عرض مشاركة واحدة
  #694  
قديم 13-07-2025, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,137
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (17)
سُورَةُ المجادلة
من صــ 301 الى صــ 309
الحلقة (694)



الآية : [12] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
فيه ثلاث مسائل :
الأولى- قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} {نَاجَيْتُمُ} ساررتم. قال ابن عباس : نزلت بسبب أن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه ، فأراد الله عز وجل أن يخفف عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلما قال ذلك كف كثير من الناس. ثم وسع الله عليهم بالآية التي بعدها. وقال الحسن : نزلت بسب أن قوما من المسلمين كانوا يستخلون النبي صلى الله عليه وسلم ويناجونه ، فظن بهم قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في النجوى ، فشق عليهم ذلك فأمرهم الله تعالى بالصدقة عند النجوى ليقطعهم عن استخلافه. وقال زيد بن أسلم : نزلت بسبب أن المنافقين واليهود كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون : إنه أذن يسمع كل ما قيل له ، وكان لا يمنع أحدا مناجاته. فكان ذلك يشق على المسلمين ، لأن الشيطان كان يلقي في أنفسهم أنهم ناجوه بأن جموعا اجتمعت لقتاله. قال : فأنزل الله تبارك وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} الآمة ، فلم ينتهوا فأنزل الله هذه الآية ، فأنتهى أهل الباطل عن النجوى ، لأنهم لم يقدموا بين يدي نجواهم صدقة ، وشق ذلك على أهل الإيمان وامتنعوا من النجوى ، لضعف مقدرة كثير منهم عن الصدقة فخفف الله عنهم بما بعد الآية.
الثانية- قال ابن العربي : وفي هذا الخبر عن زيد ما يدل على أن الأحكام لا تترتب بحسب المصالح ، فإن الله تعالى قال : {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} ثم نسخه مع كونه خيرا وأطهر.
وهذا رد على المعتزلة عظيم في التزام المصالح ، لكن راوي الحديث عن زيد ابنه عبدالرحمن وقد ضعفه العلماء. والأمر في قوله تعالى : {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} نص متواتر في الرد على المعتزلة. والله أعلم.
الثالثة- روى الترمذي عن علي بن علقمة الأنماري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما نزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} سألته قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : "ما ترى دينارا" قلت لا يطيقونه. قال : "فنصف دينار" قلت : لا يطيقونه. قال : "فكم" قلت : شعيرة. قال : "إنك لزهيد" قال فنزلت : {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} الآية. قال : فبي خفف الله عن هذه الأمة. قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه ، ومعنى قوله : شعيرة يعني وزن شعيرة من ذهب. قال ابن العربي : وهذا يدل على مسألتين حسنتين أصوليتين : الأولى : نسخ العبادة قبل فعلها. والثانية : النظر في المقدرات بالقياس ، خلافا لأبي حنيفة.
قلت : الظاهر أن النسخ إنما وقع بعد فعل الصدقة. وقد روي عن مجاهد : أن أول من تصدق في ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه وناجى النبي صلى الله عليه وسلم. روي أنه تصدق بخاتم. وذكر القشيري وغيره عن علي بن ابن طالب أنه قال : في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، وهي : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} كان لى دينار فبعته ، فكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد ، فنسخت بالآية الأخرى {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} وكذلك قال ابن عباس : نسخها الله بالآية التي بعدها. وقال ابن عمر : لقد كانت لعلي رضي الله عنه ثلاثة لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى.
قوله تعالى : {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ} أي من إمساكها {وَأَطْهَرُ} لقلوبكم من المعاصي {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا} يعني الفقراء {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
الآية : [13] {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : {أَأَشْفَقْتُمْ} استفهام معناه التقرير. قال ابن عباس : {أَأَشْفَقْتُمْ} أي أبخلتم بالصدقة ، وقل : خفتم ، والإشفاق الخوف من المكروه. أي خفتم وبخلتم بالصدقة وشق عليكم {أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} قال مقاتل بن حيان : إنما كان ذلك عشر ليال ثم نسخ. وقال الكلبي : ما كان ذلك إلا ليلة واحدة. وقال ابن عباس : ما بقي إلا ساعة من النهار حتى نسخ. وكذا قال قتادة. والله أعلم.
الثانية : قوله تعالى : {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي نسخ الله ذلك الحكم. وهذا خطاب لمن وجد ما يتصدق به {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} فنسخت فرضية الزكاة هذه الصدقة. وهذا يدل على جواز النسخ قبل الفعل ، وما روي عن علي رضي الله عنه ضعيف ، لأن الله تعالى قال : {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا} وهذا يدل على أن أحدا لم يتصدق بشيء. والله أعلم. {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في فرائضه {وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} في سننه {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .
الآية : [14] {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
الآية : [15] {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
الآية : [16] {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}
قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} قال قتادة : هم المنافقون تولوا اليهود {مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ} يقول : ليس المنافقون من اليهود ولا من المسلمين بل هم مذبذبون بين ذلك ، وكانوا يحملون أخبار المسلمين إليهم. قال السدي ومقاتل : نزلت في عبدالله بن أبي وعبدالله بن نبتل المنافقين ، كان أحدهما يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود ، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجراته إذ قال : "يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان" فدخل عبدالله بن نبتل - وكان أزرق أسمر قصيرا خفيف اللحية - فقال عليه الصلاة والسلام : "علام تشتمني أنت وأصحابك" فحلف بالله ما فعل ذلك. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "فعلت" فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه ، فنزلت هذه الآية. وقال معناه ابن عباس. روى عكرمة عنه ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة قد كاد الظل يتقلص عنه إذ قال : "يجيئكم الساعة رجل أزرق ينظر إليكم نظر الشيطان" فنحن على ذلك إذ أقبل رجل أزرق ، فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "علام تشتمني أنت وأصحابك" قال : دعني أجيئك بهم. فمر فجاء بهم فحلفوا جميعا أنه ما كان من ذلك شيء ، فأنزل الله عز وجل : {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً} إلى قوله : {هُمُ الْخَاسِرُونَ} واليهود مذكرون في القرآن بـ {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} أي لهؤلاء المنافقين {عَذَاباً شَدِيداً} في جهنم وهو الدرك الأسفل. {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي بئس الأعمال أعمالهم {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} يستجنون بها من القتل. وقرأ الحسن وأبو العالية {أَيْمَانَهُمْ} بكسر الهمزة هنا وفي {الْمُنَافِقُونَ} . أي إقرارهم اتخذوه جنة ، فآمنت ألسنتهم من خوف القتل ، وكفرت قلوبهم {فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار. والصد المنع {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي عن الإسلام. وقيل : في قتلهم بالكفر لما أظهروه من النفاق. وقيل : أي بإلقاء الأراجيف وتثبيط المسلمين عن الجهاد وتخويفهم.
الآية : [17] {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
الآية : [18] {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ}
الآية : [19] {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}
قوله تعالى : {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} أي من عذابه شيئا. وقال مقاتل : قال المنافقون إن محمدا يزعم أنه ينصر يوم القيامة ، لقد شقينا إذا فوالله لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأولادنا وأموالنا إن كانت قيامة. فنزلت : {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً} أي لهم عذاب مهين يوم يبعثهم {فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} اليوم. وهذا أمر عجيب وهو مغالطتهم باليمين غدا ، وقد صارت المعرف ضرورية. وقال ابن عباس : هو قولهم {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ} بإنكارهم وحلفهم. قال ابن زيد : ظنوا أنهم ينفعهم في الآخرة. وقيل : {وَيَحْسَبُونَ} في الدنيا {أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ} لأنهم في الآخرة يعلمون الحق باضطرار. والأول أظهر. وعن بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ينادي مناد يوم القيامة أين خصماء الله فتقوم القدرية مسودة وجهوهم مزرقة أعينهم مائل شدقهم يسيل لعابهم فيقولون والله ما عبدنا من دونك شمسا ولا قمرا ولا صنما ولا وثنا ، ولا اتخذنا من دونك إلها" . قال ابن عباس : صدقوا والله! أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون ، ثم تلا {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} هم والله القدرية. ثلاثا.
قوله تعالى : {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} أي غلب واستعلى ، أي بوسوسته في الدنيا. وقيل : قوي عليهم. وقال المفضل : أحاط بهم. ويحتمل رابعا أي جمعهم وضمهم. يقال : أحوذ الشيء أي جمعه وضم بعضه إلى بعض ، وإذا جمعهم فقد غلبهم وقوي عليهم وأحاط بهم.
{فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} أي أوامره في العمل بطاعته. وقيل : زواجره في النهي عن معصيته. والنسيان قد يكون بمعنى الغفلة ، ويكون بمعنى الترك ، والوجهان محتملان هنا. {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ} طائفته ورهطه {أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} في بيعهم ، لأنهم باعوا الجنة بجهنم ، وباعوا الهدى بالضلالة.
الآية : [20] {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ}
الآية : [21] {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}
قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} تقدم. {أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} أي من جملة الأذلاء لا أذل منهم {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ} أي قضى الله ذلك. وقيل : كتب في اللوح المحفوظ ، عن قتادة. الفراء : كتب بمعنى قال . {أنا} توكيد {وَرُسُلِي} من بعث منهم بالحرب فإنه غالب بالحرب ، ومن بعث منمهم بالحجة فإنه غالب بالحجة. قال مقاتل قال المؤمنون : لئن فتح الله لنا مكة والطائف وخيبر وما حولهن رجونا أن يظهرنا الله على. فارس والروم ، فقال عبدالله بن أبي ابن سلول : أتظنون الروم وفارس مثل القرى التي غلبتم عليها ؟ ! والله إنهم لأكثر عددا ، وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك ، فنزلت : {لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} . نظيره : {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} .
الآية : [22] {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
فيه مسألتان :
الأولى- قوله تعالى : {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ} أي يحبون ويوالون {مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} تقدم {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} قال السدي : نزلت في عبدالله بن عبدالله بن أبي ، جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشرب النبي صلى الله عليه وسلم ماء ، فقال له : بالله يا رسول الله ما أبقيت من شرابك فضلة أسقيها أبي ، لعل الله يطهر بها قلبه ؟ فأفضل له فأتاه بها ، فقال له عبدالله : ما هذا ؟ فقال : هي فضلة من شراب النبي صلى الله عليه وسلم جئتك بها تشربها لعل الله يطهر قلبك بها. فقال له أبوه : فهلا جئتني ببول أمك فإنه أطهر منها. فغضب وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا رسول الله! أما أذنت لي في قتل أبي ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بل ترفق به وتحسن إليه" . وقال ابن جريج : حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلى الله عليه وسلم فصكه أبو بكر ابنه صكة فسقط منها على وجهه ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : "أو فعلته ، لا تعد إليه" فقال : والذى بعثك بالحق نبيا لو كان السيف مني قريبا لقتلته. وقال ابن مسعود : نزلت في أبي عبيدة بن الجراح ، قتل أباه عبدالله بن الجراح يوم أحد وقيل : يوم بدر. وكان الجراح يتصدى لأبي عبيدة وأبوعبيدة يحيد عنه ، فلما أكثر قصد إليه أبو عبيدة فقتله ، فأنزل الله حين قتل أباه : {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } الآية. قال الواقدي : كذلك يقول أهل الشام. ولقد سألت رجالا من بني الحرث بن فهر فقالوا : توفي أبوه من قبل الإسلام. {أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} يعني أبا بكر دعا ابنه عبدالله إلى البراز يوم بدر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم أنك عندي بمنزلة السمع والبصر" . {أَوْ إِخْوَانَهُمْ} يعني مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير
يوم بدر. {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} يعني عمر بن الخطاب قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر ، وعلا وحمزة قتلا عتبة وشيبة والوليد يوم بدر. وقيل : إن الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، لما كتب إلى أهل مكة بمسير النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح ، على ما يأتي بيانه أول سورة {الممتحنة} إن شاء الله تعالى. بين أن الإيمان يفسد بموالاة الكفار وإن كانوا أقارب.
الثانية- استدل مالك رحمه الله من هذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم. قال أشهب عن مالك : لا تجالس القدرية وعادهم في الله ، لقوله تعالى : {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} .
قلت : وفي معنى أهل القدر جميع أهل الظلم والعدوان. وعن الثوري أنه قال : كانوا يرون أنها نزلت في من كان يصحب السلطان. وعن عبدالعزيز بن أبي داود أنه لقي المنصور في الطواف فلما عرفه هرب منه وتلاها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : "اللهم لا تجعل لفاجر عندي نعمة فإني وجدت فيما أوحيت" {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ - إلى قوله - أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ} أي خلق في قلوبهم التصديق ، يعني من لم يوال من حاد الله. وقيل : كتب أثبت ، قاله الربيع بن أنس. وقيل : جعل ، كقوله تعالى : {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} أي اجعلنا. وقوله : {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} وقيل : {كَتَبَ} أي جمع ، ومنه الكتيبة ، أي لم يكونوا ممن يقول نؤمن ببعض ونكفر ببعض. وقراءة العامة بفتح الكاف من {كَتَبَ} ونصب النون من {الأِيمَانَ} بمعنى كتب الله وهو الأجود ، لقوله تعالى : {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} وقرأ أبو العالية وزر بن حبيش والمفضل عن عاصم {كَتَبَ} على ما لم يسم فاعله {الأِيمَانَ} برفع النون. وقرأ زر بن حبيش {أَو عَشِيرَتَهُمْ} بألف وكسر التاء على الجمع ، ورواها الأعمش عن أبي بكر عن عاصم. وقيل : {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ} أي على قلوبهم ، كما في قلوبهم {في فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} وخص القلوب بالذكر لأنها موضع الإيمان . {وَأَيَّدَهُمْ} قواهم ونصرهم بروح منه ، قال الحسن : وبنصر منه. وقال
الربيع بن أنس : بالقرآن وحججه. وقال ابن جريج : بنور وإيمان وبرهان وهدى. وقيل : برحمة من الله. وقال بعضهم : أيدهم بجبريل عليه السلام. {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} أي قبل أعمالهم {وَرَضُوا عَنْهُ} فرحوا بما أعطاهم {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} قال سعيد بن أبي سعيد الجرجاني عن بعض مشايخه ، قال داود عليه السلام : إلهي! من حزبك وحول عرشك ؟ فأوحى الله إليه : "يا داود الغاضة أبصارهم ، النقية قلوبهم ، السليمة أكفهم ، أولئك حزبي وحول عرشي" .
ختمت والحمد لله سورة المجادلة




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.22 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.47%)]