عرض مشاركة واحدة
  #681  
قديم 12-07-2025, 08:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,147
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (17)
سُورَةُ الرحمن
من صــ 171 الى صــ 180
الحلقة (681)






والشواظ في قول ابن عباس وغيره اللهب الذي لا دخان له. والنحاس : الدخان الذي لا لهب فيه ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت يهجو حسان بن ثابت رضي الله عنه ، كذا وقع في تفسير الثعلبي والماوردي ابن أبي الصلت ، وفي "الصحاح" و "الوقف والابتداء" لابن الأنباري : أمية بن خلف قال :
ألا من مبلغ حسان عني ... مغلغة تدب إلى عكاظ
أليس أبوك فينا كان فينا ... لدي القينات فسلا في الحفاظ
يمانيا يظل يشد كيرا ... وينفح دائبا لهب الشواظ
فأجابه حسان رضي الله عنه فقال :
هجوتك فاختضعت لها بذل ... بقافية تأجج كالشواظ
وقال رؤبة :
إن لهم من وقعنا أقياظا ... ونار حرب تسعر الشواظا
وقال مجاهد : الشواظ اللهب الأخضر المنقطع من النار. الضحاك : هو الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب. وقال سعيد بن جبير. وقد قيل : إن الشواظ النار والدخان جميعا ، قاله عمرو وحكاه الأخفش عن بعض العرب. وقرأ ابن كثير {شُوَاظ} بكسر الشين. الباقون بالضم وهما لغتان ، مثل صوار وصوار لقطيع البقر. {وَنُحَاسٌ} قراءة العامة {وَنُحَاسٌ} بالرفع عطف على {شُوَاظ} . وقرأ ابن كثير وابن محيصن ومجاهد وأبو عمرو {وَنُحَاسِ} بالخفض عطفا على النار. قال المهدوي : من قال إن الشواظ النار والدخان جميعا فالجر في {وَنُحَاس} على هذا بين. فأما الجر على قول من جعل الشواظ اللهب الذي لا دخان فيه فبعيد لا يسوغ إلا على تقدير حذف موصوف كأنه قال : يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا
شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وشيء من نحاس ، فشيء معطوف على شواظ ، ومن نحاس جملة هي صفة لشيء ، وحذف شيء ، وحذفت من لتقدم ذكرها في {مِنْ نَارٍ} كما حذفت على من قولهم : على من تنزل أنزل أي عليه. فيكون {وَنُحَاس} على هذا مجرورا بمن المحذوفة. وعن مجاهد وحميد وعكرمة وأبي العالية {وَنُحَاسِ} بكسر النون لغتان كالشواظ والشواظ. والنحاس بالكسر أيضا الطبيعة والأصل ، يقال : فلان كريم النحاس والنحاس أيضا بالضم أي كريم النجار. وعن مسلم بن جندب {ونُحْسٌ} بالرفع. وعن حنظلة بن مرة بن النعمان الأنصاري {ونُحُسٍ} بالجر عطف على نار. ويجوز أن يكون {وَنِحَاسٍ} بالكسر جمع نحس كصعب وصعاب {ونَحْسٍ} بالرفع عطف على {شواظ} وعن الحسن {ونُحُسٍ} بالضم فيهما جمع نحس. ويجوز أن يكون أصله ونحوس فقصر بحذف واوه حسب ما تقدم عند قوله : {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} . وعن عبدالرحمن بن أبي بكرة {ونُحُسُّ} بفتح النون وضم الحاء وتشديد السين من حس يحس حسا إذا استأصل ، ومنه قوله تعالى : {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} والمعنى ونقتل بالعذاب. وعلى القراءة الأولى {وَنُحَاسٌ} فهو الصفر المذاب يصب على رؤوسهم ، قاله مجاهد وقتادة ، وروي عن ابن عباس. وعن ابن عباس أيضا وسعيد بن جبير أن النحاس الدخان الذي لا لهب فيه ، وهو معنى قول الخليل ، وهو معروف في كلام العرب بهذا المعنى ، قال نابغة بني جعدة :
يضيء كضوء سراج السليـ ... ـط لم يجعل الله فيه نحاسا
قال الأصمعي : سمعت أعرابيا يقول السليط دهن السمسم بالشام ولا دخان فيه. وقال مقاتل : هي خمسة أنهار من صفر مذاب ، تجري من تحت العرش على رؤوس أهل النار ، ثلاثة أنهار على مقدار الليل ونهران على مقدار النهار. وقال ابن مسعود : النحاس المهل. وقال الضحاك : هو دردي الزيت المغلي. وقال الكسائي : هو النار التي لها ريح شديدة. {فَلا تَنْتَصِرَانِ} أي لا ينصر بعضكم بعضا يعني الجن والإنس.
الآية : [37] {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}
الآية : [38] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
الآية : [39] {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ}
الآية : [40] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
قوله تعالى : {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ} أي انصدعت يوم القيامة {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} الدهان الدهن ، عن مجاهد والضحاك وغيرهما. والمعنى أنها صارت في صفاء الدهن ، والدهان على هذا جمع دهن. وقال سعيد بن جبير وقتادة : المعنى فكانت حمراء. وقيل : المعنى تصير في حمرة الورد وجريان الدهن ، أي تذوب مع الانشقاق حتى تصير حمراء من حرارة نار جهنم ، وتصير مثل الدهن لرقتها وذوبانها. وقيل : الدهان الجلد الأحمر الصرف ، ذكره أبو عبيد والفراء. أي تصير السماء حمراء كالأديم لشدة حر النار. ابن عباس : المعنى فكانت كالفرس الورد ، يقال للكميت : ورد إذا كان يتلون بألوان مختلفة. قال ابن عباس : الفرس الورد ، في الربيع كميت أصفر ، وفي أول الشتاء كميت أحمر ، فإذا اشتد الشتاء كان كميتا أغبر. وقال الفراء : أراد الفرس الوردية ، تكون في الربيع وردة إلى الصفرة ، فإذا أشتد البرد كانت وردة حمراء ، فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغبرة ، فشبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل. وقال الحسن : {كَالدِّهَانِ} أي كصب الدهن فإنك إذا صببته ترى فيه ألوانا. وقال زيد بن أسلم : المعنى أنها تصير كعكر الزيت ، وقيل : المعنى أنها تمر وتجيء. قال الزجاج : أصل الواو والراء والدال للمجيء والإتيان. وهذا قريب مما قدمناه من أن الفرس الوردة تتغير ألوانها. وقال قتادة : إنها اليوم خضراء وسيكون لها لون أحمر ، حكاه الثعلبي. وقال الماوردي : وزعم المتقدمون أن أصل لون السماء الحمرة ، وأنها لكثرة الحوائل وبعد المسافة ترى بهذا اللون الأزرق ، وشبهوا ذلك بعروق البدن ، وهي حمراء كحمرة الدم وترى بالحائل زرقاء ، فإن كان هذا صحيحا فإن السماء لقربها من النواظر يوم القيامة وارتفاع الحواجز ترى حمراء ، لأنه أصل لونها. والله أعلم.
قوله تعالى : {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} هذا مثل قوله تعالى : {وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} وأن القيامة مواطن لطول ذلك اليوم ، فيسأل في بعض ولا يسأل في بعض ، وهذا قول عكرمة. وقيل : المعنى لا يسألون إذا استقروا في النار. وقال الحسن وقتادة : لا يسألون عن ذنوبهم ، لأن الله حفظها عليهم ، وكتبتها عليهم الملائكة. رواه العوفي عن ابن عباس. وعن الحسن ومجاهد أيضا : المعنى لا تسأل الملائكة عنهم ، لأنهم يعرفونهم بسيماهم ، دليله ما بعده. وقال مجاهد عن ابن عباس. وعنه أيضا في قوله تعالى : {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} وقوله : {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} وقال : لا يسألهم ليعرف ذلك منهم ، لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكنه يسألهم لم عملتموها سؤال توبيخ. وقال أبو العالية : لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم. وقال قتادة : كانت المسألة قبل ، ثم ختم على أفواه القوم وتكلمت الجوارح شاهدة عليهم. وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قال : "فيلقي العبد فيقول أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والأبل وأذرك ترأس وتربع فيقول بلى فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا فيقول إني أنساك كما نسيتني ثم يلقي الثاني فيقول له مثل ذلك بعينه ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول ها هنا إذا ثم يقال له الآن نبعث شاهدنا عليك فيفتكر في نقسه من هذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه" وقد مضى هذا الحديث في {حم السجدة} وغيرها.
الآية : [41] {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ}
الآية : [42] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
الآية : [43] {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ}
الآية : [44] {يطوفون بينها وبين حميم آن}
الآية : [45] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
قوله تعالى : {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} قال الحسن : سواد الوجه وزرقة الأعين ، قال الله تعالى : {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} وقال تعالى : {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} . {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ} أي تأخذ الملائكة بنواصيهم ، أي بشعور مقدم رؤوسهم وأقدامهم فيقذفونهم في النار. والنواصي جمع ناصية. وقال الضحاك : يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره. وعنه : يؤخذ برجلي الرجل فيجمع بينهما وبين ناصية حتى يندق ظهره ثم يلقى في النار. وقيل : يفعل ذلك به ليكون أشد لعذابه وأكثر لتشويهه. وقيل : تسحبهم الملائكة إلى النار ، تارة تأخذ بناصيته وتجره على وجهه ، وتارة تأخذ بقدميه وتسحبه على رأسه.
قوله تعالى : {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} أي يقال لهم هذه النار التي أخبرتم بها فكذبتم. {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} قال قتادة : يطوفون مرة بين الحميم ومرة بين الجحيم ، والجحيم النار ، والحميم الشراب. وفي قوله تعالى : {آنٍ} ثلاثة أوجه ، أحدها أنه الذي انتهى حره وحميمه. قال ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي ، ومنه قول النابغة الذبياني :
وتخضب لحية غدرت وخانت ... بأحمر من نجيع الجوف آن
قال قتادة : {آنٍ} طبخ منذ خلق الله السماوات والأرض ، يقول : إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم ذلك. وقال كعب : {آن} واد من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل
النار فيغمسون بأغلالهم فيه حتى تنخلع أوصالهم ، ثم يخرجون منها وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا فيلقون في النار ، فذلك قوله تعالى : {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} . وعن كعب أيضا : أنه الحاضر. وقال مجاهد : إنه الذي قد آن شربه وبلغ غايته. والنعمة فيما وصف من هول القيامة وعقاب المجرمين ما في ذلك من الزجر عن المعاصي والترغيب في الطاعات. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى على شاب في الليل يقرأ {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} فوقف الشاب وخنقته العبرة وجعل يقول : ويحي من يوم تنشق فيه السماء ويحي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ويحك يا فتى مثلها فو الذي نفسي بيده لقد بكت ملائكة السماء لبكائك" .
الآية : [46] {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}
الآية : [47] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
قوله تعالى : {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} فيه مسألتان
الأولى- لما ذكر أحوال أهل النار ذكر ما أعد للأبرار. والمعنى خاف مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية. فـ {مَقَامَ} مصدر بمعنى القيام. وقيل : خاف قيام ربه عليه أي إشرافه واطلاعه عليه ، بيانه قوله تعالى : {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} وقال مجاهد وإبراهيم النخعي : هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من خوفه.
الثانية- هذه الآية دليل على أن من قال لزوجه : إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق أنه لا يحنث إن كان هم بالمعصية وتركها خوفا من الله وحياء منه. وقال به سفيان الثوري وأفتى به. وقال محمد بن علي الترمذي : جنة لخوفه من ربه ، وجنة لتركه شهوته. وقال ابن عباس : من خاف مقام ربه بعد أداء الفرائض. وقيل : المقام الموضع ، أي خاف مقامه بين يدي ربه للحساب كما تقدم ويجوز أن يكون المقام للعبد ثم يضاف إلى الله ، وهو كالأجل في قوله : {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ ل} وقوله في موضع آخر :
{إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ} {جَنَّتَانِ} أي لمن خاف جنتان على حدة ، فلكل خائف جنتان. وقيل : جنتان لجميع الخائفين ، والأول أظهر. وروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الجنتان بستانان في عرض الجنة كل بستان مسيرة مائة عام في وسط كل بستان دار من نور وليس منها شيء إلا يهتز نغمة وخضرة ، قرارها ثابت وشجرها ثابت" ذكره المهدوي والثعلبي أيضا من حديث أبي هريرة. وقيل : إن الجنتين جنته التي خلقت له وجنة ورثها. وقيل : إحدى الجنتين منزل والأخرى منزل أزواجه كما يفعله رؤساء الدنيا. وقيل : إن إحدى الجنتين مسكنه والأخرى بستانه. وقيل : إن إحدى الجنتين أسافل القصور والأخرى أعاليها. وقال مقاتل : هما جنة عدن وجنة النعيم. وقال الفراء : إنما هي جنة واحدة ، فثنى لرؤوس الآي. وأنكر القتبي هذا وقال : لا يجوز أن يقال خزنة النار عشرون إنما قال تسعة عشر لمراعاة رؤوس الآي. وأيضا قال : {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} . وقال أبو جعفر النحاس : قال الفراء قد تكون جنة فتثنى في الشعر ، وهذا القول من أعظم الغلط على كتاب الله عز وجل ، يقول الله عز وجل : {جَنَّتَانِ} ويصفهما بقوله : {فِيهِمَا} فيدع الظاهر ويقول : يجوز أن تكون جنة ويحتج بالشعر! وقيل : إنما كانتا اثنتين ليضاعف له السرور بالتنقل من جهة إلى جهة. وقيل : نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه خاصة حين ذكر ذات يوم الجنة حين أزلفت والنار حين برزت ، قاله عطاء وابن شوذب. وقال الضحاك : بل شرب ذات يوم لبنا على ظمأ فأعجبه ، فسأله عنه فأخبر أنه من غير حل فاستقاءه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ، فقال : "رحمك الله لقد أنزلت فيك آية" وتلا عليه هذه الآية
الآية : [48] {ذواتا أفنان}
الآية : [49] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
الآية : [50] {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ}
الآية : [51] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
قوله تعالى : {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} قال ابن عباس وغيره : أي ذواتا ألوان من الفاكهة الواحد فن. وقال مجاهد : الأفنان الأغصان واحدها فنن ، قال النابغة :
بكاء حمامة تدعو هديلا ... مفجعه على فنن تغني
وقال آخر يصف طائرين :
باتا على غصن بان في ذرى فنن ... يرددان لحونا ذات ألوان
أراد باللحون الغات. وقال آخر :
ما هاج شوقك من هديل حمامة ... تدعو على فنن الغصون حماما
تدعو أب فرخين صادف ضاريا ... ذا مخلبين من الصقور قطاما
والفنن جمعه أفنان ثم الأفانين ، وقال يصف رحى :
لها زمام من أفانين الشجر
وشجرة فناء أي ذات أفنان وفنواء أيضا على غير قياس. وفي الحديث : "أن أهل الجنة مرد مكحلون أولو أفانين" يريد أولو فنن وهو جمع أفنان ، وأفنان جمع فنن وهو الخصلة من الشعر شبه بالغصن. ذكره الهروي. وقل : {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} أي ذواتا سعة وفضل على ما سواهما ، قاله قتاده. وعن مجاهد أيضا وعكرمة : إن الأفنان ظل الأغصان على الحيطان.
قوله تعالى : {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} أي في كل واحدة منهما عين جارية. قال ابن عباس : تجريان ماء بالزيادة والكرامة من الله تعالى على أهل الجنة. وعن ابن عباس أيضا والحسن : تجريان بالماء الزلال إحدى العينين التسنيم والأخرى السلسبيل.
وعنه أيضا : عينان مثل الدنيا أضعافا مضاعفة ، حصباؤهما الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر ، وترابهما الكافور ، وحمأتهما المسك الأذفر ، وحافتاهما الزعفران. وقال عطية : إحداهما من ماء غير آسن ، والأخرى من خمر لذة للشاربين. وقيل : تجريان من جبل من مسك. وقال أبو بكر الوراق : فيهما عنيان تجريان لمن كانت عيناه في الدنيا تجريان من مخافة الله عز وجل.
الآية : [52] {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ}
الآية : [53] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
الآية : [54] {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}
الآية : [55] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
قوله تعالى : {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} أي صنفان وكلاهما حلو يستلذ به. قال ابن عباس : ما في الدنيا شجرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل إلا أنه حلو. وقيل : ضربان رطب ويابس لا يقصر هذا عن ذلك في الفضل والطيب. وقيل : أراد تفضيل هاتين الجنتين على الجنتين اللتين دونهما ، فإنه ذكرها هنا عينين جاريتين ، وذكر ثم عينين تنضحان بالماء والنضح دون الجري ، فكأنه قال : في تينك الجنتين من كل فاكهة نوع ، وفي هذه الجنة من كل فاكهة نوعان. {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ} هو نصب على الحال. والفرش جمع فراش. وقرأ أبو حيوة {فُرُشٍ} بإسكان الراء {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} جمع بطانة وهي التي تحت الظهارة والإستبرق ما غلظ من الديباج وخشن ، أي إذا كانت البطانة التي تلي الأرض هكذا فما ظنك بالظهارة ، قاله ابن مسعود وأبو هريرة. وقيل لسعيد بن جبير : البطائن من إستبرق فما الظواهر ؟ قال : هذا مما قال الله : {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} وقال ابن عباس : إنما وصف لكم بطائنها لتهتدي إليه قلوبكم ، فأما الظواهر فلا يعلمها إلا الله. وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ظواهرها نور يتلألأ" . وعن الحسن : بطائنها من إستبرق ، وظواهرها من نور جامد. وعن الحسن أيضا : البطائن هي الظواهر ،
وهو قول الفراء ، وروي عن قتادة. والعرب تقول للظهر بطنا ، فيقولون : هذا ظهر السماء ، وهذا بطن السماء ، لظاهرها الذي نراه. وأنكر ابن قتيبة وغيره هذا ، وقالوا : لا يكون هذا إلا في الوجهين المتساويين إذا ولي كل واحد منهما قوما ، كالحائط بينك وبين قوم ، وعلى ذلك أمر السماء. {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} الجنى ما يجتنى من الشجر ، يقال : أتانا بجناة طيبة لكل ما يجتنى. وثمر جني على فعيل حين جني ، وقال :
هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه
وقرئ {وَجِنَى} بكسر الجيم. {دانٍ} قريب. قال ابن عباس : تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله إن شاء قائما وإن شاء قاعدا وإن شاء مضطجعا ، لا يرد يده بعد ولا شوك.
الآية : [56] {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ}
الآية : [57] { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
فيه ثلاث مسائل :
الأولى- قوله تعالى : {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} قيل : في الجنتين المذكورتين. قال الزجاج : وإنما قال : {فِيهِنَّ} ولم يقل فيهما ، لأنه عنى الجنتين وما أعد لصاحبهما من النعيم. وقيل : {فِيهِنَّ} يعود على الفرش التي بطائنها من إستبرق ، أي في هذه الفرش {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} أي نساء قاصرات الطرف ، قصرن أعينهن على أزواجهن فلا يرين غيرهم. وقد مضى في {والصافات} ووحد الطرف مع الإضافة إلى الجمع لأنه في معنى المصدر ، من طرفت عينه تطرف طرفا ، ثم سميت العين بذلك فأدى عن الواحد والجمع ، كقولهم : قوم عدل وصوم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.52%)]