
09-07-2025, 10:51 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,416
الدولة :
|
|
رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى

تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (14)
سُورَةُ السجدة
من صــ 96 الى صــ 105
الحلقة (565)
"صفحة رقم 97"
العلماء عليهم في هذين التأويلين بما فيه كفاية في أصول الدين وأقرب مالهم في الجواب أن يقال : فقد بطل عندنا وعندكم أن يهديهم الله سبحانه على طريق الإلجاء والإجبار والإكراه فصار يؤدي ذلك إلى مذهب الجبرية وهو مذهب رذل عندنا وعندكم فلم يبق إلا أن المهتدين من المؤمنين إنما هداهم الله تعالى إلى الإيمان والطاعة على طريق الاختيار حتى يصح التكليف فمن شاء آمن وأطاع اختيارا لا جبرا قال الله تعالى : لمن شاء منكم أن يستقيم وقال : فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ثم عقب هاتين الآيتين بقوله تعالى : وما تشاءون إلا أن يشاء الله فوقع إيمان المؤمنين بمشيئتهم ونفى أن يشاءوا إلا أن يشاء الله ولهذا فرطت المجبرة لما رأوا أن هدايتهم إلى الإيمان معذوق بمشيئة الله تعالى فقالوا : الخلق مجبورون في طاعتهم كلها التفاتا إلى قوله : وما تشاءون إلا أن يشاء الله وفرطت القدرية لما رأوا أن هدايتهم إلى الإيمان معذوق بمشيئة العباد فقالوا : الخلق خالقون لأفعالهم التفاتا منهم إلى قوله تعالى : لمن شاء منكم أن يستقيم ومذهبنا هو الاقتصاد في الإعتقاد وهو مذهب بين مذهبي المجبرة والقدرية وخير الأمور أوساطها وذلك أن أهل الحق قالوا : نحن نفرق بين ما اضطررنا إليه وبين ما اخترناه وهو أنا ندرك تفرقة بين حركة الارتعاش الواقعة في يد الإنسان بغير محاولته وإرادته ولا مقرونة بقدرته وبين حركة الاختيار إذا حرك يده حركة مماثلة لحركة الارتعاش ومن لا يفرق بين الحركتين : حركة الارتعاش وحركة الاختيار وهما موجودتان في ذاته ومحسوستان في يده بمشاهدته وإدراك حاسته فهو معتوه في عقله ومختل في حسه وخارج من حزب العقلاء وهذا هو الحق المبين وهو طريق بين طريقي الإفراط والتفريط و : كلا طرفي قصد الأمور ذميم
"صفحة رقم 98"
وبهذا الاعتبار اختار أهل النظر من العلماء أن سموا هذه المنزلة بين المنزلتين كسبا وأخذوا هذه التسمية من كتاب الله العزيز وهو قوله سبحانه : لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت
السجدة : ) 14 ( فذوقوا بما نسيتم . . . . .
) السجدة 14 (
قوله تعالى : ) فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ( فيه قولان : أحدهما أنه من النسيان الذي لاذكر معه أي لم يعملوا لهذا اليوم فكانوا بمنزلة الناسين والآخر أن نسيتم بما تركتم وكذا إنا نسيناكم واحتج محمد بن يزيد بقوله تعالى : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي قال : والدليل على أنه بمعنى ترك أن الله عز وجل أخبر عن إبليس أنه قال : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين فلو كان آدم ناسيا لكان قد ذكره وأنشد : كأنه خارجا من جنب صفحته سفود شرب نسوه عند مفتأد أي تركوه ولو كان من النسيان لكان قد عملوا به مرة قال الضحاك : نسيتم أي تركتم أمري يحيى بن سلام : أي تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم ) نسيناكم ( تركناكم من الخير قاله السدي مجاهد : تركناكم في العذاب وفي استئناف قوله : إنا نسيناكم وبناء الفعل على إن واسمها تشديد في الانتقام منهم والمعنى : فذوقوا هذا أي ما أنتم فيه من نكس الرءوس والخزي والغم بسبب نسيان الله أو ذوقوا العذاب المخلد وهو الدائم الذي لا انقطاع له في جهنم ) بما كنتم تعملون ( يعني في الدنيا من المعاصي وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوما لإحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم قال عمر بن أبي ربيعة : فذق هجرها إن كنت تزعم أنها فساد ألا يا ربما كذب الزعم
"صفحة رقم 99"
الجوهري : وذقت ما عند فلان أي خبرته وذقت القوس إذا جذبت وترها لتنظر ما شدتها وأذاقه الله وبال أمره قال طفيل : فذوقوا كما ذقنا غداة محجر من الغيظ في أكبادنا والتحوب وتذوقته أي ذقته شيئا بعد شيء وأمر مستذاق أي مجرب معلوم قال الشاعر : وعهد الغانيات كعهد قين ونت عنه الجعائل مستذاق والذواق : الملول
السجدة : ) 15 ( إنما يؤمن بآياتنا . . . . .
) السجدة 15 (
هذه تسلية للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي أنهم لإلفهم الكفر لايؤمنون بك إنما يؤمن بك وبالقرآن المتدبرون له والمتعظون به وهم الذين إذا قرئ عليهم القرآن ) خروا سجدا ( قال بن عباس : ركعا قال المهدوي : وهذا على مذهب من يرى الركوع عند قراءة السجدة واستدل بقوله تبارك وتعالى : وخر راكعا وأناب وقيل : المراد به السجود وعليه أكثر العلماء أي خروا سجدا لله تعالى على وجوههم تعظيما لآياته وخوفا من سطوته وعذابه ) وسبحوا بحمد ربهم ( أي خلطوا التسبيح بالحمد أي نزهوه وحمدوه فقالوا في سجودهم : سبحان الله وبحمده سبحان ربي الأعلى وبحمده أي تنزيها لله تعالى عن قول المشركين وقال سفيان : وسبحوا بحمد ربهم أي صلوا حمدا لربهم ) وهم لايشكرون ( عن عبادته قاله يحيى بن سلام النقاش : لا يستكبرون كما استكبر أهل مكة عن السجود
السجدة : ) 16 ( تتجافى جنوبهم عن . . . . .
) السجدة 16 (
قوله تعالى : ) تتجافى جنوبهم عن المضاجع ( أي ترتفع وتنبو عن مواضع الاضطجاع وهو في موضع نصب على الحال أي متجافية جنوبهم والمضاجع جمع مضجع وهي
"صفحة رقم 100"
مواضع النوم ويحتمل عن وقت الاضطجاع ولكنه مجاز والحقيقة أولى ومنه قول عبد الله بن رواحة : وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الصبح ساطع يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع قال الزجاج والرماني : التجافي التنحي إلى جهة فوق وكذلك هو في الصفح عن المخطئ في سب ونحوه والجنوب جمع جنب وفيما تتجافى جنوبهم عن المضاجع لأجله قولان : أحدهما لذكر الله تعالى إما في صلاة وإما في غير صلاة قاله بن عباس والضحاك الثاني للصلاة وفي الصلاة التي تتجافى جنوبهم لأجلها أربعة أقوال : أحدها التنفل بالليل قاله الجمهور من المفسرين وعليه أكثر الناس وهو الذي فيه المدح وهو قول مجاهد والأوزاعي ومالك بن أنس والحسن بن أبي الحسن وأبي العالية وغيرهم ويدل عليه قوله تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين لأنهم جوزوا على ما أخفوا بما خفى والله أعلم وسيأتي بيانه وفي قيام الليل أحاديث كثيرة منها حديث معاذ بن جبل أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له : ) ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل من جوف الليل قال ثم تلا تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ يعملون ) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده والقاضي إسماعيل بن إسحاق وأبو عيسى الترمذي وقال فيه : حديث حسن صحيح الثاني صلاة العشاء التي يقال لها العتمة قاله الحسن وعطاء وفي الترمذي عن أنس بن مالك أن هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة قال : هذا حديث حسن غريب الثالث التنفل مابين المغرب والعشاء قاله قتادة وعكرمة وروي أبو داود عن أنس بن مالك أن هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون قال : كانوا يتنفلون مابين المغرب والعشاء الرابع قال الضحاك : تجافي الجنب هو أن يصلي الرجل العشاء والصبح في جماعة وقاله أبو الدرداء وعبادة
"صفحة رقم 101"
قلت : وهذا قول حسن وهو يجمع الأقوال بالمعنى وذلك أن منتظر العشاء إلى أن يصليها في صلاة وذكر لله جل وعز كما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لا يزال الرجل في صلاة ما انتظر الصلاة ) وقال أنس : المراد بالآية انتظار صلاة العشاء الآخرة لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يؤخرها إلى نحو ثلث الليل قال بن عطية : وكانت الجاهلية ينامون من أول الغروب ومن أي وقت شاء الإنسان فجاء انتظار وقت العشاء غريبا شاقا ومصلى الصبح في جماعة لا سيما في أول الوقت كما كان عليه السلام يصليها والعادة أن من حافظ على هذه الصلاة في أول الوقت يقوم سحرا يتوضأ ويصلي ويذكر الله عز وجل إلى أن يطلع الفجر فقد حصل التجافي أول الليل وآخره يزيد هذا ما رواه مسلم من حديث عثمان بن عفان قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ) من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله ) ولفظ الترمذي وأبي داود في هذا الحديث : ) من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة ) وقد مضى في سورة النور عن كعب فيمن صلى بعد العشاء الآخرة أربع ركعات كن له بمنزلة ليلة القدر وجاءت آثار حسان في فضل الصلاة بين المغرب والعشاء وقيام الليل ذكر بن المبارك قال : أخبرنا يحيى بن أيوب قال حدثني محمد بن الحجاج أو بن أبي الحجاج أنه سمع عبد الكريم يحدث أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) من ركع عشر ركعات بين المغرب والعشاء بني له قصر في الجنة ) فقال له عمر بن الخطاب : إذا تكثر قصورنا وبيوتنا يا رسول الله فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) الله أكبر وأفضل أو قال أطيب ) وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : صلاة الأوابين الخلوة التي بين المغرب والعشاء حتى تثوب الناس إلى الصلاة وكان عبد الله بن مسعود يصلي في تلك الساعة ويقول : صلاة الغفلة بين المغرب والعشاء ذكره بن المبارك ورواه الثعلبي مرفوعا عن بن عمر قال قال
"صفحة رقم 102"
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) من جفت جنباه عن المضاجع ما بين المغرب والعشاء بني له قصران في الجنة مسيره عام وفيهما من الشجر ما لو نزلها أهل المشرق والمغرب لأوسعتهم فاكهة ) وهي صلاة الأوابين وغفلة الغافلين وإن من الدعاء المستجاب الذي لا يرد الدعاء بين المغرب والعشاء فصل في فضل التجافي ذكر بن المبارك عن بن عباس قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ليقم الحامدون لله على كل حال فيقومون فيسرحون إلى الجنة ثم ينادي ثانية : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ليقم الذين كانت جنوبهم تتجافى عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون قال : فيقومون فيسرحون إلى الجنة قال : ثم ينادي ثالثة : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ليقم الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار فيقومون فيسرحون إلى الجنة ذكره الثعلبي مرفوعا عن أسماء بنت يزيد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت تسمعه الخلائق كلهم : سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ثم ينادي الثانية ستعلمون اليوم من أولى بالكرم ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله فيقومون ثم ينادي الثالثة ستعلمون اليوم من أولى بالكرم ليقم الحامدون لله على كل حال في السراء والضراء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعا إلى الجنة ثم يحاسب سائر الناس ) وذكر بن المبارك قال أخبرنا معمر عن رجل عن أبي العلاء بن الشخير عن أبي ذر قال : ثلاثة يضحك الله إليهم ويستبشر الله بهم : رجل قام من الليل وترك فراشه ودفئه ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم قام إلى الصلاة فيقول الله لملائكته : ) ما حمل عبدي على ما صنع ) فيقولون : ربنا أنت أعلم به منا فيقول : ) أنا أعلم به ولكن أخبروني ) فيقولون : رجيته شيئا فرجاه وخوفته فخافه فيقول : ) أشهدكم أني قد أمنته مما خاف وأوجبت له ما رجاه ) قال : ورجل كان
"صفحة رقم 103"
في سرية فلقي العدو فانهزم أصحابه وثبت هو حتى يقتل أو يفتح الله عليهم فيقول الله لملائكته مثل هذه القصة ورجل سرى في ليلة حتى إذا كان في آخر الليل نزل هو وأصحابه فنام أصحابه وقام هو يصلي فيقول الله لملائكته ) وذكر القصة قوله تعالى : ) يدعون ربهم ( في موضع نصب على الحال أي داعين ويحتمل أن تكون صفة مستأنفة أي تتجافى جنوبهم وهم أيضا في كل حال يدعون ربهم ليلهم ونهارهم و ) خوفا ( مفعول من أجله ويجوز أن يكون مصدرا ) وطمعا ( مثله أي خوفا من العذاب وطمعا في الثواب ) ومما رزقناهم ينفقون ( تكون ما بمعنى الذي وتكون مصدرا وفي كلا الوجهين يجب أن تكون منفصلة من من وينفقون قيل : معناه الزكاة المفروضة وقيل : النوافل وهذا القول أمدح
السجدة : ) 17 ( فلا تعلم نفس . . . . .
) السجدة 17 (
قرأ حمزة : ) ما أخفي لهم ( بإسكان الياء وفتحها الباقون وفي قراءة عبد الله ما نخفي بالنون مضمومة وروى المفضل عن الأعمش ما يخفي لهم بالياء المضمومة وفتح الفاء وقرأ بن مسعود وأبو هريرة : من قرات أعين فمن أسكن الياء من قوله : ما أخفي فهو مستقبل وألفه ألف المتكلم وما في موضع نصب ب أخفي وهي استفهام والجملة في موضع نصب لوقوعها موقع المفعولين والضمير العائد على ما محذوف ومن فتح الياء فهو فعل ماض مبني للمفعول وما في موضع رفع بالابتداء والخبر أخفى وما بعده والضمير في أخفى عائد على ما قال الزجاج : ويقرأ ما أخفى لهم بمعنى ما أخفى الله لهم وهي قراءة محمد بن كعب وما في موضع نصب المهدوي : ومن قرأ : قرات أعين فهو جمع قرة وحسن الجمع فيه لإضافته إلى جمع والإفراد لأنه
"صفحة رقم 104"
مصدر وهو اسم للجنس وقال أبو بكر الأنباري : وهذا غير مخالف للمصحف لأن تاء قرة تكتب تاء على لغة من يجري الوصل على الوقف كما كتبوا ) رحمت الله ( بالتاء ولا يستنكر سقوط الألف من قرأت في الخط وهو موجود في اللفظ كما لم يستنكر سقوط الألف من السماوات وهي ثابتة في اللسان والنطق والمعنى المراد : أنه أخبر تعالى بما لهم من النعيم الذي لم تعلمه نفس ولا بشر ولا ملك وفي معنى هذه الآية : قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) قال الله عز وجل أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع إلى قوله بما كانوا يعملون ) خرجه الصحيح من حديث سهل بن سعد الساعدي وقال بن مسعود : في التوراة مكتوب : على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقال بن عباس : الأمر في هذا أجل وأعظم من أن يعرف تفسيره قلت : وهذه الكرامة إنما هي لأعلى أهل الجنة منزلا كما جاء مبينا في صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة يرفعه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) سأل موسى عليه السلام ربه فقال يا رب ما أدنى أهل الجنة منزلة قال هو رجل يأتي بعد ما يدخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله معه ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب فيقال هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت رب قال رب فأعلاهم منزلة قال أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر قال ومصداقه من كتاب الله قوله تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم
"صفحة رقم 105"
من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وقد روي عن المغيرة موقوفا قوله وخرج مسلم أيضا عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعكم عليه ثم قرأ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين وقال بن سيرين : المراد به النظر إلى الله تعالى وقال الحسن : أخفى القوم أعمالا فأخفى الله تعالى لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت
السجدة : ) 18 ( أفمن كان مؤمنا . . . . .
) السجدة 18 (
فيه ثلاث مسائل : الأولى قوله تعالى : ) أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لايستوون ( أي ليس المؤمن كالفاسق فلهذا آتينا هؤلاء المؤمنين الثواب العظيم قال بن عباس وعطاء بن يسار : نزلت الآية في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط وذلك أنهما تلاحيا فقال له الوليد : أنا أبسط منك لسانا وأحد سنانا وأرد للكتيبة وروي وأملآ في الكتيبة جسدا فقال له علي : اسكت فإنك فاسق فنزلت الآية وذكر الزجاج والنحاس أنها نزلت في علي وعقبة بن أبي معيط قال بن عطية : وعلى هذا يلزم أن تكون الآية مكية لأن عقبة لم يكن بالمدينة وإنما قتل في طريق مكة منصرف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من بدر ويعترض القول الآخر بإطلاق اسم الفسق على الوليد وذلك يحتمل أن يكون في صدر إسلام الوليد لشيء كان في نفسه أو لما روي من نقله عن بني المصطلق ما لم يكن حتى نزلت فيه : إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا على ما يأتي في الحجرات بيانه ويحتمل أن تطلق الشريعة ذلك عليه لأنه كان على طرف مما يبغي وهو الذي شرب الخمر في زمن
"صفحة رقم 106"
عثمان رضي الله عنه وصلى الصبح بالناس ثم التفت وقال : أتريدون أن أزيدكم ونحو هذا مما يطول ذكره الثانية لما قسم الله تعالى المؤمنين والفاسقين الذين فسقهم بالكفر لأن التكذيب في آخر الآية يقتضي ذلك اقتضى ذلك نفي المساواة بين المؤمن والكافر ولهذا منع القصاص بينهما إذ من شرط وجوب القصاص المساواة بين القاتل والمقتول وبذلك احتج علماؤنا على أبي حنيفة في قتله المسلم بالذمي وقال : أراد نفي المساواة ها هنا في الآخرة في الثواب وفي الدنيا في العدالة ونحن حملناه على عمومه وهو أصح إذ لا دليل يخصه قاله بن العربي الثالثة قوله تعالى : ) لا يستوون ( قال الزجاج وغيره : من يصلح للواحد والجمع النحاس : لفظ من يؤدى عن الجماعة فلهذا قال : لايستوون هذا قول كثير من النحويين وقال بعضهم : لايستوون لاثنين لأن الاثنين جمع لأنه واحد جمع مع آخر وقاله الزجاج أيضا والحديث يدل على هذا القول لأنه عن بن عباس وغيره قال : نزلت أفمن كان مؤمنا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه كمن كان فاسقا في الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقال الشاعر : أليس الموت بينهما سواء إذا ماتوا وصاروا في القبور
السجدة : ) 19 ( أما الذين آمنوا . . . . .
) السجدة 19 : 20 (
قوله تعالى : ) أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى ( أخبر عن مقر الفريقين غدا فللمؤمنين جنات المأوى أي يأوون إلى الجنات فأضاف الجنات إلى المأوى لأن ذلك
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|