عرض مشاركة واحدة
  #877  
قديم 04-07-2025, 12:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,910
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تميز عقيدة أهل السنة على غيرها من العقائد المحدثة

ألف علماء السنة قديماً وحديثاً مؤلفات توضح عقيدة أهل السنة والجماعة، منها ما هو مختصر، ومنها ما هو مطول، وكان من بين هذه المختصرات مقدمة الإمام ابن أبي زيد القيرواني المالكي لرسالته، ومقدمة رسالته هي على طريقة السلف، وهي مختصرة مفيدة، والجمع بين الأصول والفروع في كتاب واحد نادر في فعل المؤلفين، وهو حسن يجعل المشتغل في فقه العبادات والمعاملات على علمٍ بالفقه الأكبر، الذي هو العقيدة على طريقة السلف، وهي مع وجازتها وقلة ألفاظها تبين بوضوح العقيدة السليمة المطابقة للفطرة، المبنية على نصوص الكتاب والسنة، وهي شاهد واضح للمقولة المشهورة: (إن كلام السلف قليل كثير البركة، وكلام المتكلمين كثير قليل البركة). ومن أمثلة ما في هذه المقدمة من النفي المتضمن إثبات كمال لله تعالى قوله في مطلع هذه المقدمة: (إن الله إله واحد لا إله غيره، ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا ولد له، ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا شريك له)، فإن هذه المنفيات عن الله عز وجل مستمدة من الكتاب والسنة، وهذا بخلاف النفي في كلام المتكلمين، فإنه مبني على التكلف، ومتصف بالغموض، ومن أمثلة ذلك قول صاحب العقائد النسفية: (ليس بعرض، ولا جسم، ولا جوهر، ولا مصور، ولا محدود، ولا معدود، ولا متبعض، ولا متجزئٍ، ولا متركبٍ، ولا متناه)، وهذه المنفيات لم ينص على نفيها كتاب ولا سنة، والواجب السكوت والإمساك عما لم يدل عليه دليل من الوحي، واعتقاد أن الله متصف بكل كمال، ومنزه عن كل نقص. ومثل هذه السلوب لا يفهمها العوام، ولا تطابق الفطرة التي هم عليها، وهي من تكلف المتكلمين، وفيها غموض وتلبيس، ويتضح ذلك بالإشارة إلى واحد منها وهو نفي الجسم، فإنه يحتمل أن يراد به ذات مشابهة للمخلوقات، وعلى هذا الاحتمال يرد اللفظ والمعنى جميعاً؛ لأن الله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]. وإن أريد به ذات قائمة بنفسها، مباينة للمخلوقات، متصفة بصفات الكمال، فإن هذا المعنى حق، ولا يجوز نفيه عن الله. وإنما يرد هذا اللفظ لاشتماله على معنى حق ومعنى باطل، وسيأتي في كلام المقريزي قوله عن الصحابة: (فأثبتوا رضي الله عنهم بلا تشبيه، ونزهوا من غير تعطيل، ولم يتعرض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا، ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت، ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل به على وحدانية الله تعالى، وعلى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، سوى كتاب الله، ولا عرف أحد منهم شيئاً من الطرق الكلامية، ولا مسائل الفلسفة). وسيأتي أيضاً في كلام أبي المظفر السمعاني قوله في بيان فساد طريقة المتكلمين: (وكان مما أمر بتبليغه التوحيد، بل هو أصل ما أمر به، فلم يترك شيئاً من أمور الدين أصوله وقواعده وشرائعه إلا بلغه، ثم لم يدع إلى الاستدلال بما تمسكوا به من الجوهر والعرض، ولا يوجد عنه ولا عن أحد من أصحابه من ذلك حرف واحد فما فوقه؛ فعرف بذلك أنهم ذهبوا خلاف مذهبهم، وسلكوا غير سبيلهم، لطريقٍ محدث مخترع لم يكن عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم، ويلزم من سلوكه العود على السلف بالطعن والقدح، ونسبتهم إلى قلة المعرفة، واشتباه الطرق؛ فالحذر من الاشتغال بكلامهم، والاشتراك بمقالاتهم، فإنها سريعة التهافت، كثيرة التناقض). وقول أبي المظفر السمعاني هذا أورده الحافظ ابن حجر في كتاب فتح الباري في شرح قول البخاري : (باب قوله الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67])، ونقل فيه عن الحسن البصري قال: (لو كان ما يقوله الجعد حقاً لبلغه النبي صلى الله عليه وآله وسلم). و الجعد بن درهم هو مؤسس مذهب الجهمية، ونسب الجهمية إلى جهم بن صفوان لأنه هو الذي أظهر هذا المذهب الباطل ونشره، وأقول كما قال الحسن البصري رحمه الله: لو كان ما يقوله الأشاعرة وغيرهم من المتكلمين حقاً، لبلغه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وقد رأيت أن أشرح هذه المقدمة شرحاً يزيد في جلائها ووضوحها، ويفصل المعاني التي اشتملت عليها، ورأيت أن أمهد لهذا لشرح بذكر عشر فوائد في عقيدة السلف، وقد نظم الشيخ أحمد بن مشرف الأحسائي المالكي المتوفى (سنة 1285هـ) مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني نظماً بديعاً سلساً، رأيت من المناسب إثباته مع نص المقدمة قبل البدء بالشرح، وقد سميت هذا الشرح: (قطف الجنى الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني). وأسأل الله عز وجل أن ينفع به كما نفع بأصله، وأن يوفق المسلمين للفقه في دينهم، والسير على ما كان عليه سلفهم في العقيدة والعمل، وأن يوفقني للسلامة من الزلل، ويمنحني الصدق في القول والإخلاص في العمل، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الإيمان بالقدر


قال ابن أبي زيد : (والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره، وكل ذلك قد قدره الله ربنا، ومقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه، علم كل شيء قبل كونه، فجرى على قدره، لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه، وسبق علمه به: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، يضل من يشاء فيخذله بعدله، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله، وكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره، من شقي أو سعيد، تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد، أو يكون لأحد عنه غنى، أو يكون خالق لشيء إلا هو، رب العباد، ورب أعمالهم، والمقدر لحركاتهم وآجالهم). شرح: الإيمان بالقدر أحد أصول الإيمان الستة المبينة في حديث جبريل المشهور، فإنه سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) أخرجه مسلم في صحيحه، وهو أول حديث في كتاب الإيمان، الذي هو أول كتب صحيحه، وجاء في إسناده أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حدث به عن أبيه للاستدلال به على الإيمان بالقدر، عندما سأله يحيى بن يعمر و حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أناس وجدوا في العراق ينكرون القدر، وأن الأمر أنف، فقال للسائل: (فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر)، ثم حدث بالحديث عن أبيه، وحديث جبريل عن عمر من أفراد مسلم ، وقد اتفق الشيخان على إخراجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

أدلة القدر من الكتاب والسنة


ثانياً: جاء في القرآن آيات كثيرة، وفي السنة أحاديث عديدة، تدل على إثبات القدر: قال الله عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، وقال: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]، وقال: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22]. وأما السنة فقد عقد كل من الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما كتاباً للقدر اشتمل على أحاديث عديدة في إثبات القدر، ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان). وروى مسلم بإسناده إلى طاوس أنه قال: أدركت أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقولون: كل شيء بقدر، قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز). والعجز والكيس ضدان، فنشاط النشيط وكسل الكسول وعجزه، كل ذلك بقدر، قال النووي في شرح الحديث: ومعناه أن العاجز قد قدر عجزه، والكيس قد قدر كيسه. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار، فقالوا: يا رسول الله! أفلا نتكل؟! فقال: اعملوا فكل ميسر، ثم قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى [الليل:5-6] إلى قوله: لِلْعُسْرَى [الليل:10]) رواه البخاري و مسلم من حديث علي رضي الله عنه. والحديث يدل على أن أعمال العباد الصالحة مقدرة، وتؤدي إلى حصول السعادة وهي مقدرة، وأعمالهم السيئة مقدرة، وتؤدي إلى الشقاوة وهي مقدرة، والله سبحانه وتعالى قدر الأسباب والمسببات، وكل شيء لا يخرج عن قضاء الله وقدره، وخلقه وإيجاده. وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فقال: يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهذا الحديث شرحه الحافظ ابن رجب في كتابه جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، وهو الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية.
مراتب القدر


ثالثاً: الإيمان بالقدر له أربع مراتب لابد من اعتقادها: المرتبة الأولى: علم الله الأزلي في كل ما هو كائن، فإن كل كائن قد سبق به علم الله أزلاً، ولا يتجدد له علم بشيء لم يكن عالماً به أزلاً، وقد سبق إيضاح هذه المرتبة عند الكلام على صفة علم الله في الفقرة رقم سبعة. الثانية: كتابة كل ما هو كائن في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء) رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. الثالثة: مشيئة الله وإرادته، فإن كل ما هو كائن إنما حصل بمشيئة الله، ولا يقع في ملك الله إلا ما أراده الله، فما شاءه الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال الله عز وجل: َإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [البقرة:117]، وقال: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]. الرابعة: إيجاد كل ما هو كائن وخلقه بمشيئة الله وفقاً لما علمه أزلاً، وكتبه في اللوح المحفوظ، فإن كل ما هو كائن من ذوات وأفعال هو في خلق الله وإيجاده، كما قال الله عز وجل: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16]، وقال وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96].
كيف يعلم الخلق بما هو مقدر


رابعاً: ما قدره الله وقضاه، وكتبه في اللوح المحفوظ، هو من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ويمكن أن يعلم الخلق ما هو مقدر بأحد أمرين: الأمر الأول: الوقوع؛ فإذا وقع شيء عُلم بأنه مقدر، لأنه لو لم يقدر لم يقع، فإنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. الثاني: حصول الإخبار من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمور تقع في المستقبل، مثل إخباره عن الدجال، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى بن مريم، وغيرها من الأمور التي تقع في آخر الزمان، فهذه الأخبار تدل على أن هذه الأمور لابد أن تقع، وأنه سبق بها قضاء الله وقدره، ومثل إخباره عن أمور تقع قرب زمانه صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذلك ما جاء في حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر و الحسن إلى جنبه، ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول: ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) رواه البخاري، وقد وقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عام واحد وأربعين للهجرة، حيث اجتمعت كلمة المسلمين وسمي عام الجماعة، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فهموا من هذا الحديث أن الحسن رضي الله عنه لن يموت صغيراً، وأنه سيعيش حتى يحصل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الصلح، وهو شيء مقدر علم الصحابة به قبل وقوعه.
الله خالق كل شيء ومقدره


خامساً: قوله: (والإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وكل ذلك قد قدره الله ربنا) جاء في حديث جبريل: (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره). والله سبحانه خالق كل شيء ومقدره، قال الله عز وجل: (( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ))، وقال: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:2]، فكل ما هو كائن من خير وشر، هو بقضاء الله وقدره، ومشيئته وإرادته. وأما ما جاء في حديث علي رضي الله عنه، في دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطويل، وفيه: (والخير كله في يديك، والشر ليس إليك) رواه مسلم ، فلا يدل على أن الشر لا يقع بقضائه وخلقه، وإنما معناه أن الله لا يخلق شراً محضاً لا يكون لحكمة، ولا يترتب عليه فائدة بوجه من الوجوه. وأيضاً: الشر لا يُضاف إليه استقلالاً، بل يكون داخلاً تحت عموم كما قال الله عز وجل: (( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ))، وقال: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، فيتأدب مع الله بعدم نسبة الشر وحده إلى الله، ولهذا جاء فيما ذكره الله عن الجن تأدبهم بنسبة الخير إليه، وذكر الشر على البناء للمجهول: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10].
الفرق بين المشيئة والإرادة الإلهيتين


سادساً: من مراتب القدر الأربع -كما مر قريباً- مشيئة الله وإرادته، والفرق بين المشيئة والإرادة: أن المشيئة لم تأت في الكتاب والسنة إلا لمعنىً كوني قدري، وأما الإرادة فإنها تأتي لمعنى كوني ومعنى ديني شرعي. ومن مجيئها لمعنى كوني قدري قوله تعالى: وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ [هود:34]، وقوله: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا [الأنعام:125]. ومن مجيء الإرادة لمعنى شرعي، قول الله عز وجل: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، وقوله: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6]. والفرق بين الإرادتين: أن الإرادة الكونية تكون عامة فيما يحبه الله ويسخطه، وأما الإرادة الشرعية فلا تكون إلا فيما يحبه الله ويرضاه، والكونية لابد من وقوعها، والدينية تقع في حق من وفقه الله، وتتخلف في حق من لم يحصل له التوفيق من الله. وهناك كلمات تأتي لمعنىً كوني وشرعي، منها: القضاء، والتحريم، والإذن، والكلمات، والأمر، وغيرها.. ذكرها ابن القيم وذكر ما يشهد لها من القرآن والسنة في كتابه ((شفاء العليل)) في الباب التاسع والعشرين منه.
ما قدره الله لا بد من وقوعه


سابعاً: ما قدره الله وقضاه، وكتبه في اللوح المحفوظ، لابد من وقوعه، ولا تغيير فيه، ولا تبديل، كما قال الله عز وجل: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (رفعت الأقلام، وجفت الصحف). وأما قول الله عز وجل: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، فقد فسر بأن ذلك يتعلق بالشرائع، فينسخ الله منها ما يشاء، ويثبت ما يشاء، حتى ختمت برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، التي نسخت جميع الشرائع قبلها. وفسر بالأقدار التي هي في غير اللوح المحفوظ، كالذي يكون بأيدي الملائكة، وانظر ((شفاء العليل)) لابن القيم في الأبواب الثاني والرابع والخامس والسادس، فقد ذكر في كل باب تقديراً خاصاً بعد التقدير في اللوح المحفوظ. وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر)، أخرجه الترمذي وحسنه، وهو في السلسلة الصحيحة للألباني ، فلا يدل على تغيير ما في اللوح المحفوظ، وإنما يدل على أن الله قدر السلامة من الشرور، وقدر أسباباً لتلك السلامة، والمعنى: أن الله دفع عن العبد شراً، وذلك مقدر بسببٍ يفعله وهو الدعاء، وهو مقدر، وكذلك قدر أن يطول عمر الإنسان، وقدر أن يحصل منه سبب لذلك، وهو البر وصلة الرحم. فالأسباب والمسببات كلها بقضاء الله وقدره، وكذلك يقال في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه) رواه البخاري و مسلم . وأجل كل إنسان مقدر في اللوح المحفوظ، لا يتقدم عنه ولا يتأخر، كما قال الله عز وجل: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:11]، وقال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، وكل من مات أو قتل فهو بأجله، ولا يقال كما قالت المعتزلة : إن المقتول قطع عليه أجله، وإنه لو لم يقتل لعاش إلى أجل آخر، فإن كل إنسان قدر الله له أجلاً واحداً، وقدر لهذا الأجل أسباباً، فهذا يموت بالمرض، وهذا يموت بالغرق، وهذا يموت بالقتل، وهكذا.
لا يحتج بالقدر على المعاصي


ثامناً: لا يجوز الاحتجاج بالقدر على ترك مأمور، ولا على فعل محظور، فمن فعل معصية لها عقوبة مقدرة محددة شرعاً، واعتذر عن فعله بأن ذلك قدر؛ فإنه يعاقب بالعقوبة الشرعية، ويقال له: إن معاقبتك بهذه العقوبة قدر. وأما ما جاء في حديث محاجة آدم وموسى في القدر، فليس من قبيل الاحتجاج بالقدر على فعل معصية، وإنما هو احتجاج على المصيبة التي كانت بسبب المعصية، فقد روى البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (احتج آدم وموسى فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، ثم تلومني على أمر قدر عليَّ قبل أن أخلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فحج آدم موسى مرتين). وقد عقد ابن القيم في كتابه ((شفاء العليل)) الباب الثالث للكلام على هذا الحديث، فذكر ما قيل في معناه من أقوال باطلة، وذكر الآيات التي فيها احتجاج المشركين على شركهم بالقدر، وأن الله أكذبهم؛ لأنهم باقون على شركهم وكفرهم، وما قالوه هو من الحق الذي أريد به باطل، ثم ذكر توجيهين لمعنى الحديث، أولهما لشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية ، والثاني من فهمه واستنباطه، فقال: (إذا عرفت هذا، فموسى أعرف بالله وأسمائه وصفاته من أن يلوم على ذنب قد تاب منه فاعله، فاجتباه بعده وهداه واصطفاه، وآدم أعرف بربه من أن يحتج بقضائه وقدره على معصيته، بل إنما لام موسى آدم على المصيبة التي نالت الذرية بخروجهم من الجنة، ونزولهم إلى دار الابتلاء والمحنة، بسبب خطيئة أبيهم، فذكر الخطيئة تنبيه على سبب المصيبة، والمحنة التي نالت الذرية، ولهذا قال له: (أخرجتنا ونفسك من الجنة) وفي لفظ: (خيبتنا) فاحتج آدم بالقدر على المصيبة، وقال: إن هذه المصيبة التي نالت الذرية بسبب خطيئتي كانت مكتوبة بقدره قبل خلقي، والقدر يحتج به في المصائب دون المعائب، أي: أتلومني على مصيبة قدرت عليَّ وعليكم قبل خلقي بكذا وكذا سنة، هذا جواب شيخنا رحمه الله. وقد يتوجه جواب آخر: وهو أن الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع ويضر في موضع، فينفع إذا احتج به بعد وقوعه والتوبة منه، وترك معاودته، كما فعل آدم فيكون في ذكر القدر من التوحيد ومعرفة أسماء الرب وصفاته وذكرها، ما ينتفع به الذاكر والسامع، لأنه لا يدفع بالقدر أمراً ولا نهياً، ولا يبطل به شريعة، بل يخبر بالحق المحض على وجه التوحيد والبراءة من الحول والقوة، يوضحه أن آدم قال لموسى: (أتلومني على أن عملت عملاً كان مكتوباً عليَّ قبل أن أخلق)؟! فإذا أذنب الرجل ذنباً ثم تاب منه توبة وزال أمره، حتى كأن لم يكن فأنبه مؤنب عليه ولامه، فحسن منه أن يحتج بالقدر بعد ذلك ويقول: هذا أمر كان قد قدر عليَّ قبل أن أخلق، فإنه لم يدفع بالقدر حقاً ولا ذكر حجة له على باطل، ولا محذور في الاحتجاج به. وأما الموضع الذي يضر الاحتجاج به ففي الحال والمستقبل، بأن يرتكب فعلاً محرماً أو يترك واجباً، فيلومه عليه لائم، فيحتج بالقدر على إقامته عليه وإصراره، فيبطل بالاحتجاج به حقاً ويرتكب باطلاً، كما احتج المصرون على شركهم فقالوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا [الأنعام:148]، وقالوا: لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ [الزخرف:20]، فاحتجوا به مصوبين لما هم عليه، وأنهم لم يندموا على فعله، ولم يعزموا على تركه، ولم يقروا بفساده، فهذا ضد احتجاج من تبين له خطأ نفسه، وندم وعزم كل العزم على ألا يعود، فإذا لامه لائم بعد ذلك قال: كان ما كان بقدر الله. ونكتة المسألة: أن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعاً فالاحتجاج بالقدر باطل.
أهل السنة وسط بين القدرية والجبرية


تاسعاً: قوله: (تعالى أن يكون في ملكه مالا يريد، أو يكون لأحد عنه غنىً، خالقاً لكل شيء إلا هو، رب العباد ورب أعمالهم، والمقدر لحركاتهم وآجالهم). الظاهر أن في قوله: (خالقاً لكل شيء إلا هو) سقطاً يدل عليه ما قبله، تقديره: وأن يكون خالقاً لكل شيء إلا هو، وفي هذه الجمل كلها رد على القدرية الذين يقولون: إن العباد يخلقون أفعالهم، وإن الله لم يقدرها عليهم، فإن مقتضى قولهم هذا أن أفعال العباد وقعت في ملك الله، وهو لم يقدرها، وأنهم بخلقهم لأفعالهم مستغنون عن الله، وأن الله ليس خالقاً لكل شيء، بل العباد خلقوا أفعالهم. والله سبحانه وتعالى خالق العباد وخالق أفعال العباد، فهو خالق الذوات والصفات، كما قال الله عز وجل: قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الرعد:16]، وقال: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62]، وقال: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]. ويقابل نفات القدر فرقة ضالة هم الجبرية الذين سلبوا عن العبد الاختيار، ولم يجعلوا لهم مشيئة وإرادة، وسووا بين الحركات الاختيارية والحركات الاضطرارية، وزعموا أن كل حركاتهم بمنزلة حركات الأشجار، وأن حركة الآكل والشارب والمصلي والصائم كحركة المرتعش، ليس للإنسان فيها كسب ولا إرادة، وعلى هذا فما فائدة إرسال الرسل وإنزال الكتب؟! ومن المعلوم قطعاً أن للعبد مشيئة وإرادة، يحمد على أفعاله الحسنة ويثاب عليها، ويذم على أفعاله السيئة ويعاقب عليها، وأفعاله الاختيارية ينسب إليه فعلها وكسبها، وأما الحركات الاضطرارية كحركة المرتعش، فلا يقال: إنها فعل له، وإنما هي صفة له، ولهذا يقول النحويون في تعريف الفاعل: هو اسم مرفوع يدل على من حصل منه الحدث، أو قام به، ومرادهم بحصول الحدث الأفعال الاختيارية التي وقعت بمشيئة العبد وإرادته، ومرادهم بقيام الحدث ما لا يقع تحت المشيئة، كالموت والمرض والارتعاش ونحو ذلك، فإذا قيل: أكل زيد وشرب وصلى وصام، فزيد فيها فاعل حصل منه الحدث، الذي هو الأكل والشرب والصلاة والصيام، وإذا قيل: مرض زيد أو مات زيد أو ارتعشت يده، فإن الحدث ليس من فعل زيد ، وإنما هو وصف قام به. وأهل السنة والجماعة وسط بين الجبرية الغلاة في الإثبات، والقدرية النفاة، فأهل السنة أثبتوا للعبد مشيئة، وأثبتوا للرب مشيئة عامة، وجعلوا مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، كما قال الله عز وجل: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]. فلا يقع في ملك الله ما لم يشأه الله، بخلاف القدرية القائلين: إن العباد يخلقون أفعالهم، ولا يعاقب العباد على أشياء لا إرادة لهم فيها ولا مشيئة كما هو قول الجبرية . وبهذا يجاب عن السؤال الذي يتكرر طرحه وهو: هل العبد مسير أو مخير؟ فلا يقال: إنه مسير بإطلاق، ولا مخير بإطلاق، بل يقال: إنه مخير باعتبار أن له مشيئة وإرادة، وأعماله كسب له يثاب على حسنها ويعاقب على سيئها، وهو مسير باعتبار أنه لا يحصل منه شيء خارج عن مشيئة الله وإرادته وخلقه وإيجاده.
الهداية من فضل الله والغواية من عدله

قوله: (يضل من يشاء فيخذله بعدله، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله، فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيد). هداية كل مهتدٍ وضلال كل ضال كل ذلك حصل بمشيئة الله وإرادته، والعباد قد بين الله لهم طريق السعادة وطريق الضلالة، وأعطاهم عقولاً يميزون بها بين النافع والضار، فمن اختار طريق السعادة فسلكه انتهى به إلى السعادة، وقد حصل ذلك بمشيئة العبد وإرادته التابعة لمشيئة الله وإرادته، وذلك فضل من الله وإحسان، ومن اختار طريق الضلالة وسلكه انتهى به إلى الشقاوة، وقد حصل ذلك بمشيئة الله وإرادته التابعة لمشيئة الله وإرادته، وذلك عدل من الله سبحانه، قال الله عز وجل: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10] أي طريقي الخير والشر، وقال: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3]، وقال: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف:17]. والهداية هدايتان: هداية الدلالة والإرشاد، وهذه حاصلة لكل أحد. وهداية التوفيق، وهي حاصلة لمن شاء الله هدايته. ومن أدلة الهداية الأولى قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] أي: إنك تدعو كل أحد إلى الصراط المستقيم. ومن أدلة الهداية الثانية قول الله عز وجل: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]. وقد جمع الله بين الهدايتين في قوله: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس:25]، فقوله: (( وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ )) أي كل أحد، فحذف المفعول لإرادة العموم، وهذه هي هداية الدلالة والإرشاد، وقوله: (( وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )) أظهر المفعول لإرادة الخصوص، وهي هداية التوفيق.
مناظرة أبي إسحاق الإسفرائيني وعبد الجبار المعتزلي في القدر


أورد شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في سورة الشمس حكايتين توضحان فساد مذهب المعتزلة في باب القضاء والقدر، فقال: ولما تناظر أبو إسحاق الإسفرائيني مع عبد الجبار المعتزلي قال عبد الجبار : سبحان من تنزه عن الفحشاء! وقصده أن المعاصي كالسرقة والزنا بمشيئة العبد دون مشيئة الله؛ لأن الله أعلى وأجل من أن يشاء القبائح في زعمهم، فقال أبو إسحاق : كلمة حق أريد بها باطل، ثم قال: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء! فقال عبد الجبار : أتراه يخلقه ويعاقبني عليه؟! فقال أبو إسحاق : أتراك تفعله جبراً عليه؟! أأنت الرب وهو العبد؟ فقال عبد الجبار : أرأيت إن دعاني إلى الهدى وقضى علي بالردى، أتراه أحسن إليَّ أم أساء؟ فقال أبو إسحاق : إن كان الذي منعك منه ملكاً لك فقد أساء، وإن كان له فإن أعطاك ففضل، وإن منعك فعدل! فبهت عبد الجبار ، وقال الحاضرون: والله ما لهذا جواب! وجاء أعرابي إلى عمرو بن عبيد وقال: ادع الله لي أن يرد لي حمارةً سرقت مني، فقال: اللهم إن حمارته سرقت ولم ترد سرقتها فارددها عليه، فقال الأعرابي: يا هذا! كف عني دعاءك الخبيث، إن كانت سرقت ولم يرد سرقتها فقد يريد ردها ولا ترد! انتهى ما يتعلق بالقدر، وهذا هو الذي كتبناه عن القدر في شرح مقدمة كتاب الرسالة لابن أبي زيد القيرواني ."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.77%)]