
09-07-2025, 11:33 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة :
|
|
رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى

تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (14)
سُورَةُ الاحزاب
من صــ 216 الى صــ 225
الحلقة (577)
"صفحة رقم 217"
يقول : ) أين أنا اليوم أين أنا غدا ) استبطاء ليوم عائشة رضي الله عنها قالت : فلما كان يومي قبضه الله تعالى بين سحري ونحري ( صلى الله عليه وسلم ) السابعة على الرجل أن يعدل بين نسائه لكل واحدة منهن يوما وليلة هذا قول عامة العلماء وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الليل دون النهار ولا يسقط حق الزوجة مرضها ولا حيضها ويلزمه المقام عندها في يومها وليلتها وعليه أن يعدل بينهن في مرضه كما يفعل في صحته إلا أن يعجز عن الحركة فيقيم حيث غلب عليه المرض فإذا صح استأنف القسم والإماء والحرائر والكتابيات والمسلمات في ذلك سواء قال عبد الملك : للحرة ليلتان وللأمة ليلة وأما السراري فلا قسم بينهن وبين الحرائر ولا حظ لهن فيه الثامنة ولا يجمع بينهن في منزل واحد إلا برضاهن ولا يدخل لإحداهن في يوم الأخرى وليلتها لغير حاجة واختلف في دخوله لحاجة وضرورة فالأكثرون على جوازه مالك وغيره وفي كتاب بن حبيب منعه وروى بن بكير عن مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان فإذا كان يوم هذه لم يشرب من بيت الأخرى الماء قال بن بكير : وحدثنا مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان ماتتا في الطاعون فأسهم بينهما أيهما تدلى أول التاسعة قال مالك : ويعدل بينهن في النفقة والكسوة إذا كن معتدلات الحال ولا يلزم ذلك في المختلفات المناصب وأجاز مالك أن يفضل إحداهما في الكسوة على غير وجه الميل فأما الحب والبغض فخارجان عن الكسب فلا يتأتى العدل فيهما وهو المعنى بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) في قسمه ) اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) أخرجه النسائي وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها وفي كتاب أبي داود يعني القلب وإليه الإشارة بقوله تعالى : ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم وقوله تعالى : والله يعلم ما في قلوبكم وهذا هو وجه تخصيصه بالذكر هنا تنبيها منه لنا على أنه يعلم
"صفحة رقم 218"
ما في قلوبنا من ميل بعضنا إلى بعض من عندنا من النساء دون بعض وهو العالم بكل شيء لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء يعلم السر وأخفى لكنه سمح في ذلك إذ لا يستطيع العبد أن يصرف قلبه عن ذلك الميل وإلى ذلك يعود قوله : وكان الله غفورا رحيما وقد قيل في قوله : ذلك أدنى أن تقر أعينهن وهي : العاشرة أي ذلك أقرب ألا يحزن إذا لم يجمع إحداهن مع الأخرى ويعاين الأثرة والميل وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) ويرضين بما آتيتهن كلهن ( توكيد للضمير أي ويرضين كلهن وأجاز أبو حاتم والزجاج ويرضين بما آتيتهن كلهن على التوكيد للمضمر الذي في آتيتهن والفراء لا يجيزه لأن المعنى ليس عليه إذ كان المعنى وترضى كل واحدة منهن وليس المعنى بما أعطيتهن كلهن النحاس : والذي قاله حسن الحادية عشرة قوله تعالى : ) والله يعلم مافي قلوبكم ( خبر عام والإشارة إلى ما في قلب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من محبة شخص دون شخص وكذلك يدخل في المعنى أيضا المؤمنون وفي البخاري عن عمرو بن العاص أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك فقال : ) عائشة ) فقلت : من الرجال قال : ) أبوها ) قلت : ثم من قال : ) عمر بن الخطاب ) فعد رجالا وقد تقدم القول في القلب بما فيه كفاية في أول البقرة وفي أول هذه السورة يروى أن لقمان الحكيم كان عبدا نجارا قال له سيده : اذبح شاة وائتني بأطيبها بضعتين فأتاه باللسان والقلب ثم أمره بذبح شاة أخرى فقال له : ألق أخبثها بضعتين فألقى اللسان والقلب فقال : أمرتك أن تأتيني بأطيبها بضعتين فأتيتني باللسان والقلب وأمرتك أن تلقي بأخبثها بضعتين فألقيت اللسان والقلب فقال : ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا
"صفحة رقم 219"
الأحزاب : ) 52 ( لا يحل لك . . . . .
) الاحزاب 52 (
فيه سبع مسائل : الأولى اختلف العلماء في تأويل قوله : لا يحل لك النساء من بعد على أقوال سبعة : الأولى أنها منسوخة بالسنة والناسخ لها حديث عائشة قالت : ما مات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أحل له النساء وقد تقدم الثاني أنها منسوخة بآية أخرى روى الطحاوي عن أم سلمة قالت : لم يمت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء من شاء إلا ذات محرم وذلك قوله عز وجل : ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء قال النحاس : وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية وهو وقول عائشة واحد في النسخ وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن وهو مع هذا قول علي بن أبي طالب وبن عباس وعلي بن الحسين والضحاك وقد عارض بعض فقهاء الكوفيين فقال : محال أن تنسخ هذه الآية يعني ترجي من تشاء منهن لا يحل لك النساء من بعد وهي قبلها في المصحف الذي أجمع عليه المسلمون ورجح قول من قال نسخت بالسنة قال النحاس : وهذه المعارضة لاتلزم وقائلها غالط لأن القرآن بمنزلة سورة واحدة كما صح عن بن عباس : أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان ويبين لك أن اعتراض هذا المعترض لا يلزم أن قوله عز وجل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج منسوخة على قول أهل التأويل لا نعلم بينهم
"صفحة رقم 220"
خلافا بالآية التي قبلها والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا : الثالث أنه ( صلى الله عليه وسلم ) حظر عليه أن يتزوج على نسائه لأنهن أخترن الله ورسوله والدار الآخرة هذا قول الحسن وبن سيرين وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال النحاس : وهذا القول يجوز أن يكون هكذا ثم نسخ الرابع أنه لما حرم عليهن أن يتزوجن بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن قاله أبو أمامة بن سهل بن حنيف الخامس لا يحل لك النساء من بعد أي من بعد الأصناف التي سميت قاله أبي بن كعب وعكرمة وأبو رزين وهو اختيار محمد بن جرير ومن قال أن الإباحة كانت له مطلقة قال هنا : لا يحل لك النساء معناه لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات وهذا تأويل فيه بعد وروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة أيضا وهو القول السادس قال مجاهد : لئلا تكون كافرة أما للمؤمنين وهذا القول يبعد لأنه يقدره : من بعد المسلمات ولم يجر للمسلمات ذكر وكذلك قدر ولا أن تبدل بهن أي ولا أن تطلق مسلمة لتستبدل بها كتابية السابع أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان له حلال أن يتزوج من شاء ثم نسخ ذلك قال : وكذلك كانت الأنبياء قبله صلى الله عليه وعليهم وسلم قاله محمد بن كعب القرظي الثانية قوله تعالى : ) ولا أن تبدل بهن من أزواج ( قال بن زيد : هذا شيء كانت العرب تفعله يقول أحدهم : خذ زوجتي وأعطني زوجتك روى الدارقطني عن أبي هريرة قال : كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل : انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك فأنزل الله عز وجل ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن قال : فدخل عيينة بن حصن الفزاري على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده
"صفحة رقم 221"
عائشة فدخل بغير إذن فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) يا عيينة فأين الإستئذان ) فقال : يا رسول الله ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت : قال : من هذه الحميراء إلى جنبك قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) هذه عائشة أم المؤمنين ) قال : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق فقال : ) يا عيينة إن الله قد حرم ذلك ) قال فلما خرج قالت عائشة : يا رسول الله من هذا قال : ) أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه ) وقد أنكر الطبري والنحاس وغيرهما ما حكاه بن زيد عن العرب من أنها كانت تبادل بأزواجها قال الطبري : وما فعلت العرب قط هذا وما روي من حديث عيينة بن حصن من أنه دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده عائشة الحديث فليس بتبديل ولا أراد ذلك وإنما احتقر عائشة لأنها كانت صبية فقال هذا القول قلت : وما ذكرناه من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة من أن البدل كان في الجاهلية يدل على خلاف ما أنكر من ذلك والله أعلم قال المبرد : وقرئ لا يحل بالياء والتاء فمن قرأ بالتاء فعلى معنى جماعة النساء وبالياء من تحت على معنى جميع النساء وزعم الفراء قال : اجتمعت القراء على أن القراءة بالياء وهذا غلط وكيف يقال : اجتمعت القراء وقد قرأ أبو عمرو بالتاء بلا اختلاف عنه الثالثة قوله تعالى : ) ولو أعجبك حسنهن ( قال بن عباس : نزل ذلك بسبب أسماء بنت عميس أعجب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين مات عنها جعفر بن أبي طالب حسنها فأراد أن يتزوجها فنزلت الآية وهذا حديث ضعيف قاله بن العربي الرابعة في هذه الآية دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها وقد أراد المغيرة بن شعبة زواج امرأة فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما ) وقال عليه السلام لآخر : ) أنظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا ) أخرجه الصحيح قال الحميدي وأبو الفرج الجوزي يعني صفراء أو زرقاء وقيل رمصاء
"صفحة رقم 222"
الخامسة الأمر بالنظر إلى المخطوبة إنما هو على جهة الإرشاد إلى المصلحة فإنه إذا نظر إليها فلعله يرى منها ما يرغبه في نكاحها ومما يدل على أن الأمر على جهة الإرشاد ما ذكره أبو داود من حديث جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ) إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) فقوله : ) فإن استطاع فليفعل ) لا يقال مثله في الواجب وبهذا قال جمهور الفقهاء مالك والشافعي والكوفيون وغيرهم وأهل الظاهر وقد كره ذلك قوم لا مبالاة بقولهم للأحاديث الصحيحة وقوله تعالى : ولو أعجبك حسنهن وقال سهل بن أبي حثمة : رأيت محمد بن مسلمة يطارد ثبيتة بنت الضحاك على إجار من أجاجير المدينة فقلت له : أتفعل هذا فقال نعم قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إذا ألقى الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها ) الإجار : السطح بلغة أهل الشام والحجاز قال أبو عبيد : وجمع الإجار أجاجير وأجاجرة السادسة اختلف فيما يجوز أن ينظر منها فقال مالك : ينظر إلى وجهها وكفيها ولا ينظر إلا بإذنها وقال الشافعي وأحمد : بإذنها وبغير إذنها إذا كانت مستترة وقال الأوزاعي : ينظر إليها ويجتهد وينظر مواضع اللحم منها قال داود : ينظر إلى سائر جسدها تمسكا بظاهر اللفظ وأصول الشريعة ترد عليه في تحريم الإطلاع على العورة والله أعلم السابعة قوله تعالى : ) إلا ما ملكت يمينك ( اختلف العلماء في إحلال الأمة الكافرة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) على قولين : تحل لعموم قوله : إلا ما ملكت يمينك قاله مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم قالوا : قوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد أي لا تحل لك النساء من غير المسلمات فأما اليهوديات والنصرانيات والمشركات فحرام عليك أي لا يحل لك أن تتزوج كافرة فتكون أما للمؤمنين ولو أعجبك حسنها إلا ما ملكت يمينك فإن له أن يتسرى بها القول الثاني لا تحل تنزيها لقدره عن مباشرة الكافرة وقد قال الله تعالى : ولا تمسكوا بعصم الكوافر فكيف به ( صلى الله عليه وسلم )
"صفحة رقم 223"
و ما في قوله : إلا ما ملكت يمينك في موضع رفع بدل من النساء ويجوز أن يكون في موضع نصب على استثناء وفيه ضعف ويجوز أن تكون مصدرية والتقدير : إلا ملك يمينك وملك بمعنى مملوك وهو في موضع نصب لأنه استثناء من غير الجنس الأول
الأحزاب : ) 53 ( يا أيها الذين . . . . .
) الاحزاب 53 (
فيه ست عشرة مسألة : الأولى قوله تعالى : ) لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ( أن في موضع نصب على معنى : إلا بأن يؤذن لكم ويكون الإستثناء ليس من الأول ) إلى طعام غير ناظرين إناه ( نصب على الحال أي لا تدخلوا في هذه الحال ولا يجوز في غير الخفض على النعت للطعام لأنه لو كان نعتا لم يكن بد من إظهار الفاعلين وكان يقول : غير ناظرين إناه أنتم ونظير هذا من النحو : هذا رجل مع رجل ملازم له وإن شئت قلت : هذا رجل مع رجل ملازم له هو وهذه الآية تضمنت قصتين : إحداهما الأدب في أمر الطعام والجلوس والثانية أمر الحجاب وقال حماد بن زيد : هذه الآية نزلت في الثقلاء فأما القصة الأولى فالجمهور
"صفحة رقم 224"
من المفسرين على أن : سببها أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما تزوج زينب بنت جحش امرأة زيد أولم عليها فدعا الناس فلما طعموا جلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وزوجته مولية وجهها إلى الحائط فثقلوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال أنس : فما أدري أأنا أخبرت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن القوم قد خرجوا أو أخبرني قال : فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب قال : ووعظ القوم بما وعظوا به وأنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلى قوله إن ذلكم كان عند الله عظيما أخرجه الصحيح وقال قتادة ومقاتل في كتاب الثعلبي : إن هذا السبب جرى في بيت أم سلمة والأول الصحيح كما رواه الصحيح وقال بن عباس : نزلت في ناس من المؤمنين كانوا يتحينون طعام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيدخلون قبل أن يدرك الطعام فيقعدون إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون وقال إسماعيل بن أبي حكيم : وهذا أدب أدب الله به الثقلاء وقال بن أبي عائشة في كتاب الثعلبي : حسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم وأما قصة الحجاب فقال أنس بن مالك وجماعة : سببها أمر القعود في بيت زينب القصة المذكورة آنفا وقالت عائشة رضي الله عنها وجماعة : سببها أن عمر قال قلت : يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت الآية وروى الصحيح عن بن عمر قال : قال عمر وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر هذا أصح ما قيل في أمر الحجاب وما عدا هذين القولين من الأقوال والروايات فواهية لا يقوم شيء منها على ساق وأضعفها ما روي عن بن مسعود : أن عمر أمر نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالحجاب فقالت زينب بنت جحش : يابن الخطاب إنك تغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا فأنزل الله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب وهذا باطل لأن الحجاب نزل يوم البناء بزينب كما بيناه أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم وقيل : إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يطعم ومعه بعض
"صفحة رقم 225"
أصحابه فأصاب يد رجل منهم يد عائشة فكره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت آية الحجاب قال بن عطية : وكانت سيرة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكر من شاء إلى الدعوة ينتظرون طبخ الطعام ونضجه وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك فنهى الله المؤمنين عن امثال ذلك في بيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ودخل في النهي سائر المؤمنين والتزم الناس أدب الله تعالى لهم في ذلك فمنعهم من الدخول إلا بإذن عند الأكل لا قبله لانتظار نضج الطعام الثانية قوله تعالى : ) بيوت النبي ( دليل على أن البيت للرجل ويحكم له به فإن الله تعالى أضافه إليه فإن قيل : فقد قال الله تعالى : واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا قلنا : إضافة البيوت إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إضافة ملك وإضافة البيوت إلى الأزواج إضافة محل بدليل أنه جعل فيها الإذن للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والإذن إنما يكون للمالك الثالثة واختلف العلماء في بيوت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذ كان يسكن فيها أهله بعد موته هل هي ملك لهن أم لا على قولين : فقالت طائفة : كانت ملكا لهن بدليل أنهن سكن فيها بعد موت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى وفاتهن وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهب ذلك لهن في حياته الثاني أن ذلك كان إسكانا كما يسكن الرجل أهله ولم يكن هبة وتمادى سكناهن بها إلى الموت وهذا هو الصحيح وهو الذي ارتضاه أبو عمر بن عبد البر وبن العربي وغيرهم فإن ذلك من مئونتهن التي كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استثناها لهن كما استثنى لهن نفقاتهن حين قال : ) لا تقتسم ورثتي دينارا ولا درهما ما تركت بعد نفقة أهلي ومئونة عاملي فهو صدقة ) هكذا قال أهل العلم قالوا : ويدل على ذلك أن مساكنهن لم يرثها عنهن ورثتهن قالوا : ولو كان ذلك ملكا لهن كان لا شك قد ورثه عنهن ورثتهن قالوا : وفي ترك ورثتهن ذلك دليل على أنها لم تكن لهن ملكا وإنما كان لهن
"صفحة رقم 226"
سكنى حياتهن فلما توفين جعل ذلك زيادة في المسجد الذي يعم المسلمين نفعه كما جعل ذلك الذي كان لهن من النفقات في تركة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما مضين لسبيلهن فزيد إلى أصل المال فصرف في منافع المسلمين مما يعم جميعهم نفعه والله الموفق قوله تعالى : ) غير ناظرين إناه ( أي غير منتظرين وقت نضجه وإناه مقصور وفيه لغات : إني بكسر الهمزة قال الشيباني : وكسرى إذ تقسمه بنوه بأسياف كما اقتسم اللحام تمخضت المنون له بيوم أني ولكل حاملة تمام وقرأ بن أبي عبلة : غير ناظرين إناه مجرورا صفة ل طعام الزمخشري : وليس بالوجه لأنه جرى على غير ما هو له فمن حق ضمير ما هو له أن يبرز إلى اللفظ فيقال : غير ناظرين إناه أنتم كقولك : هند زيد ضاربته هي وأنى ) بفتحها ( وأناء ) بفتح الهمزة والمد ( قال الحطيئة : وأخرت العشاء إلى سهيل أو الشعرى فطال بي الأناء يعني إلى طلوع سهيل وإناه مصدر أنى الشيء يأنى إذا فرغ وحان وأدرك الرابعة قوله تعالى : ) ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ( فأكد المنع وخص وقت الدخول بأن يكون عند الإذن على جهة الأدب وحفظ الحضرة الكريمة من المباسطة المكروهة قال بن العربي : وتقدير الكلام : ولكن إذا دعيتم وأذن لكم في الدخول فادخلوا وإلا فنفس الدعوة لا تكون إذنا كافيا في الدخول والفاء في جواب إذا لازمة لما فيها من معنى المجازاة الخامسة قوله تعالى : ) فإذا طعمتم فانتشروا ( أمر تعالى بعد الإطعام بأن يتفرق جميعهم وينتشروا والمراد إلزام الخروج من المنزل عند انقضاء المقصود من الأكل والدليل على ذلك أن الدخول حرام وإنما جاز لأجل الأكل فإذا انقضى الأكل زال السبب المبيح وعاد التحريم إلى أصله
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|