عرض مشاركة واحدة
  #716  
قديم 13-07-2025, 04:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (18)
سُورَةُ الملك
من صــ 211الى صــ220
الحلقة (716)



دليلة {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} وعلى هذا فالمصابيح لا تزول ولا يرجم بها. وقيل : إن الضمير راجع إلى المصابيح على أن الرجم من أنفس الكواكب ، ولا يسقط الكوكب نفسه إنما ينفصل منه شيء يرجم به من غير أن ينقص ضوءه ولا صورته. قال أبو علي جوابا لمن قال : كيف تكون زينة وهي رجوم لا تبقى. قال المهدوي : وهذا على أن يكون الاستراق من موضع الكواكب. والتقدير الأول على أن يكون الاستراق من الهوى الذي هو دون موضع الكواكب. القشيري : وأمثل من قول أبي علي أن نقول : هي زينة قبل أن يرجم بها الشياطين. والرجوم جمع رجم ؛ وهو مصدر سمي به ما يرجم به. قال قتادة : خلق الله تعالى النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها في البر والبحر والأوقات. فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم له به ، وتعدى وظلم. وقال محمد بن كعب : والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء نجم ، ولكنهم يتخذون الكهانة سبيلا ويتخذون النجوم علة. {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} أي أعتدنا للشياطين أشد الحريق ؛ يقال : سعرت النار فهي مسعورة وسعير ؛ مثل مقتولة وقتيل . {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} .
الآية : [7] {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ}
قوله تعالى : {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا} يعني الكفار. {سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً} أي صوتا. قال ابن عباس : الشهيق لجهنم عند إلقاء الكفار فيها ؛ تشهق إليهم شهقة البغلة للشعير ، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف. وقيل : الشهيق من الكفار عند إلقائهم في النار قاله عطاء. والشهيق في الصدر ، والزفير في الحلق. وقد مضى في سورة "هود" . {وَهِيَ تَفُورُ} أي تغلي ؛ ومنه قول حسان :
تركتم قدركم لا شيء فيها ... وقدر القوم حامية تفور
قال مجاهد : تفور بهم كما يفور الحب القليل في الماء الكثير. وقال ابن عباس : تغلي بهم على المرجل ؛ وهذا من شدة لهب النار من شدة الغضب ؛ كما تقول فلان يفور غيظا.
الآية : [8] {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ}
الآية : [9] {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ}
الآية : [10] {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}
الآية : [11] {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ}
قوله تعالى : {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} يعني تتقطع وينفصل بعضها من بعض ؛ قاله سعيد بن جبير. وقال ابن عباس والضحاك وابن زيد : تتفرق. { مِنَ الْغَيْظِ } من شدة الغيظ على أعداء الله تعالى. وقيل : {مِنَ الْغَيْظِ } من الغليان. وأصل "تَمَيَّزُ" تتميز. {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} أي جماعة من الكفار. {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا} على جهة التوبيخ والتقريع {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} أي رسول في الدنيا ينذركم هذا اليوم حتى تحذروا. {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ} أنذرنا وخوفنا. {فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} أي على ألسنتكم. {إِنْ أَنْتُمْ} يا معشر الرسل. {إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} اعترفوا بتكذيب الرسل ، ثم اعترفوا بجهلهم فقالوا وهم في النار : {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} من النذر - يعني الرسل - ما جاؤوا به {أَوْ نَعْقِلُ} عنهم. قال ابن عباس : لو كنا نسمع الهدى أو نعقله ، أو لو كنا نسمع سماع من يعي ويفكر ، أو نعقل عقل من يميز وينظر. ودل هذا على أن الكافر لم يعط من العقل شيئا. وقد مضى في "الطور" بيانه والحمد لله. {مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} يعني ما كنا من أهل النار. وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لقد ندم الفاجر يوم القيامة قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا"
في أصحاب السعير فقال الله تعالى : "فاعترفوا بذنبهم" أي بتكذيبهم الرسل. والذنب ها هنا بمعنى الجمع ؛ لأن فيه معنى الفعل. يقال : خرج عطاء الناس أي أعطيتهم. {فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} أي فبعدا لهم من رحمة الله. وقال سعيد بن جبير وأبو صالح : هو واد في جهنم يقال له السحق. وقرأ الكسائي وأبو جعفر "فَسُحُقاً" بضم الحاء ، ورويت عن علي. الباقون بإسكانها ، وهما لغتان مثل السحت والرعب. الزجاج : وهو منصوب على المصدر ؛ أي أسحقهم الله سحقا ؛ أي باعدهم بعدا. قال امرؤ القيس :
يجول بأطراف البلاد مغربا ... وتسحقه ريح الصبا كل مسحق
وقال أبو علي : القياس إسحاقا ؛ فجاء المصدر على الحذف ؛ كما قيل :
وإن أهلك فذلك كان قدري
أي تقديري. وقيل : إن قوله تعالى : {إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} من قول خزنة جهنم لأهلها.
الآية : [12] {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}
قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} نظيره : {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} وقد مضى الكلام فيه. أي يخافون الله ويخافون عذابه الذي هو بالغيب ؛ وهو عذاب يوم القيامة. {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} لذنوبهم {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} وهو الجنة.
الآية : [13] {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
الآية : [14] {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}
قوله تعالى : {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} اللفظ لفظ الأمر والمراد به الخبر ؛ يعني إن أخفيتم كلامكم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم أو جهرتم به {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
يعني بما في القلوب من الخير والشر. ابن عباس : نزلت في المشركين كانوا ينالون من النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام ؛ فقال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كي لا يسمع رب محمد ؛ فنزلت : {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} . يعني : أسروا قولكم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل في سائر الأقوال. أو أجهروا به ؛ أعلنوه. {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ذات الصدور ما فيها ؛ كما يسمى ولد المرأة وهو جنين "ذا بطنها" . ثم قال : {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} يعني ألا يعلم السر من خلق السر. يقول أنا خلقت السر في القلب أفلا أكون عالما بما في قلوب العباد. وقال أهل المعاني : إن شئت جعلت "من" اسما للخالق جل وعز ؛ ويكون المعنى : ألا يعلم الخالق خلقه. وإن شئت جعلته اسما للمخلوق ، والمعنى : ألا يعلم الله من خلق. ولا بد أن يكون الخالق عالما بما خلقه وما يخلقه. قال ابن المسيب : بينما رجل واقف بالليل في شجر كثير وقد عصفت الريح فوقع في نفس الرجل : أترى الله يعلم ما يسقط من هذا الورق ؟ فنودي من جانب الغيضة بصوت عظيم : ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني : من أسماء صفات الذات ما هو للعلم ؛ منها "الْعَلِيمُ" ومعناه تعميم جميع المعلومات. ومنها "الْخَبِيرُ" ويختص بأن يعلم ما يكون قبل أن يكون. ومنها "الْحَكِيمُ" ويختص بأن يعلم دقائق الأوصاف. ومنها "الَشَهِيدٌ" ويختص بأن يعلم الغائب والحاضر ومعناه أن لا يغيب عنه شيء ، ومنها الحافظ ويختص بأنه لا ينسى. ومنها "المحصي" ويختص بأنه لا تشغله الكثرة عن العلم ؛ مثل ضوء النور واشتداد الريح وتساقط الأوراق ؛ فيعلم عند ذلك أجزاء الحركات في كل ورقة. وكيف لا يعلم وهو الذي يخلق! وقد قال : {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} .
الآية : [15] {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}
قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً} أي سهلة تستقرون عليها. والذلول المنقاد الذي يذل لك والمصدر الذل وهو اللين والانقياد. أي لم يجعل الأرض بحيث يمتنع
المشي فيها بالحزونة والغلظة. وقيل : أي ثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها ؛ ولو كانت تتكفأ متماثلة لما كانت منقادة لنا. وقيل : أشار إلى التمكن من الزرع والغرس وشق العيون والأنهار وحفر الآبار. {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} هو أمر إباحة ، وفيه إظهار الأمتنان. وقيل : هو خبر بلفظ الأمر ؛ أي لكي تمشوا في أطرافها ونواحيها وآكامها وجبالها. وقال ابن عباس وقتادة وبشير بن كعب : "في مناكبها" في جبالها. وروي أن بشير بن كعب كانت له سرية فقال لها : إن أخبرتني ما مناكب الأرض فأنت حرة ؟ فقالت : مناكبها جبالها. فصارت حرة ، فأراد أن يتزوجها فسأل أبا الدرداء فقال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. مجاهد : في أطرافها. وعنه أيضا : في طرقها وفجاجها. وقاله السدي والحسن. وقال الكلبي : في جوانبها. ومنكبا الرجل : جانباه. وأصل المنكب الجانب ؛ ومنه منكب الرجل. والريح النكباء. وتنكب فلان عن فلان. يقول : أمشوا حيث أردتم فقد جعلتها لكم ذلولا لا تمتنع. وحكى قتادة عن أبي الجلد : أن الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ ؛ فللسودان أثنا عشر ألف ، وللروم ثمانية آلاف ، وللفرس ثلاثة آلاف ، وللعرب ألف. {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} أي مما أحله لكم ؛ قاله الحسن. وقيل : مما أتيته لكم. {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} المرجع. وقيل : معناه أن الذي خلق السماء لا تفاوت فيها ، والأرض ذلولا قادر على أن ينشركم.
الآية : [16] {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}
قوله تعالى : {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} قال ابن عباس : أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه. وقيل : تقديره أأمنتم من في السماء قدرته وسلطانه وعرشه ومملكته. وخص السماء وإن عم ملكه تنبيها على أن الإله الذي تنفذ قدرته في السماء لا من يعظمونه في الأرض. وقيل : هو إشارة إلى الملائكة. وقيل : إلى جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب.
قلت : ويحتمل أن يكون المعنى : أأمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون. {فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} أي تذهب وتجيء. والمور : الاضطراب بالذهاب والمجيء. قال الشاعر :
رمين فأقصدن القلوب ولن ترى ... دما مائرا إلا جرى في الحيازم
جمع حيزوم وهو وسط الصدر. وإذا خسف بإنسان دارت به الأرض فهو المور. وقال المحققون : أمنتم من فوق السماء ؛ كقول : {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} أي فوقها لا بالمماسة والتحيز لكن بالقهر والتدبير. وقيل : معناه أمنتم من على السماء ؛ كقوله تعالى : {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي عليها. ومعناه أنه مديرها ومالكها ؛ كما يقال : فلان على العراق والحجاز ؛ أي وإليها وأميرها. والأخبار في هذا الباب كثيرة صحيحة منتشرة ، مشيرة إلى العلو ؛ لا يدفعها إلا ملحد أو جاهل معاند. والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت. ووصفه بالعلو والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود لأنها صفات الأجسام. وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء لأن السماء مهبط الوحي ، ومنزل القطر ، ومحل القدس ، ومعدن المطهرين من الملائكة ، وإليها ترفع أعمال العباد ، وفوقها عرشه وجنته ؛ كما جعل الله الكعبة قبلة للدعاء والصلاة ، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها ، وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان. ولا مكان له ولا زمان. وهو الآن على ما عليه كان. وقرأ قنبل عن ابن كثير "النشور وامنتم" بقلب الهمزة الأولى واوا وتخفيف الثانية. وقرأ الكوفيون والبصريون وأهل الشام سوى أبي عمرو وهشام بالتخفيف في الهمزتين ، وخفف الباقون. وقد تقدم جميعه.
الآية : [17] {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ}
قوله تعالى : {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} أي حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل. وقيل : ريح فيها حجارة وحصباء. وقيل : سحاب فيه حجارة. {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} أي إنذاري. وقيل : النذير بمعنى المنذر. يعني محمدا صلي الله عليه وسلم فستعلمون صدقه وعاقبة تكذيبكم.
الآية : [18] {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}
قوله تعالى : {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني كفار الأمم ؛ كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين وأصحاب الرس وقوم فرعون {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي إنكاري وقد تقدم. وأثبت ورش الياء في "نذيري ، ونكيري" في الوصل. وأثبتها يعقوب في الحالين. وحذف الباقون اتباعا للمصحف.
الآية : [19] {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ}
قوله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} أي كما ذلل الأرض للآدمي ذلل الهواء للطيور. و "صَافَّاتٍ" أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ؛ لأنهن إذا بسطنها صففن قوائمها صفا. {وَيَقْبِضْنَ} أي يضربن بها جنوبهن. قال أبو جعفر النحاس : يقال للطائر إذا بسط جناحيه : صاف ، وإذا ضمهما فأصابا جنبه : قابض ؛ لأنه يقبضهما. قال أبو خراش :
يبادر جنح الليل فهو موائل ... يحث الجناح بالتبسط والقبض
وقيل : ويقبض أجنحتهن بعد بسطها إذا وقفن من الطيران. وهو معطوف على "صافات" عطف المضارع على اسم الفاعل ؛ كما عطف اسم الفاعل على المضارع في قول الشاعر :
بات يعشيها بعضب باتر ... يقصد في أسوقها وجائر
{مَا يُمْسِكُهُنَّ} أي ما يمسك الطير في الجو وهي تطير إلا الله عز وجل. { إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} .
الآية : [20] {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ}
قوله تعالى : {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ} قال ابن عباس : حزب ومنعة لكم. {يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} فيدفع عنكم ما أراد بكم إن عصيتموه. ولفظ الجند يوحد ؛ ولهذا قال : {هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ} وهو استفهام إنكار ؛ أي لا جند لكم يدفع عنكم عذاب الله {مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} أي من سوى الرحمن. {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ} من الشياطين ؛ تغرهم بأن لا عذاب ولا حساب.
الآية : [21] {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}
قوله تعالى : {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ} أي يعطيكم منافع الدنيا. وقيل المطر من آلهتكم. {إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} يعني الله تعالى رزقه. {بَلْ لَجُّوا} أي تمادوا وأصروا. {فِي عُتُوٍّ} طغيان {وَنُفُورٍ} عن الحق.
الآية : [22] {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
قوله تعالى : {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ} ضرب الله مثلا للمؤمن والكافر {مُكِبّاً} أي منكسا رأسه لا ينظر أمامه ولا يمينه ولا شماله ؛ فهو لا يأمن من العثور والانكباب على وجهه. كمن يمشي سويا معتدلا ناظرا ما بين يديه وعن يمينه وعن شماله. قال ابن عباس : هذا في الدنيا ؛ ويجوز أن يريد به الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق فيعتسف ؛ فلا يزال ينكب على وجهه. وأنه ليس كالرجل السوي الصحيح البصير الماشي في الطريق المهتدى له. وقال قتادة : هو الكافر أكب على معاصي الله في الدنيا فحشره الله يوم القيامة على وجهه. وقال ابن عباس والكلبي : عنى بالذي يمشى مكبا على وجهه أبا جهل ، وبالذي يمشي سويا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل أبو بكر. وقيل حمزة. وقيل عمار ابن ياسر ؛ قاله عكرمة. وقيل : هو عام في الكافر والمؤمن ؛ أي أن الكافر لا يدري أعلى حق هو أم على باطل. أي أهذا الكافر أهدى أو المسلم الذي يمشي سويا معتدلا يبصر للطريق وهو {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وهو الإسلام. ويقال : أكب الرجل على وجهه ؛ فيما لا يتعدى بالألف. فإذا تعدى قيل : كبه الله لوجهه ؛ بغير ألف.
الآية : [23] {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ}
قوله تعالى : {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ} أمر نبيه أن يعرفهم قبح شركهم مع اعترافهم بأن الله خلقهم. {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ} يعني القلوب {قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} أي لا تشكرون هذه النعم ، ولا توحدون الله تعالى. تقول : قلما أفعل كذا ؛ أي لا أفعله.
الآية : [24] {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}
الآية : [25] {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
قوله تعالى : {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ} أي خلقكم في الأرض ؛ قال ابن عباس. وقيل : نشركم فيها وفرقكم على ظهرها ؛ قاله ابن شجرة. {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} حتى يجازي كلا بعمله. {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي متى يوم القيامة ومتى هذا العذاب الذي تعدوننا به وهذا استهزاء منهم. وقد تقدم.
الآية : [26] {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}
قوله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ} أي قل لهم يا محمد علم وقت قيام الساعة عند الله فلا يعلمه غيره. نظيره : {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} الآية. {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي مخوف ومعلم لكم.
الآية : [27] {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ}
قوله تعالى : {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} مصدر بمعنى مزدلفا أي قريبا ؛ قال مجاهد. الحسن عيانا. وأكثر المفسرين على أن المعنى : فلما رأوه يعني العذاب ، وهو عذاب الآخرة. وقال مجاهد : يعني عذاب بدر. وقيل : أي رأوا ما وعدوا من الحشر قريبا منهم. ودل عليه {تُحْشَرُونَ} وقال ابن عباس : لما رأوا عملهم السيئ قريبا. {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي فعل بها السوء. وقال الزجاج : تبين فيها السوء أي ساءهم ذلك العذاب وظهر على وجوههم سمة تدل على كفرهم ؛ كقوله تعالى : {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} وقرأ نافع وابن محيصن وابن عامر والكسائي "سئت" بإشمام الضم. وكسر الباقون بغير إشمام طلبا للخفة. ومن ضم لاحظ الأصل. {وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} قال الفراء : {تَدَّعُونَ } تفتعلون من الدعاء وهو قول أكثر العلماء أي تتمنون وتسألون.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.51%)]