عرض مشاركة واحدة
  #527  
قديم 07-07-2025, 03:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (13)
سُورَةُ الفرقان
من صــ 81 الى صــ 90
الحلقة (527)






الآية : [74] {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}
الآية : [75] {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً}
الآية : [76] {خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً}
الآية : [77] {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً}
قوله تعالى : {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} قال الضحاك : أي مطيعين لك. وفيه جواز الدعاء بالولد. والذرية تكون واحدا وجمعا. فكونها للواحد قوله : {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً} [مريم : 5] وكونها للجمع {ذُرِّيَّةً ضِعَافاً} [النساء : 9] وقد مضى في {البقرة} اشتقاقها مستوفى. وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر والحسن : {وَذُرِّيَّاتِنَا} وقرأ أبو عمر وحمزة والكسائي وطلحة وعيسى : {وَذُرِّيَّاتِنَا} بالإفراد. {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} نصب على المفعول ، أي قرة أعين لنا. وهذا نحو قوله عليه الصلاة والسلام لأنس : "اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه" . {وَآلَ عِمْرَانَ} و {مَرْيَمَ} وذلك أن الإنسان إذا بورك له في مال وولده قرت عينه بأهله وعياله ، حتى إذا كانت عنده زوجة اجتمعت له فيها أمانيه من جمال وعفة ونظر وحوطة أو كانت عنده ذرية محافظون على الطاعة ، معاونون له على وظائف الدين والدنيا ، لم يلتفت إلى زوج أحد ولا إلى ولده ، فتسكن عينه عن الملاحظة ، ولا تمتد عينه إلى ما ترى ؛ فذلك حين قرة العين ، وسكون النفس. ووحد {قُرَّةَ} لأنه مصدر ؛ تقول : قرت عينك قرة. وقرة العين يحتمل أن تكون من القرار ، ويحتمل أن تكون من القر وهو الأشهر. والقر البرد ؛ لأن العرب تتأذى بالحر وتستريح إلى البرد. وأيضا فإن دمع السرور بارد ، ودمع الحزن سخن ، فمن هذا يقال : أقر الله عينك ، وأسخن الله عين العدو. وقال الشاعر :
فكم سخنت بالأمس عين قريرة ... وقرت عيون دمعها اليوم ساكب
قوله تعالى : {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} أي قدوة يقتدى بنا في الخير ، وهذا لا يكون إلا أن يكون الداعي متقيا قدوة ؛ وهذا هو قصد الداعي. وفي الموطأ : "إنكم أيها الرهط أئمة يقتدى بكم" فكان ابن عمر يقول في دعائه : اللهم اجعلنا من أئمة المتقين. وقال : {إِمَاماً} ولم يقل أئمة على الجمع ؛ لأن الإمام مصدر. يقال : أم القوم فلان إماما ؛ مثل الصيام والقيام. وقال بعضهم : أراد أئمة ، كما يقول القائل أميرنا هؤلاء ، يعني أمراءنا. وقال الشاعر :
يا عاذلاتي لا تزدن ملامتي ... إن العواذل لسن لي بأمير
أي أمراء. وكان القشيري أبو القاسم شيخ الصوفية يقول : الإمامة بالدعاء لا بالدعوى ، يعني بتوفيق الله وتيسيره ومنته لا بما يدعيه كل أحد لنفسه. وقال إبراهيم النخعي : لم يطلبوا الرياسة بل بأن يكونوا قدوة في الدين. وقال ابن عباس : اجعلنا أئمة هدى ، كما قال تعالى : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [السجدة : 24] وقال مكحول : اجعلنا أئمة في التقوى يقتدي بنا المتقون. وقيل : هذا من المقلوب ؛ مجازه : واجعل المتقين لنا إماما ؛ وقال مجاهد. والقول الأول أظهر وإليه يرجع قول ابن عباس ومكحول ، ويكون فيه دليل. على أن طلب الرياسة في الدين ندب. وإمام واحد يدل على جمع ؛ لأنه مصدر كالقيام. قال الأخفش : الإمام جمع آم من أم يؤم جمع على فعال ، نحو صاحب وصحاب ، وقائم وقيام.
قوله تعالى : {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} {أُولَئِكَ} خبر {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} في قول الزجاج على ما تقدم ، وهو أحسن ما قيل فيه. وما تخلل بين المبتدأ وخبره أوصافهم من التحلي والتخلي ؛ وهي إحدى عشرة : التواضع ، والحلم ، والتهجد ، والخوف ، وترك الإسراف والإقتار ، والنزاهة عن الشرك ، والزنى والقتل ، والتوبة وتجنب الكذب ، والعفو عن المسيء ، وقبول المواعظ ، والابتهال إلى الله. و {الْغُرْفَةَ} الدرجة الرفيعة وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها كما أن الغرفة أعلى مساكن الدنيا. حكاه ابن شجره. وقال الضحاك : الغرفة الجنة. {بِمَا صَبَرُوا} أي بصبرهم على أمر ربهم : وطاعة نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام. وقال محمد بن علي بن الحسين : {بِمَا صَبَرُوا} على الفقر والفاقة في الدنيا. وقال الضحاك : {بِمَا صَبَرُوا } عن الشهوات. {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً} قرأ أبو بكر والمفضل والأعمش ويحيى
وحمزة والكسائي وخلف : {وَيُلَقَّوْنَ} مخففة ، واختاره الفراء ؛ قال لأن العرب تقول : فلان يتلقى بالسلام وبالتحية وبالخير بالتاء ، وقلما يقولون فلان يلقى السلامة. وقرأ الباقون : {وَيُلَقَّوْنَ} واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ؛ لقوله تعالى : {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} [الإنسان : 11] . قال أبو جعفر النحاس : وما ذهب إليه الفراء واختاره غلط ؛ لأنه يزعم أنها لو كانت {وَيُلَقَّوْنَ} كانت في العربية بتحية وسلام ، وقال كما يقال : فلان يتلقى بالسلام وبالخير ؛ فمن عجيب ما في هذا الباب أنه قال يتلقى والآية {وَيُلَقَّوْنَ} والفرق بينهما بين : لأنه يقال فلان يتلقى بالخير ولا يجوز حذف الباء ، فكيف يشبه هذا ذاك! وأعجب من هذا أن في القرآن {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} ولا يجوز أن يقرأ بغيره. وهذا يبين أن الأولى على خلاف ما قال. والتحية من الله والسلام من الملائكة. وقيل : التحية البقاء الدائم والملك العظيم ؛ والأظهر أنهما بمعنى واحد ، وأنهما من قبل الله تعالى ؛ دليله قوله تعالى : {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب : 44] وسيأتي. {خَالِدِينَ} نصب على الحال {فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} .
قوله تعالى : {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} هذه آية مشكلة تعلقت بها الملحدة. يقال : ما عبأت بفلان أي ما باليت به ؛ أي ما كان له عندي وزن ولا قدر. وأصل يعبأ من العبء وهو الثقل. وقول الشاعر :
كأن بصدره وبجانبيه ... عبيرا بات يعبؤه عروس
أي يجعل بعضه على بعض. فالعبء الحمل الثقيل ، والجمع أعباء. والعبء المصدر. وما استفهامية ؛ ظهر في أثناء كلام الزجاج ، وصرح به الفراء. وليس يبعد أن تكون نافية ؛ لأنك إذا حكمت بأنها استفهام فهو نفي خرج مخرج الاستفهام ؛ كما قال تعالى : {هَلْ جَزَاءُ الأِحْسَانِ إِلاَّ الأِحْسَانُ} [الرحمن : 60] قال ابن الشجري : وحقيقة القول عندي أن موضع {ما} نصب ؛ والتقدير : أي عبء يعبأ بكم ؛ أي أي مبالاة يبالي ربي بكم لولا دعاؤكم ؛ أي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه ، فالمصدر الذي هو الدعاء على هذا القول مضاف إلى مفعوله ؛ وهو اختيار
الفراء. وفاعله محذوف وجوابه لولا محذوف كما حذف في قوله : {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} [الرعد : 31] تقديره : لم يعبأ بكم. ودليل هذا القول قوله تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56] فالخطاب لجميع الناس ؛ فكأنه قال لقريش منهم : أي ما يبال الله بكم لولا عبادتكم إياه أن لو كانت ؛ وذلك الذي يعبأ بالبشر من أجله. ويؤيد هذا قراءة ابن الزبير وغيره. {فَقَدْ كَذَّبَ الْكَافِرُونَ} فالخطاب بما يعبأ لجميع الناس ، ثم يقول لقريش : فأنتم قد كذبتم ولم تعبدوه فسوف يكون التكذيب هو سبب العذاب لزاما. وقال النقاش وغيره : المعنى ؛ لولا استغاثتكم إليه في الشدائد ونحو ذلك. بيانه : {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [العنكبوت : 65] ونحو هذا. وقيل : {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ} أي بمغفرة ذنوبكم ولا هو عنده عظيم {لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} معه الآلهة والشركاء. بيانه : {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء : 147] . قال الضحاك. وقال الوليد بن أبي الوليد : بلغني فيها أي ما خلقتكم ولي حاجة إليكم إلا تسألوني فأغفر لكم وأعطيكم. وروى وهب بن منبه أنه كان في التوراة : "يا ابن آدم وعزتي ما خلقتك لأربح عليك إنما خلقتك لتربح علي فاتخذني بدلا من كل شيء فأنا خير لك من كل شيء" . قال ابن جني : قرأ ابن الزبير وابن عباس {فَقَدْ كَذَّبَ الْكَافِرُونَ} . قال الزهراوي والنحاس : وهي قراءة ابن مسعود وهي على التفسير ؛ للتاء والميم في {كَذَّبْتُمْ} . وذهب القتبي والفارسي إلى أن الدعاء مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف. الأصل لولا دعاؤكم آلهة من دونه ؛ وجواب {لَوْلا} محذوف تقديره في هذا الوجه : لم يعذبكم. ونظير قوله : لولا دعاؤكم آلهة قوله : {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف : 194] . {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} أي كذبتم بما دعيتم إليه ؛ هذا على القول الأول ؛ وكذبتم بتوحيد الله على الثاني. {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} أي يكون تكذيبكم ملازما لكم. والمعنى : فسوف يكون جزاء التكذيب كما قال : {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً} [الكهف : 49] أي جزاء ما عملوا وقوله : {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنعام : 30] أي جزاء ما كنتم تكفرون. وحسن إضمار التكذيب لتقدم ذكر فعله ؛ لأنك إذا ذكرت الفعل دل بلفظه على مصدره ، كما قال : {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [آل عمران : 110] أي لكان الإيمان. وقوله : {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر : 7] أي يرضى الشكر. ومثله كثير. وجمهور المفسرين
على أن المراد باللزام هنا ما نزل بهم يوم بدر ، وهو قول عبدالله ابن مسعود وأبي بن كعب وأبي مالك ومجاهد ومقاتل وغيرهم. وفي صحيح مسلم عن عبدالله : وقد مضت البطشة والدخان واللزام. وسيأتي مبينا في سورة {الدخان} إن شاء الله تعالى. وقالت فرقة : هو توعد بعذاب الآخرة. وعن ابن مسعود أيضا : اللزام التكذيب نفسه ؛ أي لا يعطون التوبة منه ؛ ذكره الزهراوي ؛ فدخل في هذا يوم بدر وغيره من العذاب الذي يلزمونه. وقال أبو عبيدة : لزاما فيصلا أي فسوف يكون فيصلا بينكم وبين المؤمنين. والجمهور من القراء على كسر اللام ؛ وأنشد أبو عبيدة لصخر :
فإما ينجوا من خسف أرض ... فقد لقيا حتوفهما لزاما
ولزاما وملازمة واحد. وقال الطبري : {لِزَاماً} يعني عذابا دائما لازما ، وهلاكا مفنيا يلحق بعضكم ببعض ؛ كقول أبي ذؤيب :
ففاجأه بعادية لزام ... كما يتفجر الحوض اللقيف
يعني باللزام الذي يتبع بعضه بعضا ، وباللقيف المتساقط الحجارة المتهدم. النحاس : وحكى أبو حاتم عن أبي زيد قال سمعت قعنبا أبا السمال يقرأ : {لَزاما} بفتح اللام. قال أبو جعفر : يكون مصدر لزم والكسر أولى ، يكون مثل قتال ومقاتلة ، كما أجمعوا على الكسر في قوله عز وجل : {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمّىً} [طه : 129] . قال غيره : اللزام بالكسر مصدر لازم لزاما مثل خاصم خصاما ، واللزام بالفتح مصدر لزم مثل سلم سلاما أي سلامة ؛ فاللزام بالفتح اللزوم ، واللزام الملازمة ، والمصدر في القراءتين وقع موقع اسم الفاعل. فاللزام وقع موقع ملازم ، واللزام وقع موقع لازم. كما قال تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً} [الملك : 30] أي غائرا. قال النحاس : وللفراء قول في اسم يكون ؛ قال : يكون مجهولا وهذا غلط ؛ لأن المجهول لا يكون خبره إلا جملة ، كما قال تعالى : {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف : 90] وكما حكى النحويون كان زيد منطلق يكون في كان مجهول ويكون المبتدأ وخبره خبر المجهول ، التقدير : كان الحديث ؛ فأما أن يقال كان منطلقا ، ويكون في كان مجهول فلا يجوز عند أحد علمناه. وبالله التوفيق وهو المستعان والحمد لله رب العالمين.
تفسير سورة الشعراء
سورة الشعراء

3 -
مقدمة السورة

هي مكية في قول الجمهور. وقال مقاتل : منها مدني ؛ الآية التي يذكر فيها الشعراء ، وقوله : {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ} [الشعراء : 197] . وقال ابن عباس وقتادة : مكية إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة من قوله : {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء : 224] إلى آخرها. وهي مائتان وسبع وعشرون آية. وفي رواية : ست وعشرون. وعن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أعطيت السورة التي تذكر فيها البقرة من الذكر الأول وأعطيت طه وطسم من ألواح موسى وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة" . وعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة وأعطاني المبين مكان الإنجيل وأعطاني الطواسين مكان الزبور وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي" .
الآية : [1] {طسم}
الآية : [2] {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}
الآية : [3] {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}
الآية : [4] {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}
الآية : [5] {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ}
الآية : [6] {فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}
الآية : [7] {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}
الآية : [8] {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}
الآية : [9] {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}
قوله تعالى : {طسم} قرأ الأعمش ويحيى وأبو بكر والمفضل وحمزة والكسائي وخلف : بإمالة الطاء مشبعا في هذه السورة وفي أختيها. وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة والزهري : بين اللفظين ؛ واختاره أبو عبيد وأبو حاتم. وقرأ الباقون بالفتح مشبعا. قال الثعلبي : وهي كلها لغات فصيحة. وقد مضى في {طه} قول النحاس في هذا. قال النحاس : وقرأ المدنيون وأبو عمرو وعاصم والكسائي : {طسم} بإدغام النون في الميم ، والفراء يقول بإخفاء النون. وقرأ الأعمش : وحمزة : {طسين ميم} بإظهار النون. قال النحاس : للنون الساكنة والتنوين أربعة أقسام عند سيبويه : يبينان عند حروف الحلق ، ويدغمان عند الراء واللام والميم والواو والياء ، ويقلبان ميما عند الباء ويكونان من الخياشيم ؛ أي لا يبينان ؛ فعلى هذه الأربعة الأقسام التي نصها سيبويه لا تجوز هذه القراءة ؛ لأنه ليس ها هنا حرف من حروف الحلق فتبين النون عنده ، ولكن في ذلك وجيه : وهو أن حروف المعجم حكمها أن يوقف عليها ، فإذا وقف عليها تبينت النون. قال الثعلبي : الإدغام اختيار أبي عبيد وأبي حاتم قياسا على كل القرآن ، وإنما أظهرها أولئك للتبيين والتمكين ، وأدغمها هؤلاء لمجاورتها حروف الفم. قال النحاس : وحكى أبو إسحاق في كتابه "فيما يجرى وفيما لا يجرى" أنه يجوز أن يقال : {طسين ميم} بفتح النون وضم الميم ، كما يقال هذا معدي كرب. وقال أبو حاتم : قرأ خالد : {طسين ميم} . ابن عباس : {طسم} قسم وهو اسم من أسماء الله تعالى ، والمقسم عليه : {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً} . وقال قتادة : اسم من أسماء القرآن أقسم الله به. مجاهد : هو اسم السورة ؛ ويحسن افتتاح السورة. الربيع : حساب مدة قوم. وقيل : قارعة تحل بقوم. {طسم} و {طس} واحد. قال :
وفاؤكما كالربع أشجاةُ طاسمهُ ... بأن تسعدا والدمع أشقاهُ ساجمهُ
وقال القرظي : أقسم الله بطول وسنائه وملكه. وقال عبدالله بن محمد بن عقيل : الطاء طور سيناء والسين إسكندرية والميم مكة. وقال جعفر بن محمد بن علي : الطاء شجرة طوبى ، والسين سدرة المنتهى ، والميم محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل : الطاء من الطاهر والسين من القدوس - وقيل : من السميع وقيل : من السلام - والميم من المجيد. وقيل : من الرحيم. وقيل : من الملك. وقد مضى هذا المعنى في أول سورة {البقرة} والطواسيم والطواسين سور في القرآن جمعت على غير قياس. وأنشد أبو عبيدة :
وبالطواسيم التي قد ثلثت ... وبالحواميم التي قد سبعت
قال الجوهري : والصواب أن تجمع بذوات وتضاف إلى واحد ، فيقال : ذوات طسم وذوات حم.
قوله تعالى : {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} رفع على إضمار مبتدأ أي هذه {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} التي كنتم وعدتم بها ؛ لأنهم قد وعدوا في التوراة والإنجيل بإنزال القرآن. وقيل : {تِلْكَ} بمعنى هذه. {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} أي قاتل نفسك ومهلكها. وقد مضى في {الكهف} بيانه. {أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أي لتركهم الإيمان. قال الفراء : "أن" في موضع نصب ؛ لأنها جزاء. قال النحاس : وإنما يقال : بإن مكسورة لأنها جزاء ؛ كذا المتعارف. والقول في هذا ما قاله أبو إسحاق في كتابه في القرآن ؛ قال : {أَنَّ} في موضع نصب مفعول من أجله ؛ والمعنى لعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان. {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً} أي معجزة ظاهرة وقدرة باهرة فتصير معارفهم ضرورية ، ولكن سبق القضاء بأن تكون المعارف نظرية. وقال أبو حمزة الثمالي في هذه الآية : بلغني أن لهذه الآية صوتا يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان ؛ تخرج به العواتق من البيوت وتضج له الأرض. وهذا فيه بعد ؛ لأن المراد قريش لا غيرهم. {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} أي فتظل أعناقهم {لَهَا خَاضِعِينَ} قال مجاهد : أعناقهم كبراؤهم ؛ وقال النحاس : ومعروف في اللغة ؛ يقال : جاءني عنق من الناس أي رؤساء منهم. أبو زيد والأخفش : {أَعْنَاقُهُمْ} جماعاتهم ؛
يقال : جاءني عنق من الناس أي جماعة. وقيل : إنما أراد أصحاب الأعناق ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. قتادة : المعنى لو شاء لأنزل آية يذلون بها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية. ابن عباس : نزلت فينا وفي بني أمية ستكون لنا عليهم الدولة فتذل لنا أعناقهم بعد معاوية ؛ ذكره الثعلبي والغزنوي فالله أعلم. وخاضعين وخاضعة هنا سواء ؛ قاله عيسى بن عمر واختاره المبرد. والمعنى : إنهم إذا ذلت رقابهم ذلوا ؛ فالإخبار عن الرقاب إخبار عن أصحابها. ويسوغ في كلام العرب أن تترك الخبر عن الأول وتخبر عن الثاني ؛ قال الراجز :
طول الليالي أسرعت في نقضي ... طوين طولي وطوين عرضي
فأخبر عن الليالي وترك الطول. وقال جرير :
أرى مر السنين أخذن مني ... كما أخذ السرار من الهلال
وإنما جاز ذلك لأنه لو أسقط مر وطول من الكلام لم يفسد معناه ؛ فكذلك رد الفعل إلى ، الكناية في قوله : {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ} لأنه لو أسقط الأعناق لما فسد الكلام ، ولأدى ما بقي من الكلام عنه حتى يقول : فظلوا لها خاضعين. وعلى هذا اعتمد الفراء وأبو عبيدة. والكسائي يذهب إلى ، أن المعنى خاضعيها هم ، وهذا خطأ عند البصريين والفراء. ومثل هذا الحذف لا يقع في شيء من الكلام ؛ قاله النحاس.
قوله تعالى : {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} تقدم. {فَقَدْ كَذَّبُوا} أي أعرضوا ومن أعرض عن شيء ولم يقبله فهو تكذيب له. {فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} وعيد لهم ؛ أي فسوف يأتيهم عاقبة ما كذبوا والذي استهزؤوا به.
قوله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} نبه على عظمته وقدرته وأنهم لو رأوا بقلوبهم ونظروا ببصائرهم لعلموا أنه الذي يستحق أن يعبد ؛ إذ هو القادر على كل شيء. والزوج هو اللون ؛ قال الفراء. و {كَرِيمٍ} حسن شريف ، وأصل
الكرم في اللغة الشرف والفضل ، فنخلة كريمة أي فاضلة كثيرة الثمر ، ورجل كريم شريف ، فاضل صفوح. ونبتت الأرض وأنبتت بمعنى. وقد تقدم في سورة {البقرة} والله سبحانه هو المخرج والمنبت له. وروي عن الشعبي أنه قال : الناس من نبات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم ، ومن صار إلى النار فهو لئيم. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} أي فيما ذكر من الإنبات في الأرض لدلالته على أن الله قادر ، لا يعجزه شيء. {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} أي مصدقين لما سبق من علمي فيهم. و {كَانَ} هنا صلة في قول سيبويه ؛ تقديره : وما أكثرهم مؤمنين. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} يريد المنيع المنتقم من أعدائه ، الرحيم بأوليائه.
الآية : [10] {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
الآية : [11] {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ}
الآية : [12] {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}
الآية : [13] {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ}
الآية : [14] {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}
الآية : [15] {قَالَ كَلا فَاذْهَبَا بِآياتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ}
قوله تعالى : {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} {إِذْ} في موضع نصب ؛ المعنى : واتل عليهم {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} ويدل على هذا أن بعده. {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ} [الشعراء : 69] ذكره النحاس. وقيل : المعنى ؛ واذكر إذا نادى كما صرح به في قوله : {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ} [الأحقاف : 21] وقوله : {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ} [ص : 45] وقوله : "واذكر في الكتاب مريم [مريم : 16] . وقيل : المعنى ؛ {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} كان كذا وكذا. والنداء الدعاء بيا فلان ، أي قال ربك يا موسى : {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ثم أخبر من هم فقال ، {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} " فـ {قَوْمَ} بدل ؛ ومعنى {أَلا يَتَّقُونَ} ألا يخافون عقاب الله ؟ وقيل : هذا من الإيماء إلى الشيء لأنه أمره أن يأتي القوم الظالمين ، ودل قوله : {يَتَّقُونَ} على أنهم لا يتقون ، وعلى أنه أمرهم بالتقوى. وقيل : المعنى ؛ قل لهم {أَلا يَتَّقُونَ} وجاء بالياء لأنهم غيب وقت الخطاب ، ولو جاء بالتاء




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.86 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]