شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [571]
الحلقة (601)
شرح سنن أبي داود [571]
التثاؤب والعطاس من الأمور اللاإرادية التي قد تغلب على المرء في بعض الأحيان، لكن التثاؤب ناتج عن التخمة والكسل والخمول وامتلاء البطن، بينما العطاس ناتج عن الخفة والنشاط ما لم يكن العاطس مزكوماً، وقد ورد الشرع بمدح العطاس وذم التثاؤب، وقد جاء في السنة ذكر آدابهما القولية والفعلية.
ما جاء في التثاؤب
شرح حديث (إذا تثاءب أحدكم فليمسك على فيه فإن الشيطان يدخل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في التثاؤب. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن سهيل عن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا تثاءب أحدكم فليمسك على فيه؛ فإن الشيطان يدخل) ]. قوله: [ باب ما جاء في التثاؤب ] يعني: ما جاء فيه من أحاديث تبين أحكامه وآدابه، وما يتعلق بذلك. والتثاؤب هو ما يحصل من الإنسان عندما يكون فيه كسل وخمول، ويكون غالباً عن كثرة أكل، فإنه يترتب على ذلك أن الإنسان يتثاءب، والشيطان يريد هذا الشيء؛ لأن كل ما فيه ضرر على الإنسان فإن الشيطان يريده. وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن الإنسان عندما يتثاءب فإنه يتأدب بآداب، فمن هذه الآداب ما جاء في حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه الذي أورده المصنف، وهو أن الإنسان إذا تثاءب يمسك بيده على فيه؛ فإن الشيطان يدخل، وذلك أنه إذا أمسك على فيه، فإنه يمنع فمه من الانفتاح ويكظم ما استطاع؛ لأن ذلك يمنع من حصول التثاؤب على وجه يفرح به الشيطان ويريده. وجاء في هذه الرواية أن الشيطان يدخل من فيه، وجاء في رواية أخرى أنه يضحك معجباً ومسروراً بما يحصل للإنسان من تلك الهيئة الكريهة، التي هي غير مرضية وغير مستحسنة. والحديث الذي معنا فيه أنه يدخل، ويمكن أن كلاً من الأمرين يحصل، بحيث يحصل منه الدخول والضحك، ومعلوم أن الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم، فيدخل ويضحك فرحاً وسروراً بهذا الشيء الذي فيه مضرة على الإنسان وفيه كسل وخمول.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا تثاءب أحدكم فليمسك على فيه فإن الشيطان يدخل)
قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا هو الذي أثنى عليه الإمام أحمد ووصفه بأنه شيخ الإسلام. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل ]. هو سهيل بن أبي صالح وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وروايته في البخاري مقرونة، أما مسلم فإنه روى عنه على سبيل الإفراد، ومما روى عنه مسلم في صحيحه حديث: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟!) فإنه من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه، وأما البخاري فإنه لم يخرجه في صحيحه، ولكنه أورد الحديث في ترجمة باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) وهو يدل على صحته عنده، ولكنه ليس على شرطه. [ عن ابن أبي سعيد الخدري ]. هو عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله تعالى عنه، مشهور بكنيته أبي سعيد وبنسبه الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام والذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله: والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر و أنس والبحر والخدري وجابر وزوجة النبي البحر المقصود به ابن عباس ، وزوجة النبي هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فهم ستة رجال وامرأة واحدة، بلغت أحاديث بعضهم ما يزيد على الألف، وبعضهم ما يزيد على الألفين، وبعضهم ما يزيد على ذلك.
حقيقة دخول الشيطان فم المتثائب
ذكر صاحب العون في قوله: (فإن الشيطان يدخل) قال: إما حقيقة، أو المراد بالدخول التمكن منه. فالتمكن حاصل والدخول ممكن، والأصل هو الحقيقة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.). وكون الإنسان يأتي بأذكار اليوم والليلة والأذكار التي يكون فيها حرز من الشيطان، فمعنى ذلك أن الحرز يدفع عنه الضرر، وأما كون الشيطان يدخل فقد يدخل، وكونه يحصل شيء يفرحه وشيء يسره يمكن.
ضعف تقييد حكم التثاؤب بحال الصلاة دون خارجها
أما ما نقل عن العراقي أن في أكثر الروايات إطلاق التثاؤب وفي رواية تقييده بحال الصلاة، فكونه يحمل المطلق على المقيد هذا غير صحيح؛ لأن معنى ذلك أن الحكم سيكون في المقيد دون المطلق، وأنه خارج الصلاة لا يكون الحكم، فإذا كان المراد به أن الحكم يتعلق بالصلاة وأن ما كان خارج الصلاة لا يحصل له هذا الحكم، فهذا غير صحيح، وأما إذا أريد به أن الحكم عام، ولكنه في الصلاة يتأكد ويكون أمره أخطر وأمره أشد، وأن هذا من قبيل التنصيص على بعض أفراد ما يمكن أن يشمله، فهو صحيح، إذ لا شك أنه في الصلاة أشد؛ لأن فيه إشغال الإنسان عن صلاته بهذا الذي حصل له من الكسل والخمول، ولا شك أن هذا يسر الشيطان كثيراً؛ لأنه مشتغل بعبادة، وهو يريد أن يلهيه عن العبادة وأن يشوش عليه عبادته وأن يفسدها عليه ويصرفه عنها.
شرح حديث (إذا تثاءب أحدكم فليمسك على فيه...) من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن العلاء عن وكيع عن سفيان عن سهيل نحوه، قال: (في الصلاة فليكظم ما استطاع) ]. أورد أبو داود رواية ثانية وفيها: (في الصلاة) وهذا لا يدل على قصر الحكم على الصلاة كما أشرت، والحكم أنه يكظم ما استطاع في الصلاة وغير الصلاة، وإن غلبه التثاؤب فإنه يمسك فمه في الصلاة وفي غير الصلاة. قوله: [ حدثنا ابن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل نحوه ]. هو سهيل بن أبي صالح وقد مر. [ نحوه ] يعني: نحو ما تقدم بنفس الإسناد.
حكم التعوذ من الشيطان عند التثاؤب
أما قول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب، استناداً إلى قوله تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200] فلا أعلم أنه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإنسان عند التثاؤب يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولكن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (التثاؤب من الشيطان) يؤيد ذلك فلا بأس بذلك؛ لأن هذا من الشيطان، فهو يتذكر أن هذا من الشيطان وأن هذا يعجب الشيطان، وأن هذا يريده الشيطان، فيتعوذ بالله منه.
شرح حديث (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، ولا يقل: هاه هاه؛ فإنما ذلكم من الشيطان يضحك منه) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب). العطاس محبوب إلى الله عز وجل؛ لأن فيه استخراج أشياء من الدماغ، فالإنسان يتخلص منها ويكون فيه نشاط فيكون محموداً، والله تعالى يحبه، وأما التثاؤب فإن الله تعالى يكرهه؛ لأن فيه ثقلاً وكسلاً وخمولاً، وهذا مما يعجب الشيطان. قوله: [ (فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع) ] يعني: يحاول أن يكظم ذلك النفس الذي يظهر من فمه ويؤدي إلى انفتاحه، وهي هيئة مستقذرة مستكرهة، فإن غلبه وصار لا بد من الانفتاح، فإنه يضع يده على فيه؛ لأنه بذلك يمنع من زيادة الانفتاح في الفم، ويمنع أيضاً من حصول الصوت الذي يكون نتيجة لهذا الانفتاح، ولهذا قال في الحديث: (إذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقل: هاه، هاه) وهذه حكاية للصوت الذي يخرج من الفم عند التثاؤب بسبب هذا الانفتاح؛ وبسبب هذا النفس. وإذا حدث مثل هذا الصوت فهذا يدل على أن التثاؤب قد بلغ حده وبلغ نهايته، وصار على هذه الهيئة الكريهة، وصار منه هذا الصوت الذي هو صوت خروج النفس منه، وليس معنى ذلك أن الإنسان يقول: هاه، بحيث ينطق بها ويأتي بها، وإنما المقصود بذلك حكاية صوت النفس الذي يحصل نتيجة لهذا الانفتاح وخروج النفس بهذه الطريقة. قوله: [ (فإنما ذلكم من الشيطان يضحك منه) ] يعني: يضحك سروراً؛ لأنه وجد ما يسره ويعجبه، وفي هذا إثبات أن الشيطان يحصل منه الضحك ويفرح بما يسوء الإنسان وبما لا خير فيه للإنسان، كما جاء أنه يأكل بشماله ويشرب بشماله، فكذلك أيضاً جاء عنه أنه يضحك فرحاً وسروراً لحصول الهيئة التي يكرهها الله.
تراجم رجال إسناد حديث (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب...)
قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد المقبري ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو كذلك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله تعالى عنه مر ذكره. و سعيد بن أبي سعيد يروي عن أبي هريرة مباشرة ويروي عنه بالواسطة، وهنا روى عنه بواسطة أبيه.
ما جاء في العطاس
شرح حديث (كان رسول الله إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في العطاس. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه، وخفض أو غض بها صوته) شك يحيى ]. أورد أبو داود [ باباً في العطاس ] يعني: ما يتعلق بآدابه، وقد مر أن الله تعالى يحب العطاس ويكره التثاؤب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم -كما في حديث أبي هريرة هذا- إذا عطس وضع يده أو وضع ثوبه على فمه وغض صوته بالعطاس. وهناك فوائد لوضع الثوب على الفم والأنف في حالة العطاس منها: أولاً: أنه يخفض الصوت. ثانياً: أنه يمنع من حصول أشياء تتطاير وتنتشر بسبب العطاس الذي يحصل بقوة، وتخرج من الدماغ، فينتج عنه أن يخرج من أنفه أشياء، فهذا يمنع من خروجها على جسمه أو على من حوله. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه، وخفض أو غض بها صوته) شك يحيى ]. يعني: قوله: [ (خفض أو غض) ] شك يحيى وهو أحد الرواة.
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه...)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سمي ]. هو سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو ذكوان السمان اسمه ذكوان ولقبه السمان ويقال: الزيات ؛ لأنه كان يجلب الزيت ويجلب السمن، فلقب بالزيات و السمان ، فهي نسبة حرفة ومهنة وعمل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه وقد مر ذكره.
وجه كون صدق الحديث ما عطس عنده
أما ما يقولون من أن الذي يعطس عند ذكره لشيء فهذا يدل على صدقه، كما جاء في الحديث: (أصدق الحديث ما عطس عنده) فأقول: هذا الحديث ضعيف وهو في السلسلة الضعيفة للشيخ الألباني رحمه الله تعالى، والكذاب يمكن أن يأتي بشيء من الفلفل الذي يجلب العطاس ثم يعطس؛ لأن من الناس من إذا شم هذا الفلفل ولو من مكان بعيد يحصل له العطاس بسبب ذلك، ومن ألف الفلفل لا يعطس وإن كان يكيل الفلفل كيلاً، كان بعض الناس في بعض الأسواق يبيع الفلفل ويكيله بالصاع، وكان كل من مر من طرف السوق يعطس، وهو نفسه لا يعطس؛ لأن عنده مناعة. وإذا كان العطاس يحبه الله تبارك وتعالى فلا يعني ذلك أن يكثر منه؛ فالإكثار منه غير جيد؛ لأنه مرض، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا زاد العاطس على ثلاث لا يشمته، ويقول: مزكوم!
شرح حديث (خمس تجب للمسلم على أخيه رد السلام وتشميت العاطس...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان و خشيش بن أصرم قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنازة) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة : خمس تجب على المسلم لأخيه المسلم وهي: رد السلام، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، واتباع الجنازة، وإجابة الدعوة. هذه تجب على المسلم لأخيه، وهذا يدل على وجوب التشميت للعاطس، واختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: إنه وجوب عيني، ومنهم من قال: إنه وجوب كفائي. قوله: [ (خمس تجب للمسلم على أخيه) ]. هذا الأسلوب من الأساليب التي جاءت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو كونه يذكر العدد أولاً ثم يذكر المعدود بعد ذلك؛ لأن هذا فيه تحفيز السامع إلى أن يتهيأ لاستيعاب هذا العدد، وألا يفوته منه شيء، وأنه إن قصر عن استيعابه فمعناه أنه فاته شيء، وهذا من كمال بيانه وكمال نصحه لأمته عليه الصلاة والسلام، فإنه يأتي بمثل هذه العبارات التي تحفز السامعين إلى أن يعنوا وأن يهتموا بما يلقى بعد ذكر هذه الخمس، بخلاف ما لو جاء المعدود بدون ذكر العدد في الأول، فإن الإنسان قد يفوته شيء ولا يدري أنه قد فاته. وقد جاء هذا كثيراً في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، منها: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان) ومنها: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً) ومنها: (خمس من الفطرة) وهنا: (خمس تجب على أخيه المسلم) ومنها: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن) يعني: ذكر أنهما كلمتان وذكر صفاتهما ثم ذكرهما في الآخر: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم). فهذا الحديث من أمثلة ما اشتمل عليه كلامه صلى الله عليه وسلم من البلاغة، وما اتصف به صلى الله عليه وسلم من كمال النصح للأمة، فهو أفصح الناس وأنصح الناس للناس عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. قوله: [ (خمس تجب للمسلم) ]. وهذا فيه التصريح بالوجوب. قوله: [ (للمسلم على أخيه) ] ومعنى هذا: أن هذا الحق إنما هو للمسلم وليس لغيره. قوله: [ (رد السلام) ] ورد السلام واجب، وابتداؤه سنة، وهذا مما يقال فيه: إن السنة فيه أفضل من الواجب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) فالذي يبدأ بالسلام ويبادر إليه أحسن وأفضل ممن يُسْبَقُ بالسلام، ويكون شأنه راداً وليس مبتدئاً، لكن كما هو معلوم جاءت أحاديث تبين من الناس من يكون منه السلام، كأن يسلم الراكب على الماشي، والماشي على الجالس وهكذا. قوله: [ (وتشميت العاطس) ]. وتشميت العاطس هو ما نحن فيه. قوله: [ (وإجابة الدعوة)]. آكد ما يكون فيها دعوة الزواج ووليمة العرس، وكذلك إذا كانت الدعوة يترتب عليها مصلحة وفائدة كبيرة، ولا يترتب على الإنسان مضرة، أو لم يحصل فيه إخلال بعمل أو بموعد آخر أو ما إلى ذلك، فإن ذلك متأكد. قوله: [ (وعيادة المريض)]. يعني: كون الإنسان يعود أخاه في مرضه، فإنه يدخل عليه السرور ويؤنسه، وهو في ظرف وفي حالة هو بحاجة إلى الإيناس وإلى أن يحسن إليه وأن يسر، بأن يؤتى إليه ويدعى له ويطمأن. قوله: [ (واتباع الجنازة)]. يعني: إذا مات فإنه يتبع جنازته.
تراجم رجال إسناد حديث (خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام وتشميت العاطس ...)
قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان مقبول، أخرج له أبو داود . [ و خشيش بن أصرم ]. خشيش بن أصرم ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن المسيب ]. هو سعيد بن المسيب وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره.
حكم تشْميت العاطس
إن تشميت العاطس واجب، وينبغي للإنسان أن يحرص على تشميت العاطس، لكن بعض أهل العلم قال: إن تشميته متعين، وإنه واجب، ولكنه إذا قام به من يكفيه سقط الإثم. ولكن الإنسان يحرص على أن يكون مؤدياً لهذا الواجب، سواء قام به غيره أو لم يقم به غيره، وقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (فحق على كل من سمعه أن يشمته). وهذا يدل على الوجوب، لكن كما قلت وكما هو معلوم أنه الوجوب الكفائي، فهو واجب على الجميع في الأصل، ولكن الإثم يسقط عنهم لقيام البعض به.
ما جاء في تشميت العاطس
شرح حديث سالم بن عبيد (... إذا عطس أحدكم فليحمد الله وليقل له من عنده: يرحمك الله ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في تشميت العاطس. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف قال: (كنا مع سالم بن عبيد رضي الله عنه فعطس رجل من القوم فقال: السلام عليكم، فقال سالم : وعليك وعلى أمك، ثم قال بعد: لعلك وجدت مما قلت لك؟ قال: لوددت أنك لو لم تذكر أمي بخير ولا بشر، قال: إنما قلت لك كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، إنا بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ عطس رجل من القوم فقال: السلام عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك وعلى أمك، ثم قال: إذا عطس أحدكم فليحمد الله، قال فذكر بعض المحامد، وليقل له من عنده: يرحمك الله، وليرد يعني عليهم: يغفر الله لنا ولكم) ]. أورد أبو داود [ باب ما جاء في تشميت العاطس ]. وتشميت العاطس هو أنه إذا حمد الله يدعى له بالرحمة فيقال: يرحمك الله! هذا هو التشميت، ويقال له التسميت بالسين. والتشميت إنما يكون لمن عطس وحمد وليس لكل عاطس، ويجيب الذي دعي له بالرحمة وقد حمد الله في الأول بقوله: (يهديكم الله ويصلح بالكم) كما جاء في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث قال: (يغفر الله لنا ولكم) ولكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو متكلم فيه. ثم ما جاء في الحديث من ذكر السلام يحتمل أنه سبق لسان أو أنه ظن أن هذا يقال في هذا الموقف، ولكن الحديث غير صحيح؛ لأن في إسناده من هو متكلم فيه، ولكن السنة ثبتت بأن العاطس يحمد الله، وأن سامعه يشمته، فيقول: يرحمك الله، والعاطس يجيب من شمته بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم.
تراجم رجال إسناد حديث سالم بن عبيد (... إذا عطس أحدكم فليحمد الله وليقل له من عنده: يرحمك الله ...)
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن يساف ]. هلال بن يساف وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ كنا مع سالم بن عبيد ]. وهو صحابي أخرج له أصحاب السنن. والحديث فيه انقطاع بين هلال بن يساف وبين سالم بن عبيد .