عرض مشاركة واحدة
  #902  
قديم 04-07-2025, 06:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,175
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

كراهية الرفعة في الأمور


شرح حديث: (حق على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية الرفعة في الأمور. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن أنس : (كانت العضباء لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابقها فسبقها الأعرابي، فكأن ذلك شق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: حق على الله عز وجل ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في كراهية الرفعة في الأمور ]، يعني: في الأمور الدنيوية، وأما الأمور الأخروية فالرفعة فيها مطلوبة، والاشتغال والمنافسة فيها مطلوبة، فالرفعة في أمور الدنيا ليست هي المعتبرة، وإنما المعتبر هو الرفعة في أمور الآخرة؛ ولهذا الإنسان ينظر إلى من هو دونه ولا ينظر إلى من هو فوقه في أمور الدنيا؛ لأنه لو نظر إلى من فوقه فسيحصل منه ازدراء لنعمه الله عليه، وعدم الاعتراف بفضل الله عز وجل عليه، ولكنه إذا رأى نفسه في خير وأن هناك من هم دونه وما حصلوا الذي حصل فإنه يعرف قدر نعمة الله عليه، وأما بالنسبة لأمور الآخرة فلا بد فيها من المنافسة، ولا بد فيها من الجد والاجتهاد، ولا بد فيها من بذل الوسع، وهذا أمر مطلوب لكن على وجه لا يحصل معه ملل أو انقطاع، وإلا فإن المنافسة والمسابقة في الخير من الأمور المطلوبة، وكلما ارتقى الإنسان من حال إلى حال أحسن فإن هذا مطلوب، والإنسان يتحول من السيئ إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن؛ ولهذا قالوا في الحج المبرور: إن علامة الحج المبرور أن الإنسان إذا نظر إلى حاله قبل الحج وحاله بعد الحج يرى أنه تحول من حال سيئة إلى حال حسنة، ومن حال حسنة إلى حال أحسن، فهذه علامة بر الحج، فأمور الآخرة لا بد فيها من طلب أعالي الأمور ومن المنافسة، ولا بد فيها من المسابقة في الخيرات، وهذا أمر مطلوب جاءت به نصوص الكتاب والسنة، وأما أمور الدنيا فالرفعة فيها تكون وقتية وتنتهي؛ ولهذا جاء في الحديث: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) يعني: لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك، وإنما ينفعه العمل الصالح، فكرهت الرفعة في الأمور الدنيوية؛ لأن الرفعة فيها يعقبها زوال أو هبوط ونزول، فصاحب الجاه قد يكون جاهه مؤقتاً ما دام في وظيفته وفي مسئوليته، ولكنه إذا ذهب عن الوظيفة ذهب جاهه معه، أما في أمور الآخرة وفي أمور طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يكون في جميع الأحول على حال مرضية، وعلى حال مطلوبة، وجاهه يبقى ولا يذهب بذهاب العمل والمنزلة التي حصلها من الدنيا؛ لأن تلك إنما هي من أمور الآخرة، وأمور الآخرة باقية، وأما أمور الدنيا فإنها تنتهي، ويعقبها نزول وهبوط. وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كانت العضباء لا تسبق). أي: أن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقال لها: العضباء، وقيل: سميت بذلك بسبب خرم أو قطع في أذنها، وكانت لا تسبق، أي: أنها سباقة. قوله: [ (فجاء أعرابي على قعود) ] القعود: هو الجمل المتوسط الذي لم يكبر كثيراً، وإنما من حين صلح أن يركب، قيل: يكون قعوداً إلى أن يبلغ عمره ست سنوات، ثم يقال له: جمل، والقعود لا يكون إلا ذكراً. قوله: [ (فسابقها فسبقها) ]. لما سبقها هذا القعود تأثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقت، وسبقها ذلك الأعرابي بقعوده، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (حق على الله عز وجل ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) معناه: إن الدنيا لا بد فيها من الانحطاط، ولا بد فيها من الهبوط، ولا يبقى إلا ما أريد به وجه الله عز وجل، والأعمال الصالحة هي التي تبقى للإنسان، ولهذا جاء في الحديث: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً ومتعلماً) (فحق على الله عز وجل ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) فهذا الذي حصل يحتمل أن المقصود به أن هذه الناقة حصل لها ارتفاع وسبق، ثم غلبت، وهذا الذي غلبها أيضاً سيحصل له أن يُغلب، وهذا شأن أمور الدنيا، بخلاف أمور الآخرة فإنها من ارتفاع إلى ارتفاع، ومن علو إلى ما هو أعلى.

تراجم رجال إسناد حديث: (...حق على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود، وهو من الأسانيد الرباعية.
شرح حديث: (حق على الله ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي قال: حدثنا زهير قال حدثنا حميد عن أنس بهذه القصة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن حقاً على الله عز وجل أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه) ]. أورد أبو داود الحديث السابق من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن الأول عن ثابت والثاني عن حميد . قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس مر ذكره. وهذا أيضاً رباعي، وهو من الأسانيد العالية عند أبي داود .
معنى قوله: (حق على الله)

ومعنى قوله في الحديث: (حق على الله) أن الله عز وجل قضى أن أمور الدنيا لا بد فيها من النزول بعد الرفعة، وكما هو معلوم أن هذا هو شأن الدنيا، وهذه هي أحوال الإنسان نفسه، فإنه يرتفع ويكون في قوة وشباب ونشاط ثم يبدأ بالهبوط والنزول حتى يهرم ويضعف، فهو قبل كان ضعيفاً، ثم صار قوياً، ثم يحصل له ضعف. وجاء في الحديث الأول: (حق على الله) أي: جرت عادته غالباً، وفي الحديث الثاني: (إن حقاً على الله تعالى) أي: أمراً ثابتاً عليه. وهذا يعني أن الله عز وجل قد قضى بهذا، وأن هذا كائن وحاصل.
كراهية التمادح


شرح حديث: (...إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية التمادح. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام قال: (جاء رجل فأثنى على عثمان في وجهه فأخذ المقداد بن الأسود تراباً فحثا في وجهه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب) ]. ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في كراهية التمادح ]، والمقصود بذلك المدح الذي يكون بغير حق، أو يحصل به تضرر الممدوح، وذلك بكونه يؤثر ذلك فيه فيزهو ويتكبر ويترفع، وأما المدح بالحق من أجل أن يتبع الإنسان، ومن أجل أن يوافق الإنسان على ما هو عليه من الخير، وعلى ما فيه من الأعمال الطيبة، فإن هذا لا بأس به بشرط ألا يحصل هناك ضرر على الإنسان، فيذكر الإنسان بخير من أجل الاقتداء به، ومن أجل الترغيب وتحفيز الناس ليكونوا مثله ويتابعوه؛ ولهذا لما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة جاء رجل بصرة كبيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها)، وهذا مدح لهذا الشخص الذي سبق إلى الخير، واقتدى به الناس وتابعوه، فإذا كان المدح لا يحصل من ورائه مضرة، وإنما المقصود منه الفائدة والمصلحة، وأن يقتدى به ويؤتسى به، ويذكر ويثنى عليه، ويمدح بما هو فيه من أجل أن يتابع، فإن هذا أمر مطلوب ولا بأس به، وفي ذلك تحفيز للهمم إلى أن يكون المخاطبون مثل ذلك الذي مدح وأثني عليه، وأما إذا كان لأمور دنيوية، أو لطلب حظوظ دنيوية، أو كان بغير حق، فإن هذا غير محمود بل هو مذموم. وأورد أبو داود رحمه الله حديث ابن الأسود رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً مدح عثمان رضي الله تعالى عنه وكان المقداد حاضراً، فأخذ تراباً وحثاه عليه، وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)، و المقداد رضي الله عنه فهم الحديث على ظاهره، ومن أهل العلم من قال: إن المقصود من ذلك أن المادح من أجل الدنيا أو من أجل حظوظ دنيوية لا يحصل إلا الخيبة، وأنه لا يعطى شيئاً إذا مدح من أجل الدنيا؛ لأنه لا يستحق، والمقصود من ذلك مثل قوله: (وللعاهر الحجر) في قصة الزاني، وأنه لا يحصل ولداً بسبب زناه، (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) فيكون المقصود من ذلك أن له الخيبة. ثم قوله: (فحثا في وجهه التراب) ليس المقصود من ذلك أنه يحثوه على وجهه بحيث يدخل في عينيه، وإنما في جهته واتجاهه.

تراجم رجال إسناد حديث: (...إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)


قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن منصور ]. منصور هو منصور بن المعتمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو المراد إذا جاء ذكره مهملاً غير منسوب في كتب الحديث أو كتب الفقه، أي: سواء كان في الأسانيد أو في الفقه؛ لأنه هو المشهور في الفقه وفي الحديث. [ عن همام ]. هو همام بن الحارث النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فأخذ المقداد بن الأسود ]. المقداد بن الأسود رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (...إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل: إني أحسبه ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه: (أن رجلاً أثنى على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: قطعت عنق صاحبك ثلاث مرات، ثم قال: إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل: إني أحسبه كما يريد أن يقول، ولا أزكيه على الله) ]. أورد أبو داود حديث أبي بكرة ، وهو نفيع بن الحارث رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً مدح رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قطعت عنق صاحبك) يعني: أنك أهلكته؛ لأن قطع العنق يكون به الهلاك، فكذلك الإنسان إذا مدح مدحاً قد يلحق به ضرراً فإنه قد يصيبه الهلاك بذلك، أي: الهلاك المعنوي، فكما أن الهلاك الحسي يكون بقطع الرأس، فكذلك الهلاك المعنوي يكون بالمدح الذي يؤدي به إلى الغرور ونحوه. قوله: [ (إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل: إني أحسبه كما يريد أن يقول، ولا أزكيه على الله) ]. يعني: إذا أراد الإنسان أن يمدح أخاه وكان لا بد من المدح فليقل: (أحسبة كما يريد أن يقول) يعني: يذكر الشيء الذي يريد أن يصفه به، أو يذكر الصفات التي هي فيه. قوله: [ (ولا أزكيه على الله) ] يعني: هكذا يظهر لي، والناس لهم الظاهر وقد تكون البواطن بخلاف ذلك، فلا يزكي على الله أحداً؛ لأنه سواء كان بالنسبة لواقعه أثناء الكلام فيه، أو بالنسبة للنهاية والمآل، فكل ذلك لا يعلمه إلا الله عز وجل، وهو الذي يعلم أن المدح يكون في محله أو في غير محله، فهذا في النهايات و (الأعمال بالخواتيم) كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (...إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل: إني أحسبه...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو شهاب ]. هو عبد ربه بن نافع الحناط ، هو صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن خالد الحذاء ]. هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ]. عبد الرحمن بن أبي بكرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو نفيع بن الحارث وهو مشهور بكنيته أبي بكرة، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (...قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر -يعني: ابن المفضل- حدثنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن مطرف قال: قال أبي: (انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله تبارك وتعالى، قلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً، فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنه قال: (انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا) أي: كانوا يخاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (أنت سيدنا، فقال: السيد الله) أي: السؤدد على الحقيقة إنما هو لله عز وجل؛ لأنه المتصف بذلك على الإطلاق، فهو الذي الخلق خلقه، والملك ملكه، وهو المتفضل بكل النعم، وهو الذي يتصرف في الخلق كيف يشاء، وهو صاحب السؤدد على الحقيقة، وغيره ممن حصل سؤدداً إنما هو سؤدد ناقص وغير كامل؛ ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن نفسه بأنه سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وهو سيدهم في الدنيا والآخرة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكن السؤدد الذي يليق بالإنسان للرسول صلى الله عليه وسلم منه الحظ الأكبر والنصيب الأوفر، وأما السؤدد الكامل على الحقيقة فهو لله عز وجل؛ ولهذا قال: (السيد الله) أي: الله هو المتصف بهذا على الحقيقة، وهذا لا يعني ألا يقال لغيره عز وجل: سيد؛ لأن النبي نفسه قال: (أنا سيد ولد آدم)، فأخبر عن نفسه بأنه سيد، وقال عن سعد بن معاذ سيد الأوس: (قوموا إلى سيدكم)، وجاءت نصوص تدل على إطلاق ذلك على المخلوق، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لحمايته جناب التوحيد، ولحرصه على ألا يحصل غلو يؤدي إلى محذور أرشد عليه الصلاة والسلام وبين أن السيد هو الله، وأن السؤدد الحقيقي إنما هو لله سبحانه وتعالى. قوله: [ (قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً) ]. يعنون: الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو أعظمهم فضلاً وطولاً، والمعنى: أنه أعظمهم عطاءً وجوداً وكرماً وإحساناً، كما قال الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [النساء:25] أي: غنى، وقولهم: (وأعظمنا طولاً) أي: عطاءً وإحساناً وجوداً وكرماً عليه الصلاة والسلام، وهذه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ويدارسه القرآن، كما جاء في الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم) ]. يعني: القول المناسب الذي ليس فيه محذور، وهذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)، ولهذا فإن من أحسن ما يوصف به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال: عبد الله ورسوله، فهو عبد لا يُعبد، ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع، وقد أرشد إلى هذا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه لما نهى عن إطرائه فقال: (إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنه سيد الخلق، وهو سيد ولد آدم، والسؤدد الذي يليق بالمخلوق له الحظ الأوفر والنصيب الأكبر منه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكن المقصود من ذلك هو تحذيره صلى الله عليه وسلم من أي شيء يفضي إلى الإطراء، ويفضي إلى الغلو فيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ ولهذا نجد أن الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم في روايتهم للأحاديث الكثيرة لا يأتي على ألسنتهم: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، ومن المعلوم أن المحدثين يحافظون على لفظ الحديث حين يأتون به، ولا ينقصون منه شيئاً، بل إنهم يميزون بين عبارة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعبارة: (قال النبي صلى الله عليه وسلم)، فهنا عبر بالنبي وهناك عبر بالرسول، ومعناهما واحد، ولكن هذا كله محافظة منهم على الألفاظ، وعناية في الإتيان باللفظ الذي أتى به الراوي، فلو كانوا يأتون بكلمة سيدنا لما حذفت، ولأتي بها في هذه الكتب الكثيرة التي هي بالآلاف؛ ولهذا نجد في هذا الزمان من كون بعض الناس لا يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ويقول: سيدنا، ولا يذكر أحداً من الصحابة إلا ويقول: سيدنا، وهذا ليس من طريقة ولا من منهج السلف، فإننا نجد أن كتب الحديث ليس فيها ذلك، وهم أحرص الناس على الخير، وأعظم الناس تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنهم يأتون بالرواية على هذه الصيغة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا) أو (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا) أو (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) أو (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا) أو (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) أو (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) .. وهكذا، فالذي لا يلتزم قول: (سيدنا) عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقال: إن هذا حصل منه هضم لجنابه، أو نقص في حقه؛ لأن سلف هذه الأمة هذه طريقتهم، وهذا هو منهجهم، وهذه الأحاديث الموجودة -وهي ألوف المؤلفة- وليس فيها: (قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا) كما يفعله بعض الناس في هذا الزمان، فهذا غير مطلوب، وإنما يجب تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقيره ومحبته، واعتقاد أنه سيد الخلق وأفضلهم، ولكن على الإنسان أن يكون متبعاً في ذلك، ويكون على منهج السلف، وعلى طريقة السلف من الصحابة ومن سار على منوالهم، ولا يقال: إن الذي لا يلتزم بكلمة (سيدنا) لا يعرف قدر الرسول صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (...قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان)


سقوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا بشر يعني: ابن المفضل ]. بشر بن المفضل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد ]. أبو مسلمة سعيد بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ]. هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبي ]. أبوه صحابي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.24%)]