عرض مشاركة واحدة
  #684  
قديم 13-07-2025, 02:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,641
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (17)
سُورَةُ الواقعة
من صــ 201 الى صــ 210
الحلقة (684)






أن تكون أمتي شطر أهل الجنة "ثم تلا قوله تعالى : {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. َثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} . قال مجاهد : كل من هذه الأمة. وروى سفيان عن أبان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم :" الثلتان جميعا من أمتي "يعني {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. قال أبو بكر رضي الله عنه : كلا الثلتين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمنهم من هو في أول أمته ، ومنهم من هو في آخرها ، وهو مثل قوله تعالى : {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} . وقيل : {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ} أي من أول هذه الأمة. {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} يسارع في الطاعات حتى يلحق درجة الأولين ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام :" خيركم قرني "ثم سوى في أصحاب اليمين بين الأولين والآخرين. والثلة من ثللت الشيء أي قطعته ، فمعنى ثلة كمعنى فرقة ، قاله الزجاج."
قوله تعالى : {عَلَى سُرُرٍ} أي السابقون في الجنة {عَلَى سُرُرٍ} ، أي مجالسهم على سرر جمع سرير. {مَوْضُونَةٍ} قال ابن عباس : منسوخة بالذهب. وقال عكرمة : مشبكة بالدر والياقوت. وعن ابن عباس أيضا : {مَوْضُونَةٍ} مصفوفة ، كما قال في موضع آخر : {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ} وعنه أيضا وعن مجاهد : مرمولة بالذهب. وفي التفاسير : {مَوْضُونَةٍ} أي منسوجة بقضبان الذهب مشبكة بالدر والياقوت والزبرجد - والوضن النسج المضاعف والنضد ، يقال : وضن فلان الحجر والآجر بعضه فوق بعض فهو موضون ، ودرع موضونة أي محكمة في النسج مثل مصفوفة ، قال الأعشى :
ومن نسج داود موضونة ... تساق مع الحي عيرا فعيرا
وقال أيضا :
وبيضاء كالنهي موضونة ... لها قونس فوق جيب البدن
والسرير الموضون : الذي سطحه بمنزلة المنسوج ، ومنه الوضين : بطان من سيور ينسج فيدخل بعضه في بعض ، ومنه قوله :
إليك تعدو قلقا وضينها
{مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا} أي على السرر {مُتَقَابِلِينَ} أي لا يرى بعضهم قفا بعض ، بل تدور بهم الأسرة ، وهذا في المؤمن وزوجته وأهله ، أي يتكئون متقابلين. قال مجاهد وغيره. وقال الكلبي : طول كل سرير ثلاثمائة ذراع ، فإذا أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت فإذا جلس عليها ارتفعت.
الآية : [17] {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ}
الآية : [18] {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ}
الآية : [19] {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ}
الآية : [20] {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ}
الآية : [21] {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ}
الآية : [22] {وَحُورٌ عِينٌ}
الآية : [23] {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ}
الآية : [24] {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
الآية : [25] {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً}
الآية : [26] {إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً}
قوله تعالى : {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} أي غلمان لا يموتون ، قال مجاهد. الحسن والكلبي : لا يهرمون ولا يتغيرون ، ومنه قول امرئ القيس :
وهل ينعمن إلا سعيد مخلد ... قليل الهموم ما يبيت بأوجال
وقال سعيد بن جبير : مخلدون مقرطون ، يقال للقرط الخلدة ولجماعة الحلي الخلدة. وقيل : مسورون ونحوه عن الفراء ، قال الشاعر :
ومخلدات باللجين كأنما ... أعجازهن أقاوز الكثبان
وقيل : مقرطون يعني ممنطقون من المناطق. وقال عكرمة : {مُخَلَّدُونَ} منعمون. وقيل : على سن واحدة أنشأهم الله لأهل الجنة يطوفون عليهم كما شاء من غير ولادة. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري : الولدان ها هنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة. وقال سلمان الفارسي : أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة. قال الحسن : لم يكن لهم حسنات يجزون بها ، ولا سيئات يعاقبون عليها ، فوضعوا في هذا الموضع. والمقصود : أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة ، والنعمة إنما تتم باحتفاف الخدم والولدان بالإنسان. {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} أكواب جمع كوب وقد مضى في {الزخرف} وهي الآنية التي لا عرى لها ولا خراطيم ، والأباريق التي لها عرى وخراطيم واحدها إبريق ، سمي بذلك لأنه يبرق لونه من صفائه. {وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} مضى في {والصافات} القول فيه. والمعين الجاري من ماء أو خمر ، غير أن المراد في هذا الموضع الخمر الجارية من العيون. وقيل : الظاهرة لعيون فيكون {معين} مفعولا من المعاينة. وقيل : هو فعيل من المعن وهو الكثرة. وبين أنها ليست كخمر الدنيا التي تستخرج بعصر وتكلف ومعالجة.
قوله تعالى : {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} أي لا تنصدع رؤوسهم من شربها ، أي إنها لذة بلا أذى بخلاف شراب الدنيا. {وَلا يُنْزِفُونَ} تقدم في {والصافات} أي لا يسكرون فتذهب. عقولهم. وقرأ مجاهد : {لا يَصَّدَّعُونَ} بمعنى لا يتصدعون أي لا يتفرقون ، كقوله تعالى : {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} وقرأ أهل الكوفة {يُنْزِفُونَ} بكسر الزاي ، أي لا ينفد شرابهم ولا تقنى خمرهم ، ومنه قول الشاعر :
لعمري لئن أنزفتم أوصحوتم ... لبئس الندامى كنتم آل أبجرا
وروى الضحاك عن ابن عباس قال : في الخمر أربع خصال : السكر والصداع والقيء والبول ، وقد ذكر الله تعالى خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال.
قوله تعالى : {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} أي يتخيرون ما شاؤوا لكثرتها. وقيل : وفاكهة متخيرة مرضية ، والتخير الاختيار. {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} روى الترمذي عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الكوثر ؟ قال : "ذاك نهر أعطانيه الله تعالى - يعني في الجنة - أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزُر" قال عمر : إن هذه لناعمة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أكتلها أحسن منها" قال : حديث حسن. وخرجه الثعلبي من حديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن في الجنة طيرا مثل أعناق البخت تصطف على يد ولي الله فيقول أحدها يا ولي الله رعيت في مروج تحت العرش وشربت من عيون التسنيم فكل مني فلا يزلن يفتخرن بين يديه حتى يخطر على قلبه أكل أحدها فتخر بين يديه على ألوان مختلفة فيأكل منها ما أراد فإذا شبع تجمع عظام الطائر فطار يرعى في الجنة حيث شاء" فقال عمر : يا نبي الله إنها لناعمة. فقال : "أكلها أنعم منها" . وروي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن في الجنة لطيرا في الطائر منها سبعون ألف ريشة فيقع على صحفة الرجل من أهل الجنة ثم ينتفض فيخرج من كل ريشة لون طعام أبيض من الثلج وأبرد وألين من الزبد وأعذب من الشهد ليس فيه لون يشبه صاحبه فيأكل منه ما أراد ثم يذهب فيطير" .
قوله تعالى : {وَحُورٌ عِينٌ} قرئ بالرفع والنصب والجر ، فمن جر وهو حمزة والكسائي وغيرهما جاز أن يكون معطوفا على {بِأَكْوَابٍ} وهو محمول على المعنى ، لأن المعنى يتنعمون بأكواب وفاكهة ولحم وحور ، قال الزجاج. وجاز أن يكون معطوفا على {فِي جَنَّاتِ} أي هم في {جَنَّاتِ النَّعِيمِ} وفي حور على تقدير حذف المضاف ، كأنه قال : وفي معاشرة
حور. الفراء : الجر على الإتباع في اللفظ وإن اختلفا في المعنى ، لأن الحور لا يطاف بهن ، قال الشاعر :
إذا ما الغانيات برزن يوما ... وزججن الحواجب والعيونا
والعين لا تزجج وإنما تكحل. وقال آخر :
ورأيت زوجك في الوغى ... متقلدا سيفا ورمحا
وقال قطرب : هو معطوف على الأكواب والأباريق من غير حمل على المعنى. قال : ولا ينكر أن يطاف عليهم بالحور ويكون لهم في ذلك لذة. ومن نصب وهو الأشهب العقيلي والنخعي وعيسى بن عمر الثقفي وكذلك هو في مصحف أبي ، فهو على تقدير إضمار فعل ، كأنه قال : ويزوجون حورا عينا. والحمل في النصب على المعنى أيضا حسن ، لأن معنى يطاف عليهم به يعطونه. ومن رفع وهم الجمهور - وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم - فعلى معنى وعندهم حور عين ، لأنه لا يطاف عليهم بالحور. وقال الكسائي : ومن قال : {وَحُورٌ عِينٌ} بالرفع وعلل بأنه لا يطاف بهن يلزمه ذلك في فاكهة ولحم ، لأن ذلك لا يطاف به وليس يطاف إلا بالخمر وحدها. وقال الأخفش : يجوز أن يكون محمولا على المعنى لهم أكواب ولهم حور عين. وجاز أن يكون معطوفا على {ثُلَّةٌ} و {ثُلَّةٌ} ابتداء وخبره {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ} وكذلك {وَحُورٌ عِينٌ} وابتدأ بالنكرة لتخصيصها بالصفة. {كَأَمْثَالِ} أي مثل أمثال {الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} أي الذي لم تمسه الأيدي ولم يقع عليه الغبار فهو أشد ما يكون صفاء وتلألؤا ، أي هن في تشاكل أجسادهن في الحسن من جميع جوانبهن كما قال الشاعر :
كأنما خلقت في قشر لؤلؤة فكل أكنافها وجه لمرصاد
{جزاء بما كانوا يعملون} أي ثوابا ونصبه على المفعول له. ويجوز أن يكون على المصدر ، لأن معنى {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} يجازون. وقد مضى الكلام في الحور العين في {والطور} وغيرها. وقال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "خلق الله الحور العين"
من الزعفران "وقال خالد بن الوليد : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الرجل من أهل الجنة ليمسك التفاحة من تفاح الجنة فتنفلق في يده فتخرج منها حوراء لو نظرت للشمس لأخجلت الشمس من حسنها من غير أن ينقص من التفاحة "فقال له رجل : يا أبا سليمان إن هذا لعجب ولا ينقص من التفاحة ؟ قال : نعم كالسراج الذي يوقد منه سراج آخر وسرج ولا ينقص ، والله على ما يشاء قدير. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : خلق الله الحور العين من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران ، ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر ، ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب ، ومن عنقها إلى رأسها من الكافور الأبيض ، عليها سبعون ألف حلة مثل شقائق النعمان ، إذا أقبلت يتلألأ وجهها نورا ساطعا كما تتلألأ الشمس لأهل الدنيا ، وإذا أدبرت يرى كبدها من رقة ثيابها وجلدها ، في رأسها سبعون ألف ذؤابة من المسك الأذفر ، لكل ذؤابة منها وصيفة ترفع ذيلها وهي تنادي : هذا ثواب الأولياء {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} "
قوله تعالى : {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً} قال ابن عباس : باطلا ولا كذبا. واللغو ما يلغى من الكلام ، والتأثيم مصدر أثمته أي قلت له أثمت. محمد بن كعب : {وَلا تَأْثِيماً} أي لا يؤثم بعضهم بعضا. مجاهد : {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً} شتما ولا مأثما. {إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً} {قِيلاً} منصوب بـ {يَسْمَعُونَ} أو استئناء منقطع أي لكن يقولون قيلا أويسمعون. و {سَلاماً سَلاماً} منصوبان بالقول ، أي إلا أنهم يقولون الخير. أو على المصدر أي إلا أن يقول بعضهم لبعض سلاما. أو يكون وصف لـ {قِيلاً} ، والسلام الثابي بدل من الأول ، والمعنى إلا قيلا يسلم فيه من اللغو. ويجوز الرفع على تقدير سلام عليكم. قال ابن عباس : أي يحيي بعضهم بعضا. وقيل : تحييهم الملائكة أو يحييهم ربهم عز وجل.
الآية : [27] {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ}
الآية : [28] {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} الآية : [29] {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ}
الآية : [30] {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} الآية : [31] {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ}
الآية : [32] {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} الآية : [33] {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ }
الآية : [34] {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} الآية : [35] {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً}
الآية : [36] {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} الآية : [37] {عُرُباً أَتْرَاباً}
الآية : [38] {لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} الآية : [39] {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ}
الآية : [40] { وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ}
قوله تعالى : {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} رجع إلى ذكر منازل أصحاب الميمنة وهم السابقون على ما تقدم ، والتكرير لتعظيم شأن النعيم الذي هم فيه . {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} أي في نبق قد خضد شوكه أي قطع ، قال ابن عباس وغيره. وذكر ابن المبارك : حدثنا صفوان عن سليم بن عامر قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون : إنه لينفعنا الأعراب ومسائلهم ، قال : أقبل أعرابي يوما ، فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية ، وما كنت أرى في الجنة شجرة توذي صاحبها ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وما هي" قال : السدر فإن له شوكا مؤذيا ، فقال صلى الله عليه وسلم "أو ليس يقول {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} خضد الله شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة فإنها تنبت ثمرا يفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ما فيه لون يشبه الآخر" . وقال أبو العالية والضحال : نظر المسلمون إلى وج "وهو واد بالطائف مخصب" فأعجبهم سدره ، فقالوا : يا ليت لنا مثل هذا ، فنزلت. قال أمية بن أبي الصلت يصف الجنة :
إن الحدائق في الجنان ظليلة ... فيها الكواعب سدرها مخضود
وقال الضحاك ومجاهد ومقاتل بن حيان : {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} وهو الموقر حملا. وهو قريب مما ذكرنا في الخبر. سعيد بن جبير : ثمرها أعظم من القلال. وقد مضى هذا في سورة
{النجم} عند قوله تعالى : {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} وأن ثمرها مثل قلال هجر من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى : {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} الطلح شجر الموز واحده طلحة. قال أكثر المفسرين علي وابن عباس وغيرهم. وقال الحسن : ليس هو موز ولكنه شجر له ظل بارد رطب. وقال الفراء وأبو عبيدة : شجر عظام له شوك ، قال بعض الحداة وهو الجعدي :
بشرها دليلها وقالا ... غدا ترين الطلح والأحبالا
فالطلح كل شجر عظيم كثير الشوك. الزجاج : يجوز أن يكون في الجنة وقد أزيل شوكه. وقال الزجاج أيضا : كشجر أم غيلان له نور طيب جدا فخوطبوا ووعدوا بما يحبون مثله ، إلا أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا. وقال السدي : طلح الجنة يشبه طلح الدنيا لكن له ثمر أحلى من العسل. وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه : {وَطَلْعٍ مَنْضُودٍ} بالعين وتلا هذه الآية {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} وهو خلاف المصحف. في رواية أنه قرئ بين يديه {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} فقال : ما شأن الطلح ؟ إنما هو {وَطَلْعٍ مَنْضُودٍ} ثم قال : {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} فقيل له : أفلا نحولها ؟ فقال : لا ينبغي أن يهاج القرآن ولا يحول. فقد اختار هذه القراءة ولم ير إثباتها في المصحف لمخالفة ما رسمه مجمع عليه. قال القشيري. وأسنده أبو بكر الأنباري قال : حدثني أبي قال حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عيسى بن يونس عن مجالد عن الحسن بن سعد عن قيس بن عباد قال : قرأت عند علي أو قرئت عند علي - شك مجالد - {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} فقال علي رضي الله عنه : ما بال الطلح ؟ أما تقرأ {وَطَلْعٍ} ثم قال : {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} فقال له : يا أمير المؤمنين أنحكها من المصحف ؟
فقال : "لا" لا يهاج القرآن اليوم. قال أبو بكر : ومعنى هذا أنه رجع إلى ما في المصحف وعلم أنه هو الصواب ، وأبطل الذي كان فرط من قول. والمنضود المتراكب الذي "قد" نضد أوله وآخره بالحمل ، ليست له سوق بارزة بل هو مرصوص ، والنضد هو الرص والمنضد المرصوص ، قال النابغة :
خلت سبيل أتى كان يحسبه ... ورفعته إلى السجفين فالنضد
وقال مسروق : أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها نضيدة ثمر كله ، كلما أكل ثمرة عاد مكانها أحسن منها.
قوله تعالى : {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} أي دائم باق لا يزول ولا تنسخه الشمس ، كقوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً} وذلك بالغداة وهي ما بين الإسفار إلى طلوع الشمس حسب ما تقدم بيانه هناك. والجنة كلها ظل لا شمس معه. قال الربيع بن أنس : يعني ظل العرش. وقال عمر بن ميمون : مسيرة سبعين ألف سنة. وقال أبو عبيدة : تقول العرب للدهر الطويل والعمر الطويل والشيء الذي لا ينقطع ممدود ، وقال لبيد :
غلب العزاء وكنت غير مغلب ... دهر طويل دائم ممدود
وفي صحيح الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : "وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها واقرؤوا إن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} . {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} أي جار لا ينقطع وأصل السكب الصب ، يقال : سكبه سكبا ، والسكوب أنصبابه. يقال : سكب سكوبا ، وانسكب انسكابا ، أي وماء مصبوب يجرى الليل والنهار في غير أخدود لا ينقطع عنهم. وكانت العرب أصحاب بادية وبلاد حارة ، وكانت الأنهار في بلادهم عزيزة لا يصلون إلى الماء إلا بالدلو والرشاء فوعدوا في الجنة خلاف ذلك ، ووصف لهم أسباب النزهة المعروفة في الدنيا ، وهي الأشجار وظلالها والمياه والأنهار واطرادها."
قوله تعالى : {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} أي ليست بالقليلة العزيزة كما كانت في بلادهم {لا مَقْطُوعَةٍ} أي في وقت من الأوقات كانقطاع فواكه الصيف في الشاء {وَلا مَمْنُوعَةٍ} أي لا يحظر عليها كثمار الدنيا. وقيل : {وَلا مَمْنُوعَةٍ} أي لا يمنع من أرادها بشوك ولا بعد ولا حائط ، بل إذا أشتهاها العبد دنت منه حتى يأخذها ، قال الله تعالى : {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} وقيل : ليست مقطوعة بالأزمان ، ولا ممنوعة بالأثمان. والله أعلم.
قوله تعالى : {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} روى الترمذي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} قال : "ارتفاعها لكما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة" قال : حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد. وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث : الفرش في الدرجات ، وما بين الدرجات كما بين السماء والأرض. وقيل : إن الفرش هنا كناية عن النساء اللواتي في الجنة ولم يتقدم لهن ذكر ، ولكن قوله عز وجل : {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} دال ، لأنها محل النساء ، فالمعنى ونساء مرتفعات الأقدار في حسنهن وكمالهن ، دليله قوله تعالى : {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} أي خلقناهن خلقا وأبدعناهن إبداعا. والعرب تسمي المرأة فراشا ولباسا وإزارا ، وقد قال تعالى : {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} . ثم قيل : على هذا هن الحور العين ، أي خلقناهن من غير ولادة. وقيل : المراد نساء بني ادم ، أي خلقناهن خلقا جديدا وهو الإعادة ، أي أعدناهن إلى حال الشباب وكمال الجمال. والمعنى أنشأنا العجوز والصبية إنشاء واحدا ، وأضمرن ولم يتقدم ذكرهن ، لأنهن قد دخلن في أصحاب اليمين ، ولأن الفرش كناية عن النساء كما تقدم. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} قال : "منهن البكر والثيب" . وقالت أم سلمة رضي الله تعالى عنها : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً} فقال "يا أم سلمة هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز شمطا عمشا رمصا جعلهن الله بعد الكبر أترابا على ميلاد واحد في الاستواء" أسنده النحاس عن أنس قال : حدثنا أحمد بن عمرو قال : حدثنا عمرو بن على قال : حدثنا أبو عاصم عن



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.46%)]