
05-07-2025, 05:38 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة :
|
|
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [567]
الحلقة (597)
شرح سنن أبي داود [567]
لقد نهت الشريعة عن تسمية العشاء بالعتمة، من باب المحافظة على الآداب في الألفاظ، وإلا فقد جاءت أحاديث فيها تسمية العشاء بالعتمة، ولكن الالتزام بلفظ القرآن هو الأولى، وإن حصل عكس ذلك فلا يكون هو الأغلب السائد. ومن الالتزام بالألفاظ الشريعة أن لا يكذب المسلم فقد جاء التشديد فيه، والتحذير منه، وأنه يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، وفي المقابل أوجب الصدق في الأقوال والأفعال على المسلم.
ما جاء في صلاة العتمة
شرح حديث (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا وإنها العشاء ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صلاة العتمة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا وإنها العشاء، ولكنهم يعتمون بالإبل) ]. أورد أبو داود رحمه الله تعالى باباً في صلاة العتمة. العتمة هي صلاة العشاء، والمقصود من ذلك أن الذي ينبغي أن يذكر في اسم هذه الصلاة أن يقال: صلاة العشاء، كما جاء ذلك في القرآن، قال عز وجل: وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ [النور:58] فسماها الله عز وجل صلاة العشاء، والأعراب كانوا يطلقون عليها العتمة، وكانوا يؤخرونها؛ لأنهم يعتمون بالإبل حتى يؤخروا الصلاة بسبب ذلك، فكانوا يسمونها العتمة. والمقصود من النهي ألا يهجر اسم العشاء حتى يغلب الاسم الذي يطلقه الأعراب على اسم العشاء الذي جاء في القرآن، وإذا ذكر في بعض الأحيان العشاء وأطلق عليها العتمة، فذلك سائغ؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث الصحيحة إطلاق لفظ العتمة على العشاء، كما قال: (لو يعلم الناس ما في الفجر والعتمة..) يعني صلاة الفجر وصلاة العشاء، فالمقصود من ذلك ألا يهجر اسم العشاء ويغلب عليه ذلك الاسم الذي هو العتمة؛ ولهذا قال: [ (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا وإنها العشاء، ولكنهم يعتمون بالإبل) ] أي: يشتغلون بالإبل ويؤخرون صلاة العشاء بسبب ذلك، ولهذا يقولون لها: العتمة؛ لأنها مأخوذة من الإعتام، وهو شدة الظلام. إذاً: فالمقصود من ذلك هو المحافظة على الآداب في الألفاظ ، وأنه يعبر عن الصلاة الثانية من صلاة الليل بصلاة العشاء كما جاء في القرآن، ولا يعبر عنها بالعتمة بأن يغلب ذلك، وإذا حصل أن قيل لها: العتمة في بعض الأحيان فإنه لا بأس بذلك؛ لأنه ثبت ذلك في بعض الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا وإنها العشاء ...)
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، و إلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي لبيد ]. هو عبد الله بن أبي لبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
حكم إطلاق لفظ صلاة الأخير أو العشاء الأخير على صلاة العشاء
أيضاً كون بعض الناس يقولون: إن صلاة العشاء صلاة الأخير، فالمقصود به العشاءان: العشاء الأول الذي هو المغرب، والعشاء الأخير الذي هو العشاء، ولكن كون الناس يأتون بلفظ صلاة العشاء كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي ينبغي، وأما أن يهجر أو يترك لفظ صلاة العشاء ويقال: الأخير، أو العشاء الأخير، فلا ينبغي ذلك.
شرح حديث الرجل من خزاعة وفيه (... يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد قال: قال رجل، قال مسعر : أراه من خزاعة : (ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليتني صليت فاسترحت). يقصد من ذلك أنه يكون قد أدى الواجب الذي عليه، وأبرأ ذمته من ذلك الشيء الذي هو في ذمته، وهذا تعبير معناه صحيح من ناحية أن الإنسان يبادر إلى أداء الواجب، لكن لما كان التعبير بالاستراحة فهموا على أنه يريد التخلص منها أو ما إلى ذلك، فأنكروا عليه ذلك، فروى الحديث الذي قال: [ (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها) ] ويمكن أن يكون معنى قوله: [ (استرحت) ] يعني: استرحت بها، وبالإتيان بها، أما كون المعنى استرحت منها، فهذا هو الإشكال؛ لأن فيه تخلصاً من العبادة وتثاقلا بها، وأما الذي جاء في الحديث هذا: [ (أرحنا بها) ] فمعناه: أرحنا مما كنا فيه من العناء والتعب، ومن الضيق والمشقة إلى أن نشتغل بالصلاة. ويمكن أن يكون المقصود بقوله: [ (فاسترحت) ] أنه أدى الواجب الذي عليه وأبرأ ذمته منه، وبادر إلى أداء الواجب، ومعلوم أن المبادرة إلى أداء الواجب من أهم الأشياء المطلوبة؛ لأن البدار إلى أداء الواجب شيء محمود، لكن لما كان التعبير بالاستراحة قد يفهم منه أنه تخلص منها، فصار فيه هذا الاحتمال الذي أنكروا عليه من أجله، فهو استدل عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم : [ (أرحنا بها) ] ومعلوم أن هذا غير هذا، لكن يمكن أن يحمل هذا على أنه استراح بانشغاله بالصلاة وإقباله على الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث الرجل من خزاعة وفيه (... يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عيسى بن يونس ]. عيسى بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مسعر بن كدام ]. مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم بن أبي الجعد ]. سالم بن أبي الجعد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قال رجل، قال مسعر : أراه من خزاعة ]. يعني: أنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا، ومعلوم أن جهالة الصحابي لا تؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم، والجهالة في غيرهم هي التي تؤثر.
وجه تعلق الحديث بترجمة الباب
هذا الحديث ليس فيه علاقة بصلاة العتمة؛ لأنه لم يتعرض لصلاة العتمة، ولكن يبدو والله أعلم أن المقصود من ذلك أن هذه ألفاظ ينبغي تركها، مثل ما جاء في صلاة العتمة أن صلاة العشاء أولى من العتمة، فكذلك ذكر العبارات التي فيها احتمال معنىً ليس بجيد فإنها تترك، ويؤتى بعبارات واضحة لا احتمال فيها. كذلك الحديث الذي بعده لا تعلق له بصلاة العتمة، ولكن له تعلق من جهة أن الألفاظ التي فيه ينبغي أن يبتعد عنها؛ لأن فيها احتمال معنىً غير لائق أو غير مرغوب فيه.
شرح حديث الرجل من الأنصار الذي فيه (... قم يا بلال فأرحنا بالصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل حدثنا عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال: (انطلقت أنا وأبي إلى صهر لنا من الأنصار نعوده، فحضرت الصلاة، فقال لبعض أهله: يا جارية، ائتوني بوضوء لعلي أصلي فأستريح، قال: فأنكرنا ذلك عليه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: قم يا بلال فأرحنا بالصلاة) ]. هذا مثل الذي قبله، وفيه أن عبد الله بن محمد بن الحنفية ذهب هو وأبوه إلى صهر لهما من الأنصار يعودانه، فطلب من جارية أن تأتي بماء، قال: حتى أتوضأ وأصلي فأستريح، فأنكروا عليه قوله: فأستريح، مثل ما حصل الإنكار على الرجل المبهم في الحديث الأول، وكذلك هنا هو رجل من الأنصار غير معروف، وجهالة الصحابي لا تؤثر. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ (قم يا بلال فأرحنا بالصلاة) ] ومعلوم أن قوله: [ فأستريح) ] محمول على أنه يستريح بها، وأنه يبادر إلى أداء الواجب، لا أن المقصود بذلك أنه يتخلص منها، أو كأنه شيء ثقيل يتخلص منه، وإنما المعنى ليستريح بها ويكون له فيها راحة عما أهمه، أو أن المقصود من ذلك أنه يبادر إلى أداء ما أوجب الله عليه، فيبرئ ذمته، فيكون المعنى مستقيماً على هذين الوجهين.
تراجم رجال إسناد حديث الرجل من الأنصار الذي فيه (... قم يا بلال فأرحنا بالصلاة)
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عثمان بن المغيرة ]. عثمان بن المغيرة وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن محمد بن الحنفية ]. سالم بن الجعد مر ذكره، و عبد الله بن محمد بن الحنفية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبوه محمد بن الحنفية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، لكن ليس هو في هذه الرواية، وإنما ذكر ابنه أنه ذهب هو وإياه إلى رجل من الأنصار. [ إلى صهر لنا ]. صهرهم هو رجل من الأنصار صحابي.
شرح حديث (ما سمعت رسول الله ينسب أحداً إلا إلى الدين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينسب أحداً إلا إلى الدين) ]. أورد أبو داود حديث عائشة : [ (ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسب أحداً إلا إلى الدين) ] يعني: كأن يقول: هذا مهاجري أو أنصاري أو ما إلى ذلك من الألقاب المحمودة كالهجرة والنصرة، ولكن الحديث فيه انقطاع بين عائشة والراوي عنها وهو زيد بن أسلم .
تراجم رجال إسناد حديث (ما سمعت رسول الله ينسب أحداً إلا إلى الدين)
قوله: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ]. هارون بن زيد بن أبي الزرقاء هو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. أبوه ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا هشام بن سعد ]. هشام بن سعد وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها. ورواية زيد عنها مرسلة، فالسند فيه انقطاع، وهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما روي في الرخصة في تسمية العشاء بالعتمة
شرح حديث ( كان فزع بالمدينة فركب رسول الله فرساً لأبي طلحة...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما روي في الرخصة في ذلك. حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: (كان فزع بالمدينة، فركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرساً لأبي طلحة رضي الله عنه فقال: ما رأينا شيئاً، أو ما رأينا من فزع، وإن وجدناه لبحراً) ]. قوله: [ باب ما روي في الرخصة في ذلك ] يعني: في جواز تسمية صلاة العشاء بصلاة العتمة، وأن الباب الأول يفيد على أن الأولى هو عدم الإكثار منها، وألا يغلب ذلك الاسم الذي اشتهر عند الأعراب، ويهجر الاسم الذي جاء في القرآن، وهنا الحديث ليس له علاقة بالذي قبله، لكن يمكن أن يكون له علاقة بالذي قبله من حيث التعبير بلفظ آخر غير المشهور، وأنه لا بأس بذلك؛ لأنه ذكر البحر، والبحر كما هو معلوم أنه الماء المعروف، والرسول صلى الله عليه وسلم وصف الفرس الذي ركب عليه وكان عرياً ليس عليه سرج بقوله: [ (وإن وجدناه لبحراً) ] يعني: أنه شديد الجري وشديد العدو، وأنه يشبه البحر في سيلانه وتدفقه، أو كونه يسبح في الفضاء فوق الأرض مثل ما يحصل من الأمواج في البحر، فهو يموج وينتقل ويضطرب ويذهب بسرعة. فيكون المقصود من ذلك أن مثل هذا التعبير سائغ؛ لأن البحر في الحقيقة يقصد به البحر الجاري. أما بالنسبة للعتمة فإنه ليس فيه شيء يدل عليها، ولكنه قد جاء ما يدل عليها مثل الحديث الذي أشرت إليه: (لو يعلم الناس ما في الفجر والعتمة..) وقد جاء في الحديث الذي في قصة المنافقين: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً). قوله: [ (كان فزع بالمدينة فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً) ]. يعني: أصاب الناس فزع على اعتبار وصول أعداء لهم غازين على المدينة، فسمعوا الصوت فأسرعوا، وسبقهم الرسول صلى الله عليه وسلم فركب على فرس عري ليس عليه سرج وكان بطيئاً، ولكن الله تعالى أجراه حتى سبق الناس ورجع إليهم وهم ذاهبون فقال: لا خوف عليكم، وهذا الذي سمعتموه ليس له حقيقة، ولم يحصل الشيء الذي تخافونه، فطمأنهم عليه الصلاة والسلام. والحديث طويل وهو هنا مختصر.
تراجم رجال إسناد حديث (كان فزع بالمدينة فركب رسول الله فرساً لأبي طلحة)
قوله: [ حدثنا عمرو بن مرزوق ]. عمرو بن مرزوق هو ثقة له أوهام، أخرج له البخاري و أبو داود . [ أخبرنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
حكم استعمال حق الغير إذا علم رضاه
لقد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على جواز أخذ حق غيره بغير إذنه إذا علم رضاه، فإذا علم أنه يسره إذا استفاد من سيارته أو من دابته، فإنه لا بأس به، وحتى لو حصل فزع شديد، والناس احتاجوا إلى أن يأخذوا أموال غيرهم إذا كان غيرهم لا يقدر على المشاركة، والأمر يتطلب ذلك، فإنه لا بأس من أجل دفع الضرر الذي هجم على الناس.
كلام ابن القيم عن وجه النهي عن تسمية العنب كرماً والمقارنة بين شجر العنب والنخل
إن الأحاديث التي مرت كلها تتعلق بأدب الكلام والألفاظ، وبعد ذلك جاءت أبواب أخرى لا تتعلق بالموضوع الذي هو أدب الكلام وإنما تتعلق بعبارات ينبغي ألا تكون، وأنه يؤتى بألفاظ أخرى مكانها تكون أولى منها، وسبق أن مر فيما يتعلق بتسمية العنب كرماً كلام جيد وجميل لابن القيم ذكره في عون المعبود، يقول فيه: العرب تسمي شجر العنب كرماً لكرمه، والكرم كثرة الخير والمنافع والفوائد؛ لسهولة تناولها من الكريم، ومنه قوله تعالى فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [لقمان:10] وفي آية أخرى: مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق:7] فهو كريم في مخبره بهيج في منظره، وشجر العنب قد جمع وجوهاً من ذلك: منها : تذليل ثمره لقاطفه . ومنها: أنه ليس دونه شوك يؤذي مجتنيه . ومنها: أنه ليس بممتنع على من أراده لعلو ساقه وصعوبته كغيره. يعني: أنه ليس من الشجر التي لها ساق، وإنما يمتد على الأرض ويجعل له عريش وأعواد يمتد فوقها، ثم تتدلى من العريش عناقيد العنب. ثم قال: ومنها: أن الشجرة الواحدة منه - مع ضعفها ودقة ساقها - تحمل أضعاف ما تحمله غيرها . ومنها: أن الشجرة الواحدة منه إذا قطع أعلاها أخلفت من جوانبها وفروعها، والنخلة إذا قطع أعلاها ماتت ويبست جملة. ومنها: أن ثمره يؤكل قبل نضجه، وبعد نضجه، وبعد يبسه. ومنها: أنه يتخذ منه من أنواع الأشربة الحلوة والحامضة كالدبس والخل ما لا يتخذ من غيره، ثم يتخذ من شرابه من أنواع الحلاوة والأطعمة والأقوات ما لا يتخذ من غيره، وشرابه الحلال غذاء وقوت ومنفعة وقوة. قوله: شرابه الحلال، مفهومه أن الحرام الذي هو الخمر الذي يتخذ منه شر وبلاء، ولكن هذه الأوصاف في الشراب الحلال. ثم قال: ومنها : أنه يدخر يابسه قوتاً وطعاماً وأدماً. ومنها: أن ثمره قد جمع نهاية المطلوب من الفاكهة من الاعتدال، فلم يفرط إلى البرودة كالخوخ وغيره، ولا إلى الحرارة كالتمر، بل هو في غاية الاعتدال، إلى غير ذلك من فوائده . ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجمع بين القثاء والرطب؛ لأن القثاء بارد والرطب حار، فيقابل بحرارة هذا برودة هذا. ثم قال: فلما كان بهذه المنزلة سموه كرماً، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الفوائد والثمرات والمنافع التي أودعها الله قلب عبده المؤمن من البر وكثرة الخير أعظم من فوائد كرم العنب، فالمؤمن أولى بهذه التسمية منه. فيكون معنى الحديث على هذا: النهي عن قصر اسم الكرم على شجر العنب، بل المسلم أحق بهذا الاسم منه. وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة، ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب) أي: مالك نفسه أولى أن يسمى شديداً من الذي يصرع الرجال. وكقوله: (ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، ولكنه الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه) أي: هذا أولى بأن يقال له مسكين من الطواف الذي تسمونه مسكيناً. ونظيره في المفلس والرقوب وغيرهما . ثم قال: ونظيره قوله: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكنه الذي إذا قطعت رحمه وصلها) وإن كان هذا ألطف من الذي قبله. وقيل في معناه وجه آخر، وهو قصد النبي صلى الله عليه وسلم سلب هذا الاسم المحبوب للنفوس، التي يلذ لها سماعه عن هذه الشجرة التي تتخذ منها أم الخبائث، فيسلبها الاسم الذي يدعو النفوس إليها، ولاسيما فإن العرب قد تكون سمتها كرماً؛ لأن الخمر المتخذة منها تحث على الكرم وبذل المال، فلما حرمها الشارع نفى اسم المدح عن أصلها، وهو الكرم، كما نفى اسم المدح عنها وهو الدواء، فقال: (إنها داء، وليست بدواء) ومن عرف سر تأثير الأسماء في مسمياتها نفرةً وميلاً عرف هذا، فسلبها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاسم الحسن، وأعطاه ما هو أحق به منها، وهو قلب المؤمن . ويؤكد المعنى الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه المسلم بالنخلة؛ لما فيها من المنافع والفوائد، حتى إنها كلها منفعة، لا يذهب منها شيء بلا منفعة، حتى شوكها . يعني: شوكها توقد به النار. ثم قال: ولا يسقط عنها لباسها وزينتها، كما لا يسقط عن المسلم زينته، فجذوعها للبيوت والمساكن والمساجد وغيرها، وسعفها للسقوف وغيرها، وخوصها للحصر والمكاتل والآنية وغيرها، ومسدها للحبال وآلات الشد والحل وغيرها. ومن ذلك قوله تعالى: (فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد:5]. والمسد المقصود به الليف الذي يتخذ منه الحبال، وكذلك القنو الذي في الشماريخ يدق ثم تتخذ منه حبال، والليف يتخذ منه حبال. ثم قال: وثمرها يؤكل رطباً ويابساً، ويتخذ قوتاً وأدماً، وهو أفضل المخرج في زكاة الفطر تقرباً إلى الله، وطهرة للصائم. يعني: أن التمر لا يحتاج إلى تعب وإنما يؤكل رأساً، بخلاف البر فإنه يحتاج إلى طحن وخبز، وكذلك الزبيب يحتاج إلى معالجة حتى يصير زبيباً، وكذلك يحتاج إلى تجميد، أما التمر فإنه يؤكل رأساً. ثم قال: ويتخذ منه ما يتخذ من شراب الأعناب، ويزيد عليه بأنه قوت وحده بخلاف الزبيب، ونواه علف للإبل التي تحمل الأثقال إلى بلد لا يبلغه الإنسان إلا بشق النفس، ويكفي فيه أن نواه يشترى به العنب، فحسبك بثمر نواه ثمن لغيره. يعني: أن النوى يعاوض به العنب، والنوى هو المأخوذ من التمر، فنواها الذي بداخلها يحتاج إليه في علف الإبل، فيعاوض بالعنب، فصاحب العنب إذا أراد نوى من أجل علف إبله، فإنه يعطي عنباً مقابل النوى. ثم قال: وقد اختلف الناس في العنب والنخل: أيهما أفضل وأنفع؟ واحتجت كل طائفة بما في أحدهما من المنافع. والقرآن قد قدم النخيل على الأعناب في موضع، وقدم الأعناب عليها في موضع، وأفرد النخيل عن الأعناب، ولم يفرد العنب عن النخيل. وهذا يريد به ترجيح النخل على العنب. ثم قال: وفصل الخطاب في المسألة: أن كل واحد منهما في الموضع الذي يكثر فيه ويقل وجود الآخر أفضل وأنفع . يعني: أنه تحصل الفائدة من كل واحد منهما من أجل كثرته، والشيء القليل لا يعول عليه، وإنما التعويل على ما هو كثير، فالمكان الذي يكثر فيه العنب تكون الفائدة فيه أكثر، والمكان الذي يكثر فيه النخل ويقل فيه العنب تكون الفائدة فيه أكثر. ثم قال: فالنخيل بالمدينة والعراق وغيرهما أفضل وأنفع من الأعناب فيهما، والأعناب في الشام ونحوها أفضل وأنفع من النخيل بها، ولا يقال: فما تقولون إذا استويا في بلدة؟ فإن هذا لا يوجد، لأن الأرض التي يطيب النخيل فيها، ويكون سلطانه ووجوده غالباً لا يكون للعنب بها سلطان، ولا تقبله تلك الأرض، وكذلك أرض العنب لا تقبل النخيل، ولا يطيب فيها. يعني: لأن النخيل يكون في البلاد الحارة، والعنب يكون في البلاد الباردة، وقد يوجد النخل في البلاد الباردة ولكن لا يطيب، وقد يوجد العنب في البلاد الحارة ولا يكون مثلما يكون في البلاد الباردة. ثم قال: والله سبحانه قد خص كل أرض بخاصية من النبات والمعدن والفواكه وغيرها، فهذا في موضعه أفضل وأطيب وأنفع، وهذا في موضعه كذلك. هذا كلام نفيس لابن القيم رحمة الله عليه فيما يتعلق بالعنب وفوائد العنب وفوائد النخل، والمقارنة بينهما.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|