عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 04-07-2025, 12:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,370
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [531]
الحلقة (561)





شرح سنن أبي داود [531]

إن الإيمان بالقدر أحد أصول الإيمان الستة، والقدر سر من أسرار الله عز وجل لا يجوز الخوض فيه، ولذلك لايجوز مجالسة أهل القدر، لما لهم من ضرر على من يجالسهم، وقد قدر الله تعالى أعمال العباد وآجالهم وأرزاقهم، وما يكونون عليه من السعادة أو الشقاوة، وهم في بطون أمهاتهم، وكل إنسان ميسر لما خلق له، ولا يفعل إلا ما شاءه الله وقدره؛ لأن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى، ولا يحتج بالقدر على المعاصي والغواية، فالهداية من فضل الله عز وجل والغواية من عدله.

شرح حديث: (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة ح وحدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان المعنى واحد، والإخبار في حديث سفيان عن الأعمش قال: حدثنا زيد بن وهب حدثنا عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات: فيكتب رزقه وأجله وعمله، ثم يكتب شقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) ]. سبق أن مر جملة من الأحاديث في باب القدر من سنن أبي داود وهذا حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هو من جملة تلك الأحاديث. فقوله رضي الله عنه: [ حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ] هذا ثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدح له بأنه صادق مصدوق صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذه الجملة اعتراضية بين قوله: [ حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم ] وبين الحديث: [ (إن خلق أحدكم يجمع) ] وقد قيل: إنها جملة حالية، وقال بعض الشراح: إن كونها اعتراضية أولى من كونها جملة حالية؛ لأن معنى الجملة الحالية أنه الصادق المصدوق في حال تحديثه لنا، ولكن إذا كانت جملة اعتراضية فالمعنى أنه متصف بهذا الوصف دائماً وأبداً، وأن هذا شأنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه دائماً، وليس ذلك مقيداً بحال تحديثه إياهم. قوله: [ (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً) أي: كل إنسان يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، أي: فيكون نطفة، وهي ماء مهين، فيمكث أربعين يوماً ثم يتحول إلى علقة، أي قطعة صغيرة من اللحم، ثم يتحول إلى مضغة بعد أربعين يوماً أخرى، فيكون على قدر ما يمضغه الآكل، أي يضعه في فمه، والمضغة هي الأكلة التي يضعها الآكل في فمه. فإذا كملت هذه الأطوار الثلاثة يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويكون عند ذلك مكوناً من جسد وروح، ويكون قد تخلق وصار على هيئة إنسان. قوله: [ (ويؤمر بأربع كلمات: فيكتب رزقه وأجله وعمله، ثم يكتب شقي أو سعيد) ] يعني أنه يكتب ما قدر الله عز وجل أن يكون له من رزق، سواءً كان مبسوطاً أو مضيقاً، ويكتب أجله، أي مدة حياته ومتى ينتهي أجله، وكذلك عمله الذي يعمله، وكذلك يكتب أنه شقي أو سعيد، فإما أن يكون من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة. وجاء في بعض الروايات أنه يقول: (ذكر يا رب أو أنثى؟) فيذكر له الحالة التي شاء الله تعالى أن يكون عليها من ذكورة أو أنوثة. وهذا فيه إثبات القدر، ومعلوم أن التقدير قد حصل في اللوح المحفوظ، وهذا تقدير آخر؛ لأنه قد جاءت أحاديث في ذكر تقديرات أخرى غير التقدير الأول الذي حصل في اللوح المحفوظ، والذي في اللوح المحفوظ هو الأصل وغيره تابع له. والمرء ينتهي إلى ما قدر له من السعادة أو الشقاوة، فيموت على ذلك، والعبرة بما مات عليه، وما قبل ذلك ليس هو المعتبر، فقد تكون الحال حسنة ثم تتغير إلى حال سيئة، فيختم له بالسوء، أو قد تكون الحال سيئة ثم يتحول إلى حال حسنة وينتهي أمره على أمر حسن، فالعبرة بالخواتيم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات: (وإنما الأعمال بالخواتيم) . وقد بين عليه الصلاة والسلام في آخر هذا الحديث أن من كان من أهل السعادة قد يعمل بعمل أهل النار طيلة حياته أو أكثر حياته، حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع، أي ما يكون بينه وبين الموت إلا شيء يسير، فيهتدي ويتوب إلى الله عز وجل ويعمل بعمل أهل الجنة، ثم يموت على حالة حسنة، ومن تاب تاب الله عليه، والتوبة تجب ما قبلها، فكل الذنوب التي حصلت من الإنسان إذا تاب منها في الحياة قبل أن يغرغر فإن التوبة تجبها. وعلى العكس من ذلك من يعمل بعمل أهل الجنة ويستمر عليها أكثر حياته، ثم يدركه الخذلان فيرجع عن الحق والهدى، فيرتد أو ينحرف عن الجادة، فيختم له بخاتمة سيئة، ولكن إذا كان الانحراف عن طريق ردة فإنه ليس له إلا النار، وإذا كان الانحراف عن طريق معاصٍ أو بدع غير كفرية فإن أمره إلى الله عز وجل، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة من أول وهلة، وإن شاء عذبه في النار على بدعته أو معصيته، ولكنه لابد أن يخرج من النار ويدخل الجنة، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلها. فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن العبرة بالنهاية، وأن من كان موفقاً حصل له التوفيق من الله عز وجل فيختم له به، ومن كان بخلاف ذلك حصل له الخذلان وختم له به.

أقسام الناس بالنسبة للبدايات والنهايات


الناس بالنسبة للبدايات والنهايات ينقسمون إلى أربعة أقسام: قسم وفق بأن ولد في الإسلام، ونشأ في الإسلام، واستمر على الإسلام، ووفق للأعمال الصالحة ودام عليها حتى توفاه الله عز وجل، فتكون حياته كلها معمورة بالصلاح والتقى. القسم الثاني الذي يقابله: وهو الذي ولد في الكفر، ونشأ على الكفر، واستمر على الكفر حتى مات عليه والعياذ بالله، فالبدايات سيئة والنهايات سيئة، والحياة كلها معمورة بالسوء، وبالكفر بالله عز وجل والإلحاد. القسم الثالث: الذي تكون بداياته سيئة وماضيه سيئاً، ثم يحصل له أن يختم له عند النهاية بخير، كالذي عمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فسبق عليه الكتاب، فعمل بعمل أهل الجنة فدخلها، وهذا مثل السحرة الذين كانوا مع فرعون، والذين كانت حياتهم كلها سحر وكفر، وفي آخر الأمر: قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى [طه:70] ثم قتلوا وانتهوا على خير، فكانت حياتهم معمورة بالكفر والسحر والخبث، وعند اقتراب الأجل حصل لهم الاهتداء ودخلوا في الحق الذي جاء به موسى، وآمنوا برب هارون وموسى، ثم قتلوا وصارت نهايتهم طيبة. القسم الرابع: من يكون في حياته على استقامة وعلى هداية، ثم يدركه الخذلان في الآخر عندما لم يبق على حياته إلا الشيء القليل، فيدركه الخذلان فيرتد عن الإسلام والعياذ بالله، ثم يموت على الردة، فيكون عمل بعمل أهل الجنة طيلة حياته، ولما لم يبق عليه إلا الشيء اليسير أدركه الخذلان وارتد عن الإسلام ومات على الردة، فيكون قد عمل بعمل أهل الجنة حتى لم يكن بينه وبينها إلا ذراع، فأدركه الخذلان فعمل بعمل أهل النار فدخلها. فهذه أقسام الناس الأربعة بالنسبة للبدايات والنهايات: فمنهم من بدايته ونهايته طيبة، ومنهم من بدايته ونهايته سيئة، ومنهم من بدايته حسنة ونهايته سيئة، ومنهم من بدايته سيئة ونهايته حسنة، والعبرة إنما هي بالخواتيم والنهايات التي ينتهي إليها الإنسان. والحديث فيه إثبات القدر، وأن كلاً سينتهي إلى ما قدر له من شقاوة وسعادة، وكل شيء قدره الله عز وجل سيأتي به الإنسان بإرادته ومشيئته التابعة لمشيئة الله عز وجل وإرادته.
معرفة نوع الجنين ليس من علم الغيب


في الحديث أيضاً دليل على أن الملك يعرف الذكر من الأنثى بعدما ينفخ الروح ويسأل ربه أهو ذكر أم أنثى، فيعلم الملك بذلك، وهذا يدل على أنه يمكن أن يعرف الناس الحمل هل هو ذكر أو أنثى وهو في بطن أمه، وأن هذا لا يعتبر من علم الغيب؛ لأن الملك ما دام قد عرف ذلك وهو مخلوق من مخلوقات الله فقد خرج ذلك عن أن يكون من علم الغيب الذي اختص الله تعالى به، فهو مما يعلمه الناس، ولكن قبل هذه الحال عندما يكون الجنين ماء مهيناً فإنه لا يعلم ذلك إلا الله عز وجل، ولكن إذا سأل الملك ربه: أذكر أو أنثى؟ وقيل له ذلك فحصل علم المخلوق بذلك، فيمكن للبشر أن يعرفوا ذلك عن طريق الأجهزة التي يعرفون بها كونه ذكراً أو أنثى، ولا يقال: إن هذا من علم الغيب، أو إن هذا اطلاع على علم الغيب، أو كلام في علم الغيب؛ لأنه خرج عن أن يكون من علم الغيب بمعرفة الملك بذلك.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً)


قوله: [ حدثنا حفص بن عمر النمري ]. حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا محمد بن كثير ]. ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد، ومحمد بن كثير هو العبدي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكل من شعبة في الإسناد الأول و سفيان الثوري في الإسناد الثاني وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا الوصف هو من ألفاظ التعديل العالية التي لا تحصل لكل أحد، ولا يظفر بها كل أحد، والذين وصفوا بها قليلون جداً. [ المعنى واحد والإخبار في حديث سفيان ]. معناه أن الرواية بالمعنى، وأن ألفاظهم ليست متفقة في الألفاظ، ولكنها متفقة في المعنى، والإخبار هو في حديث سفيان الذي هو شيخه الثاني. [ عن الأعمش ]. سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زيد بن وهب ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن مسعود ]. عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة



حكم إسقاط الجنين قبل نفخ الروح


السؤال: هل يجوز إسقاط النطفة أو العلقة قبل نفخ الروح فيها قبل المائة وعشرين يوماً؟ الجواب: حصول الحمل ينبغي أن يفرح به، وأن يحرص عليه؛ لأن من مقاصد الشريعة المكاثرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم مكاثر بأمته الأمم يوم القيامة، وفي تكثير المسلمين تكثير من يعبد الله عز وجل، ومن يكون على هذا الدين الحنيف، وهذا أمر مطلوب لا ينبغي للإنسان أن يتأثر منه، أو يحاول التخلص منه بإجهاض أو غير ذلك، وإنما عليه أن يفرح. وكم من الناس من يحرص على أن يحصل الحمل ولو مرة واحدة، ولا يتيسر له ذلك، بل قد يبذل كل ما يمكنه من أجل أن يظفر بهذا الشيء فلا يتيسر له ذلك، فالذي أكرمه الله عز وجل وجعله من أهل الإنجاب لا ينبغي أن يتساهل في ذلك، وأن يتهاون في ذلك، ولا ينبغي للإنسان أن يتعرض للنطفة أو يتعرض للحمل بإسقاطه، وإنما عليه أن يفرح به وأن يبقيه. وبعض أهل العلم قال: يجوز أن يسقط مادام في الشهر الأول، ولكن الذي ينبغي أن يحرص على النسل، وألا يتهاون فيه ولا يتساهل.

القدر الذي يكتبه الملك موافق لما في اللوح المحفوظ


السؤال: هل كتابة الملك تقدير آخر غير التقدير الموجود في اللوح المحفوظ أو هو موافق له؟ الجواب: الله أعلم! لكن الذي يبدو أنه موافق له.

معنى حديث: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس)


السؤال: جاء في بعض الروايات: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس) فما معناه؟ الجواب: نعم. ورد ذلك؛ لأن الناس لا يعرفون أحوال الناس إلا بالظاهر، ولا يعرفون البواطن، ولكن الناس يرون أنه عمل بعمل أهل الجنة على حسب ظاهره، وقد يظهر من الإنسان شيء وهو بخلاف ما يظهر، مثل شأن المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14].

بشارة بإسلام امرأة عجوز قبل وفاتها بأيام


السؤال: أبشركم بشارة خير أن لي جدة عمرها تسعة وتسعون سنة وهي على الكفر في أمريكا، وقبل وفاتها بثلاثة أيام أسلمت ثم ماتت بعد ذلك. الجواب: ما شاء الله! هذه بشارة طيبة، وهذه نهاية حسنة، وهذا مثال واضح من أمثلة القسم الذي يطابق ما كان عليه سحرة فرعون الذي كانت حياتهم كلها شر، وفي النهاية ختم لهم بخير وماتوا على خير، وهذه نرجو أن تكون قد ماتت على خير.
شرح حديث: (كل ميسر لما خلق له)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن يزيد الرشك قال: حدثنا مطرف عن عمران بن حصين قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! أعلم أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم، قال: ففيم يعمل العاملون؟ قال: كل ميسر لما خلق له) ]. أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: (أَعُلِمَ أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم) يعني هل عُلِموا بأن سبق بذلك القضاء والقدر من الله تعالى، وقد فرغ من ذلك؟ قوله: [ (قال: ففيم العمل؟)] أي إذا كان أهل الجنة قد علموا وأهل النار قد علموا ففيم العمل؟! فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كلاً ميسر لما خلق له، والمطلوب من العباد أن يعملوا، وقد بين الله لهم طريق الخير وطريق الشر، والذي سيكون من أهل الجنة سيعمل بالأعمال التي توصله إلى الجنة، والذي يكون من أهل النار سيعمل ويختار بمشيئته وإرادته الأعمال التي توصله إلى النار، وهذا جاء في عدة أحاديث، ومنها حديث علي الذي سبق أن مر بنا، وفيه أنه قيل لرسول الله: (أنعمل في أمر خلا ومضى أم في شيء يستأنف؟ قال: في شيء خلا ومضى، قيل: ففيم العمل؟ قال: إن أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ييسرون لعمل أهل النار)، وهذا يدلنا على أن الشقاوة والسعادة سبق بها القضاء والقدر. ومر بنا حديث ابن مسعود الذي قبل هذا وفيه أنه يكتب: شقي أو سعيد، ومعلوم أن كتابة الشقاوة والسعادة قد حصلت قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وهذا تقدير بعد تقدير، وهو مطابق لذلك التقدير.

تراجم رجال إسناد حديث: (كل ميسر لما خلق له)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد ، ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد الرشك ]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والرشك هو لقب له. [ حدثنا مطرف ]. مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمران بن حصين ]. عمران بن حصين رضي الله عنهما، وهو صحابي كنيته أبو نجيد ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (لا تجالسوا أهل القدر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ أبو عبد الرحمن حدثني سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني عطاء بن دينار عن حكيم بن شريك الهذلي عن يحيى بن ميمون الحضرمي عن ربيعة الجرشي عن أبي هريرة عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجالسوا أهل القدر، ولا تفاتحوهم) ]. أورد أبو داود هذا الحديث في النهي عن مجالسة أهل القدر، ومثلهم عامة المبتدعة، وذلك حتى لا يتأثر المرء بهم، لكونه ضعيفاً في العلم، أو يغتر بعباراتهم أو أخلاقهم الحسنة، أو يغتر غيره به فيطمئن إليهم ونحو ذلك. وقد جاء في حديث آخر: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كمثل حامل المسك ونافخ الكير … إلخ) وقال في جليس السوء: (فإنه إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تشم منه رائحة خبيثة)، فمجالسة الأشرار فيها مضرة على من يجالسهم، ولهذا فإن الابتعاد عنهم والحذر منهم فيه سلامة، والاتصال بهم إذا حصل لدعوة أو توجيه وإرشاد فهذا أمرٌ مقصود حسن، وشيء طيب، ولكن مجالستهم والاحتكاك بهم واستماع كلامهم، قد يجعل الإنسان يُبتلى بأن يصيبه ما أصابهم من البلاء فينتقل إليه منهم، ولهذا كان في البعد عنهم السلامة. قوله: [ (ولا تفاتحوهم) ] فسر بأن المفاتحة ألا يتحاكم إليهم، أي لا يرجع إليهم في الحكم؛ لأنهم أهل انحراف، وليسوا أهل استقامة، وفسر بأنهم لا يفاتحون بالمناظرة والمجادلة، وإنما يعرض عنهم، ولا يجالسهم؛ لأن المجالسة قد يترتب عليها حديث وكلام ومناظرة، وأخذ ورد، وقد يكون الإنسان ليس عنده قوة علمية يفحم بها الخصم، بل قد يبتلى بأن يعلق في ذهنه شيء من الشُبه التي ابتلي بها أولئك الذين ابتلوا بالقدر، لهذا قال: [ (لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم) ].

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تجالسوا أهل القدر)


قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو واحد من العبادلة الأربعة الذين إذا رووا عن ابن لهيعة قبلت روايتهم؛ لأنهم سمعوا منه قبل الاختلاط وهم: عبد الله بن يزيد هذا و عبد الله بن وهب و عبد الله بن مسلمة و عبد الله بن المبارك . [ حدثني سعيد بن أبي أيوب ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عطاء بن دينار ]. وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي . [ عن حكيم بن شريك الهذلي ]. وهو مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن يحيى بن ميمون الحضرمي ]. وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن ربيعة الجرشي ]. ربيعة الجرشي مختلف في صحبته، وثقه الدارقطني وغيره، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. [ عن عمر بن الخطاب ] وهو الصحابي الجليل، ثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد تساعي، فهو من أنزل الأسانيد عند أبي داود ، ومعلوم أن أعلى الأسانيد عند أبي داود الرباعيات، أي: أن يكون بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وأما مثل هذا الإسناد فهو من الأسانيد النازلة. وهذا الحديث ضعفه الألباني ، ولعله بسبب شريك بن حكيم الهذلي .
شرح ما يتعلق بالقدر من مقدمة الرسالة للقيرواني



مقدمة الكتاب


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، المبعوث رحمة للعالمين. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، الذين حفظ الله بهم الملة وأظهر الدين، وعلى من اتبعهم بإحسان وسار على نهجهم إلى يوم الدين. أما بعد:
عقيدة أهل السنة هي عقيدة النبي وأصحابه


عقيدة أهل السنة والجماعة تمتاز بالصفاء والوضوح والخلو من الغموض والتعقيد، وهي مستمدة من نصوص الوحي كتاباً وسنة، وكان عليها سلف الأمة، وهي عقيدة مطابقة للفطرة، ويقبلها العقل السليم الخالي من أمراض الشبهات، وذلك بخلاف العقائد الأخرى المتلقاة من آراء الرجال وأقوال المتكلمين، ففيها الغموض والتعقيد والخبط والخلط، وكيف لا يكون الفرق كبيراً والبون شاسعاً بين عقيدة نزل بها جبريل من الله إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبين عقائد متنوعة مختلفة خرج أصحابها المبتدعون لها من الأرض، وخلقهم الله من ماء مهين؟! فعقيدة أهل السنة والجماعة بدت وظهرت مع بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونزول الوحي عليه من ربه تعالى، وسار عليها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام ومن تبعهم بإحسان، والعقائد الأخرى لا وجود لها في زمن النبوة، ولم يكن عليها الصحابة الكرام، بل قد ولد بعضها في زمانهم وبعضها بعد انقراض عصرهم، وهي من محدثات الأمور التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). وليس من المعقول ولا المقبول أن يحجب حق عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، ويدخر لأناس يجيئون بعد أزمانهم، فتلك العقائد لو كان شيء منها خيراً لسبق إليه الصحابة، ولكنها شر حفظهم الله منه، وابتلي به من بعدهم. والحقيقة الواضحة الجلية أن الفرق بين عقيدة أهل السنة والجماعة المتلقاة من الوحي، وبين عقائد المتكلمين المبنية على آراء الرجال وعقولهم، كالفرق بين الله وخلقه، ومثل ذلك ما يكون به القضاء والحكم، فإنه يقال فيه: إن الفرق بين الشريعة الإسلامية الرفيعة المنزلة من الله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبين القوانين الوضعية الوضيعة التي أحدثها البشر كالفرق بين الله وخلقه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، فما بال عقول كثير من الناس تغفل عن هذه الحقيقة الواضحة الجلية فيما يُعتقد، والحقيقة الواضحة الجلية فيما يحكم به، فيستبدلون الذين هو أدنى بالذي هو خير؟ اللهم اهد من ضل من المسلمين سُبل السلام، وأخرجه من الظلمات إلى النور، إنك سميع مجيب!
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.47%)]