شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [594]
الحلقة (624)
شرح سنن أبي داود [594]
جاء الإسلام لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وحثهم على عمارة الآخرة والاهتمام بها والتزود لها، وكره لهم التكالب على الدنيا والتطاول فيها والتفاخر ببنيانها وعمارتها. ومما جاء به الإسلام حث أتباعه على البعد عن مضرة الناس وإيذائهم في أماكن جلوسهم وظلهم وطرقهم، فأمر بإماطة الأذى عن الطريق ومنع اقتراف ما يؤذي الناس، وما ترك الإسلام من شيء فيه نفع إلا وحثنا عليه، أو سوءاً إلا وحذرنا منه.
ما جاء في البناء
شرح حديث (مر بي رسول الله وأنا أطين حائطاً...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في البناء. حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا حفص عن الأعمش عن أبي السفر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (مر بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أطين حائطاً لي أنا وأمي، فقال: ما هذا يا عبد الله ؟! فقلت: يا رسول الله! شيء أصلحه، فقال: الأمر أسرع من ذلك) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً فيما جاء في البناء. والمقصود من ذلك بنيان البيوت وغيرها، والمقصود من ذكر هذه الترجمة ذكر ما ورد من الأحاديث المتعلقة بالبناء، والحاجة إلى البنيان أمر معلوم، والناس لابد لهم من البنيان واتخاذ الأماكن التي يتخذونها سكناً، والمحذور هو الذي يكون فيه مفاخرة وتكبر أو ما إلى ذلك. وقد أورد أبو داود عدة أحاديث أولها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يطين حائطاً له هو وأمه، والمقصود بالتطيين: أنه يبني شيئاً بالطين، فقال: ما هذا؟ قال: شيئاً نصلحه، يعني: أنه فيه خلل فيصلحه. قال: (الأمر أسرع من ذلك) يعني: أن الموت قريب. وهذا لا يدل على المنع من ذلك، بل فيه بيان ذهاب وفناء الدنيا، وأن الإنسان لابد أن يغادر هذه الحياة الدنيا، وأن عليه أن يعتني بعمارة الدار الآخرة، وإذا فعل ما يحتاج إليه من البنيان في هذه الحياة الدنيا فلا بأس بذلك، ولهذا كان بعض العلماء قد وعظ البعض وعظاً عظيماً كبيراً، ونصحه بنصيحة قيمة وموعظة بليغة، وكان مما قاله فيها: فاعمر قبرك كما عمرت قصرك. إشارة إلى الاستعداد للدار الآخرة، وأن الإنسان يعمل الأعمال الصالحة التي يجد فيها السلامة والنجاة في القبر وما بعد القبر، أما وقد حصلت العناية في أمور الدنيا فلا بد أن تكون العناية بما هو أهم وأعظم من أمور الآخرة. والرسول صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة نزل ضيفاً على أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وكان بيته مكوناً من دورين، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في الدور الأسفل، وكان هو في الدور الأعلى، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يتحول من الأسفل إلى الأعلى، وقال: لا أحب أن أكون فوقك يا رسول الله، فانتقل عليه الصلاة والسلام إلى الدور الأعلى. فالبنيان المحتاج إليه لا بأس به، وهذا أمر لا بد منه، وهو من الأمور الضرورية للناس، وهذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ليس منعاً، وإنما هو تنبيه إلى ما هو الأهم والأعظم، وأن الإنسان يستعد للموت، والاستعداد للحياة لا يحتاج إلى أن يوصى الإنسان به فهو مستعد بدون أن يوصى، ولكن الاستعداد للآخرة هو الذي يحتاج إلى تنبيه ووصية.
تراجم رجال إسناد حديث (مر بي رسول الله وأنا أطين حائطاً...)
قوله: [ قال حدثنا مسدد بن مسرهد ]. مسدد بن مسرهد ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا حفص ]. حفص بن غياث ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي السفر ]. أبو السفر هو سعيد بن يحمد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (... ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و هناد المعنى قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بإسناده بهذا قال: (مر علي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونحن نعالج خُصاً لنا وهى، فقال: ما هذا؟ فقلنا: خص لنا وهى فنحن نصلحه، فقال رسول الله عليه وعلى آله وسلم: ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو من طريق أخرى، وفيه أنه قال: (خصَّا)، والخص قيل هو: البنيان أو الشيء المتخذ من الخشب والقصب، وهناك قال: (نطين) فإما أن تكون القصة قصتين أو أنها واحدة، ولكنه يعالجه بالبنيان بأن يبني في أسفله حتى يثبت فيه الخشب والقصب، فإذا كانت القصة واحدة فلا تنافي بينهما، فالتطيين لا ينافي إصلاح أو معالجة ما هو متخذ من الخشب والقصب، وذلك لأن الأساس في الأصل إنما يكون بالطين، حيث تبنى جوانبه بالطين حتى يتماسك.
تراجم رجال إسناد حديث (... ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك)
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ و هناد ]. هناد بن السري أبو السري ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش مر ذكره.
شرح حديث (... أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا... )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا زهير حدثنا عثمان بن حكيم قال: أخبرني إبراهيم بن محمد بن حاطب بن القرشي عن أبي طلحة الأسدي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج فرأى قبة مشرفة فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذه لفلان. رجل من الأنصار، قال: فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلم عليه في الناس أعرض عنه. صنع ذلك مراراً حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قالوا: خرج فرأى قبتك قال: فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم فلم يرها، قال: ما فعلت القبة؟ قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال: أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا. يعني: ما لابد منه) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً ورأى قبة مشرفة، يعني: أنها عالية، فقال: لمن هذه؟ قالوا: لفلان، فكان ذلك الرجل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يظهر له انبساطاً، فتأثر هذا الرجل، فأخبر بعض الصحابة بالذي رآه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه فهم أن في نفسه شيئاً عليه، فقالوا له: إنه سأل عن القبة وإنه ذكر القبة، فذهب وهدمها، فلقيه بعد ذلك فأخبره أنه هدمها فقال: (إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا. يعني: إلا ما لا بد منه)، يعني الشيء الذي لا يحتاج إليه الإنسان فإنه يكون ضرراً على صاحبه، ولعله اتخذ القبة وجعلها مشرفة، فكان هذا فيه شيء من الصفات الغير حميدة التي قد يفهم منها شيئاً من التكبر أو الترفع، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال. والحديث ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود ، ولكنه أشار إلى أن إسناده جيد أظنه في (الضعيفة)، وفيه رجل وصفه الحافظ بأنه مقبول، و الذهبي قال في الكاشف: إنه صدوق، وهو ابن حاطب هذا. والحديث على حسب ما جاء عن الذهبي أن فيه رجلاً صدوقاً، معناه أن الإسناد جيد، وأما الحافظ فقد قد قال عنه في (التقريب) مقبول، ولا أدري ما وجه قوله عنه: مقبول. (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى قبة مشرفة فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذه لفلان. رجل من الأنصار، قال: فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلم عليه في الناس أعرض عنه، صنع ذلك مراراً حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: خرج فرأى قبتك، قال: فرجع الرجل إلى). يعني: يراه متغيراً متأثر، وأنه كان يعرض عنه فلم يكن كما كان من قبل، فظن أن في الأمر شيئاً، فسأل بعض الصحابة فأخبروه عن قصة القبة. (فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فلم يرها، قال: ما فعلت القبة؟ قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال: أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا. يعني: ما لابد منه) أي ما لابد منه، وهذا فيه حذف اسم لا وخبرها، ويحذف أحياناً الاسم والخبر، وأحياناً يحذف الاسم دون الخبر، مثلما جاء في قول الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [الزلزلة:7] إن خيراً فخير وإن شراً فشر. يعني: حذف كان واسمها وبقي الخبر، وكذلك أيضاً هنا حذف اسم لا النافية للجنس وخبرها، وكذلك قول الله عز وجل في سورة الطلاق: فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4] حذف المبتدأ والخبر. وقوله: (( وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ )) أي: فعدتهن ثلاثة أشهر مثل الذي قبله.
تراجم رجال إسناد حديث (... أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عثمان بن حكيم ]. عثمان بن حكيم ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرني إبراهيم بن محمد بن حاطب القرشي ]. إبراهيم بن محمد بن حاطب قال عنه في التقريب: صدوق أخرج له أبو داود . [ عن أبي طلحة الأسدي ]. أبو طلحة الأسدي مقبول أخرج له أبو داود، وفي الكاشف قال عنه الذهبي صدوق. [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما جاء في اتخاذ الغرف
شرح حديث (... فارتقى بنا إلى علية فأخذ المفتاح من حجرته ففتح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في اتخاذ الغرف. حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي حدثنا عيسى عن إسماعيل عن قيس عن دكين بن سعيد المزني رضي الله عنه قال: (أتينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألناه الطعام، فقال: يا عمر اذهب فأعطهم، فارتقى بنا إلى علية فأخذ المفتاح من حجرته ففتح) ]. أورد أبو داود باباً في اتخاذ الغرف. والغرف: هي التي تكون عالية مثل الدور الثاني، وقال الله: غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ [الزمر:20] فهذا هو المقصود بها. وأورد هذا الحديث الذي فيه أنه قال: سألنا الرسول الطعام فقال: (أعطهم يا عمر)، فخرج وذهب بهم إلى علية يعني: غرفة عالية، وأخذ المفتاح من غرفته ففتح. وقد مر الحديث الذي أشرت إليه من كون بيت أبي أيوب الأنصاري كان مكوناً من دورين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سكن في الطابق الأسفل، وبعد ذلك طلب منه أن يتحول إلى الأعلى، وقال: إنه لا يريد أن يكون فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحول.
تراجم رجال إسناد حديث (... فارتقى بنا إلى علية فأخذ المفتاح من حجرته ففتح)
قوله: [ حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي ]. عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عيسى ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل ]. إسماعيل بن أبي خالد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس ]. قيس بن أبي حازم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و قيس هذا مخضرم، وقيل بأنه اتفق له أن روى عن العشرة المبشرين بالجنة. [ عن دكين بن سعيد المزني ]. دكين بن سعيد المزني صحابي أخرج له أبو داود .
ما جاء في قطع السدر
شرح حديث (من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قطع السدر. حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبو أسامة عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن حبشي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار). سئل أبو داود عن معنى هذا الحديث، فقال: هذا الحديث مختصر، يعني: من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثاً وظلماً بغير حق يكون له فيها صوب الله رأسه في النار ]. أورد أبو داود باباً في قطع السدر. والسدر: هو الشجر الذي ينبت في الفلاة ويكون كبيراً، والناس يتخذونه ظلاً يستظلون به من الشمس، أو يقيلون تحته في أثناء الطريق، وقد مر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل وأصحابه في البر يستظلون بالشجر، وقد مر قريباً أن بلالاً كان في ظل شجرة كأن ظله ظل طائر، وهذا هو المراد بالنهي عن قطع السدر، وأنه لا يقطع إلا إذا كان هناك حاجة إلى قطعه ولم يكن هناك حاجة إليه، وإلا فإن الحطب يؤخذ من هذه الأشجار، وكذلك الأبواب تتخذ من هذه الأشجار. ولكن إذا كان القطع عبثاً أو لغير فائدة أو أن ذلك يؤدي إلى إفناء تلك الأشجار التي يستظل بها الناس، أو الإتيان إلى الشجر الكبير الذي له ظل كبير ثم يقطع ويتضرر الناس به، هذا هو الذي فيه المحذور، وإلا فإن الشجر الذي لا يترتب على قطعه ضرر لا بأس بقطعه؛ لأنه يتخذ حطباً وأبواباً وغير ذلك من الأغراض التي يتخذه الناس لها. أورد أبو داود حديث عبد الله بن حبشي رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم (من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار). هذا بيان لذنبه، وأنه يستحق عذاب النار، ولكن هذا قيل: إنه في شجر الحرم، وقد جاء في بعض الروايات أنها من شجر الحرم. وقال أبو داود وغيره: إن المقصود من ذلك الشيء الذي يحتاج إليه الناس مثلما جاء في الذي يبول ويتغوط تحت الشجر، وأن هذا يؤذي الناس ويحرمهم من الاستظلال، فيكون من جنس هذا، فهو ممنوع من أجل حاجة الناس إلى ذلك، فإذا لم يكن هناك حاجة إليها وكان الشجر قصيراً أو صغيراً يحتاج الناس إليه للحطب لاسيما إذا كان يابساً، فإنه لا محذور في ذلك ولا بأس به، ولكن الشيء الذي يستفاد منه ويحتاج الناس إليه يمنع من قطعه. قوله: (صوب الله رأسه في النار) يعني: نكسه وألقاه على رأسه.
تراجم رجال إسناد حديث (من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار)
قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو أسامة ]. أبو أسامة حماد بن أسامة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عثمان بن أبي سليمان ]. عثمان بن أبي سليمان ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم ]. سعيد بن محمد بن جبير مقبول أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن حبشي ]. عبد الله بن حبشي رضي الله عنه صحابي أخرج له أبو داود و النسائي . والحديث صححه الألباني وفيه هذا المقبول، ويمكن أن يكون له شواهد، ولعل الذي بعده يشهد له.
شرح حديث (من قطع سدرة...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد و سلمة -يعني ابن شبيب - قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عثمان بن أبي سليمان عن رجل من ثقيف عن عروة بن الزبير يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه ]. وهذا من طريق أخرى، وهي تكون متابعة للرواية السابقة، والرواية السابقة فيها مقبول، والثانية فيها مبهم، والمبهم غير المذكور؛ لأن المبهم قيل: إنه من ثقيف، وأما ذلك فهو من بني نوفل، فهذا غير هذا، ولا يقال: إن هذا هو هذا، بل هذا طريق آخر، والشخص غير الشخص، فهذه الطريق التي فيها هذا المبهم تكون فيها متابعة لتلك الطريق التي فيها الرجل الذي قيل عنه مقبول، وهو الذي يعتضد حديثه إذا جاء من طريق أخرى. قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ]. مخلد بن خالد الشعيري وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ و سلمة -يعني: ابن شبيب - ]. سلمة بن شبيب ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عثمان بن أبي سليمان عن رجل من ثقيف عن عروة بن الزبير ]. عثمان بن أبي سليمان مر ذكره في الإسناد السابق. و عروة بن الزبير ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. تنبيه: يلحق بالسدر غيره من الأشجار التي يستظل الناس بها؛ لأن النهي ليس من أجل كونه سدراً، وإنما من أجل الاستفادة منه، وأما بالنسبة للحرم فكل شجر الحرم لا يقطع إلا الشيء الذي استغرسه وزرعه الناس فإنهم يقطعونه.
شرح حديث (... لعن رسول الله من قطع السدر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة و حميد بن مسعدة قالا: حدثنا حسان بن إبراهيم قال: سألت هشام بن عروة عن قطع السدر وهو مستند إلى قصر عروة ، فقال: أترى هذه الأبواب والمصاريع إنما هي سدر عروة، كان عروة يقطعه من أرضه وقال: لا بأس به. زاد حميد فقال: [ هيه يا عراقي جئتني ببدعة، قال: قلت: إنما البدعة من قبلكم، سمعت من يقول بمكة: (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قطع السدر) ثم ساق معناه ]. أورد أبو داود حديث حسان بن إبراهيم وهو مرسل مقطوع. يقول حسان : [ سألت هشام بن عروة عن قطع السدر، وهو مستند إلى قصر عروة ، فقال: أترى هذه الأبواب والمصاريع إنما هي سدر عروة ، كان عروة يقطعه من أرضه، وقال: لا بأس به، زاد حميد فقال: هيه يا عراقي جئتني ببدعة، قال: قلت: إنما البدعة من قبلكم ]. أي: كان هشام مستند إلى البيت الذي فيه تلك الأبواب والمصاريع، وسأله حسان بن إبراهيم عن قطع السدر، فقال: هذه الأبواب وهذه المصاريع هي من السدر. ومعناه أن ذلك جائز، فكأنه كلم أن ذلك لا يجوز، وهذا يخالف ما قاله له من أن هذه الأبواب من السدر، وأن ذلك جائز. فقال: جئتني ببدعة، قال: البدعة من جهتكم حدثني رجل: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن قاطع السدر). يعني: هذا الكلام الذي قاله حسان وكان يخاطب به هشام بن عروة وقال له: جئتني ببدعة، يخالف ما قاله من أن الأبواب تتخذ من السدر، وأن ذلك سائغ وجائز، فذكر هذا الحديث. ومعلوم أن حساناً متأخر ففيه انقطاع؛ لأن حساناً من الطبقة الثامنة مات سنة ست وثمانين وله مائة سنة، أي أنه مولود في القرن الأول، ولعله لقي أحد الصحابة لأن أنساً توفي سنة مائة وعشرة فلعله أدركه، فيمكن من ناحية الزمن أن يكون أدركه، ولكنه من حيث الطبقة متأخر جداً. هنا قال: [ هيه يا عراقي! جئتني ببدعة، قال: إنما البدعة من قبلكم ]. يعني هذا الذي جئت به أو الذي قلته هو منكم. قوله: [ فقد سمعت من يقول هذا بمكة]. يعني أنه ليس من العراق بل من مكة. فهشام بن عروة يقول: إن هذه الأبواب من السدر، فكأن ذاك قال له: إن هذا لا يجوز، ثم قال: جئتني ببدعة، قال: البدعة من قبلكم فقد حدثني بهذا رجل من الحجاز وليس من جهة العراق.
تراجم رجال إسناد حديث (... لعن رسول الله من قطع السدر)
قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. هو القواريري، وهو ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ وحميد بن مسعدة ]. صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا حسان بن إبراهيم ]. حسان بن إبراهيم صدوق يخطئ أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.