شرح سنن أبي داود [548]
هناك جملة من الآداب حث عليها الإسلام ورغب فيها، ومنها: شكر الإنسان للمعروف المسدى إليه من غيره، وعدم الجلوس في الطرقات إلا لمن أدى حقها، وهناك آداب متعلقة بالمجالس والمجالسة ينبغي التأدب بها ومعرفتها كما وردت في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الجلوس في الطرقات
شرح حديث أبي سعيد الخدري في حق الطريق على من جلس فيه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجلوس في الطرقات. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن زيد يعني ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس بالطرقات، قالوا: يا رسول الله! ما بد لنا من مجالسنا نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) ]. قوله: [ باب في الجلوس في الطرقات ]. أي: أن ذلك لا يسوغ إلا بشرطه، وهو ما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يكن هناك بد من الجلوس في الطريق فعلى من يجلس أن يعطي الطريق حقه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حق الطريق لما سأله الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم عن ذلك، فينبغي البعد عن الجلوس في الطرقات، وإذا كان دعا الأمر إلى ذلك، ولم يكن هناك بد، فلا بد من إعطاء الطريق حقه، وهو الذي بينه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد هذا. قوله: [ (غض البصر، وكف الأذى) ]. أي: فلا ينظر إلى ما لا يجوز له النظر إليه، كالنظر إلى النساء، وكذلك كف الأذى عن الناس فلا يؤذيهم بقول ولا فعل. قوله: [ (ورد السلام) ]. أي: عندما يسلم أحد يرد عليه؛ لأنهم جالسون، فالذي يأتي ماشياً ويبدأ بالسلام فيرد عليه الجالس؛ ولهذا قال: (ورد السلام) ولم يقل: ابتداء السلام؛ لأن الجالس هو الذي يسلَّم عليه، ولا يسلم هو على الناس، فإذا جاء أحد يمشي فلا يقول الجالس: السلام عليكم، وإنما الذي يمشي يقول: السلام عليكم، والجالس يرد السلام؛ ولهذا قال: (ورد السلام). قوله: [ (والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) ]. فإذا حصل أمر يقتضي أن يوجه إلى خير، وأن يبصر بحق، فإنه يأمر بالمعروف، وكذلك إذا رئي أمر منكر، فإنه ينبه الذي حصل منه المنكر على ذلك، ويحذر من ذلك، ويخوف منه، فيكون هذا الجلوس فيه جلب مصلحة، ودفع مضرة، فغض البصر وكف الأذى فيه دفع للمضرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورد السلام من المنفعة والمصلحة التي أمر بها. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس في الطرقات) فدل هذا على أن الأصل هو ألا يجلس في الطرقات، ولكن إذا كان هناك حاجة إلى الجلوس كما في قولهم: (ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها) فعليهم أن يعطوا الطريق حقه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فأعطوا الطريق حقه) ليلفت أنظارهم إلى أن يعرفوا حق الطريق، فهو لم يقل: افعلوا كذا وكذا، وإنما قال: (فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق؟)؛ لأنهم حينما سألوا عنه فإن هذا يكون أدعى إلى ثبوته وفهمه؛ لأن الشيء الذي يحصل له أمر يقتضيه، ويحصل له سبب كأن يكون مجملاً ثم يستفسر عن تفصيله، فإن ذلك التفصيل عندما يذكر للسائل ينتبه له، ويتهيأ له، ويكون على استعداد وتشوق لاستيعابه، وعدم فوات شيء منه. فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام.
تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري في حق الطريق على من جلس فيه
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد يعني ابن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، وهو مشهور بكنيته أبي سعيد ، وبنسبته الخدري ، وهو صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث أبي هريرة في حق الطريق على من جلس فيه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر يعني ابن المفضل حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة قال: (وإرشاد السبيل) ]. أورد المصنف حديث أبي هريرة وهو مثل الذي قبله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلوس في الطرقات، وأنهم قالوا: ما لنا بد من مجالسنا فقال لهم: (إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه)، ومما جاء عند أبي هريرة : (وإرشاد السبيل) أي: إذا احتاج أحد إلى معرفة الطريق فإنه يرشده، ويبصره بالطريق الذي يحتاج إلى سلوكه وإلى معرفته، فإذا كانوا جالسين وجاء أحد يريد أن يسلك طريقاً يوصله إلى بغيته، والطرق متعددة، ولا يدري الطريق الذي يوصله إلى بغيته، فإنه إذا سئل الجالس فعليه أن يرشده إلى الطريق، ويبين له السبيل، وهذا من حق الطريق.
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في حق الطريق على من جلس فيه
قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر يعني ابن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق ]. عبد الرحمن بن إسحاق صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد المقبري ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه مر ذكره.
شرح حديث عمر بن الخطاب في حق الطريق على من جلس فيه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن عيسى النيسابوري أخبرنا ابن المبارك أخبرنا جرير بن حازم عن إسحاق بن سويد عن ابن حجير العدوي قال: سمعت عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة قال: (وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضال) ]. أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يتعلق بالقصة التي مرت عن أبي سعيد ثم عن أبي هريرة ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وتغيثوا الملهوف) أي: من حق الطريق أنه إذا كان هناك من يحتاج إلى إعانة ومساعدة فإنه يعينه ويساعده. قوله: (وتهدوا الضال) أي: من ضل الطريق، وهو نظير الذي قبله في قوله: (وإرشاد السبيل) فإذا جاء الإنسان ليسأل عن طريق يوصله إلى مقصوده فيخبره، وأما الضال فهو الذي يكون الطريق الذي يريده وراءه، فيرشده إلى أنه قد تجاوزه، وهذا من إهداء السبيل، ولكنه على مفترق طرق ولا يدري أين يذهب فيخبرونه ويبصرونه، فقوله: (وإرشاد السبيل) وقوله: (وتهدوا الضال) معناهما متقارب. فقوله: [ (وتغيثوا الملهوف) ]. الملهوف هو الذي وقعت له مصيبة، أو أراد التخلص من ظلم حصل له، أو اعتدى عليه أحد، فطلب منهم أن ويغيثوه. وقوله: [ (وتهدوا الضال) ]. الضال: هو الذي ضل الطريق، ومعلوم أن الضلال يكون في الطريق، ويكون في الانحراف عن طريق الحق، فيكون عن الطريق الحسي، وعن الطريق المعنوي، كل هذا يقال له: ضلال، فمن ضل عن الحق والهدى يقال له: ضال، ومن ضل الطريق يقال له: ضال. وهداية الضال هنا من جنس: (إرشاد السبيل).
تراجم رجال إسناد حديث عمر بن الخطاب في حق الطريق على من جلس فيه
قوله: [ حدثنا الحسن بن عيسى النيسابوري ]. الحسن بن عيسى النيسابوري ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسحاق بن سويد ]. إسحاق بن سويد صدوق، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن ابن حجير العدوي ]. ابن حجير العدوي مستور، أخرج له أبو داود . [ سمعت عمر بن الخطاب ]. عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
حقوق الطريق واجبة
قوله صلى الله عليه وسلم: (وتغيثوا الملهوف) داخل تحت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي مر في حديث أبي سعيد ، فإغاثة الملهوف إذا اعتدي عليه من إنكار المنكر. وهذه الحقوق على الوجوب؛ لأنهم منعوا من الجلوس، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه) فقد: رخص لهم في الجلوس عند الإتيان بهذه الأمور، وبدونها لا ترخيص لهم. وإذا كان السائل عن الطريق الذي قد ضله من أهل البدع، وكان المكان الذي يقصده يقوده إلى بدعة فلا يبين له، وأما إذا كان يسأل عن بيت أو عن عمارة أو نحو ذلك، فلا بأس أن يبين له، أما إرشاده إلى مكان فيه بدعة ومعصية فهذا من التعاون على الإثم والعدوان.
شرح حديث أنس في وقوف النبي في ناحية السكة لقضاء حاجة امرأة من المسلمين
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع و كثير بن عبيد قالا: حدثنا مروان قال ابن عيسى قال: حدثنا حميد عن أنس قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن لي إليك حاجة، فقال لها: يا أم فلان! اجلسي في أي نواحي السكك شئت حتى أجلس إليك، قال: فجلست فجلس النبي صلى الله عليه وسلم إليها حتى قضت حاجتها). لم يذكر ابن عيسى : (حتى قضت حاجتها) وقال كثير : عن حميد عن أنس ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! لي إليك حاجة، فقال لها عليه الصلاة والسلام: اجلسي في أي السكك شئت حتى أقضي حاجتك، فجلست، فجاء إليها وقضى حاجتها) صلى الله عليه وسلم، وهذا دال على كمال أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وعلى تواضعه، وعلى إحسانه عليه الصلاة والسلام، فقد طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم قضاء حاجتها، فقال: (اجلسي في أي الطرق) ثم جاء وجلس معها، وقد أورده المصنف في هذه الترجمة التي تتعلق بالطريق، لبيان أن الجلوس في الطريق سائغ، ولكن مع كونه سائغاً يعطى حقه، والرسول صلى الله عليه وسلم جلس وإياها في إحدى السكك، أي: في إحدى الطرق، وهي تقص عليه حاجتها، وتبين له ما تريد منه، فقضى حاجتها صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن مثل ذلك لا يعتبر خلوة، فعندما يكون الطريق سالكاً ثم ينحاز رجل وامرأة، فتكلمه ويكلمها فلا بأس بذلك، ومعلوم أن هذا لا يكون إلا إذا لم يكن هناك ريبة، كما أن الأمر ليس على إطلاقه في أن يقف أي رجل مع أي امرأة، ولكن إذا كان الرجل معروفاً بالأمانة والصلاح، واحتاجت المرأة أن تسأله عن حاجة، ثم وقف معها لا ينظر إليها، ولكن يسمع كلامها ويجيبها فيما تريد فإن ذلك سائغ؛ لهذا الحديث الذي جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث أنس في وقوف النبي في ناحية السكة لقضاء حاجة امرأة من المسلمين
قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ]. محمد بن عيسى بن الطباع ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ وكثير بن عبيد ]. كثير بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا مروان ]. هو مروان بن معاوية الفزاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقالوا عنه: إنه يدلس تدليس الشيوخ، وتدليس الشيوخ من أنواع التدليس، وهو أن يذكر الشيخ بما لا يعرف به، وهو يختلف عن تدليس الإسناد والذي هو: أن يروي المدلس عن شيخه ما لم يسمع منه بلفظ موهم للسماع، وهو التدليس المشهور والذي يغلب عند الكلام في التدليس وذكر المدلسين، أما تدليس الشيوخ فيكون بذكر الشيخ بغير ما اشتهر به، فيكون في ذلك صعوبة في معرفته، والشخص المعروف يكون غير معروف بسبب هذا التدليس. [ قال ابن عيسى : قال حدثنا حميد ]. يعني أن ابن عيسى يقول: إن مروان قال: حدثنا حميد ، يعني: أن بين مروان وبين حميد صيغة حدثنا من محمد بن عيسى ، وأما كثير بن عبيد ففي إسناده: عن حميد . [ حدثنا حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه وقد مر ذكره، وهذا من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود . وقوله: [ لم يذكر ابن عيسى : حتى قضت حاجتها، وقال كثير : عن حميد عن أنس ]. معناه: أن المتن عند كثير بن عبيد أتم وأكمل؛ لأنه قال: (حتى قضت حاجتها)، وأما محمد بن عيسى فإنه لم يذكر هذه الزيادة؛ لأنه ساق السند على ابن عيسى والمتن على كثير بن عبيد .
حكم خلوة الرجل بالمرأة لتعليمها وتدريسها
قد يستدل البعض بهذا الحديث على جواز تدريس الرجل للنساء من غير ستار بينه وبينهن كما يقع في بعض البلاد، ومثل هذا القول مردود، فالحديث لا يدل على ذلك؛ لأن هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم حصل لأمر اقتضى ذلك، وكان في طريق سالك، والأمر قد يدعو إلى ذلك في حق من يحتاج إليه من ولي أمر أو مفت أو نحوهم، وأما كونه يجلس مع النساء وينظر إليهن وينظرن إليه، فهذا لا يسوغ. وكذلك قد يحصل من بعض النساء أن تستوقف العالم أو طالب العلم لتسأله، فإذا لم يكن في ذلك ريبة ولا محذور بحيث لا ينظر إليها، ولا يلقيها وجهه، وإنما يلقيها جانبه، ويسمع منها ثم يجيبها على سؤالها ثم يمضي دون أن يكون مستقبلاً لها ينظر إليها، فلا بأس بذلك.
خطأ القول باختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالخلوة بالمرأة الأجنبية
واستدل بعضهم بهذا الحديث على أن من خصوصياته صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالمرأة الأجنبية، إلا أن الحديث ليس فيه ما يدل على حصول الخلوة؛ لأن هذا الأمر كان في السكة حيث قال لها: (انظري أي السكك شئت) والسكك: هي الطرق، فلا خلوة في ذلك. والنبي عليه الصلاة والسلام أبوته للعالمين مثل أمومة زوجاته للمؤمنين، وهذه الأبوة والأمومة دينية، ولا علاقة لها بالمحرمية ولا تجري أحكام المحارم عليها.
شرح حديث أنس في وقوف النبي في ناحية السكة.. من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس (أن امرأة كان في عقلها شيء..) بمعناه ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وفي أوله: (أن امرأة كان في عقلها شيء..) وهو بمعنى الحديث المتقدم، وفيه زيادة ذكر وصف هذه المرأة بأنه كان في عقلها شيء من الخلل والقصور، وقيل: إنما ذكر ذلك لكونها طلبت منه أن يجلس معها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم راعى شأنها وحقق لها ما تريد من أجل ضعفها.
تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث أنس في وقوف النبي في ناحية السكة..
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت ]. حماد بن سلمة مر ذكره، و ثابت مر ذكره. [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه مر ذكره.
ما جاء في سعة المجلس
شرح حديث (خير المجالس أوسعها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في سعة المجلس. حدثنا القعنبي حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خير المجالس أوسعها). قال أبو داود : هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرة الأنصاري ]. قوله: [باب في سعة المجلس ]. أي: المجلس الذي يتخذ لجلوس الناس، وهذا يكون بحسبه، فعندما يتطلب الأمر كثرة الداخلين والخارجين والمجتمعين، فإنه يوسع حتى يكون كافياً، حتى لا يتفرق الناس في أماكن متعددة، وعندما لا يتطلب الأمر ذلك فإنه لا يلزم ولا يعتبر خير المجالس بالنسبة لكل أحد؛ لأن من الناس من يكون عنده مجال في أرضه ليتخذ مجلساً كبيراً ويقصده أناس كثيرون، ومن الناس من تكون أرضه قليلة ومحدودة، والذين يأتون إليه أناس قليلون. إذاً: كل على حاله وعلى مقدار حاجته؛ لأن من لا يأتي إليه الناس بكثرة فإن سعة المجلس ليس من ورائها فائدة، وإنما الفائدة في حق من يكثر رواده، ويكثر المجتمعون عنده والقاصدون إليه؛ ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن: (خير المجالس أوسعها)؛ لأنها تكفي الناس عند اجتماعهم، ويكون بعضهم مع بعض.
تراجم رجال إسناد حديث (خير المجالس أوسعها)
قوله: [ حدثنا القعنبي حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي ]. عبد الرحمن بن أبي الموالي صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ]. عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي حاتم : ليست له صحبة، وهو ثقة، وقيل: له صحبة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه مر ذكره. [ قال أبو داود : هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرة الأنصاري ]. هذا نسب عبد الرحمن بن أبي عمرة .
ما جاء في الجلوس بين الظل والشمس
شرح حديث أبي هريرة في النهي عن الجلوس بين الظل والشمس
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجلوس بين الظل والشمس. حدثنا ابن السرح و مخلد بن خالد قالا: حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر قال: حدثني من سمع أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم في الشمس -وقال مخلد في الفيء- فقلص عنه الظل وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم) ]. قوله: [ باب في الجلوس بين الظل والشمس ]. أي: أنه لا ينبغي ولا يصلح أن يجلس الإنسان في ذلك المجلس لا ابتداءً ولا إذا كان عارضاً، وابتداء أي: لا يأتي ويتعمد أن يجلس بين الشمس والظل، وإنما يكون كله في الشمس أو كله في الظل، وذلك أن الجسد عندما يكون على هيئة واحدة إما حرارة أو برودة، فإنه يكون متوازناً، وأما إذا كان بعضه في الظل وبعضه في الشمس فإنه يتأثر بعضه فيحصل له برودة، وبعضه يحصل له حرارة، وهذا مضر، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى عدم فعل ذلك، وقد جاء أن الجلوس بين الشمس والظل هي جلسة الشيطان، هذا بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من المضرة للجسد لكون بعضه في الشمس وبعضه في الظل. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو يتعلق بإحدى الحالتين، فإذا كان الإنسان جالساً في الشمس، أو جالساً في الفيء أو الظل، ثم تقلص الظل بحيث صار بعضه في الشمس وبعضه في الظل، فإنه في هذه الحال يقوم وينتقل إما إلى الشمس أو إلى الظل، بحيث يكون كله في الشمس، أو يكون كله في الظل، ولا يستمر على الهيئة التي هو عليها؛ لأنها جلسة الشيطان؛ ولأن فيها هذا التفاوت الذي يكون للجسد مما قد يلحق به مضرة. وقد جاء ما يشبه ذلك من حيث إنه لا بد من فعل أحد الأمرين، وألا يكون الإنسان بينهما، فقد جاء النهي عن أن يمشي الإنسان بالنعل الواحدة، وأن الإنسان إذا انقطع شسعه فإنه لا يمشي بالنعل الثانية حتى يصلحه، بل يخلع النعل الأخرى، وذلك حتى لا يختلف التوازن، فتكون رجل لها وقاية ورجل ليس لها وقاية. ويشبه ذلك أيضاً ما يتعلق بالقزع الذي هو حلق بعض الرأس وترك بعضه، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحلقه كله أو تركه كله، فهذان مثالان يشبهان ما جاء في الحديث الذي معنا، وهو الجلوس بين الظل والشمس، وأن الإنسان ينبغي أن يكون كله في الظل أو كله في الشمس، وكذلك إما أن ينعل رجليه جميعاً، أو يحفيهما جميعاً، وكذلك لا يحلق بعض شعر رأسه ويبقي بعضه، وإنما يحلقه كله أو يتركه كله. وجاء في رواية ابن السرح : (إذا كان أحدكم في الشمس) وفي رواية مخلد : (إذا كان أحدكم في الفيء فقلص عنه الظل). والفيء هو الظل، فإذا كان جالساً كله في الشمس، ثم جاءه الظل فصار بعضه في الظل وبعضه في الشمس، أو كان في الفيء، ثم جاءت الشمس فصار بعضه في الظل وبعضه في الشمس. والنهي عن الجلوس بين الظل والشمس على التحريم؛ لإخباره صلى الله عليه وسلم أنها قعدة الشيطان، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى القيام.
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في النهي عن الجلوس بين الظل والشمس
قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و مخلد بن خالد ]. هو مخلد بن خالد الشعيري ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني من سمع أبا هريرة ]. وهذا فيه ذكر واسطة، ولكنه قد جاء في مسند الإمام أحمد أنه من طريق عبد الوارث بن سعيد العنبري عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة ، و محمد بن المنكدر ممن روى عن أبي هريرة وسمع منه فيكون متصلاً. و أبو هريرة مر ذكره.
شرح حديث أبي حازم في التحول من الشمس إلى الظل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل قال: حدثني قيس عن أبيه: (أنه جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقام في الشمس، فأمر به فحول إلى الظل) ]. أورد أبو داود حديث أبي حازم والد قيس بن أبي حازم رضي الله تعالى عنه: (أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس في الشمس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحويله إلى الظل) وهذا ليس فيه جلوس بين الظل والشمس؛ لأنه قال: في الشمس، وأنه أمر بتحويله إلى الظل، ولعل ذلك بسبب أن الشمس فيها حرارة وفيها مضرة عليه، فأمر أن يتحول إلى الظل، فليس هناك ارتباط واضح بين الترجمة وما جاء في هذه الحديث؛ لأنه ليس فيه أنه جلس بين الظل والشمس، وإنما جلس في الشمس، ويمكن أنه جلس في الشمس، ثم إن الظل في طريقه إليه، وقد يترتب على ذلك أن يكون بين الشمس والظل، فأمر أن يتحول إلى الظل الذي يؤمن معه أن يصبح مجلسه بين الظل والشمس، فهذا محتمل، وإلا فإن اللفظ واضح في أنه كان في الشمس، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بتحويله إلى الظل، وقد يكون الجو حاراً وأراد أن يحصل له ما حصل لغيره من الجلوس في الظل الذي فيه الراحة وعدم المضرة بحرارة الشمس والأرض.
تراجم رجال إسناد حديث أبي حازم في التحول من الشمس إلى الظل
قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. يحيى هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل ]. هو ابن أبي خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني قيس عن أبيه ]. هو قيس بن أبي حازم ، وهو ثقة مخضرم، وهو الذي قيل فيه: إنه تيسر له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأبوه صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود ، وليس له إلا هذا الحديث.
الأسئلة
الانتقال من المكان وقت خطبة الجمعة إذا كان بين الظل والشمس
السؤال: إذا جلس أحد في صرح المسجد وقت خطبة الجمعة، وصار بين الظل والشمس، فهل يقوم والإمام يخطب؟ الجواب: نعم، عليه أن يقوم فيتقدم للظل إذا كان أمامه، أو يتأخر للشمس إذا كانت وراءه، أو العكس.
الانتقال من المكان أثناء الصلاة إذا كان بين الظل والشمس
السؤال: إذا كان يصلي وصار بين الظل والشمس، فهل يتحرك أو يكمل صلاته؟ الجواب: إذا كان يصلي وأثناء ذلك جاءت الشمس، أو جاء الظل، فإن كان مطيلاً للصلاة ويقرأ كثيراً في صلاته، فإنه يتقدم أو يتأخر حتى يكون كله في الظل أو كله في الشمس، وإذا كانت صلاته ليست طويلة، وإنما يصلي ركعتين ركعتين، ويخفف في صلاته، فإنه إذا أنهى الركعتين يتحول.
قياس المشي بين الظل والشمس على الجلوس بينهما
السؤال: هل يقاس المشي بين الظل والشمس على الجلوس بينهما؟ الجواب: لا يقاس، فإن كان إنسان يمشي بين الظل والشمس فلا يقاس عليه؛ لأن هذا ليس جلوساً، وإنما هو مرور ومشي، فإذا كان الطريق بين الظل والشمس فلا يبتعد عنه الناس ويذهبون يميناً ويساراً ويتركونه خالياً.
حلاقة بعض الشعر من أجل الحجامة ليس من القزع
السؤال: إذا كانت الحلاقة لبعض الشعر من أجل الحجامة فهل هذا من القزع المنهي عنه؟ الجواب: ليس هذا من القزع.
جمع الغترة وردها وراء الظهر من الكفت المنهي عنه
السؤال: هل صحيح أن جمع الغترة فوق الرأس أو ردها خلف الظهر في الصلاة يعتبر من كفت الثوب المنهي عنه؟ الجواب: الذي يظهر أن هذا منه؛ لأن الواجب على الإنسان أن يترك ثيابه ولا يجعلها وراءه، وهذه من جنس الثوب.
لزوم الخروج من الحرم إلى الحل لمن أراد أداء العمرة مرة ثانية
السؤال: أريد أن أحرم من الميقات من أجل العمرة، وأريد أن أعتمر عن والدي المتوفى، فمن أين أحرم للعمرة الثانية؟ الجواب: العمرة المشروعة هي التي يأتي بها الإنسان من المواقيت، فإذا جاء الإنسان من بلده واعتمر لنفسه، ثم ذهب إلى المدينة أو إلى الطائف أو إلى الرياض ثم رجع إلى مكة، وأحرم بعمرة أخرى له أو لغيره، فله ذلك.
حكم شكر الكافر على إحسانه
السؤال: هل يجوز شكر الكافر؟ الجواب: نعم، إذا حصل منه إحسان يشكر، ولكن شكره ينبغي أن يكون بالدعاء له بالهداية، وهذا أعظم وأهم شكر له.
قوله: (ما دعوتم لهم وأثنيتم عليهم) لا يدل على ضرورة استمرار الدعاء
السؤال: هل يمكن أن يقال في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما دعوتم لهم وأثنيتم عليهم خيراً) بأن (ما) مصدرية ظرفية، بمعنى: مدة دعائكم لهم؟ الجواب: الذي يبدو أنها ليست مصدرية ظرفية وأن الأمر مقصور على استمرار الدعاء، وإنما المقصود إذا حصل الدعاء والثناء عليهم.
صلاة التراويح مع من يفعل فيها بدعة رجاء أن يقلع عنها
السؤال: أريد أن أصلي صلاة التراويح مع أهل قريتي، ولكنهم قد أحدثوا شيئاً في الصلاة، حيث إنهم يقرءون الصلوات والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل ركعتين جماعة، فهل أصلي معهم؟ الجواب: إذا كان ذهابك إليهم سيكون سبباً في اتباعهم للسنة وتركهم للبدعة فعليك أن تحرص على أن تصلي معهم، وتبين لهم أن هذا غير سائغ، وتناصحهم حتى يتركوا هذا الذي هم واقعون فيه.
حال حديث (ليس من البر الصيام في السفر)
السؤال: ما صحة حديث: (ليس من البر الصيام في السفر)؟ الجواب: هذا حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقصود به: إذا كان هناك مشقة في الصيام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا في حق شخص حصلت له مشقة بسبب الصيام؛ ولهذا فإن الصيام في السفر له حالتان: إذا كان السفر فيه مشقة فإن الإفطار هو المتعين، وإذا كان ليس فيه مشقة، وليس على الإنسان مضرة في محافظته على الصيام، فإن المحافظة على الصيام أولى، وذلك أن الإنسان يكسب أداء الواجب في وقته، ولا يحمل نفسه ديناً قد يثقل أداؤه فيما بعد، وقد يفرط في أدائه، فهو يغتنم الفرصة، ويصوم مع الناس ما دام أن السفر لا يترتب عليه مضرة له، ولاسيما في هذا الزمان مع قصر المدة، والراحة في السفر، وقد يقضي السفر وهو نائم، أو متكئ وجالس على كرسيه، فلا فرق بينه وبين من كان جالساً في الغرفة لمدة ساعة، فاغتنام الفرصة والمحافظة على الصيام في وقته هو الذي ينبغي، وإذا كان يترتب عليه مشقة فالفطر هو المطلوب.
حال حديث (الأنصار شعار والناس دثار)
السؤال: ما صحة حديث: (الأنصار شعار، والمهاجرون دثار)؟ الجواب: الحديث جاء بلفظ: (الأنصار شعار والناس دثار) والحديث متفق عليه، ومناسبته أن الأنصار رضي الله عنهم وجدوا في أنفسهم بعد قسمة غنائم حنين؛ لأنهم ما أعطوا شيئاً، إنما أعطي الذين أسلموا عام الفتح؛ لتألفهم على الإسلام؛ ولتقوية إسلامهم وتمكنهم من الإسلام، فوجد الأنصار في أنفسهم؛ لأنهم ما أصابوا الذي أصاب الناس، فتكلموا بكلام فيما بينهم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فجمعهم في مكان، وتكلم معهم بكلام صار لهم خيراً وأفضل من المال؛ لأنه قال: (الأنصار شعار والناس دثار) أي: الأنصار مني بمنزلة الشعار، وهو الثوب الذي يلي الجسد، (والناس دثار) والدثار هو الثوب الذي وراءه، فالكلام هو في عامة الناس، وليس في المهاجرين.
حكم من كفر الصحابة
السؤال: هل لا بد أن نطبق قاعدة قيام الحجة على من كفر الصحابة، أم أنه كافر بمجرد تكفيره للصحابة دون انتفاء الموانع؟ الجواب: الذي يكفر الصحابة عموماً لا شك أنه كافر، ولا يحتاج إلى أن تقام عليه حجة، وكيف تقام عليه حجة والدين كله مرفوض بتكفيره الصحابة؟! فهو ليس عنده دين أصلاً؛ لأن القرآن جاء عن طريق الصحابة، والسنة جاءت عن طريق الصحابة، فإذا كان الصحابة كفاراً فلا اعتبار بالقرآن ولا اعتبار بالسنة؛ لأن القدح في الناقل قدح في المنقول، فمن كفر الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فإنه كافر، ولا يحتاج إلى أن تقام عليه الحجة.
حكم الانتفاع بمال الكافر لبناء مسجد
السؤال: كافر أعطى المسلمين مالاً لبناء مسجد، فهل يجوز أن يأخذوا هذا المال؟ الجواب: إذا كانوا بحاجة إلى هذا المال فليأخذوه ولا بأس.
حكم من ترك الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأخير
السؤال: امرأة صلت في الحرم المكي صلاة الجمعة، ولا تعلم أن الصلاة ركعتين، فعندما جلس الإمام للتشهد أتت بالتحيات ولم تذكر الصلاة الإبراهيمية، ثم سلمت مع الإمام، فما حكم صلاتها؟ الجواب: الصلاة الإبراهيمية فيها خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: إنها ركن من أركان الصلاة، ومنهم من قال: ليست بركن، والذي يظهر أن الأحوط والأولى أن تعيد الصلاة.
حكم التحايل على الحكومات في دفع الضرائب
السؤال: عندنا الحكومة تأخذ الضرائب على التجارة، واختلفنا فمن قائل: إن إعطاءها إلى الحكومة حرام، ومن قائل: ينبغي أن تعطى، مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)، فما حكم إعطائها إلى الحكومة، وما حكم التحايل لئلا تعطى؟ وهل حديث: (صاحب المكس في النار) صحيح؟ الجواب: إذا كانت الحكومة فرضت الضرائب على الناس فكما هو معلوم أن الناس ليس لهم بد من أن يدفعوها، وليس لهم خيار، وإذا كانوا مخيرين فلا يعطون الشيء الذي لا ينبغي أن يعطى، وأما إذا كان شيئاً ألزموا به فإنهم يفعلون ذلك، ومن كان مظلوماً فإنه سيقتص ممن ظلمه.
وجوب الكف عن ذكر أخطاء الصحابة الكرام
السؤال: هل هناك فرق بين أن يعقد مجلس يذم فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبين أن تذكر أخطاء الصحابة ضرباً للمثل في معالجة قضية معينة أم أن الكل مذموم؟ الجواب: الكل مذموم، وحق الصحابة ألا يذكروا إلا بخير، ولا يذكروا بسوء أبداً، بل لابد أن تكون القلوب والألسنة سليمة، ولا تضرب الأمثال أو يؤتى بشيء فيه نيل من الصحابة من أجل ضرب المثل أبداً، وإنما يذكرون بالجميل، ويقول الإنسان خيراً أو يصمت، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) والذي ينبغي له ألا يصمت، وإنما يتكلم بالثناء والدعاء لهم رضي الله عنهم وأرضاهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى ساق لنا هذا الخير على أيديهم، فهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عرف الناس كتاباً ولا سنة إلا عن طريق الصحابة، فالصحابة رضي الله عنهم لا يصلح أن يذكروا بسوء أبداً، ولا يضرب بهم المثل بما لا يليق بهم، ولا أن يحصل ذمهم.
ما جاء في التحلق
شرح حديث (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال: ما لي أراكم عزين؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التحلق. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الأعمش قال: حدثني المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال: ما لي أراكم عزين؟) حدثنا واصل بن عبد الأعلى عن ابن فضيل عن الأعمش بهذا قال: كأنه يحب الجماعة ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: [ باب في التحلق ]، والتحلق هو: الجلوس حلقاً، أن يجلس الناس متحلقين على هيئة الحلقة التي يكون لها محيط، ويكون الوسط خالياً. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وهم حلق، فقال: ما لي أراكم عزين؟) أي: كأنه أنكر عليهم هذه الهيئة التي كانوا عليها، وقوله: (عزين) يعني: متفرقين حلقاً حلقاً. والتحلق في المسجد إذا كان قبل الصلاة فهو غير سائغ؛ لأنه إذا أذن المؤذن فإن المطلوب أن يكون الناس صفوفاً، وأن يتموا الصف الأول فالأول، وأن يستعدوا للصلاة، فإذا كان هذا الأمر قبل الصلاة فمعلوم أن هذه الهيئة لا تنبغي، وأن المطلوب عندما يأتي الناس إلى المسجد في الصلاة وقد دخل الوقت فإنهم يتقدمون إلى الصف الأول حتى يملئوه، ثم ينشئون الصف الثاني حتى يملئوه، ثم الصف الثالث .. وهكذا، فيملئون كل صف وينتقلون إلى الصف الذي يليه، فلا ينبغي الجلوس على هذه الهيئة قبل الصلاة، وعلى الناس أن يجلسوا صفوفاً ينتظرون الصلاة، يقرءون القرآن أو يذكرون الله عز وجل، ولا يجلسون حلقاً، فإن هذا هو الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (ما لي أراكم عزين). وأما الجلوس في المسجد في غير وقت الصلاة حلقاً لتعليم العلم، وتكون الحلق متعددة هذا يدرس فناً وهذا يدرس فناً، وهذا يدرس علماً، وهذا يدرس علماً، فهذا لا بأس به، وقد كانت الحلقات في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم موجودة منذ زمن قديم، فهذا شيء لا بأس به وهو أمر مطلوب، وتحصيل العلم إنما يكون بالتدريس في المساجد، ولا يلزم أن يكون الناس حلقة واحدة، بل يمكن أن يكون الناس حلقاً، وأن يكونوا متعددين، وكل له شيء يريد أن يدرِّسه وأن يَدْرسه، فمثل ذلك لا بأس به، والذي يبدو -والله أعلم- أن الذي حصل هو أنهم كانوا متحلقين قبل الصلاة. وقوله: (كأنه يحب الجماعة)، أي: عدم التفرق، ومعلوم أنه إذا كان الناس ينتظرون الصلاة فإنهم كما ذكرت يأتون إلى الصفوف ويملئونها الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه، وتفرقهم هذا التفرق لا ينبغي، وكذلك أيضاً ابتعادهم عن الصفوف الأول لا ينبغي، وإنما على الناس عندما يأتون إلى المسجد أن يتقدموا إلى الصفوف، وأن يبدءوا بالأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه وهكذا.
تراجم رجال إسناد حديث (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال: مالي أراكم عزين؟)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني المسيب بن رافع ]. المسيب بن رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن تميم بن طرفة ]. تميم بن طرفة ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله عنه صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وقوله: [ حدثنا واصل بن عبد الأعلى ]. واصل بن عبد الأعلى ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش بهذا ]. يعني: بهذا الإسناد.
حكم التحلق قبل الصلاة
فيما يتعلق بالنهي عن التحلق قبل الصلاة معلوم أن الناس مطلوب منهم أن يكملوا الصف الأول فالأول، وألا يتأخروا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)، فالواجب هو المسابقة إلى الفضل، وإلى الصف الأول لمن دخل مبكراً، ثم الصف الذي يليه، ثم الذي يليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها). ومما ينبغي أن ينبه عليه هنا: أنه قد جاء في الحديث أن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة غير سائغ، وأنه قد جاء النهي عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإذا دخل الناس المسجد يوم الجمعة فإنهم لا يتحلقون للعلم، ولا يشتغلون بالعلم ولا بغيره، بل يأتون إلى المسجد فيصلون ما أمكنهم أن يصلوا، ثم يجلسون يقرءون القرآن ويذكرون الله، وإذا دخل الخطيب سمعوا الخطبة وصلوا، وأما أن يشتغلوا بشيء قبل الصلاة بعلم أو تعلم أو حلق أو وعظ، فهذا قد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة. وأما التحلق بعد الفجر يوم الجمعة فالذي يبدو أنه ليس فيه بأس إن شاء الله؛ لأن الناس كما هو معلوم في الغالب يجلسون بعد الصلاة ثم ينصرفون، ثم يأتون إلى المسجد، ومعلوم أنهم إذا جاءوا بعد طلوع الشمس شيئاً فشيئاً، فإن كل ذلك يكون قبل الصلاة، لكن بعد صلاة الفجر يبدو أنه لا بأس؛ لأن الناس غالباً يصلون وينصرفون إلى بيوتهم، ثم يأتون للجمعة.