عرض مشاركة واحدة
  #898  
قديم 04-07-2025, 04:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح حديث (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمناً وإيماناً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مهدي عن بشر -يعني: ابن منصور - عن محمد بن عجلان عن سويد بن وهب عن رجل من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه، قال: (ملأه الله أمناً وإيماناً) لم يذكر قصة: (دعاه الله)، زاد: (ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه -قال بشر : أحسبه قال:- تواضعاً كساه الله حلة الكرامة، ومن زوج لله تعالى توجه الله تاج الملك) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسم لا هو ولا ابنه الراوي عنه، وهو نحو الذي قبله، ولكن فيه (ملأه الله أمناً وإيماناً) يعني: أنه قال: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمناً وإيماناً) بدل: (دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء) ، وهذا لأنه كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه فهذا هو العمل في الدنيا، والجزاء في الآخرة في الحديث الأول: (دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين) وهنا قال: (ملأه الله أمناً وإيماناً). قوله: [ زاد: (ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه -قال بشر : أحسبه قال:- تواضعاً، كساه الله حلة الكرامة) ]. وهذا الذي ورد هنا إن كان المقصود (بالجمال) الشهرة أو الشيء الذي فيه تكلف وزيادة وإسراف فهذا مذموم، وإن كان المراد به أنه جمال متوسط ليس فيه تجاوز، وليس فيه إسراف فإن ذلك أمر محمود ومطلوب، وقد ثبت في صحيح مسلم : (إن الله جميل يحب الجمال)، وجاء في ذلك أحاديث عديدة، ولكن كما هو معلوم أن الاعتدال والتوسط في الأمور هو المطلوب. قوله: [ (ومن زوج لله تعالى توجه الله تاج الملك) ]. يعني: زوج شخصاً من أجل صلاحه وتقواه، وفعل ذلك من أجل الله عز وجل: (توجه الله تاج الملك) يعني: جزاءً في الآخرة. والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده ذلك الرجل المبهم وهو ابن ذلك الصحابي، وفيه أيضاً الراوي عن ابن الصحابي فيه كلام.
تراجم رجال إسناد حديث (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمناً وإيماناً...)


قوله: [ حدثنا عقبة بن مكرم ]. عقبة بن مكرم ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بشر يعني: ابن منصور ]. بشر بن منصور صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن محمد بن عجلان ]. محمد بن عجلان صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سويد بن وهب ]. سويد بن وهب مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن رجل من أبناء الصحابة ]. وهو مبهم لم يسم، فالمبهم هو الذي يأتي في سند الحديث ويقال: رجل أو امرأة، وأما إذا قيل: فلان، دون أن يقال: ابن فلان، فهذا يقال له: مهمل، مثل: سليمان بن المغيرة الذي مر بنا، ومثل: عبد الرحمن بن مهدي هنا، حيث قال: عبد الرحمن يعني: ابن مهدي ، فالتلميذ لم ينسبه، فيقال له: مهمل، وأما إذا ذكر بوصف كونه رجلاً أو امرأة فإن هذا يقال له: مبهم، وهو غير معروف العين. [ عن أبيه ]. وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (ما تعدون الصرعة فيكم...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تعدون الصرعة فيكم؟ قالوا: الذي لا يصرعه الرجال، قال: لا، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تعدون الصرعة فيكم؟ قالو: الذي لا يصرعه الرجال) يعني: الذي يصرع الرجال ولا يصرعه الرجال، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب) يعني: هذا هو الصرعة في الحقيقة، وإن كان فيما يتعلق بقوة الجسم والنشاط والغلبة وكونه يغلب غيره هو صرعة أيضاً، ولكن الصرعة في الحقيقة الذي يملك نفسه عند الغضب، وقد جاء في بعض الروايات: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) يعني: الذي يقدر على أن يملك نفسه وهو الذي يكظم غيظه كما مر قريباً، فيتحمل ويصبر ولا يندفع عند الغضب فيسترسل ويحصل منه أمور لا تحمد عقباها سواءً كانت قولية أو فعلية. فالصحابة رضي الله عنهم لما سألهم قالوا: الذي يصرع الرجال، يعني: أنه قوي، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الصرعة على الحقيقة -وإن كان ذاك صرعة-: (الذي يملك نفسه عند الغضب)؛ ولذلك جاء في بعض الروايات: (ليس الشديد بالصرعة) يعني: ليس الشديد بالصرعة في الحقيقة، وإن كان هو صرعة، (ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، فهذا هو الصرعة في الحقيقة. وهذا من جنس بعض الألفاظ التي تأتي والمقصود بها بيان من هو المتصف بهذا الوصف على الحقيقة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه) يعني: هذا هو المسكين حقاً؛ لأن الذي يمد يده هذا وإن كان مسكيناً إلا أنه حصل شيئاً عن طريق مد اليد، لكن المسكين على الحقيقة الذي ليس عنده شيء يأكله، ولا يمد يده للناس، ولا يفطن الناس له فيتصدقون عليه، فيبقى في قلة ذات يد، ويبقى غير واجد لما يحتاج إليه، هذا هو المسكين حقاً، فهذا من جنسه. وكذلك قوله: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس عندنا الذي لا درهم له ولا متاع) ، فهذا هو مفلس في الدنيا فليس عنده درهم ولا متاع، ولكن المفلس في الحقيقة هو المفلس في الآخرة، ولذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)، وكذلك ما جاء في الحديث: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها).
تراجم رجال إسناد حديث (ما تعدون الصرعة فيكم...)


قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ]. هو عبد الله بن محمد ، وهو أخو عثمان بن أبي شيبة الذي يأتي ذكره كثيراً عند أبي داود ، وأما أبو بكر فوجوده في رواة أبي داود بالنسبة لأخيه قليل. و أبو بكر بن أبي شيبة هو الشخص الذي لم يرو مسلم في صحيحه أكثر مما روى عنه، إذ روى عنه أكثر من ألف وخمسمائة حديث، وهو أعلى رقم ذكر أن الإمام مسلم رواه عن شيخ من شيوخه، ويليه أبو خيثمة زهير بن حرب ، فإنه روى عنه أكثر من ألف ومائتين حديث، و أبو بكر بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبو معاوية ]. أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ،وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم التيمي ]. هو إبراهيم بن يزيد التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويوافقه في الاسم واسم الأب إبراهيم النخعي ، فاسمه إبراهيم بن يزيد النخعي ، وهذا إبراهيم بن يزيد التيمي ، و إبراهيم النخعي هو الذي يأتي ذكره كثيراً في الروايات، وإذا جاء إبراهيم غير منسوب سواءًَ كان في كتب الفقه أو في كتب الحديث فإنه يراد به النخعي ، كما جاء في بعض الروايات: قال إبراهيم : [ كانوا يضربوننا على اليمين والعهد ونحن صغار ]، فإذا جاء إبراهيم في كتب الفقه أو في كتب الحديث مهملاً فإن المراد به إبراهيم النخعي . [ عن الحارث بن سويد ]. الحارث بن سويد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ما يقال عند الغضب



شرح حديث (...إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده من الغضب...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقال عند الغضب. حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: (استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فغضب أحدهما غضباً شديداً حتى خيل إلي أن أنفه يتمزع من شدة غضبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجده من الغضب، فقال: ما هي يا رسول الله؟! قال: يقول: اللهم! إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، قال: فجعل معاذ يأمره، فأبى ومحك، وجعل يزداد غضباً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب ما يقال عند الغضب]، أي: ما يقال من أجل أن يمنع الغضب أو يخفف الغضب أو ينهي الغضب، وذلك هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فهناك أقوال، وهناك أفعال تكون عند الغضب، فالأقوال: هي الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والأفعال: هي أن يتوضأ الإنسان، وإذا كان قائماً أن يجلس، وإذا كان جالساً أن يضطجع، أو يقوم ويخرج ويترك المكان الذي وقع فيه الخصام والنزاع الذي حصل بسببه الغضب، فكل هذه الأمور تفعل عند الغضب وهي تخلص من الأمور السيئة التي تترتب على الغضب، فالإنسان قد يخرج عن شعوره ويتكلم بكلام شديد وقاس، وقد يخرج منه شيء وهو لا يشعر بسبب إفراطه في الغضب. فالمقصود من الترجمة أنه عند الغضب يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويفعل أيضاً أفعالاً أخرى تخفف من وطأة الغضب وشدته أو تنهيه. وأورد أبو داود حديث معاذ رضي الله عنه أن رجلين استبا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كل واحد يسب الآخر، فجعل أحدهما يشتد غضبه حتى كاد أنفه يتقطع من الغضب، يعني: أنه أحمر وجهه وانتفخ وصار على هيئة سيئة جداً حتى كان أنفه أن يتمزق أو يتقطع من شدة الغضب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد، قالوا: ما هي يا رسول الله؟! قال: يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم) لأن الغضب من الشيطان فكون الإنسان يسترسل مع الغضب فإنه يحصل منه كلام أو فعل لا تحمد عاقبته؛ ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل قال: (أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب) وذلك لما يترتب على الغضب من الأمور الخطيرة والأمور السيئة التي لا تحمد عقباها سواءً كانت قولية أو فعلية، وقد يهذي بشيء لا يعقله بسبب تمكن الغضب منه واستيلائه عليه، وقد يصل به الحال إلى أنه لا يعقل ما يقول والعياذ بالله، فجعل معاذ يأمره بأن يقولها، وهو مصر ومشتد في غضبه، ولم يحصل منه فعل ما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وأنه لو قاله لذهب عنه ما يجد. والحديث في إسناده انقطاع، ولكنه صحيح من حيث الجملة؛ لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن ذلك ينفعه، وهو من الأسباب التي تخفف وطأة الغضب على الإنسان.
تراجم رجال إسناد حديث (...إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده من الغضب...)


قوله: [ حدثنا يوسف بن موسى ]. يوسف بن موسى صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ حدثنا جرير بن عبد الحميد ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن عمير ]. عبد الملك بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذ بن جبل ]. معاذ بن جبل رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والحديث فيه انقطاع بين عبد الرحمن و بين معاذ رضي الله تعالى عنه، ولكن جاءت أحاديث أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معناه، وهو كون الإنسان يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيكون ذلك من أسباب انتفاء غضبه، وطرد الشيطان عنه، وسلامته من الغضب.

شرح حديث (...إني لأعرف كلمة لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن سليمان بن صرد قال: (استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف كلمة لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال الرجل: هل ترى بي من جنون؟) ]. أورد أبو داود حديث سليمان بن صرد وهو مثل قصة الرجل الذي قبله، وهو أنه غضب وأحمرت عيناه وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه الذي يجد) فقيل له فيها: هل ترى بي من جنون، يعني: حتى أقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فاستولى عليه الغضب وتمكن منه حتى صار لا يأخذ بما يقال له، ولا يدري ما يقول، وهذا بمعنى الحديث الذي قبله، والحديث الذي قبله فيه انقطاع، وحديث سليمان بن صرد هذا شاهد له؛ لأنه بمعناه وهو صحيح.
تراجم رجال إسناد حديث (...إني لأعرف كلمة لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد...)


قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عدي بن ثابت ]. في بعض الطبعات جاء في السند (حدثنا معاوية) بدل (حدثنا أبو معاوية) وهو خطأ، والصحيح ما أثبتناه هنا. عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن صرد ]. سليمان بن صرد رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (...إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية قال حدثنا داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبي ذر أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع) ]. أورد أبو داود حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، وإن كان جالساً فليضطجع) ، لأنه إذا كان قائماً فقد يؤدي ذلك إلى أن يتصرف بالانتقال والحركة والتقدم والتأخر؛ بسبب الهيجان، ولكنه إذا كان جالساً فإنه يكون أخف مما إذا كان قائماً، ولكنه أيضاً إذا اشتد به الغضب وهو جالس فيضطجع؛ لأن هيئة اضطجاعه أخف من هيئة جلوسه؛ لأن هيئة الجلوس يكون معها القدرة والنشاط والتمكن من الفتك، أو القيام بأفعال غير محمودة، ولكنه إذا اضطجع فإن ذلك يخف في حقه، وهذه من الطرق الفعلية التي يكون بها التخلص من شدة الغضب، وعدم الوقوع فيما لا تحمد عاقبته بسبب الغضب.
تراجم رجال إسناد حديث (...إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام الفقيه. [ حدثنا أبو معاوية حدثنا داود بن أبي هند ]. داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي حرب بن أبي الأسود ]. أبو حرب بن أبي الأسود ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي ذر ]. هو أبو ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس...) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن داود عن بكر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا ذر بهذا الحديث). قال أبو داود : هذا أصح الحديثين ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى مرسلة؛ لأن بكر بن عبد الله المزني تابعي وهو الذي أسند الحديث إلى رسول الله وأرسله، ولم يذكر الصحابي، وقال أبو داود : إن هذا الطريق أصح من الطريق السابق، ولكن الحديث صحيح بالمرسلة وبالمتصلة. قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن خالد ]. هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن داود عن بكر ]. داود مر ذكره. و بكر بن عبد الله المزني تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته في (تهذيب التهذيب) كلمة عظيمة حيث قال: إياك من الكلام ما إن أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظن بأخيك. أي: إن أصبت لم تحصل الأجر على كونك ظننت بأخيك شيئاً، ولكنك إن أخطأت فإنك تأثم؛ لأنك ظننت به شيئاً ليس فيه، فتكون آثماً لظنك الذي ظننته فيه وهو ليس فيه.
شرح حديث (إن الغضب من الشيطان...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا بكر بن خلف و الحسن بن علي المعنى، قالا: حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا أبو وائل القاص قال: دخلنا على عروة بن محمد السعدي فكلمه رجل فأغضبه، فقام فتوضأ، ثم رجع وقد توضأ، فقال حدثني أبي عن جدي عطية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) ]. أورد أبو داود حديث عطية بن عروة السعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من نار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ). معناه: أن هذا من الوسائل التي يكون بها تخفيف الغضب؛ لأن الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من نار، والنار يطفئها الماء، فكون الإنسان يتوضأ فإنه يخفف من وطأة الغضب عليه. فهناك جملة من الأشياء التي تمنع من الغضب، كالجلوس لمن كان قائماً، والاضطجاع لمن كان جالساً، والوضوء، وكذلك كون الإنسان يخرج ويترك المكان الذي فيه المخاصمة والمشادة والمنازعة.
تراجم رجال إسناد حديث (إن الغضب من الشيطان...)

قوله: [ حدثنا بكر بن خلف ]. بكر بن خلف صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و ابن ماجة . [ و الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا إبراهيم بن خالد ]. إبراهيم بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو وائل القاص ]. أبو وائل القاص وثقه ابن معين ، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ دخلنا على عروة بن محمد السعدي ]. عروة بن محمد السعدي مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثني أبي ]. أبوه هو محمد بن عطية ، صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن جدي عطية ]. عطية صحابي، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . والحديث في إسناده هذا الرجل المقبول، ولكن معناه صحيح.
الأسئلة



الجمع بين قوله (اذهب حيث أمرتك) وقوله (ما قال لي لشيء لم أفعله لم لم
تفعل كذا؟)


السؤال: قوله في الحديث الأول: (يا أنيس ! اذهب حيث أمرتك) ألا يعارض قول: أنس في آخره: (ما قال لي لشيء لم أفعله: لم لم تفعل كذا؟ أو لشيء فعلته: لم فعلت كذا؟) ؟ الجواب: هذا بيان أن هذا هو الغالب على فعله صلى الله عليه وسلم، ولكنه هنا أمره بأمر وأكده عليه فقال: (اذهب حيث أمرتك) فهو أولاً أمره، ثم قال: (اذهب حيث أمرتك)، فهو تأكيد للأمر السابق، فقد كان صغيراً وشاهد الصبيان يلعبون فوقف عندهم.

النهي عن تذكير الغضبان بالله إذا خشي منه التمادي


السؤال: في بعض الأحيان عندما يغضب بعض الناس فيقول له أخوه: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو أي دعاء آخر، أو يذكره بالله، ربما سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم. فهل الأولى عدم قول ذلك للشخص الغاضب حتى لا يتسبب بما هو أعظم؟ الجواب: نعم، إذا كان هذا معروفاً عنه فإنه لا يقال له ذلك؛ لأن هذا يؤدي إلى ما هو أخطر، فعندما يؤمر بالمعروف يأتي بأنكر المنكر، وهو كونه يسب الله، فإذا كان هذا شأنه فإنه لا يقال له شيء، وإذا كان هذا يزيد الطين بلة، ويزيد الشر شراً فإنه لا يقال له شيء من ذلك، والله تعالى يقول: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108] ، فسب آلهة المشركين هو من أحق الحق، ولكنه إذا كان يؤدي إلى أبطل الباطل وهو سب الله فإنهم لا يسبون؛ لئلا يسب الله.

جزاء المرأة في الآخرة عند كظمها لغيظها


السؤال: إذا كانت الكاظمة للغيظ امرأة فهل تخير من الحور العين كما جاء في حق الرجل؟ الجواب: الحور العين هن أصلاً نساء، ولكنها لا شك أنها إذا دخلت الجنة فهي تنسى كل شيء في الدنيا، كما جاء في الحديث: (أنه يؤتى بأنعم أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل مر بك خير؟ فيقول: ما مر بي خير قط) أي: أنه ينسى كل النعيم الذي جاءه في الدنيا، وعكسه من حصل له البؤس والفقر والفاقة، فإنه يغمس في الجنة غمسة حتى ينسى كل شيء، فهي إذا دخلت الجنة فإنها تكون في خير عظيم، وتكون زوجة لزوجها إذا كانت حالهما في الدنيا حسنة، وقد جاء في الحديث أن الزوجة إذا كان لها عدة أزواج في الدنيا فإنها تكون لآخرهم.

حقيقة التفاضل بين الحور العين


السؤال: هل هناك تفاضل بين الحور العين، حيث قال: (يخيره من الحور العين)؟ الجواب: الحديث يشعر بأن بينهن تفاضل، والمفضول فيهن فاضل، فكونه يخيره لا شك من وجود تفاضل، ولهذا فإن الله لما ذكر في سورة الرحمن صفات الحور العين والزوجات التي تكون في الآخرة، ذكر كذلك حصول التفاوت بين الجماعة الأولى والجماعة الثانية، فقال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] وجاء في وصف هاتين الجنتين: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56]، وبعدها قال: فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ [الرحمن:70] حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72]، وكل ما يكون في الجنتين الأخيرتين هو دون ما في الجنتين السابقتين."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.19 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.04%)]