
07-07-2025, 04:59 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,689
الدولة :
|
|
رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى

تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (13)
سُورَةُ النمل
من صــ 241 الى صــ 250
الحلقة (543)
"صفحة رقم 241"
وعطاء وبن زيد وغيرهم قال مجاهد : هما صيحتان أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله وأما الأخرى فتحيي كل شيء بإذن الله وقال عطاء الراجفة القيامة والرادفة البعث وقال بن زيد : الراجفة الموت والرادفة الساعة والله أعلم إلا من شاء الله ثم اختلف في هذا المستثنى من هم ففي حديث أبي هريرة أنهم الشهداء عند ربهم يرزقون إنما يصل الفزع إلى الأحياء وهو قول سعيد بن جبير أنهم الشهداء متقلدو السيوف حول العرش وقال القشيري : الأنبياء داخلون في جملتهم لأن لهم الشهادة مع النبوة وقيل : الملائكة قال الحسن : استثنى طوائف من الملائكة يموتون بين النفختين قال مقاتل : يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وقيل : الحور العين وقيل : هم المؤمنون لأن الله تعالى قال عقيت هذا : من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون وقال بعض علمائنا : والصحيح أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح والكل محتمل قلت : خفي عليه حديث أبي هريرة وقد صححه القاضي أبو بكر بن العربي فليعول عليه لأنه نص في التعيين وغيره اجتهاد والله أعلم وقيل : غير هذا على ما يأتي في الزمر وقوله : ففزع من في السماوات ماض وينفخ مستقبل فيقال : كيف عطف ماض على مستقبل فزعم الفراء أن هذا محمول على المعنى لأن المعنى : إذا نفخ في الصور ففزع إلا من شاء الله نصب على الاستثناء ) وكل أتوه داخرين ( قرأ أبو عمرو وعاصم والكسائي ونافع وبن عامر وبن كثير : آتوه جعلوه فعلا مستقبلا وقرأ الأعمش ويحيى وحمزة وحفص عن عاصم : وكل أتوه مقصورا على الفعل الماضي وكذلك قرأه بن مسعود وعن قتادة وكل أتاه داخرين قال النحاس : وفي كتابي عن أبي إسحاق في القراءات من قرأ : وكل أتوه وحده على لفظ كل ومن قرأ : آتوه جمع على معناها وهذا القول غلط قبيح لأنه إذا قال : وكل أتوه فلم يوحد وإنما جمع
"صفحة رقم 242"
ولو وحد لقال : أتاه ولكن من قال : أتوه جمع على المعنى وجاء به ماضيا لأنه رده إلى ففزع ومن قرأ : وكل آتوه حمله على المعنى أيضا وقال : آتوه لأنها جملة منقطعة من الأول قال بن نصر : قد حكى عن أبي إسحاق رحمه الله ما لم يقله ونص أبي إسحاق : وكل أتوه داخرين ويقرأ : آتوه فمن وحد فللفظ كل ومن جمع فلمعناها يريد ما أتى في القرآن أو غيره من توحيد خبر كل فعلى اللفظ أو جمع فعلى المعنى فلم يأخذ أبو جعفر هذا المعنى قال المهدوي : ومن قرأ وكل أتوه داخرين فهو فعل من الإتيان وحمل على معنى كل دون لفظها ومن قرأ : وكل آتوه داخرين فهو اسم الفاعل من أتى يدلك على ذلك قوله تعالى : ) وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ومن قرأ : وكل أتاه حمله على لفظ كل دون معناها وحمل داخرين على المعنى ومعناه صاغرين عن بن عباس وقتادة وقد مضى في النحل قوله تعالى : ) وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ( قال بن عباس : أي قائمة وهي تسير سيرا حثيثا قال القتبي : وذلك أن الجبال تجمع وتسير فهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير وكذلك كل شيء عظيم وجمع كثير يقصر عنه النظر لكثرته وبعد ما بين أطرافه وهو في حسبان الناظر كالواقف وهو يسير قال النابغة في وصف جيش : بأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج قال القشيري وهذا يوم القيامة أي هي لكثرتها كأنها جامدة أي واقفة في مرأى العين وإن كانت في أنفسها تسير سير السحاب والسحاب المتراكم يظن أنها واقفة وهي تسير أي تمر مر السحاب حتى لا يبقى منها شيء فقال الله تعالى : وسيرت الجبال فكانت سرابا ويقال : إن الله تعالى وصف الجبال بصفات مختلفة ترجع كلها إلى تفريغ الأرض منها وإبراز ما كانت تواريه فأول الصفات الإندكاك وذلك قبل الزلزلة ثم تصير كالعهن المنفوش وذلك إذا صارت السماء كالمهل وقد جمع الله بينهما فقال : يوم تكون السماء كالمهل
"صفحة رقم 243"
وتكون الجبال كالعهن والحالة الثالثة أن تصير كالهباء وذلك أن تتقطع بعد أن كانت كالعهن والحالة الرابعة أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها لتبرز فإذا نسفت فبإرسال الرياح عليها والحالة الخامسة أن الرياح ترفعها على وجه الأرض فتظهرها شعاعا في الهواء كأنها غبار فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجسادا جامدة وهي بالحقيقة مارة إلا أن مرورها من وراء الرياح كأنها مندكة متفتتة والحالة السادسة أن تكون سرابا فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا منها كالسراب قال مقاتل : تقع على الأرض فتسوى بها ثم قيل هذا مثل قال الماوردي : وفيهما ضرب له ثلاثة أقوال : أحدها أنه مثل ضربه الله تعالى للدنيا يظن الناظر إليها أنها واقفة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب قاله سهل بن عبد الله الثاني : أنه مثل ضربه الله للإيمان تحسبه ثابتا في القلب وعمله صاعد إلى السماء الثالث : أنه مثل ضربه الله للنفس عند خروج الروح والروح تسير إلى العرش ) صنع الله الذي أتقن كل شيء ( أي هذا من فعل الله وما هو فعل منه فهو متقن وترى من رؤية العين ولو كانت من رؤية القلب لتعدت إلى مفعولين والأصل ترأى فألقيت حركة الهمزة على الراء فتحركت الراء وحذفت الهمزة وهذا سبيل تخفيف الهمزة إذا كان قبلها ساكن إلا أن التخفيف لازم لترى وأهل الكوفة يقرؤون : تحسبها بفتح السين وهو القياس لأنه من حسب يحسب إلا أنه قد روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خلافها أنه قرأ بالكسر في المستقبل فتكون على فعل يفعل مثل نعم ينعم وبئس يبئس وحكى يئس ييئس من السالم لا يعرف في كلام العرب غير هذه الأحرف وهي تمر مر السحاب تقديره مرا مثل مر السحاب فأقيمت الصفة مقام الموصوف والمضاف مقام المضاف إليه فالجبال تزال من أماكنها من على وجه الأرض وتجمع وتسير كما تسير السحاب ثم تكسر فتعود إلى الأرض كما قال : وبست الجبال بسا صنع الله عند الخليل وسيبويه منصوب على أنه مصدر لأنه لما قال عز وجل : وهي تمر مر السحاب دل على أنه قد صنع ذلك صنعا ويجوز النصب على الإغراء أي انظروا صنع الله فيوقف
"صفحة رقم 244"
على هذا على السحاب ولا يوقف عليه على التقدير الأول ويجوز رفعه على تقدير ذلك صنع الله الذي أتقن كل شيء أي أحكمه ومنه قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) رحم الله من عمل عملا فأتقنه ) وقال قتادة : معناه أحسن كل شيء والإتقان الإحكام يقال : رجل تقن أي حاذق بالأشياء وقال الزهري : أصله من بن تقن وهو رجل من عاد لم يكن يسقط له سهم فضرب به المثل يقال : أرمى من بن تقن ثم يقال لكل حاذق بالأشياء تقن ) إنه خبير بما تغعلون ( الباقون تفعلون بالتاء على الخطاب قراءة الجمهور وقرأ بن كثير وأبو عمرو وهشام بالياء قوله تعالى : ) من جاء بالحسنة فله خير منها ( قال بن مسعود وبن عباس رضي الله عنهما : الحسنة لا إله إلا الله وقال أبو معشر : كان إبراهيم يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ولا يستثني أن الحسنة لا إله إلا الله محمد رسول الله وقال علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم : غزا رجل فكان إذا خلا بمكان قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له فبينما هو في أرض الروم في أرض جلفاء وبردى رفع صوته فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له فخرج عليه رجل على فرس عليه ثياب بيض فقال له : والذي نفسي بيده إنها الكلمة التي قال الله تعالى : من جاء بالحسنة فله خير منها وروى أبو ذر قال : قلت يا رسول الله أوصني قال : ) اتق الله وإذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها ) قال قلت : يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله قال : ) من أفضل الحسنات ) وفي رواية قال : ) نعم هي أحسن الحسنات ) ذكره البيهقي وقال قتادة : من جاء بالحسنة بالإخلاص والتوحيد وقيل : أداء الفرائض كلها قلت : إذا أتى بلا إله إلا الله على حقيقتها وما يجب لها على ما تقدم بيانه في سورة إبراهيم فقد أتى بالتوحيد والإخلاص والفرائض فله خير منها قال بن عباس : أي وصل إليه الخير منها وقاله مجاهد وقيل : فله الجزاء الجميل وهو الجنة وليس خير للتفضيل قال عكرمة وبن جريج : أما أن يكون له خير منها يعني من الإيمان فلا فإنه ليس شيء خيرا ممن قال لا إله إلا الله ولكن له منها خير وقيل : فله خير منها للتفضيل أي ثواب الله خير من عمل العبد وقوله وذكره وكذلك رضوان الله خير للعبد من فعل العبد
"صفحة رقم 245"
قاله بن عباس وقيل : يرجع هذا إلى الإضعاف فإن الله تعالى يعطيه بالواحدة عشرا وبالإيمان في مدة يسيرة الثواب الأبدي قاله محمد بن كعب وعبد الرحمن بن زيد ) وهم من فزع يومئذ آمنون ( قرأ عاصم وحمزة والكسائي فزع يومئذ بالإضافة قال أبو عبيد : وهذا أعجب إلي لأنه أعم التأويلين أن يكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم وإذا قال : من فزع يومئذ صار كأنه فزع دون فزع دون فزع قال القشيري : وقرئ : من فزع بالتنوين ثم قيل يعني به فزعا واحدا كما قال : لا يحزنهم الفزع الأكبر وقيل : عني الكثرة لأنه مصدر والمصدر صالح للكثرة قلت : فعلى هذا تكون القراءتان بمعنى قال المهدوي : ومن قرأ : من فزع يومئذ بالتنوين انتصب يومئذ بالمصدر الذي هو فزع ويجوز أن يكون صفة لفزع ويكون متعلقا بمحذوف لأن المصادر يخبر عنها بأسماء الزمان وتوصف بها ويجوز أن يتعلق باسم الفاعل الذي هو آمنون والإضافة على الاتساع في الظروف ومن حذف التنوين وفتح الميم بناه لأنه ظرف زمان وليس الإعراب في ظرف الزمان متمكنا فلما أضيف إلى غير متمكن ولا معرب بني وأنشد سيبويه : على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب قوله تعالى : ) ومن جاء بالسيئة ( أي بالشرك قاله بن عباس والنخعي وأبو هريرة ومجاهد وقيس بن سعد والحسن وهو إجماع من أهل التأويل في أن الحسنة لا إله إلا الله وأن السيئة الشرك في هذه الآية ) فكبت وجوههم في النار ( قال بن عباس : ألقيت وقال الضحاك : طرحت يقال كببت الإناء أي قلبته على وجهه واللازم من أكب وقلما يأتي هذا في كلام العرب ) هل تجزون ( أي يقال لهم هل تجزون ثم يجوز أن يكون من قول الله ويجوز أن يكون من قول الكلائكة ) إلا ما كنتم تعملون ( أي إلا جزاء أعمالكم
"صفحة رقم 246"
النمل : ) 91 ( إنما أمرت أن . . . . .
) النمل 91 : 93 (
قوله تعالى : ) إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ( يعني مكة التي عظم الله حرمتها أي جعلها حرما آمنا لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد فيها صيد ولا يعضد فيها شجر على ما تقدم بيانه في غير موضع وقرأ بن عباس : التي حرمها نعتا للبلدة وقراءة الجماعة الذي وهو في موضع نصب نعت ل رب ولو كان بالألف واللام لقلت المحرمها فإن كانت نعتا للبلدة قلت المحرمها هو لا بد من إظهار المضمر مع الألف واللام لأن الفعل جرى على غير من هو له فإن قلت الذي حرمها لم تحتج أن تقول هو ) وله كل شيء ( خلقا وملكا ) وأمرت أن أكون من المسلمين ( أي من المنقادين لأمره الموحدين له ) وأن أتلو القرآن ( أي وأمرت أن أتلو القرآن أي أقرأه ) فمن اهتدى ( فله ثواب هدايته ) ومن ضل ( فليس علي إلا البلاغ نسختها آية القتال قال النحاس وأن أتلو نصب بأن قال الفراء : وفي إحدى القراءتين وأن اتل وزعم أنه في موضع جزم بالأمر فلذلك حذف منه الواو قال النحاس : ولا نعرف أحدا قرأ هذه القراءة وهي مخالفة لجميع المصاحف قوله تعالى : ) وقل الحمد لله ( أي على نعمه وعلى ما هدانا ) سيريكم آياته ( لإي في أنفسكم وفي غيركم كما قال : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) فتعرفونها ( أي دلائل قدرته ووحدانيته في أنفسكم وفي السماوات وفي الأرض نظيره قوله تعالى : وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) وما ربك بغافل عما تعملون (
"صفحة رقم 247"
قرأ أهل المدينة وأهل الشام وحفص عن عاصم بالتاء على الخطاب لقوله : سيريكم آياته فتعرفونها فيكون الكلام على نسق واحد الباقون بالياء على أن يرد إلى ما قبله فمن اهتدى فأخبر عن تلك الآية كملت السورة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
سورة القصص مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وقال بن عباس وقتادة إلا آية نزلت بين مكة والمدينة وقال بن سلام : بالجحفة في وقت هجرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة وهي قوله عز وجل : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد وقال مقاتل : فيها من المدني الذين آتيناهم الكتاب إلى قوله : لا نبتغي الجاهلين وهي ثمان وثمانون آية بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة القصص
القصص : ) 1 ( طسم
) القصص 1 : 6 (
قوله تعالى : ) طسم ( تقدم الكلام فيه ) تلك آيات الكتاب المبين ( تلك في موضع رفع بمعنى هذه تلك وآيات بدل منها ويجوز أن يكون في موضع نصب ب نتلو وآيات بدل منها أيضا وتنصبها كما تقول : زيدا ضربت والمبين
أي المبين بركته وخيره ، والمبين الحق من الباطل ، والحلال من الحرام ، وقصص الأنبياء ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ يقال : بان الشيء وأبان اتضح. {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ذكر قصة موسى عليه السلام وفرعون وقارون ، واحتج على مشركي قريش ، وبين أن قرابة قارون من موسى لم تنفعه مع كفره ، وكذلك قرابة قريش لمحمد ، وبين أن فرعون علا في الأرض وتجبر ، فكان ذلك من كفره ، فليجتنب العلو في الأرض ، وكذلك التعزز بكثرة المال ، وهما من سيرة فرعون وقارون {نَتْلُو عَلَيْكَ} أي يقرأ عليك جبريل بأمرنا {مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ} أي من خبرهما و {مِنْ} للتبعيض و {مِنْ نَبَأِ} مفعول {نَتْلُو} أي نتلو عليك بعض خبرهما ؛ كقوله تعالى : {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون : 20] ومعنى : {بِالْحَقِّ} أي بالصدق الذي لا ريب فيه ولا كذب {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي يصدقون بالقرآن ويعلمون أنه من عند الله ؛ فأما من لم يؤمن فلا يعتقد أنه حق
قوله تعالى : {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} أي استكبر وتجبر ؛ قاله ابن عباس والسدي وقال قتادة : علا في نقسه عن عبادة ربه بكفره وادعى الربوبية وقيل : بملكه وسلطانه فصار عاليا على من تحت يده {فِي الأَرْضِ} أي أرض مصر {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً} أي فرقا وأصنافا في الخدمة قال الأعشى :
وبلدة يرهب الجواب دجلتها ... حتى تراه عليها يبتغى الشيعا
{يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} أي من بني إسرائيل {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} تقدم القول في هذا في {البقرة} عند قوله : {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [البقرة : 49] الآية ؛ وذلك لأن الكهنة قالوا له : إن مولودا يولد في بني إسرائيل يذهب ملكك على يديه ، أو قال المنجمون له ذلك ، أو رأى رؤيا فعبرت كذلك قال
الزجاج : العجب من حمقه لم يدر أن الكاهن إن صدق فالقتل لا ينفع ، وإن كذب فلا معنى للقتل وقيل : جعلهم شيعا فاستسخر كل قوم من بني إسرائيل في شغل مفرد {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} أي في الأرض بالعمل والمعاصي والتجبر.
قوله تعالى : {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ} أي نتفضل عليهم وننعموهذه حكاية مضت {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} قال ابن عباس : قادة في الخير مجاهد : دعاة إلى الخير. قتادة : ولاة وملوكا ؛ دليله قوله تعالى : {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً} [المائدة : 20]
قلت : وهذا أعم فإن الملك إمام يؤتم به ومقتدى به . {وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} لملك فرعون ؛ يرثون ملكه ، ويسكنون مساكن القبط وهذا معنى قوله تعالى : {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف : 137]
قوله تعالى : {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} أي نجعلهم مقتدرين على الأرض وأهلها حتى يُستولى عليها ؛ يعني أرض الشام ومصر {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} أي ونريد أن نري فرعون وقرأ الأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف : {وَيَرِيَ} بالياء على أنه فعل ثلاثي من رأى {فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} رفعا لأنه الفاعل الباقون {نُرِيَ} بضم النون وكسر الراء على أنه فعل وباعي من أري يري ، وهي علي نسق الكلام ؛ لأن قبله {ونريد} وبعده {وَنُمَكِّنَ} {فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} نصبا بوقوع الفعل وأجاز الفراء {وَيُرِيَ فرعَوْنُ} بضم الياء وكسر الراء وفتح الياء ويري الله فرعون {مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يدي رجل من بني إسرائيل فكانوا على وجل {مِنْهُمْ} فأراهم الله {مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} قال قتاد : كان حازيا لفرعون ـ والحازي المنجم ـ قال إنه سيولد في هذه السنة مولود يذهب بملكك ؛ فأمر فرعون بقتل الولدان في تلك السنة وقد تقدم
الآية : [7] {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}
الآية : [8] {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}
الآية : [9] {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}
قوله تعالى : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} قد تقدم معنى الوحي ومحامله واختلف في هذا الوحي إلى أم موسى ؛ فقالت فرقة : كان قولا في منامها وقال قتادة : كان إلهاما وقالت فرقة : كان بملك يمثل لها ، قال مقاتل ـ أتاها جبريل بذلك فعلي هذا هو وحي إعلام لا إلهام وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية ، وإنما إرسال الملك إليها على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص والأعمى في الحديث المشهور ؛ خرجه البخاري ومسلم ، وقد ذكرناه في سورة {براءة} وغير ذلك مما روي من تكليم الملائكة للناس من غير نبوة ، وقد سلمت على عمران بن حصين فلم يكن بذلك نبيا واسمها أيارخا وقيل أيارخت فيما ذكر السهيلي وقال الثعلبي : واسم أم موسي لوحا بنت هاند بن لاوى بن يعقوب {أَنْ أَرْضِعِيهِ} وقرأ عمر بن عبدالعزير : {أَنِ أَرْضِعِيهِ} بكسر النون وألف وصل ؛ حذف همزة أرضع تخفيفا ثم كسر النون لالتقاء الساكنين قال مجاهد : وكان الوحي بالرضاع قبل الولادة. وقال غيره بعدها. قال السدي : لما ولدت أم موسى أمرت أن ترضعه عقيب الولادة وتصنع به بما في الآية ؛ لأن الخوف كان عقيب الولادة وقال ابن جريج : أمرت بإرضاعه أربعة أشهر في بستان ، فإذا خافت أن يصيح ـ لأن لبنها لا يكفيه ـ صنعت به هذا والأول أظهر إلا أن الآخر يعضده قوله : {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} و {إِذا} لما يستقبل من الزمان ؛ فيروي أنها

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|