حكم حفظ المنظومات العلمية
أما عن حفظ المنظومات العلمية، فإنها لا تدخل في الذم، فمن حفظ هذه المنظومات من أجل أن يستذكر، فلا بأس؛ لأن حفظ الشعر أسهل من حفظ النثر، لكن لا يكون شغله هو النظم، بل يحفظ النظم وغير النظم، إنما النظم يأتي به من أجل التوصل به إلى العلم، مثل المنظومات في المصطلح، وفي الفرائض وغيرها من أجل أن يستذكر، فمثل هذا لم يشغله عن ذكر الله، بل هو نظم في ذكر الله.
شرح حديث (إن من الشعر حكمة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري حدثنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن مروان بن الحكم عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث عن أبي بن كعب رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الشعر حكمة) ]. أورد أبو داود حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إن من الشعر حكمة) ] وهذا مدح للشعر؛ لأن من الشعر ما يكون فيه حكم، وما يكون فيه أمور جميلة، وما يكون فيه عظة وعبرة، وما أكثر الشعر الذي هو من هذا القبيل، مثل شعر أبي العتاهية فإنه مليء بالحكم. فإذاً: من الشعر ما هو محمود، ولكن كما مر في الحديث الأول لا يكون شغل الإنسان الشاغل هو الشعر ولو كان محموداً؛ لأنه إذا شغل عما هو أهم منه وعما هو أولى منه صار مذموماً.
تراجم رجال إسناد حديث (إن من الشعر حكمة)
قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ]. أبو بكر بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ]. أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع منهم.
ذكر فقهاء المدينة المتفق عليهم والمختلف فيهم
إن فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين ستة متفق على عدهم، والثالث فيه ثلاثة أقول، المتفق على عدهم هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وخارجة بن زيد بن ثابت والقاسم بن محمد بن أبي بكر و سليمان بن يسار وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير بن العوام والسابع فيه أقوال ثلاثة: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن هذا الذي معنا. وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر . وابن القيم رحمه الله ذكر في أول كتابه إعلام الموقعين جماعة من المفتين من الصحابة، ثم جماعة من المفتين من التابعين في مختلف البلدان، ولما جاء عند ذكر المدينة وذكر الفقهاء فيها، ذكر من فقهاء المدينة في عصر التابعين سبعة، وذكر سابعهم هذا الذي معنا أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وذكر بيتين من الشعر اشتمل البيت الثاني على ذكر السبعة، فقال: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجه فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجه يعني هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عروة بن الزبير . القاسم بن محمد . سعيد بن المسيب . أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . سليمان بن يسار . خارجة بن زيد بن ثابت .
تابع تراجم رجال إسناد حديث (إن من الشعر حكمة)
قوله: [ عن مروان بن الحكم ]. مروان بن الحكم الخليفة، وقد قال عنه عروة بن الزبير : إنه لا يتهم في الحديث، وقد خرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ]. عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج له البخاري و أبو داود و ابن ماجة. [عن أبي بن كعب ]. أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
طريق أخرى لحديث (إن من البيان سحراً وإن من الشعر حكماً) وترجمة رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يتكلم بكلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن من البيان سحراً وإن من الشعر حكماً) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: [ (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يتكلم بكلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من البيان سحراً وإن من الشعر حكماً) ] وهو بمعنى الحكمة. وقوله: [ (إن من البيان سحراً) ] سبق أن مر في الحديث السابق. وقد مر أيضاً في حديث سابق: (إن من الشعر حكمة). قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [ حدثنا أبو عوانة ]. هو وضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك ]. هو سماك بن حرب وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث كما هو معلوم فإن الذي فيه جاء في أحاديث أخرى صحيحة، فهو إما أن يكون ثابتاً أو أن له شواهد.
شرح حديث (إن من البيان سحراً وإن من العلم جهلاً ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا سعيد بن محمد حدثنا أبو تميلة حدثني أبو جعفر النحوي عبد الله بن ثابت حدثني صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (إن من البيان سحراً، وإن من العلم جهلاً، وإن من الشعر حكماً، وإن القول عيالاً). فقال صعصعة بن صوحان : صدق نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أما قوله: (إن من البيان لسحراً) فالرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق. وأما قوله: إن من العلم جهلاً، فيتكلف العالم إلى علمه ما لا يعلم فيجهله ذلك. وأما قوله: إن من الشعر حكماً، فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس. وأما قوله: إن من القول عيالاً، فعرضك كلامك، وحديثك على من ليس من شأنه ولا يريده ]. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إن من البيان سحراً، وإن من العلم جهلاً، وإن من الشعر حكماً، وإن من القول عيالاً) ]. وقوله: [ (إن من البيان سحراً) ] مر ذكره. صعصعة بن صوحان فسر قوله: [ (وإن من العلم جهلاً) ] بعدة تفسيرات وهذا المذكور عن صعصعة منها، وهناك تفسيرات أخرى ذكرها في عون المعبود غير هذا اللفظ قال فيها: أي: لكونه علماً مذموماً، والجهل به خير منه. يعني: وجود الجهل خير من ذلك العلم؛ لأن علمه فيه ضرر والجهل به فيه نفع. ثم قال: أو لكونه علماً بما لا يعنيه، فيصير جهلاً بما يعنيه. يعني: إما أن يكون اشتغل بما لا يعنيه أو ترك ما يعنيه. ثم قال: وقيل: ألا يعمل بعلمه، فيكون ترك العمل بالعلم جهلاً. يعني: أنه يكون بمثابة الجاهل؛ لأنه لم يعمل بعلمه، بل الجاهل أحسن حالاً منه، كما يقول الشاعر: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم ثم قال: وفي النهاية قيل: هو أن يتعلم ما لا حاجة إليه كالنجوم وعلوم الأوائل، ويدع ما يحتاج إليه في دينه من علم القرآن والسنة. وقيل: هو أن يتكلف العالم القول فيما لا يعلمه فيجهله ذلك. وهذا معنى كلام صعصعة بن صوحان الذي ذكره أبو داود ونقله عنه. قوله: [ فيجهله ذلك ]. يعني: ينسب به إلى الجهل؛ لأنه تكلم بغير علم. قال أبو يوسف : الجهل بالكلام هو العلم. قوله: [ (وإن القول عيالاً) ] بكسر أوله، قال الخطابي : هكذا رواه أبو داود : [ (عيالاً) ] ورواه غيره (إن من القول عيلاً). قال الأزهري : قوله عليه الصلاة والسلام: [(عيلاً)] من قولك: علت الضالة أعيل عَيْلاً وعَيَلاً، إذا لم تدر أية جهة تبغيها. قال أبو زيد : كأنه لم يهتد لمن يطلب علمه فعرضه على من لا يريده. يعني: كأنه وضعه في غير موضعه، حيث شغل وقته في غير طائل، كأنه أهدي هدية لا يريدها، وهذا مثل ما يقولون: صيحة في واد ما لها نتيجة ولا لها ثمرة.
تراجم رجال إسناد حديث (إن من البيان سحراً وإن من العلم جهلاً...)
قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا سعيد بن محمد ]. سعيد بن محمد صدوق، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة . [ حدثنا أبو تميلة ]. هو يحيى بن واضح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبو جعفر النحوي عبد الله بن ثابت ]. عبد الله بن ثابت وهو مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن صخر بن عبد الله بن بريدة ]. وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن بريدة وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جده ]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعيف من حيث الإسناد، ولكن الجملة الأولى والجملة الثالثة وهما قوله: [ (إن من البيان سحراً) ] وقوله: [ (وإن من الشعر حكماً) ] قد جاءت الأحاديث بهما، وأما قوله: [ (وإن من العلم جهلاً) ] وقوله: [ (وإن من القول عيالاً) ] فهما جاءا في هذا الإسناد، فيكون فيهما ضعف؛ لأنهما جاءا من هذا الطريق.
شرح حديث (مر عمر بحسان وهو ينشد في المسجد فلحظ إليه فقال قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن أبي خلف وأحمد بن عبدة المعنى قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد قال (مر عمر بحسان رضي الله عنهما وهو ينشد في المسجد، فلحظ إليه، فقال: قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك) ]. أورد أبو داود حديث حسان وفيه: أن عمر مر به وهو ينشد شعراً في المسجد فلحظه، يعني: نظر إليه بعينه نظرة فيها إنكار، فقال: مجيباً عن الفعل الذي قام مقام القول:[ (قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك) ] يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على جواز إنشاد الشعر في المسجد وذكره في المسجد إذا كان سليماً وكان حكماً، مثل ما كان شعر حسان رضي الله عنه دفاعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (مر عمر بحسان وهو ينشد في المسجد فلحظ إليه فقال قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك)
قوله: [ حدثنا ابن أبي خلف ]. هو محمد بن أحمد بن أبي خلف وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود . [ وأحمد بن عبدة ]. هو أحمد بن عبدة الضبي وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [حدثنا سفيان بن عيينة ]. هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن سعيد ]. الزهري مر ذكره، وسعيد هو ابن المسيب وهو ثقة، وهو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ مر عمر بحسان ]. هو حسان بن ثابت رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
الحكم على رواية سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال المنذري : وسعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر ، فإن كان سمع ذلك من حسان بن ثابت فيتصل . يعني: هو يحكي الذي قد حصل، فيمكن أن يكون سعيد سمع من حسان ، ويمكن أن يكون سمع من عمر ؛ لأن ابن القيم رحمه الله ذكر في تهذيب السنن ما يدل على سماعه منه، وأثبت سماعه منه. قال ابن القيم : وقد تكرر له في هذا الكتاب في مواضع . يعني: تكرر أن المنذري يقول مثل هذا الكلام. قال ابن القيم رحمه الله: وبه يعلل ابن القطان وغيره حديث سعيد عن عمر ، وهو تعليل باطل أنكره الأئمة كأحمد بن حنبل ويعقوب بن سفيان وغيرهما، قال أحمد : إذا لم يقبل سعيد بن المسيب عن عمر فمن يقبل؟! سعيد عن عمر عندنا حجة. وقال حنبل في تاريخه: حدثنا أبو عبد الله يعني: أحمد بن حنبل ، قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا سعيد عن إياس بن معاوية قال: قال سعيد بن المسيب ممن أنت ؟ قلت من مزينة، قال:إني لأذكر يوم نعى عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني على المنبر. وهذا صريح في الرد على من قال: إنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر. وقال: يحيى بن سعيد الأنصاري : كان سعيد بن المسيب راوية عمر بن الخطاب ؛ لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه. وقال مالك : بلغني أن عبد الله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره. هذا ولم يحفظ عن أحد من الأئمة أنه طعن في رواية سعيد عن عمر ، بل قابلوها كلهم بالقبول والتصديق، ومن لم يقبل المرسل قبل مرسل سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقال الحاكم في علوم الحديث: سعيد بن المسيب أدرك عمر وعلياً وطلحة وباقي العشرة وسمع منهم. والمقصود: أن تعليل الحديث برواية سعيد له عن عمر تعنت بارد، والصحيح أنه ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر فيكون له وقت وفاة عمر ثمان سنين، فكيف ينكر سماعه، ويقدح باتصال روايته عنه! والله الموفق للصواب وقد أخرجاه في الصحيحين وذكره أبو داود عقب هذا الحديث عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، فذكر الحديث بمعنى ما تقدم دون ذكر الزيادة .
طريق أخرى لحديث حسان عن أبي هريرة وزاد فيه (... فخشي أن يرميه برسول الله فأجازه) وترجمة رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى :[ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه بمعناه زاد: (فخشي أن يرميه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأجازه) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة وقال: بمعناه، وزاد: [ (فخشي أن يرميه برسول الله) ] يعني: خشي أن يقول له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أنشدته وهو خير منك . قوله: [ (فأجازه) ] يعني: أن عمر تركه. قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن سعيد بن المسيب ]. الزهري وسعيد بن المسيب مر ذكرهما. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة وقد مر ذكره.
شرح حديث (كان رسول الله يضع لحسان منبراً في المسجد فيقوم عليه يهجو من قال في رسول الله ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان المصيصي لوين حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة وهشام عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان رضي الله عنه منبراً في المسجد، فيقوم عليه يهجو من قال في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن روح القدس مع حسان ، ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه بيان ما ذكره حسان في الحديث السابق حيث قال: (كنت أنشده وفيه من هو خير منك) يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر هنا الحديث الذي فيه إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له بأن ينشد الشعر، وأنه كان يضع له منبراً يقوم عليه وينشد الشعر ينافح ويدافع به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهجو المشركين الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يهجوهم ويقابل هجاءهم للرسول صلى الله عليه وسلم بهجائه إياهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (إن روح القدس مع حسان) ] وروح القدس هو جبريل. قوله: [ (ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] فهو يدل على توضيح ما ذكر في الحديث السابق من إنشاد الشعر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يضع لحسان منبراً في المسجد فيقوم عليه يهجو من قال في رسول الله...)
قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان المصيصي لوين ]. هو محمد بن سليمان المصيصي، ولوين لقبه، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن أبي الزناد ]. هو عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. وهذا عبد الرحمن هو الذي يكنى به أبو الزناد أبوه يقال له: أبو عبد الرحمن ، و أبو الزناد ليست كنية وإنما هي لقب، ولكنه على صيغة الكنية. [ عن أبيه ]. هو أبو الزناد عبد الله بن ذكوان المدني ثقة مكثر من الرواية عن أبي هريرة ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و هشام عن عروة ]. يعني: أن هشاماً مثل أبي الزناد يروي عن عروة ، و هشام هو ابن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح أثر ابن عباس في نسخ (والشعراء يتبعهم الغاوون)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:224] فنسخ من ذلك واستثنى فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الشعراء:227] ] أورد أبو داود أثر ابن عباس قال: [ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:224] فنسخ من ذلك واستثنى فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الشعراء:227] ] فاللفظ الأول عام، وهم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون الذين وصفهم الله، فالذين استثناهم الله عز وجل من اللفظ العام بقوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الشعراء:227] ليسوا من الشعراء الذين يتبعهم الغاوون، وإنما الذين يتبعهم الغاوون هم الذين ليسوا موصوفين بهذه الأوصاف التي جاءت في هذا الاستثناء. قوله: [ فنسخ من ذلك واستثنى ] أي: نسخ بعض ما يدل عليه العموم؛ لأن النسخ هو رفع الحكم الشرعي بحكم شرعي آخر متراخ عنه، وهذا نسخ الحكم جملة، وأما الاستثناء فيقال له: تخصيص؛ لأنه استثنى بعض أفراد العام، وأطلق عليه نسخ؛ لأنه في الجملة رفع للشيء وإن لم يكن الرفع فيه كلياً، وإنما هو رفع للبعض؛ ولأن اللفظ العام قوله: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:224] يشمل كل شاعر، فلما استثني منه هؤلاء الذين اتصفوا بالإيمان والعمل الصالح وذكر الله، صار الحكم العام باقياً في حق غير هؤلاء المستثنين.
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في نسخ (والشعراء يتبعهم الغاوون)
قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي ]. هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي المشهور بابن شبويه وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا علي بن حسين ]. هو علي بن حسين بن واقد وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. هو يزيد بن أبي سعيد النحوي وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. عكرمة وابن عباس قد مر ذكرهما.
الأسئلة
حكم الأناشيد التي تسمى بالإسلامية
السؤال: بمناسبة الحديث عن الشعر فقد كثرت الأسئلة عن الأناشيد التي تسمى بالإسلامية، خاصة وأنها الآن ربما ألقيت في حفلات تقام في المسجد، ويحتجون بحديث حسان مع عمر رضي الله عنه؟ الجواب: هذه الأناشيد التي يتغنى بها والتي غالباً ما يحرص فيها على الأصوات ولا يحرص فيها على المعاني، ليست من قبيل الشعر المحمود الذي يثنى عليه؛ لأنه يغلب عليه الرغبة في الأصوات والاستمتاع بها أكثر من الاستمتاع بالمعاني.
حكم من صلى وفي ثوبه نجاسة من دم أو غيره
السؤال: صليت وكان في ثوبي دم وهذا الدم كان من رجلي، فهل صلاتي صحيحة؟ الجواب: الإنسان إذا صلى وفي ثوبه نجاسة ولم يعلم إلا بعد فراغ الصلاة، فإن صلاته صحيحه، سواء كانت بولاً أو دماً أو غير ذلك، وإنما تكون صلاته غير صحيحه لو صلاها بغير وضوء، فإنه يجب عليه الإعادة. وأما إذا صلى وعليه نجاسة دون علم بها فإن صلاته صحيحة، والدليل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صلى بأصحابه وكان عليه نعلاه وأصحابه عليهم نعالهم، فلما كان في أثناء الصلاة جاءه جبريل وأخبره بأن في نعليه قذراً فخلعهما، فخلع الناس نعالهم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك أخبرهم بأن جبريل أخبره، فدل هذا على أن الصلاة صحيحة؛ لأنه لو كانت الصلاة غير صحيحة لاستأنف الصلاة من أولها، ولم يبن على ما مضى. إذاً: لو صلى المرء وفي ثوبه نجاسة ولم يعلم إلا بعد ما فرغ من الصلاة، أو كان على علم قبل ذلك بالنجاسة ولكن نسيها فإن صلاته صحيحة، وليس عليه الإعادة لهذا الحديث، وإنما تكون الإعادة لو صلى بغير وضوء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).
حقيقة إهداء النبي صلى الله عليه وسلم بردته لكعب بن زهير حين ألقى عليه قصيدته
السؤال: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى بردته لكعب بن زهير عندما ألقى عليه قصيدته، وسميت بالبردة لذلك؟ الجواب: كون الرسول صلى الله عليه وسلم أهدى لكعب بردة لا أدري عنه شيئاً، ولكن قصيدة كعب بن زهير مشهورة، والشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله كتب رسالة خاصة حول قصيدة كعب بن زهير وأنه ألقاها بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر ما يتعلق بها من الأسانيد والأحاديث. وأما قضية البردة فلا أعلم عنها شيئاً.
حكم إطلاق القول بأن القرآن كالسحر
السؤال: هل يصح القول بأن القرآن كالسحر؟ الجواب: القرآن هو خير الكلام وأفصح الكلام وأبلغ الكلام، ولكن لا يوصف بهذا الوصف؛ لأن السحر كما هو معلوم يحمد ويذم، والقرآن كله حمد لا ذم فيه."