عرض مشاركة واحدة
  #895  
قديم 04-07-2025, 04:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

الخوارج حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام

قوله: [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام) ]. ما تقدم عنه رضي الله عنه كان تمهيداً لبيان حرصه على رواية ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرصه على أدائه كما سمعه، وأن سقوطه من السماء أهون عليه من أن يكذب على رسول صلى الله عليه وسلم، بل هو يتحرز ويتحرى ويحتاط، ويأتي بالكلام الذي يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحسن وجه، وعلى أتم وجه، احتراماً لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرصاً على أدائه كما سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فبين بعد ذلك هذا الكلام الذي سمعه في الخوارج. وحدثاء الأسنان هم صغار الأعمار، أي أنهم شبان، ووصفهم بأنهم حدثاء الأسنان معناه أنهم ما تقدمت بهم السن حتى يجربوا الأمور كما جربها وعرفها من تقدم به العمر، فإن الشباب يحصل في بعضهم شيء من التسرع أو الإقدام على أشياء تكون عاقبتها غير محمودة؛ وذلك لأنه ما حصل عندهم الثبات في الرأي، والثبات في الحق. ووصفهم أيضاً بأنهم سفهاء الأحلام، وذلك مأخوذ من السفه، والأحلام هي العقول، قال تعالى: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الطور:32]. قوله: [ (يقولون من قول خير البرية)]. هذا يوضح معنى ما سبق فيما تقدم من الأحاديث: (يحسنون القيل ويسيئون الفعل)، فهم يتكلمون كلاماً حسناً أو كلاماً جميلاً, وهو أن عندهم اشتغالاً بالقرآن، وعناية بالقرآن، ولكن حصل لهم الانحراف عن فهم القرآن، فصاروا بلاء على أهل الإسلام وحرباً لأهل الإسلام؛ ولهذا حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منهم وبين فضل قتالهم، وأن قتلهم فيه أجر عظيم وثواب جزيل من الله سبحانه وتعالى. وخير البرية هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم يقولون من قوله، وكذلك يقرءون القرآن، ويشتغلون بقراءته. وقوله: [ (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) ]. قد مر معناه. قوله: [ (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)]. الخطاب هنا للصحابة ومن يأتي بعدهم، وهذا فيه بيان فضيلة قتلهم، وأن من قتلهم يؤجر على ذلك لأنه ساعد في القضاء على فتنة قامت على الإسلام والمسلمين.
تراجم رجال إسناد حديث علي في فضل قتال الخوارج


قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان بن سعيد الثوري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خيثمة ]. خيثمة بن عبد الرحمن ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سويد بن غفلة ]. وهو مخضرم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و سويد بن غفلة كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: إنه قدم إلى المدينة في اليوم الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يصدق عليه أن يقال: كاد أن يكون صحابياً، فليس ما بينه وبين الصحبة إلا شيئاً يسيراً؛ لأنه قدم المدينة والناس ينفضون أيديهم بعد دفن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان معمراً، وقد ذكر في ترجمته أنه كان يصلي بالناس التراويح في رمضان وعمره مائة وعشرون سنة، وذكر مثل هذا في ترجمة المعرور بن سويد ، قالوا: إنه بلغ مائة وعشرين سنة، وكان أسود شعر الرأس واللحية، وهما -أي: سويد بن غفلة و المعرور بن سويد - قد أدركا الجاهلية والإسلام ولم يلقيا النبي عليه الصلاة والسلام. وقريب منها ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة في تعريف الصحابي أنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام. قال: وهل يلحق به من رآه بعد أن توفي وقبل أن يدفن، كما ذُكِر أن أبا ذؤيب الهذلي الشاعر حصل له ذلك؟ قال: هذا محل خلاف، وإن صح- يعني هذا الخبر- فالأوجه أنه لا يعتبر صحابياً؛ لأنه إنما يعتبر صحابياً من رآه في حياته عليه الصلاة والسلام. [ قال علي ]. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة. فإن قيل: هل يجوز قتل الخوارج بدون إذن الإمام؟ فالجواب: لا يجوز القتل بدون إذن الإمام؛ لأن القتل يسبب القتل، ولكن القتل بطريقة مشروعة هو المشروع، أما القتل باغتيالات وبأمور فيها تعد وتجاوز، هذا يؤدي إلى اختلاط الأمور، وليس كل إنسان يفهم الخارجي ويميزه عن غيره، فقد يتهم شخص شخصاً أو جماعة ويزعم أنهم خوارج، فلذلك إنما يكون الأمر بالقتل من الإمام حيث يرى المصلحة في القتل والقتال.
شرح حديث زيد بن وهب في قتال الخوارج


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل قال: أخبرني زيد بن وهب الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي عليه السلام الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي عليه السلام: أيها الناس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئاً، ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئاً، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئاً، يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم، وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. لو يعلم الجيش يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم، لنكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلاً له عضد وليست له ذراع، على عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض)! أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذارريكم وأموالكم؟ والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم الله. قال سلمة بن كهيل : فنزلني زيد بن وهب منزلاً منزلاً حتى مر بنا على قنطرة، قال: فلما التقينا، وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي فقال لهم: ألقوا الرماح وسلوا السيوف من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء. قال: فوحشوا برماحهم، واستلوا السيوف، وشجرهم الناس برماحهم، قال: وقتلوا بعضهم على بعضهم، قال: وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان، فقال علي عليه السلام: التمسوا فيهم المخدج ، فلم يجدوا. قال فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناساً قد قتل بعضهم على بعض، فقال: أخرجوهم. فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر وقال: صدق الله وبلغ رسوله. فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين! والله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو! حتى استحلفه ثلاثاً وهو يحلف ].
اجتهاد الخوارج في العبادة وانحرافهم عن الجادة


أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وهو يتعلق بقتال الخوراج أيضاً، وفيه أن زيد بن وهب الجهني كان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه الذين ساروا إلى الخوارج، وقد كان يحدث بذلك سلمة بن كهيل ، فذكر أن علياً رضي الله عنه خطب الناس وقال: أيها الناس! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن، ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئاً). وهذا من جنس ما جاء في بعض الروايات: (تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وقراءتكم عند قراءتهم)، ومعناه أن هذا الذي يعمله المسلمون الذين هم على السنة، وعلى طريقة صحيحة من العبادة قليل إذا قورن بما عند الخوارج من اجتهاد في العبادة، ولذلك يحقر الناس صلاتهم إلى صلاة الخوارج، وصيامهم إلى صيامهم، وأعمالهم إلى أعمالهم، ومعناه: أنهم مجتهدون في العبادة، ولكنهم منحرفون عن الجادة، بعقائدهم الفاسدة، وبشبههم الباطلة، وفهمهم للقرآن على غير حقيقته، وخروجهم على جماعة المسلمين وقتالهم، وكونهم يحسنون القول ويسيئون الفعل، ولذلك خطب علي رضي الله عنه وأرضاه بالناس وبين لهم أحوال هؤلاء وقال: إنه يرجو أن يكون هؤلاء هم الذين أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يكون هو الذي وفق لقتالهم. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه هو الذي وفق لقتالهم، حيث قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق) وقد قاتلهم علي رضي الله عنه وأرضاه، وهذا الحديث فيه بيان قتلهم وانتصاره عليهم، فقد قتل الكثيرين منهم حتى صاروا أكواماً بعضهم فوق بعض، ولم يُصَب من المسلمين إلا رجلان. قوله: [ (يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم، وهو عليهم) ]. أي: أنهم يفهمونه على غير وجهه، فهم كما قال الله عز وجل: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8]، فهم يظنون أنهم على شيء وهم بخلاف ما ظنوا؛ يظنون أنهم على حق وهم على باطل؛ للشبه التي عرضت لهم، وللباطل الذي أشربته قلوبهم. قوله: (لا تجاوز صلاتهم تراقيهم) ] تقدم في الأحاديث السابقة: (لا تجاوز قراءتهم) وتقدم: (لا يجاوز إيمانهم) وذكر هنا الصلاة، والصلاة من الإيمان، والمراد أنهم يعملون أعمال الجوارح ولكن الاعتقاد فاسد؛ وهذا يوضح معنى قول الله عز وجل في سورة الغاشية: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً [الغاشية:2-4]؛ لأنهم أهل عبادة، وأهل نصب، وأهل تعب، ولكنهم والعياذ بالله ليسوا على هدى، وإنما هم على ضلالة، ولذلك جاء في الحديث أنهم كلاب النار.
عظيم الأجر لمن قاتل الخوارج


قوله: [ لو يعلم الجيش يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل ]. أي: لنكلوا عن الأعمال الأخرى، وصار اشتغالهم بهم، وفي بعض النسخ: (لاتكلوا على العمل) أي لاتكلوا على هذا العمل، وهو قتال الخوارج؛ لأنهم حصلوا الأجر العظيم بذلك فيتكلون عليه، وهذا مثلما جاء في بعض الأحاديث من التحذير من إخبار الناس ببعض الأمور التي قد تجعلهم يتركون العمل، ومن ذلك ما جاء في حديث معاذ الذي ذكر فيه حق الله على العباد، وحق العباد على الله، قال: أفلا أبشر الناس؟ قال: (لا تبشرهم فيتكلوا). وهذا فيه بيان أن على الإنسان ألا يغتر بكونه عمل شيئاً مما يتعلق بالوعد، ويغفل جانب الوعيد، وإنما عليه أن يُعمل أحاديث الوعد وأحاديث الوعيد، فيكون خائفاً راجياً؛ لأن بعض الناس يتجه إلى أحاديث الوعد -كما فعلت المرجئة- ويهمل جانب الوعيد، وبعض الناس يتجه إلى أحاديث الوعيد -كما فعلت المعتزلة والخوارج- ويهمل جانب الوعد، والواجب هو الاعتدال والتوسط، فأهل السنة والجماعة يأخذون بأحاديث الوعد والوعيد، فيعملون بجميع النصوص.
صفة الرجل الذي هو علامة على الخوارج


قوله: [ وآية ذلك أن فيهم رجلاً له عضد وليست له ذراع، على عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض ]. يعني: علامة هؤلاء الخوارج الذين يقاتلون ويقتلون أن فيهم رجلاً له عضد وليست له ذراع، أي أن ذراعه غير موجودة، ولكن له عضد في رأس عضده لحمة كحلمة ثدي المرأة، وعليه شعرات بيض. فلما وقع قتالهم وقتلهم علي رضي الله عنه أمر أن يبحث عن هذا الشخص الذي هو علامة على الخوارج، وأنهم هم الذين عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فبحثوا عنه فلم يجدوا، فقام بنفسه وصار يبحث حتى وجد كوماً من القتلى بعضهم فوق بعض، فأمر بأن يزاح بعضهم عن بعض حتى وجدوه أسفلهم مما يلي الأرض، فكبر عند ذلك فرحاً وسروراً. وهذا يدل على مشروعية التكبير في حال الفرح لا التصفيق مثلما يفعله بعض الناس، فالتكبير هو الذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلما فعل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن قال: (أني أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة. فكبروا! قال: نصف أهل الجنة. فكبروا!) أي قالوا: الله أكبر، فرحاً وسروراً. ولما أشيع أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، وكان عمر في مزرعة له، جاء وبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى وجده في مكان مرتفع معتزلاً نساءه، فدخل عليه وسأله: (أطلقت نساءك يا رسول الله؟! فقال: لا، فكبر عمر) أي قال: الله أكبر؛ فرحاً وسروراً؛ لأن هذه الإشاعة التي أشيعت غير صحيحة. وهنا كبَّر علي رضي الله عنه ثم قال: (صدق الله وبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم) وهذا يدلنا على أن ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو من عند الله، وأن السنة من عند الله، وليست من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه وحي غير متعبد بتلاوته كالقرآن، وإلا فإن القرآن من الله، وهو كلامه، والسنة هي من الله عز وجل معنى، واللفظ هو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو مبلغ عن الله سبحانه وتعالى، كما قال: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. فقول علي رضي الله عنه: (صدق الله وبلغ رسوله)؛ لأن ما ذكره عن الرجل المخدج ليس موجوداً في القرآن، وإنما جاء في السنة، أي فالرسول صلى الله عليه وسلم بلغ ما أوحى إليه من عند الله عز وجل. ومما يوضح ذلك أيضاً الحديث الذي جاء فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر للشهيد كل شيء) ثم إنه قال: (إلا الدين سارني به جبريل آنفاً) يعني أن هذا الاستثناء جاء به جبريل وساره به، معنى ذلك أنه من عند الله وليس من عنده عليه الصلاة والسلام.
تقديم علي قتال الخوارج على قتال معاوية وأهل الشام


قوله: [ أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذارريكم وأموالكم؟ ]. يريد من ذلك أن هؤلاء هم الذين يقاتلون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهم ما قال، وأيضاً: لو ذهب الناس إلى الشام لقتال معاوية وتركوا هؤلاء لخلفهم هؤلاء في ذارريهم وفي أهليهم ولأفسدوا. قوله: [ والله! إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم ]. يعني الذي قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال، فهو يرجو أن يكونوا هم هؤلاء الذي هو بصدد قتالهم. قوله: [ فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس ]. أي: من إساءة العمل أنهم يسفكون الدم الحرم، ويغيرون في سرح الناس، والسرح هي البهائم التي تذهب في الصباح مع الرعاة، يعني: أنهم يغيرون على الإبل أو الغنم التي تسرح فيأخذونها. قوله: [ فسيروا على اسم الله ]. يعني على بركة الله، مستعينين بالله ومتوكلين عليه، وهذا يدل على ابتداء الأعمال بذكر الله، وأن العامل يستحضر الله عز وجل ويذكر ربه سبحانه وتعالى؛ ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أوصاه بتقوى الله وقال: (اغزوا باسم الله، قاتلوا من كفر بالله) كما في الحديث الطويل الذي رواه مسلم عن بريدة بن حصيب .
وصف المعركة التي وقعت بين علي والخوارج


قوله: [ قال سلمة بن كهيل : فنزلني زيد بن وهب منزلاً منزلاً ]. يعني: بعدما ذكر كلام علي رضي الله عنه وخطبته وما حصل منه، قص عليه القصة من حين خرجوا إلى أن وصلوا إلى الخوارج وقاتلوهم. قوله: [ حتى مر بنا على قنطرة ]. يعني: وهم في طريقهم إلى الخوارج. قوله: [ قال: فلما التقينا، وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي ]. يعني: فلما التقى علي رضي الله عنه بجيشه مع الخوارج، وكان أميرهم عبد الله بن وهب الراسبي. قوله: [ قال لهم: ألقوا الرماح، وسلوا السيوف من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء، قال: فوحشوا رماحهم ]. هذه وصية من رئيس الخوارج لأصحابه بأن يلقوا الرماح -أي: يرموها- ويسلوا السيوف لقتال المسلمين؛ لأنه يخاف أن يكون هناك تفاهم من غير قتال كما وقع يوم حروراء، فهو يريد من أصحابه أن يسلوا السيوف حتى تكون في متناول أيديهم ولا يشتغلوا بالرماح، وإنما يمشون بالسيوف حتى يصلوا إلى المسلمين. فألقوا رماحهم، وسلوا سيوفهم أخذاً بوصيته، فرماهم أصحاب علي رضي الله عنهم وأرضاهم بالرماح قبل أن يصلوا إليهم، ثم التحموا معهم وقتلوا منهم المقتلة العظيمة، ولم يصب من المسلمين إلا اثنان كما ذكر في هذا الحديث. ومعنى: (وحشوا برماحهم) أي: أنهم تركوها وأخذوا السيوف، فاستعمل المسلمون الرماح، فأصابوهم قبل أن يصلوا إليهم، ولما وصلوا إليهم التحموا معهم واستأصلوهم، ولذلك قال: (وشجرهم الناس برماحهم). أي: أصابهم الناس برماحهم. قوله: [ وقتلوا بعضهم على بعضهم ]. أي: حتى ركب بعضهم فوق بعض لكثرة القتلى، فصاروا أكواماً. قوله: [ قال: وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان ]. أي: من أصحاب علي رضي الله عنه. قوله: [ فقال علي رضي الله عنه: التمسوا فيهم المخدج ]. أي: لما انتهى الأمر ووضعت الحرب أوزارها، وانتصر علي رضي الله عنه ومن معه عليهم، أمر بأن يبحث عن هذا المخدج الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب العضد الذي ليس له ذراع، وفيه تلك اللحمة التي في طرفها حلمة كلحمة ثدي المرأة، وعليها شعيرات بيض. فالتمسوه فلم يجدوه، فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناساً قد قتل بعضهم على بعض فقال: أخرجوهم. فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر، وقال: صدق الله وبلغ رسوله. قوله: [ فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين! والله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو! حتى استحلفه ثلاثاً، وهو يحلف ]. وعبيدة السلماني من أصحابه، وهو من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم فاستحلف علياً قال: والله الذي لا إله إلا هو إنك سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حتى كرر ذلك ثلاثاً، يريد من ذلك أن يسمع الناس بهذا الخبر، وأن عملهم هذا على صواب، وأنهم الجيش الذين ورد الوعد له بالأجر العظيم من الله، وأن هذا الشخص الذي رأوه بالكيفية التي وصفها علي قبل أن يروه، قد وجد طبقاً لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالمقصود من استحلاف عبيدة علياً وتكرار ذلك ثلاثاً أن يسمع الناس، وحتى يتحقق الأمر لكثير من الناس بهذا التكرار.
تراجم رجال إسناد حديث زيد بن وهب في قتال الخوارج


قوله: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق ]. الحسن بن علي و عبد الرزاق مر ذكرهما. [ عن عبد الملك بن أبي سليمان ]. صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سلمة بن كهيل ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني زيد بن وهب الجهني ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فقال علي عليه السلام ]. علي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
شرح حديث أبي الوضيء في قتال الخوارج


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن جميل بن مرة قال: حدثنا أبو الوضيء قال: قال علي عليه السلام: اطلبوا المخدج -فذكر الحديث- فاستخرجوه من تحت القتلى في طين. قال أبو الوضيء : فكأني أنظر إليه حبشي عليه قريطق، له إحدى يدين مثل ثدي المرأة، عليها شعيرات مثل شعيرات التي تكون على ذنب اليربوع ]. أورد الحديث من طريق أخرى، وفيه أن علياً طلب المخدج فوجدوه تحت القتلى في طين، ومعناه أن الأرض فيها رطوبة، وأن هذا في الأسفل، وغيره فوقه. قوله: [ قال أبو الوضيء : فكأني أنظر إليه حبشي ]. أي أنه كان معهم. قوله: [ عليه قريطق ]. القريطق هو القباء، وهو نوع من اللباس. قوله: [ له إحدى يدين مثل ثدي المرأة، عليها شعيرات مثل شعيرات التي تكون على ذنب اليربوع ]. في الطريق الأول قال: (عليه شعيرات بيض) وهنا قال: (شعيرات مثل الشعيرات التي تكون على ذنب اليربوع) يعني أنها طويلة، مثل التي تكون في ذنب اليربوع، وهو من دواب البر، وهو قصير اليدين طويل الرجلين، يشبه الفأر ولكنه صيد وحلال، وأيضاً: طريقته في حفر الجحر تختلف عن غيره من الحيوانات؛ ولهذا يقولون في تعريف النفاق إنه مأخوذ من نافقاء اليربوع؛ لأنه يكون في جحر له بابان، باب واضح، وباب خفي تكون عليه قشرة من تراب، وإذا جاءه عدو من جهة الباب المفتوح خرج من الباب الثاني، بأن ينفض التراب الذي في الجهة الثانية ويهرب. فالذين يصيدونه يعرفون طريقة جحره؛ ولهذا يبحثون عن النافقاء أولاً، ثم يأتونه من الجحر، ويدخلون عليه شيئاً يحركه، فإذا خرج أمسكوا به.
تراجم رجال إسناد حديث أبي الوضيء في قتال الخوارج

قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد بن حساب ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد بن درهم البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جميل بن مرة ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو الوضيء ]. وهو عباد بن أسيد ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة. [ قال علي عليه السلام ]. علي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
شرح أثر أبي مريم في صفات الرجل المخدج


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا بشر بن خالد حدثنا شبابة بن سوار عن نعيم بن حكيم عن أبي مريم قال: إن كان ذلك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد نجالسه بالليل والنهار، وكان فقيراً، ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي رضي الله عنه مع الناس، وقد كسوته برنساً لي. قال أبو مريم : وكان المخدج يسمى نافعاً ذا الثدية ، وكان في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي، عليه شعيرات مثل سبالة السنور. قال أبو داود : وهو عند الناس اسمه حرقوس ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن أبي مريم وهو قيس المدائني الثقفي ، وهذا الأثر يبين فيه أنه رأى ذلك الشخص وأنه كان يعرفه، وأنه كان يجلس معهم في المسجد، وأنه كان فقيراً يحضر طعام علي رضي الله عنه فيأكل مع الناس، وأنه كساه برنساً، ثم وصف يده وذراعه، وأن فيه اللحمة التي عليها شعيرات مثل سبال السنور: أي: القط، وهي شعرات طويلة تكون في وجهه. وهذا أثر يقال له مقطوع؛ لأنه ينتهي إلى أبي مريم ، والمقطوع: هو ما انتهى متنه إلى من دون الصحابي؛ لأن المتن إذا انتهى إلى الصحابي فهو موقوف، وإذا انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع، وإذا انتهى إلى من دون الصحابي فهو مقطوع، وهذا وصف للمتن، وهو غير المنقطع؛ لأن المنقطع من صفات الإسناد، وأما المقطوع فهو من صفات المتن.
تراجم رجال إسناد أثر أبي مريم في صفات الرجل المخدج


قوله: [ حدثنا بشر بن خالد ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شبابة بن سوار ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نعيم بن حكيم ]. وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في رفع اليدين و أبو داود و النسائي في خصائص علي . [ عن أبي مريم ]. وهو قيس المدائني الثقفي ، وهو مجهول، أخرج له البخاري في رفع اليدين و أبو داود و النسائي في الخصائص. وهذا الأثر ضعيف، من جهة أن الشخص الذي ينتهي إليه الإسناد مجهول."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.01%)]