عرض مشاركة واحدة
  #642  
قديم 10-07-2025, 08:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,290
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (16)
سُورَةُ الزخرف
من صــ 131 الى صــ 140
الحلقة (642)






ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس ". وخرجه الثعلبي أيضا عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أول الآيات خروجا الدجال ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتصبح معهم إذا أصبحوا وتمسي معهم إذا أمسوا ". قلت : يا نبي الله ، وما الدخان ؟ قال هذه الآية : {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه منه شبه الزكام والكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج الدخان من فمه ومنخره وعينيه وأذنه ودبره" . فهذا قول. القول الثاني : أن الدخان هو ما أصاب قريشا من الجوع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم. حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخانا ؛ قاله ابن مسعود. قال وقد كشفه الله عنهم ، ولو كان يوم القيامة لم يكشفه عنهم. والحديث عنه بهذا في صحيح البخاري ومسلم والترمذي. قال البخاري : حدثني يحيى قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال : قال عبدالله : إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ؛ فأنزل الله تعالى : {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} . قال : فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل : يا رسول الله ، استسق الله لمضر فإنها قد هلكت. قال : "لمضر! إنك لجريء" فاستسقى فسقوا ؛ فنزلت {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان : 15] . فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية ؛ فأنزل الله عز وجل : {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} قال : يعني يوم بدر. قال أبو عبيدة : والدخان الجدب. القتبي سمي دخانا ليبس الأرض منه حين يرتفع منها كالدخان. القول الثالث : إنه يوم. فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة ؛ قاله عبدالرحمن الأعرج.
قوله تعالى : {يَغْشَى النَّاسَ} في موضع الصفة للدخان ، فإن كان قد مضى على ما قال ابن مسعود فهو خاص بالمشركين من أهل مكة ، وإن كان من
أشراط الساعة فهو عام على ما تقدم. {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي يقول الله لهم : {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} . فمن قال : إن الدخان قد مضى فقوله : {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} حكاية حال ماضية ، ومن جعله مستقبلا. فهو حكاية حال آتية. وقيل : {هذا} بمعنى ذلك. وقيل : أي يقول الناس لذلك الدخان : {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقيل : هو إخبار عن دنو الأمر ؛ كما تقول : هذا الشتاء فأعد له.
الآية : 12 {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ }
أي يقولون ذلك : اكشف عنا العذاب فـ {إِنَّا مُؤْمِنُونَ} ؛ أي نؤمن بك إن كشفته عنا. قيل : إن قريشا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : إن كشف الله عنا هذا العذاب أسلمنا ، ثم نقضوا هذا القول. قال قتادة : "العذاب" هنا الدخان. وقيل : الجوع ؛ حكاه النقاش.
قلت : ولا تناقض ؛ فإن الدخان لم يكن ، إلا من الجوع الذي أصابهم ؛ على ما تقدم. وقد يقال للجوع والقحط : الدخان ؛ ليبس الأرض في سنة الجدب وارتفاع الغبار بسبب قلة الأمطار ؛ ولهذا يقال لسنة الجدب : الغبراء. وقيل : إن العذاب هنا الثلج. قال الماوردي : وهذا لا وجه له ؛ لأن هذا إنما يكون في الآخرة أو في أهل مكة ، ولم تكن مكة من بلاد الثلج ؛ غير أنه مقول فحكيناه.
الآية : 13 {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ}
قوله تعالى : {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى} أي من أين يكون لهم التذكر والاتعاظ عند حلول العذاب. {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} يبين لهم الحق ، والذكرى والذكر واحد ؛ قاله البخاري. {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ} أي أعرضوا. قال ابن عباس : أي متى يتعظون والله أبعدهم من الاتعاظ والتذكر بعد توليهم عن محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم إياه. وقيل : أي أنى ينفعهم
قولهم : {إِنَّا مُؤْمِنُونَ} ؛ بعد ظهور العذاب غدا أو بعد ظهور أعلام الساعة ، فقد صارت المعارف ضرورية. وهذا إذا جعلت الدخان آية مرتقبة. {وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} أي علمه بشر أو علمه الكهنة والشياطين ، ثم هو مجنون وليس برسول.
الآية : 15 {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}
قوله تعالى : {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً} أي وقتا قليلا ، وعد أن يكشف عنهم ذلك العذاب قليلا ؛ أي في زمان قليل ليعلم أنهم لا يفون بقولهم ، بل يعودون إلى الكفر بعد كشفه ؛ قال ابن مسعود. فلما كشف ذلك عنهم باستسقاء النبي صلى لهم الله عليه وسلم عادوا إلى تكذيبه. ومن قال : إن الدخان منتظر قال : أشار بهذا إلى ما يكون من الفرجة بين آية وآية من آيات قيام الساعة. ثم من قضي عليه بالكفر يستمر على كفره. ومن قال هذا في القيامة قال : أي لو كشفنا عنكم العذاب لعدتم إلى الكفر. وقيل : معنى {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} إلينا ؛ أي مبعوثون بعد الموت. وقيل : المعنى {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} إلى نار جهنم إن لم تؤمنوا.
الآية : 16 {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}
قوله تعالى : {يوم} محمول على ما دل عليه {مُنْتَقِمُونَ} ؛ أي ننتقم منهم يوم نبطش. وأبعده بعض النحويين بسبب أن ما بعد "إن" لا يفسر ما قبلها. وقيل : إن العامل فيه {مُنْتَقِمُونَ} وهو بعيد أيضا ؛ لأن ما بعد "إن" لا يعمل فيما قبلها. ولا يحسن تعلقه بقوله : {عَائِدُونَ} ولا بقوله : {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ ً} ؛ إذ ليس المعنى عليه. ويجوز نصبه بإضمار فعل ؛ كأنه قال : ذكرهم أو أذكر. ويجوز أن يكون المعنى فإنهم عائدون ، فإذا عدتم أنتقم منكم يوم نبطش البطشة الكبرى. ولهذا وصل هذا بقصة فرعون ، فإنهم وعدوا موسى الإيمان إن كشف عنهم العذاب ، ثم لم يؤمنوا حتى غرقوا. وقيل : {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} كلام تام. ثم ابتدأ : {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} أي ننتقم من جميع الكفار. وقيل : المعنى وارتقب الدخان وارتقب يوم نبطش ، فحذف واو العطف ؛
كما تقول : اتق النار اتق العذاب. و {الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} في قول ابن مسعود : يوم بدر. وهو قول ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد والضحاك. وقيل : عذاب جهنم يوم القيامة ؛ قال الحسن وعكرمة وابن عباس أيضا ، واختاره الزجاج. وقيل : دخان يقع في الدنيا ، أوجوع أو قحط يقع قبل يوم القيامة. الماوردي : ويحتمل أنها قيام الساعة ؛ لأنها خاتمة : بطشاته في الدنيا. ويقال : انتقم الله منه ؛ أي عاقبه. والاسم منه النقمة والجمع النقمات. وقيل بالفرق بين النقمة والعقوبة ؛ فالعقوبة بعد المعصية لأنها من العاقبة. والنقمة قد تكون قبلها ؛ قال ابن عباس. وقيل : العقوبة ما تقدرت والانتقام غير مقدر.
الآية : 17 {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ}
أي ابتليناهم. ومعنى هذه الفتنة والابتلاء الأمر بالطاعة. والمعنى عاملناهم معاملة المختبر ببعثة موسى إليهم فكذبوا فأهلكوا ؛ فهكذا أفعل بأعدائك يا محمد إن لم يؤمنوا. وقيل : فتناهم عذبناهم بالغرق. وفي الكلام تقديم وتأخير ؛ والتقدير : ولقد جاء آل فرعون رسول كريم وفتناهم ، أي أغرقناهم ؛ لأن الفتنة كانت بعد مجيء الرسول. والواو لا ترتب. ومعنى {كريم} أي كريم في قومه. وقيل : كريم الأخلاق بالتجاوز والصفح. وقال الفراء : كريم على ربه إذ اختصه بالنبوة وإسماع الكلام.
الآية : 18 {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ، وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}
قوله تعالى : {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} قال ابن عباس : المعنى جاءهم فقال : اتبعوني. فـ {عباد الله} منادى. وقال مجاهد : المعنى أرسلوا معي عباد الله وأطلقوهم من العذاب. فـ {عباد الله} على هذا مفعول. وقيل : المعنى أدوا إلي سمعكم حتى أبلغكم رسالة ربي. {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} أي أمين على الوحي فأقبلوا نصحي. وقيل : أمين على ما أستأديه
منكم فلا أخون فيه. {وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ} أي لا تتكبروا عليه ولا ترتفعوا عن طاعته. وقال قتادة : لا تبغوا على الله. ابن عباس : لا تفتروا على الله. والفرق بين البغي والافتراء : أن البغي بالفعل والافتراء بالقول. وقال ابن جريج : لا تعظموا على الله. يحيى بن سلام : لا تستكبروا على عبادة الله. والفرق بين التعظيم والاستكبار : أن التعظيم تطاول المقتدر ، والاستكبار ترفع المحقر ؛ ذكره الماوردي {إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} قال قتادة : بعذر بين. وقال يحيى بن سلام بحجة بينة. والمعنى واحد ؛ أي برهان بين.
الآية : 20 {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ}
كأنهم توعدوه بالقتل فاستجار بالله. قال قتادة : {تَرْجُمُونِ} بالحجارة. وقال ابن عباس : تشتمون ؛ فتقولوا ساحر كذاب. وأظهر الذال من {عُذْتُ} نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم ويعقوب. وأدغم الباقون. والإدغام طلبا للتخفيف ، والإظهار على الأصل. ثم قيل : إني عذت بالله فيما مضى ؛ لأن الله وعده فقال : {فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} [القصص : 35] . وقيل : إني أعوذ ؛ كما تقول نشدتك بالله ، وأقسمت عليك بالله ؛ أي أقسم.
الآية : 21 {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ}
قوله تعالى : {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي} أي إن لم تصدقوني ولم تؤمنوا بالله لأجل برهاني ؛ فاللام في {لي} لام أجل. وقيل : أي وإن لم تؤمنوا بي ؛ كقوله : {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت : 26] أي به. {فَاعْتَزِلُونِ} أي دعوني كفافا لا لي ولا علي ؛ قال مقاتل. وقيل : أي كونوا بمعزل مني وأنا به معزل منكم إلى أن يحكم الله بيننا. وقيل : فخلوا سبيلي وكفوا عن أذاي. والمعنى متقارب ، والله أعلم.
الآية : 22 {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ}
قوله تعالى : {فَدَعَا رَبَّهُ} فيه حذف ؛ أي فكفروا فدعا ربه. {أَنَّ هَؤُلاءِ} بفتح "أن" أي بأن هؤلاء. {قَوْمٌ مُجْرِمُونَ} أي مشركون ، قد امتنعوا من إطلاق بنى إسرائيل ومن الإيمان.
الآية : 23 {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ}
قوله تعالى : {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً} أي فأجبنا دعاءه وأوحينا إليه أن أسر بعبادي ؛ أي بمن آمن بالله من بني إسرائيل. {لَيْلاً} أي قبل الصباح {إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} وقرأ أهل الحجاز {فأسر} بوصل الألف. وكذلك ابن كثير ؛ من سرى. الباقون {فأسر} بالقطع ؛ من أسرى. وقد تقدم. وتقدم خروج فرعون وراء موسى في "البقرة والأعراف وطه والشعراء ويونس" وإغراقه وإنجاء موسى "؛ فلا معنى للإعادة."
أمر موسى عليه السلام بالخروج ليلا. وسير الليل في الغالب إنما يكون عن خوف ، والخوف يكون بوجهين : إما من العدو فيتخذ الليل سترا مسدلا ؛ فهو من أستار الله تعالى. وإما من خوف المشقة على الدواب والأبدان بحر أو جدب ، فيتخذ السرى مصلحة من ذلك. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسري ويدلج ومترفق ويستعجل ، بحسب الحاجة وما تقتضيه المصلحة. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها" . وقد مضى في أول "النحل" ؛ والحمد لله.
الآية : 24 {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ}
قال ابن عباس : {رَهْواً} أي طريقا. وقال كعب والحسن. وعن ابن عباس أيضا سمتا. الضحاك والربيع : سهلا. عكرمة : يبسا ، لقوله : {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً} وقيل : مفترقا. مجاهد : منفرجا. وعنه يابسا. وعنه ساكنا ، وهو المعروف في اللغة. وقاله قتادة والهروي. وقال غيرهما : منفرجا. وقال ابن عرفة : وهما يرجعان إلى معنى واحد وإن اختلف لفظاهما ، لأنه إذا سكن جريه انفرج. وكذلك كان البحر يسكن جريه وانفرج لموسى عليه السلام. والرهو عند العرب : الساكن ، يقال : جاءت الخيل رهوا ، أي ساكنة. قال :
والخيل تنزع رهوا في أعنتها ... كالطير تنجو من الشؤبوب ذي البرد
الجوهري : ويقال أفعل ذلك رهوا ، أي ساكنا على هينتك. وعيش راه ، أي ساكن رافه. وخمس راه ، إذا كان سهلا. ورها البحر أي سكن. وقال أبو عبيد : رها بين رجليه يرهو رهوا أي فتح ، ومنه قوله تعالى : {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً} : السير السهل ، يقال : جاءت الخيل رهوا. قال ابن الأعرابي : رها يرهو في السير أي رفق. قال القطامي في نعت الركاب :
يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة ... ولا الصدور على الأعجاز تتكل
والرهو والرهوة : المكان المرتفع ، والمنخفض أيضا يجتمع فيه الماء ، وهو من الأضداد. وقال أبو عبيد : الرهو : الجوبة تكون في محلة القوم يسيل فيها ماء المطر وغيره. وفي الحديث أنه قضى أن "لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة ولا ركح ولا رهو" . والجمع رهاء. والرهو : المرأة الواسعة الهن. حكاه النضير بن شميل. والرهو : ضرب من الطير ، ويقال :
هو الكركي. قال الهروي : ويجوز أن يكون {رهوا} من نعت موسى - وقال القشيري - أي سر ساكنا على هينتك ؛ فالرهو من نعت موسى وقومه لا من نعت البحر ، وعلى الأول هو من نعت البحر ؛ أي اتركه ساكنا كما هو قد انفرق فلا تأمره بالانضمام. حتى يدخل فرعون وقومه. قال قتادة : أراد موسى أن يضرب البحر لما قطعه بعصاه حتى يلتئم ، وخاف أن يتبعه فرعون فقيل له هذا. وقيل : ليس الرهو من السكون بل هو الفرجة بين الشيئين ؛ يقال : رها ما بين الرجلين أي فرج. فقوله : {رهوا} أي منفرجا. وقال الليث : الرهو ومشي في سكون ، يقال : رها يرهو رهوا فهو راه. وعيش راه : وادع خافض. وافعل ذلك سهوا رهوا ؛ أي ساكنا بغير شدة. وقد ذكرناه آنفا. {إِنَّهُمْ} أي إن فرعون وقومه. {جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} أخبر موسى بذلك ليسكن قلبه.
الآية : 25 - 27 {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ}
قوله تعالى : {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} {كم} للكثير. وقد مضى الكلام في معنى هذه الآية. {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} النعمة (بالفتح) : التنعيم ، يقال : نعمه الله وناعمه فتنعم. وامرأة منعمة ومناعمة ، بمعنى. والنعمة (بالكسر) : اليد والصنيعة والمنة وما أنعم به عليك. وكذلك النعمى. فإن فتحت النون مددت وقلت : النعماء. والنعيم مثله. وفلان واسع النعمة ، أي واسع المال ؛ جميعه عن الجوهري. وقال ابن عمر : المراد بالنعمة نيل مصر. ابن لهيعة : الفيوم. ابن زياد : أرض مصر لكثرة خيرها. وقيل : ما كانوا فيه من السعة والدعة. وقد يقال : نعمة ونعمة (بفتح النون وكسرها) ، حكاه الماوردي. قال : وفي الفرق بينهما وجهان : أحدهما : أنها بكسر النون في الملك ، وبفتحها في البدن والدين ، قاله النضير بن شميل. الثاني : أنها بالكسر من المنة وهو الإفضال والعطية ؛ وبالفتح من التنعيم وهو سعة العيش والراحة ؛ قال ابن زياد.
قلت : هذا الفرق هو الذي وقع في الصحاح وقد ذكرناه. وقرأ أبو رجاء والحسن وأبو الأشهب والأعرج وأبو جعفر وشيبة {فكهين} بغير ألف ، ومعناه أشرين بطرين. قال الجوهري : فكة الرجل (بالكسر) فهو فكه إذا كان طب النفس مزاحا. والفكه أيضا الأشر البطر. وقرئ {ونعمة كانوا فيها فكهين} أي أشرين بطرين. و {فاكهين} أي ناعمين. القشيري : {فاكهين} لاهين مازحين ، يقال : إنه لفاكه أي مزاج. وفيه فكاهة أي مزح. الثعلبي : وهما لغتان كالحاذر والحذر ، والفاره والفره. وقيل : إن الفاكه هو المستمتع بأنواع اللذة كما يتمتع الآكل بأنواع الفاكهة. والفاكهة : فضل عن القوت الذي لا بد منه.
الآية : 28 {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ}
قال الزجاج : أي الأمر كذلك ؛ فيوقف على {كَذَلِكَ} . وقيل : إن الكاف في موضع نصب ، على تقدير نفعل فعلا كذلك بمن نريد إهلاكه. وقال الكلبي : {كَذَلِكَ} أفعل بمن عصاني. وقيل : {كَذَلِكَ} كان أمرهم فأهلكوا. {وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} يعني بنى إسرائيل ، ملكهم الله تعالى أرض مصر بعد أن كانوا فيها مستعبدين ، فصاروا لها وارثين ؛ لوصول ذلك إليهم كوصول الميراث. ونظيره : {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} [الأعراف : 137] .
الآية : 29 {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ}
قوله تعالى : {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} أي لكفرهم. {وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} أي مؤخرين بالغرق. وكانت العرب تقول عند موت السيد منهم : بكت له السماء والأرض ؛ أي عمت مصيبته الأشياء حتى بكته السماء والأرض والريح والبرق ، وبكته الليالي الشاتيات. قال الشاعر :
فالريح تبكي شجوها ... والبرق يلمع في الغمامة
وقال آخر :
والشمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
وقالت الخارجية :
أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن طريف
وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه. والمعنى أنهم هلكوا فلم تعظم مصيبتهم ولم يوجد لهم فقد. وقيل : في الكلام إضمار ، أي ما بكى عليهم أهل السماء والأرض من الملائكة ؛ كقوله تعالى : {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف : 82] بل سروا بهلاكهم ، قاله الحسن. وروى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب يدخل منه كلامه وعمله فإذا مات فقداه فبكيا عليه - ثم تلا - {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} . يعني أنهم لم يعملوا على الأرض عملا صالحا تبكي عليهم لأجله ، ولا صعد لهم إلى السماء عمل صالح فتبكي فقد ذلك. وقال مجاهد : إن السماء والأرض يبكيان على المؤمن أربعين صباحا. قال أبو يحيى : فعجبت من قوله فقال : أتعجب ! وما للأرض لا تبكي على عبد يعمرها بالركوع والسجود ! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل !. وقال علي وابن عباس رضي الله عنهما : إنه يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء. وتقدير الآية على هذا : فما بكت عليهم مصاعد عملهم من السماء ولا مواضع عبادتهم من الأرض. وهو معنى قول سعيد بن جبير. وفي بكاء السماء والأرض ثلاثة أوجه : أحدها أنه كالمعروف من بكاء الحيوان. ويشبه أن يكون قول مجاهد. وقال شريح الحضرمي قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء يوم القيامة




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.01 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.55%)]