله: [ حدثنا موسى بن عامر المري ]. موسى بن عامر المري صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود . [ عن الوليد عن عبد العزيز بن العلاء ]. الوليد بن مسلم تقدم، وعبد العزيز بن العلاء صوابه: عبد الله بن العلاء وهو عبد الله بن العلاء بن زبر، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أنه سمع أبا الأعيس عبد الرحمن بن سلمان ]. عبد الرحمن بن سلمان ، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وأخرج له أبو داود . والشيخ الألباني حكم عليه بأنه صحيح الإسناد مقطوع، والوليد بن مسلم صرح بالسماع هنا.
شرح حديث (موضع فسطاط المسلمين في الملاحم أرض يقال لها الغوطة..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا برد أبو العلاء عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (موضع فسطاط المسلمين في الملاحم أرض يقال لها: الغوطة) ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن مكحول ، وقد رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (موضع فسطاط المسلمين في الملاحم أرض يقال لها: الغوطة) وهي البساتين التي حول دمشق، والفسطاط معناه: الخباء، ومعنى ذلك: أن جيوش المسلمين تكون في ذلك المكان، وهذا مرسل؛ لأن التابعي إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.. فهذا هو المرسل في اصطلاح المحدثين، والمرسل ضعيف؛ لأنه يحتمل أن يكون الذي سقط صحابياً أو تابعياً، وعلى فرض أنه تابعي فيحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً، فهو من أجل احتمال أنه تابعي وأن التابعي يكون ضعيفاً أو ثقة اعتبر من قبيل الضعيف، ولو كان الساقط الصحابي فقط فلا يؤثر؛ لأن الصحابة كلهم عدول، ولهذا فقول صاحب البيقونية: ومرسل منه الصحابي سقط.. هذا الكلام غير مستقيم؛ لأنه لو كان السقوط للصحابي فقط ما كان هناك إشكال، ولكن الإشكال في كون المحذوف الساقط يحتمل أن يكون صحابياً وأن يكون تابعياً، وعلى احتمال أنه تابعي يكون ثقة أو ضعيفاً، لكن الحديث جاء عن أبي الدرداء بهذا اللفظ وزيادة، وقد سبق أن مر في باب المعقل من الملاحم، فيكون أثر مكحول صحيحاً بذاك الذي سبق أن مر وهو صحيح، وإلا لو كان الحديث ما جاء إلا من هذا الطريق فإنه لا يعتبر لكونه مرسلاً، ولكنه جاء من طريق أخرى غير هذا الطريق ومتصل، فيكون هذا له أصل في الصحيح.