عرض مشاركة واحدة
  #441  
قديم 06-07-2025, 01:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,189
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (10)
سُورَةُ الإسراء
من صــ 316 الى صــ 325
الحلقة (441)






"صفحة رقم 316"
فلا شفاه الله ) وأنكر بعض المتأولين أن تكون من للتبعيض لأنه يحفظ من أن يلزمه أن بعضه لا شفاء فيه بن عطية : وليس يلزمه هذا بل يصح أن تكون للتبعيض بحسب أن إنزاله إنما هو مبعض فكأنه قال : وننزل من القرآن شيئا شفاء ما فيه كله شفاء الثانية اختلف العلماء في كونه شفاء على قولين : احدهما أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى الثاني شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقى والتعوذ ونحوه وقد روى الأئمة واللفظ للدارقطني عن أبي سعيد الخدري قال : بعثنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في سرية ثلاثين راكبا قال : فنزلنا على قوم من العرب فسألناهم أن يضيفونا فأبوا قال : فلدغ سيد الحي فأتونا فقالوا : فيكم أحد يرقي من العقرب في رواية بن قتة : إن الملك يموت قال : قلت أنا نعم ولكن لا أفعل حتى تعطونا فقالوا : فإنا نعطيكم ثلاثين شاة قال : فقرأت عليه الحمد لله رب العالمين سبع مرات فبرأ في رواية سليمان بن قتة عن أبي سعيد : فأفاق وبرأ فبعث إلينا بالنزل وبعث إلينا بالشاء فأكلنا الطعام أنا وأصحابي وأبوا أن يأكلوا من الغنم حتى أتينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرته الخبر فقال : ) وما يدريك أنها رقية ) قلت : يا رسول الله شيء ألقي في روعي قال : ) كلوا وأطعمونا من الغنم ) خرجه في كتاب السنن وخرج في [ كتاب المديح ] من حديث السري بن يحيى قال : حدثني المعتمر بن سليمان عن ليث بن أبي سليم عن الحسن عن أبي أمامة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ) ينفع باذن الله تعالى من البرص والجنون والجذام والبطن والسل والحمى والنفس أن تكتب بزعفران أو بمشق يعني المغرة أعوذ بكلمات الله التامة وأسمائه كلها عامة من شر السامة والغامة ومن شر العين اللامة ومن شر حاسد إذا حسد ومن أبي فروة وما ولد ) كذا قال ولم يقل من شر أبي قترة العين اللامة : التي تصيب بسوء تقول : أعيذه من كل هامة لامة وأما قوله




"صفحة رقم 317"
أعيذه من حادثات اللمة فيقول : هو الدهر ويقال الشدة والسامة : الخاصة يقال : كيف السامة والعامة والسامة السم ومن أبي فروة وما ولد وقال : ثلاثة وثلاثون من الملائكة أتوا ربهم عز وجل فقالوا : وصب بأرضنا فقال : خذوا تربة من أرضكم فامسحوا نواصيكم أو قال : نوصيكم رقية محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لا أفلح من كتمها أبدا أو أخذ عليها صفدا ) ثم تكتب فاتحة الكتاب وأربع آيات من أول البقرة والآية التي فيها تصريف الرياح وآية الكرسي والآيتين اللتين بعدها وخواتيم سورة البقرة من موضع لله ما في السماوات وما في الأرض إلى آخرها وعشرا من أول آل عمران وعشرا من آخرها وأول آية من النساء وأول آية من المائدة وأول آية من الأنعام وأول آية من الأعراف والآية التي في الأعراف إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض حتى تختم الآية والآية التي في يونس من موضع قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين والآية التي في طه وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى طه وعشرا من أول الصافات وقل هو الله أحد الإخلاص والمعوذتين تكتب في إناء نظيف ثم تغسل ثلاث مرات بماء نظيف ثم يحثو منه الوجع ثلاث حثوات ثم يتوضأ منه كوضوئه للصلاة ويتوضأ قبل وضوئه للصلاة حتى يكون على طهر قبل أن يتوضأ به ثم يصب على رأسه وصدره وظهره ولا يستنجي به ثم يصلي ركعتين ثم يستشفي الله عز وجل يفعل ذلك ثلاثة أيام قدر ما يكتب في كل يوم كتابا في رواية : ومن شر أبي قترة وما ولد وقال : ) فامسحوا نواصيكم ) ولم يشك وروى البخاري عن عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها فسألت الزهري كيف كان ينفث قال : كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه وروى مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا اشتكى قرأ على نفسه



"صفحة رقم 318"
المعوذتين وتفل أو نفث قال أبو بكر بن الأنباري : قال اللغويون تفسير نفث نفخ نفخا ليس معه ريق ومعنى تفل نفخ نفخا معه ريق قال الشاعر : فإن يبرأ فلم أنفث عليه وإن يفقد فحق له الفقود وقال ذو الرمة : ومن جوف ماء عرمض الحول فوقه متى يحس منه مائح القوم يتفل أراد ينفخ بريق وسيأتي ما للعلماء في النفث في سورة الفلق إن شاء الله تعالى الثالثة روى بن مسعود أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يكره الرقى إلا بالمعوذات قال الطبري : وهذا حديث لا يجوز الاحتجاج بمثله في الدين إذ في نقلته من لا يعرف ولو كان صحيحا لكان إما غلطا وإما منسوخا لقوله عليه السلام في الفاتحة ) ما أدراك أنها رقية ) وإذا جاز الرقى بالمعوذتين وهما سورتان من القرآن كانت الرقية بسائر القرآن مثلهما في الجواز إذ كله قرآن وروي عنه عليه السلام أنه قال : ) شفاء أمتي في ثلاث آية من كتاب الله أو لعقة من عسل أو شرطة من محجم ) وقال رجاء الغنوي : ومن لم يستشف بالقرآن فلا شفاء له الرابعة واختلف العلماء في النشرة وهي أن يكتب شيئا من أسماء الله أو من القرآن ثم يغسله بالماء ثم يمسح به المريض أو يسقيه فأجازها سعيد بن المسيب قيل له : الرجل يؤخذ عن امرأته أيحل عنه وينشر قال : لا بأس به وما ينفع لم ينه عنه ولم ير مجاهد أن تكتب آيات من القرآن ثم تغسل ثم يسقاه صاحب الفزع وكانت عائشة تقرأ بالمعوذتين في إناء ثم تأمر أن يصب على المريض وقال المازري أبو عبد الله : النشرة أمر معروف عند أهل التعزيم وسميت بذلك لأنها تنشر عن صاحبها أي تحل ومنعها الحسن وإبراهيم النخعي قال النخعي : أخاف أن يصيبه بلاء وكأنه ذهب إلى أنه ما يجيء به القرآن فهو



"صفحة رقم 319"
إلى أن يعقب بلاء أقرب منه إلى أن يفيد شفاء وقال الحسن : سألت أنسا فقال : ذكروا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنها من الشيطان وقد روى أبو داود من حديث جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن النشرة فقال : ) من عمل الشيطان ) قال بن عبد البر وهذه آثار لينة ولها وجوه محتمله وقد قيل : إن هذا محمول على ما إذا كانت خارجة عما في كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام وعن المداواة المعروفة والنشرة من جنس الطب فهي غسالة شيء له فضل فهي كوضوء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ومن استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ) قلت قد : ذكرنا النص في النشرة مرفوعا وأن ذلك لا يكون إلا من كتاب الله فليعتمد عليه الخامسة قال مالك : لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك بها إذا لم يرد معلقها بتعليقها مدافعة العين وهذا معناه قبل أن ينزل به شيء من العين وعلى هذا القول جماعة أهل العلم لا يجوز عندهم أن يعلق على الصحيح من البهائم أو بني آدم شيء من العلائق خوف نزول العين وكل ما يعلق بعد نزول البلاء من أسماء الله عز وجل وكتابه رجاء الفرج والبرء من الله تعالى فهو كالرقى المباح الذي وردت السنة بإباحته من العين وغيرها وقد روى عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إذا فزع أحدكم في نومه فليقل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وسوء عقابه ومن شر الشياطين وأن يحضرون ) وكان عبد الله يعلمها ولده من أدرك منهم ومن لم يدرك كتبها وعلقها عليه فإن قيل : فقد روي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) من علق شيئا وكل إليه ) ورأى بن مسعود على أم ولده تميمة مربوطة فجبذها جبذا شديدا فقطعها وقال : إن آل بن مسعود لأغنياء عن الشرك ثم قال : إن التمائم والرقى والتولة من الشرك قيل : ما التولة قال : ما تحببت به لزوجها وروي عن عقبة بن عامر الجهني قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ) من علق تميمة فلا أتم الله له



"صفحة رقم 320"
ومن علق ودعة فلا ودع الله له قلبا ) قال الخليل بن أحمد : التميمة قلادة فيها عوذ والودعة خرز وقال أبو عمر : التميمة في كلام العرب القلادة ومعناه عند أهل العلم ما علق في الأعناق من القلائد خشية العين أو غيرها أن تنزل أو لا تنزل قبل أن تنزل فلا أتم الله عليه صحته وعافيته ومن تعلق ودعة وهي مثلها في المعنى فلا ودع الله له أي فلا بارك الله له ما هو فيه من العافية والله أعلم وهذا كله تحذير مما كان أهل الجاهلية يصنعونه من تعليق التمائم والقلائد ويظنون أنها تقيهم وتصرف عنهم البلاء وذلك لا يصرفه إلا الله عز وجل وهو المعافي والمبتلي لا شريك له فنهاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عما كانوا يصنعون من ذلك في جاهليتهم وعن عائشة قالت : ما تعلق بعد نزول البلاء فليس من التمائم وقد كره بعض أهل العلم تعليق التميمة على كل حال قبل نزول البلاء وبعده والقول الأول أصح في الأثر والنظر إن شاء الله تعالى وما روي عن بن مسعود يجوز أن يريد بما كره تعليقه غير القرآن أشياء مأخوذة عن العراقيين والكهان إذ الاستشفاء بالقرآن معلقا وغير معلق لا يكون شركا وقوله عليه السلام : ) من علق شيئا وكل إليه ) فمن علق القرآن ينبغي أن يتولاه الله ولا يكله إلى غيره لأنه تعالى هو المرغوب إليه والمتوكل عليه في الاستشفاء بالقرآن وسئل بن المسيب عن التعويذ أيعلق قال : إذا كان في قصبة أو رقعة يحرز فلا بأس به وهذا على أن المكتوب قرآن وعن الضحاك أنه لم يكن يرى بأسا أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعه عند الجماع وعند الغائط ورخص أبو جعفر محمد بن علي في التعويذ يعلق على الصبيان وكان بن سيرين لا يرى بأسا بالشيء من القرآن يعلقه الإنسان السادسة قوله تعالى : ) ورحمة للمؤمنين ( تفريح الكروب وتطهير العيوب وتكفير الذنوب مع ما تفضل به تعالى من الثواب في تلاوته كما روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف ) قال هذا حديث حسن صحيح غريب وقد تقدم ) ولايزيد الظالمين إلا خسارا ( لتكذيبهم قال



"صفحة رقم 321"
قتادة : ما جالس أحد القرآن إلا قام عنه بزيادة أو نقصان ثم قرأ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين الآية ونظير هذه الآية قوله : قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى وقيل : شفاء في الفرائض والأحكام لما فيه من البيان
الإسراء : ) 83 ( وإذا أنعمنا على . . . . .
)
الاسراء 83 (

قوله تعالى : ) وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه ( أي هؤلاء الذين يزيدهم القرآن خسارا صفتهم الإعراض عن تدبر آيات الله والكفران لنعمه وقيل : نزلت في الوليد بن المغيرة ومعنى نأى بجانبه أي تكبر وتباعد وناء مقلوب منه والمعنى : بعد عن القيام بحقوق الله عز وجل يقال : نأى الشيء أي بعد ونأيته ونأيت عنه بمعنى أي بعدت وأنأيته فانتأى أي أبعدته فبعد وتناءوا تباعدوا والمنتأى : الموضع البعيد قال النابغة : فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع وقرأ بن عامر في رواية بن ذكوان ناء مثل باع الهمزة مؤخرة وهو على طريقة القلب من نأى كما يقال : راء ورأى وقيل : هو من النوء وهو النهوض والقيام وقد يقال أيضا للوقوع والجلوس نوء وهو من الأضداد وقرىء ونئي بفتح النون وكسر الهمزة والعامة نأى في وزن رأى ) وإذا مسه الشر كان يؤسا ( أي إذا ناله شدة من فقر أو سقم أو بؤس يئس وقنط لأنه لا يثق بفضل الله تعالى
الإسراء : ) 84 ( قل كل يعمل . . . . .
)
الاسراء 84 (




"صفحة رقم 322"
قوله تعالى : ) قل كل يعمل على شاكلته ( قال بن عباس : ناحيته وقاله الضحاك ومجاهد : طبيعته وعنه : حدته بن زيد : على دينه الحسن وقتادة : نيته مقاتل : جبلته الفراء : على طريقته ومذهبه الذي جبل عليه وقيل : قل كل يعمل على ما هو أشكل عنده وأولى بالصواب في اعتقاده وقيل : هو مأخوذ من الشكل يقال : لست على شكلي ولا شاكلتي قال الشاعر : كل امرئ يشبهه فعله ما يفعل المرء فهو أهله فالشكل هو المثل والنظير والضرب كقوله تعالى : وآخر من شكله أزواج والشكل [ بكسر الشين ] : الهيئة يقال : جارية حسنة الشكل وهذه الأقوال كلها متقاربة والمعنى : أن كل أحد يعمل على ما يشاكل أصله وأخلاقه التي ألفها وهذا ذم للكافر ومدح للمؤمن والآية والتي قبلها نزلتا في الوليد بن المغيرة ذكره المهدوي ) فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا ( أي بالمؤمن والكافر وما سيحصل من كل واحد منهم وقيل : أهدى سبيلا أي أسرع قبولا وقيل : أحسن دينا وحكي أن الصحابة رضوان الله عليهم تذاكروا القرآن فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر فيه آية أرجى وأحسن من قوله تبارك وتعالى : قل كل يعمل على شاكلته فإنه لايشاكل بالعبد إلا العصيان ولايشاكل بالرب إلا الغفران وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر فيه آية أرجى وأحسن من قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول قدم غفران الذنوب على قبول التوبة وفي هذا إشارة للمؤمنين وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : قرأت جميع القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى : نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه



"صفحة رقم 323"
قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم قلت : وقرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى : والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون
الإسراء : ) 85 ( ويسألونك عن الروح . . . . .
)
الاسراء 85 (

روى البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله قال : بينا أنا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في حرث وهو متكىء على عسيب إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح فقال : ما رابكم إليه وقال بعضهم : لا يستقبلكم بشيء تكرهونه فقالوا : سلوه فسألوه عن الروح فأمسك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يرد عليهم شيئا فعلمت أنه يوحى إليه فقمت مقامي فلما نزل الوحي قال : ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا لفظ البخاري وفي مسلم : فأسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفيه : وما أوتوا وقد اختلف الناس في الروح المسئول عنه أي الروح هو فقيل : هو جبريل قاله قتادة قال : وكان بن عباس يكتمه وقيل هو عيسى وقيل القرآن على ما يأتي بيانه في آخر الشورى وقال علي بن أبي طالب : هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف لسان في كل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله تعالى بكل تلك اللغات يخلق الله تعالى من كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة ذكره الطبري قال بن عطية : وما أظن القول يصح عن علي رضي الله عنه قلت : أسند البيهقي أخبرنا أبو زكريا عن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن



"صفحة رقم 324"
عباس في قوله : ويسألونك عن الروح يقول : الروح ملك وبإسناده عن معاوية بن صالح حدثني أبو هران [ بكسر الهاء ] يزيد بن سمرة عمن حدثه عن علي بن أبي طالب أنه قال في قوله تعالى : ويسئلونك عن الروح قال : هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه الحديث بلفظه ومعناه وروى عطاء عن بن عباس قال : الروح ملك له أحد عشر ألف جناح وألف وجه يسبح الله إلى يوم القيامة ذكره النحاس وعنه : جند من جنود الله لهم أيد وأرجل يأكلون الطعام ذكره الغزنوي وقال الخطابي : وقال بعضهم هو ملك من الملائكة بصفة وضعوها من عظم الخلقة وذهب أكثر أهل التأويل إلى أنهم سألوه عن الروح الذي يكون به حياة الجسد وقال أهل النظر منهم : إنما سألوه عن كيفية الروح ومسلكه في بدن الإنسان وكيف امتزاجه بالجسم واتصال الحياة به وهذا شيء لا يعلمه إلا الله عز وجل وقال أبو صالح : الروح خلق كخلق بني آدم وليسوا ببني آدم لهم أيد وأرجل والصحيح الإبهام لقوله : قل الروح من أمر ربي أي هو أمر عظيم وشأن كبير من أمر الله تعالى مبهما له وتاركا تفصيله ليعرف الإنسان على القطع عجزه عن علم حقيقة نفسه مع العلم بوجودها وإذا كان الإنسان في معرفة نفسه هكذا كان بعجزه عن إدراك حقيقة الحق أولى وحكمة ذلك تعجيز العقل عن إدراك معرفة مخلوق مجاور له دلالة على أنه عن إدراك خالقه أعجز قوله تعالى : ) وما أوتيتم من العلمإلا قليلا ( اختلف فيمن خوطب بذلك فقالت فرقة : السائلون فقط وقال قوم : المراد اليهود بجملتهم وعلى هذا هي قراءة بن مسعود وما اوتوا ورواها عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقالت فرقة : المراد العالم كله وهو الصحيح وعليه قراءة الجمهور وما أوتيتم وقد قالت اليهود للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : كيف لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فعارضهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعلم الله فغلبوا وقد نص رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله في بعض الأحاديث : ) كلا ) يعني أن المراد بما أوتيتم جميع



"صفحة رقم 325"
العالم وذلك أن يهود قالت له : نحن عنيت أم قومك فقال : ) كلا ) وفي هذا المعنى نزلت ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام حكى ذلك الطبري رحمه الله وقد قيل : إن السائلين عن الروح هم قريش قالت لهم اليهود : سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن أخبركم عن اثنين وأمسك عن واحدة فهو نبي فأخبرهم خبر أصحاب الكهف وخبر ذي القرنين على ما يأتي وقال في الروح : قل الروح من أمر ربي أي من الأمر الذي لا يعلمه إلا الله ذكره المهدوي وغيره من المفسرين عن بن عباس
الإسراء : ) 86 ( ولئن شئنا لنذهبن . . . . .
)
الاسراء 86 : 87 (

قوله تعالى : ) ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ( يعني القرآن أي كما قدرنا على إنزاله نقدر على إذهابه حتى ينساه الخلق ويتصل هذا بقوله : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أي ولو شئت أن أذهب بذلك القليل لقدرت عليه ) ثم لاتجد لك به علينا وكيلا ( أي ناصرا يرده عليك ) إلا رحمة من ربك ( يعني لكن لا نشاء ذلك رحمة من ربك فهو استثناء ليس من الأول وقيل : إلا أن يرحمك ربك فلا يذهب به ) إن فضله كان عليك كبيرا ( إذ جعلك سيد ولد آدم وأعطاك المقام المحمود وهذا الكتاب العزيز وقال عبد الله بن مسعود : أول ماتفقدون من دينكم الأمانة وآخر ماتفقدون الصلاة وأن هذا القرآن كأنه قد نزع منكم تصبحون يوما وما معكم منه شيءفقال رجل : كيف يكون ذلك يا أبا عبد الرحمن وقد ثبتناه في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا نعلمه أبناءنا ويعلمه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة قال : يسرى به في ليلة فيذهب بما في المصاحف وما في القلوب فتصبح الناس كالبهائم ثم قرأ عبد الله ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك الآية أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة بمعناه قال : أخبرنا أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.47 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]