[ابوالوليد المسلم]

الدرس التاسع والعشرون فضل ذكر الله

عفان بن الشيخ صديق السرگتي

إن أزكى الأعمال وخير الخصال وأحبَّها إلى الله ذي الجلال: ذكر الله تعالى، وتكاثَرت النصوص في الكتاب والسنة، وتضافرت الدلائل فيهما في الحث على ذكر الله، والأمر بذكره سبحانه بالكثرة وبيان ثواب المكثرين مِن ذكر الله في آيات كثيرة، وأحاديث عديدة؛ يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 41 - 43]؛يقول ابن عباس: فإذا فعلتم ذلك؛ أي: أكثرتم من ذكر الله تعالى، صلى الله عليكم وملائكته؛ ويقول الله تعالى: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]، ويقول الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45]؛ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى[1].

1) الذاكرون الله تعالى هم السباقون في ميدان السير إلى الله والدار الآخرة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)ي َسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ، فَقَالَ سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ[2].

2) وهؤلاء هم الذين أعدَّ الله لهم النزل الكريمة والثواب العظيم، ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35].

3) ذكر الله هو حياة القلوب, فلا حياة لها إلا به، عَنْ أَبي مُوسى قال: قال النبيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): مَثَلُ الَّذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والَّذي لا يَذْكُرُ مَثَلُ الحيِّ والميِّتِ[3].

4) وليس للقلوب قرارٌ ولا طمأنينة ولا هناءة ولا لذة، ولا سعادة - إلا بذكر الله تعالى، ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

5) ذكر الله تعالى هو الفرج بعد الشدَّة، واليسر بعد العسر، والفرح بعد الغم والهم، وهو تفريج الكربات، وتيسير الأمور، وتحقيق الراحة والسعادة في الدنيا والآخرة، وما عولِج كرب ولا أُزيلت شدَّة بمثل ذكر الله تبارك وتعالى، وقد كان نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يقول في الكرب: (لا إله إلا الله العظيم، لا إله إلا الله الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم).

6) ذكر الله جالب للنعم، جالب للنعم المفقودة, وحافظ للنعم الموجودة، فما استُجْلبت نعمة وما حُفظت نعمة بمثل ذكر الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

7) ذكر الله جلَّ وعلا محطُّ الأوزار وتكفير السيِّئات ورِفعة الدرجات، وعُلو المنازل عند الله تبارك وتعالى، فما حُطَّت الأوزار بمثل ذكره سبحانه، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): مَا عَمِلَ امْرُؤٌ بِعَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ[4].

8) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ[5].


9) وذكر الله تعالى غراس الجنة، فما غُرست الجنة بمثل ذكره، عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ[6]، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي, فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ, وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ, عَذْبَةُ الْمَاءِ, وَأَنَّهَا قِيعَانٌ, وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللهِ, وَالْحَمْدُ للهِ, وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, وَاللهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ[7].

10) ذكر الله كلمات خفيفة على اللسان لا تكلِّف العبد جهدًا، ولا يناله منها مشقة، إلا أن لها ثوابًا عظيمًا وأجرًا جزيلًا، وهي حبيبة إلى الله عزَّ وجلَّ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ[8].

11) ذكر الله جلَّ وعلا هو الطارد للشياطين والمخلِّص من وساوسها وشرورها وكيدها وحبائلها، ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 36].

[1] رواه الترمذي وقال الألباني صحيح.

[2] رواه مسلم.

[3]ـ رواه البخاري.

[4] رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني.

[5] رواه البخاري.

[6] رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني.

[7] رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني.

[8] رواه البخاري ومسلم.