عرض مشاركة واحدة
  #755  
قديم 14-07-2025, 06:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,350
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (19)
سُورَةُ البروج

من صــ 291 الى صــ299
الحلقة (755)



نارا لا تطفأ ، فقذفا جميعا أنفسهما في النار ، فجعلها الله وأبنها في الجنة. فقذف في يوم واحد سبعة وسبعون إنسانا. وقال ابن إسحاق عن وهب بن منبه : كان رجل من بقايا أهل دين عيسى بن مريم عليه السلام ، يقال له قيميون ، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا مجاب الدعوة ، وكان سائحا في القرى ، لا يعرف بقرية إلا مضى عنها ، وكان بناء يعمل الطين. قال محمد بن كعب القرظي ، وكان أهل نجران أهل شرك يعبدون الأصنام ، وكان في قرية من قراها قريبا من نجران ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر ؛ فلما نزل بها قيميون ، بنى بها خيمة بين نجران وبين تلك القرية التي بها الساحر ، فجعل أهل نجران يبعثون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر ، فبعث إليه الثامر عبدالله بن الثامر ، فكان مع غلمان أهل نجران ، وكان عبدالله إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من أمر صلاته وعبادته ، فجعل يجلس إليه ويسمع منه ، حتى أسلم ، فوحد الله وعبده ، وجعل يسأله عن آسم الله الأعظم ، وكان الراهب يعلمه ، فكتمه إياه وقال : يا ابن أخي ، إنك لن تحمله ، أخشى ضعفك عنه ؛ وكان أبو الثامر لا يظن إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان. فلما رأى عبدالله أن الراهب قد بخل عليه بتعليم اسم الله الأعظم ، عمد إلى قداح فجمعها ، ثم لم يبق لله تعالى أسما يعلمه إلا كتبه في قدح ، لكل اسم قدح ؛ حتى إذا أحصاها أوقد لها نارا ، ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا ، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه ، فوثب القدح حتى خرج منها لم يضره شيء ، فأخذه ثم قام إلى صاحبه ، فأخبره أنه علم اسم الله الأعظم الذي كتمه إياه ، فقال : وما هو ؟ قال : كذا وكذا. قال : وكيف علمته ؟ فأخبره بما صنع. فقال له : يا ابن أخي ، قد أصبته ، فأمسك على نفسك ، وما أظن أن تفعل.
فجعل عبدالله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضر إلا قال : يا عبدالله ، أتوحد الله وتدخل في ديني ، فأدعو الله لك فيعافيك مما أنت فيه من البلاء ؟ فيقول : نعم ؛ فيوحد الله ويسلم ، فيدعوا الله له فيشفي ، حتى لم يبق أحد بنجران به ضر إلا أتاه فاتبعه على دينه ودعا له فعوفي ؛ حتى رفع شأنه إلى ملكهم ، فدعاه فقال له :
أفسدت علي أهل قريتي ، وخالفت ديني ودين أبائي ، فلأمثلن بك. قال : لا تقدر على ذلك ؛ فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل ، فيطرح عن رأسه ، فيقع على الأرض ليس به بأس. وجعل يبعث به إلى مياه نجران ، بحار لا يلقى فيها شيء إلا هلك ، فيلقي فيها فيخرج ليس به بأس ؛ فلما غلبه قال له عبدالله بن الثامر : والله لا تقدر على قتلي حتى توحد الله وتؤمن بما آمنت به ؛ فإنك إن فعلت ذلك سلطت علي وقتلتني. فوحد الله ذلك الملك وشهد شهادته ، ثم ضربه بعصا فشجه شجة صغيرة ليست بكبيرة ، فقتله ، وهلك الملك مكانه ، واجتمع أهل نجران على دين عبدالله بن الثامر ، وكان على ما جاء به عيسى بن مريم من الإنجيل وحكمه. ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث ؛ فمن ، ذلك كان أصل النصرانية بنجران. فسار إليهم ذو نواس اليهودي بجنوده من حمير ، فدعاهم إلى اليهودية ، وخيرهم بين ذلك أو القتل ، فاختاروا القتل ، فخد لهم الأخدود ، فحرق بالنار وقتل بالسيف ، ومثل بهم حتى قتل منهم عشرين ألفا. وقال وهب بن منبه : اثني عشر ألفا. وقال الكلبي : كان أصحاب الأخدود خرج ذو نواس هاربا ، فاقتحم البحر بفرسه فغرق. قال ابن إسحاق : وذو نواس هذا سمه زرعة بن تبان أسعد الحميري ، وكان أيضا يسمى يوسف ، وكان له غدائر من شعر تنوس ، أي تضطرب ، فسمي ذا نواس ، وكان فعل هذا بأهل نجران ، فأفلت منهم رجل اسمه دوس ذو ثعلبان ، فساق الحبشة لينتصر بهم ، فملكوا اليمن وهلك ذو نواس في البحر ، ألقي نفسه فيه ، وفيه يقول عمرو بن معدي كرب :
أتوعدني كأنك ذو رعين ... بأنعم عيشة أو ذو نواس
وكائن كان قبلك من نعيم ... وملك ثابت في الناس راس
قديم عهده من عهد عاد ... عظيم قاهر الجبروت قاس
أزال الدهر ملكهم فأضحى ... ينقل من أناس في أناس
وذو رعين : ملك من ملوك حمير. ورعين حصن له وهو من ولد الحرث بن عمرو بن حمير بن سبأ.
مسألة : قال علماؤنا : أعلم الله عز وجل المؤمنين من هذه الأمة في هذه الآية ، ما كان يلقاه من وحد قبلهم من الشدائد ، يؤنسهم بذلك. وذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم قصة الغلام ليصبروا على ما يلاقون من الأذى والآلام ، والمشقات التي كانوا عليها ، ليتأسوا بمثل هذا الغلام ، في صبره وتصلبه في الحق وتمسكه به ، وبذله نفسه في حق إظهار دعوته ، ودخول الناس في الدين مع صغر سنه وعظم صبره. وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحق حتى نشر بالمنشار. وكذلك كثير من الناس لما آمنوا بالله تعالى ورسخ الإيمان في قلوبهم ، صبروا على الطرح في النار ولم يرجعوا في دينهم. ابن العربي : وهذا منسوخ عندنا ، حسب ما تقدم بيانه في سورة "النحل" .
قلت : ليس بمنسوخ عندنا ، وأن الصبر على ذلك لمن قويت نفسه وصلب دينه أولى ، قال الله تعالى مخبرا عن لقمان : {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} : وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" : خرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب ، وروى ابن سنجر (محمد بن سنجر) عن أميمة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كنت أوضئ النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه رجل ، قال : أوصني فقال : "لا تشرك بالله شيئا وأن قطعت أو حرقت بالنار.." الحديث قال علماؤنا : ولقد امتحن كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل والصلب والتعذيب الشديد ، فصبروا ولم يلتفتوا إلى شيء من ذلك ويكفيك قصة عاصم وخبيب وأصحابهما وما لقوا من الحروب والمحن والقتل والأسر والحرق ، وغير ذلك ، وقد مضى في "النحل" أن هذا إجماع ممن قوي في ذلك ، فتأمله هناك.
قوله تعالى : {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} دعاء على هؤلاء الكفار بالإبعاد من رحمة الله تعالى : وقيل : معناه الإخبار عن قتل أولئك المؤمنين ، أي إنهم قتلوا بالنار فصبروا : وقيل : هو إخبار عن أولئك الظالمين ، فإنه روي أن الله قبض أرواح الذين ألقوا في الأخدود قبل أن يصلوا إلى النار ، وخرجت نار من الأخدود فأحرقت الذين هم عليها قعود : وقيل : إن المؤمنين نجوا ، وأحرقت النار الذين قعدوا ، ذكره النحاس ، ومعنى "عليها" أي عندها وعلى بمعنى عند ، وقيل : "عليها" على ما يدنو منها من حافات الأخدود ، كما قال :
وبات على النار الندى والمحلق
العامل في "إذ" : "قتل" ، أي لعنوا في ذلك الوقت : {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} أي حضور : يعني الكفار ، كانوا يعرضون الكفر على المؤمنين ، فمن أبى ألقوه في النار وفي ذلك وصفهم بالقسوة ثم بالجد في ذلك : وقيل : "على" بمعنى مع ، أي وهم : مع ما يفعلون بالمؤمنين شهود.
8-
{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} .

9-
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} .

قوله تعالى : {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ} وقرأ أبو حيوة {نقموا} بالكسر ، والفصيح هو الفتح ، وقد مضى في "التوبة" القول فيه : أي ما نقم الملك وأصحابه من الذين حرقهم. {إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} أي إلا أن يصدقوا. {بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} أي الغالب المنيع. {الْحَمِيدِ}
أي المحمود في كل حال. {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لا شريك له ولا نديد {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي عالم بأعمال خلقه لا تخفي عليه خافية.
10-
{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} .

11-
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} .

قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} أي حرقوهم بالنار. والعرب تقول : فتن فلان الدرهم والدينار إذا أدخله الكور لينظر جودته. ودينار مفتون. ويسمى الصائغ الفتان ، وكذلك الشيطان ، وورق فتين ، أي فضة محترقة. ويقال للحرة فتين ، أي كأنها أحرقت حجارتها بالنار ، وذلك لسوادها. {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} أي من قبيح صنيعهم مع ما أظهره الله لهذا الملك الجبار الظالم وقومه من الآيات والبينات على يد الغلام. {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} لكفرهم. {وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} في الدنيا لإحراقهم المؤمنين بالنار. وقد تقدم عن ابن عباس. وقيل : {وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} أي ولهم في الآخرة عذاب زائد على عذاب كفرهم بما أحرقوا المؤمنين. وقيل : لهم عذاب ، وعذاب جهنم الحريق. والحريق : اسم من أسماء جهنم ؛ كالسعير. والنار دركات وأنواع ولها أسماء. وكأنهم يعذبون بالزمهرير في جهنم ، ثم يعذبون بعذاب الحريق. فالأول عذاب ببردها ، والثاني عذاب بحرها.
قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} أي هؤلاء الذين كانوا آمنوا بالله ؛ أي صدقوا به وبرسله. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ} أي بساتين. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} من ماء غير آسن ، ومن لبن لم يتغير طعمه ، ومن خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى. {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}
أي العظيم ، الذي لا فوز يشبهه.
12-
{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} .

13-
{إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ}

14-
{وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}

15-
{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}

16-
{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}

قوله تعالى : {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} أي أخذه الجبابرة والظلمة ، كقوله جل ثناؤه : {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} . وقد تقدم. قال المبرد : "إن بطش ربك" جواب القسم. المعنى : والسماء ذات البروج إن بطش ربك ، وما بينهما معترض مؤكد للقسم. وكذلك قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول : إن القسم واقع عما ذكر صفته بالشدة : {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} يعني الخلق - عن أكثر العلماء - يخلقهم ابتداء ، ثم يعيدهم عند البعث ، وروى عكرمة قال : عجب الكفار من إحياء الله جل ثناؤه الأموات ، وقال ابن عباس : يبدئ لهم عذاب الحريق في الدنيا ، ثم يعيده عليهم الآخرة. وهذا اختيار الطبري. {وَهُوَ الْغَفُورُ} أي الستور لذنوب عباده المؤمنين لا يفضحهم بها. {الْوَدُودُ} أي المحب لأوليائه. وروى الضحاك عن ابن عباس قال : كما يود أحدكم أخاه بالبشرى والمحبة. وعنه أيضا "الودود" أي المتودد إلى أوليائه بالمغفرة ، وقال مجاهد الواد لأوليائه ، فعول بمعني فاعل. وقال ابن زيد : الرحيم ، وحكى المبرد عن إسماعيل بن إسحاق القاضي أن الودود هو الذي لا ولد له ، وأنشد قول الشاعر :
وأركب في الروع عريانة ... ذلول الجناح لقاحا ودودا
أي لا ولد لها تحن إليه ، ويكون معنى الآية : إنه يغفر لعباده وليس له ولد يغفر لهم من أجله ، ليكون بالمغفرة متفضلا من غير جزاء. وقيل : الودود بمعنى المودود ، كركوب وحلوب ، أي يوده عباده الصالحون ويحبونه.
قوله تعالى : {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} قرأ الكوفيون إلا عاصما "المجيد" بالخفض ، نعتا للعرش. وقيل : لـ "ربك" ؛ أي إن بطش ربك المجيد لشديد ،
ولم يمتنع الفصل ، لأنه جار مجرى الصفة في التشديد. الباقون بالرفع نعتا لـ "ذو" وهو الله تعالى. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ؛ لأن المجد هو النهاية في الكرم والفضل ، والله سبحانه المنعوت بذلك ، وإن كان قد وصف عرشه بالكريم في آخر "المؤمنون" . تقول العرب : في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار ؛ أي تناهيا فيه ، حتى يقتبس منهما. ومعنى ذو العرش : أي ذو الملك والسلطان ؛ كما يقال : فلان على سرير ملكه ؛ وإن لم يكن على سرير. ويقال : ثل عرشه : أي ذهب سلطانه. وقد مضى بيان هذا في "الأعراف" وخاصة في "كتاب الأسنى ، في شرح أسماء الله الحسنى" . {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} أي لا يمتنع عليه شيء يريده. الزمخشري : "فعال" خبر ابتداء محذوف. وإنما قيل : "فعال" لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة. وقال الفراء : هو رفع على التكرير والاستئناف ؛ لأنه نكرة محضة. وقال الطبري : رفع "فعال" وهي نكرة محضة على وجه الاتباع لإعراب "الغفور الودود" . وعن أبي السفر قال : دخل ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر رضي الله عنه يعودونه فقالوا : ألا نأتيك بطبيب ؟ قال : قد رآني! قالوا : فما قال لك ؟ قال : قال : إني فعال لما أريد.
17-
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ}

18-
{فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ}

19-
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ}

قوله تعالى : {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ} أي قد أتاك يا محمد خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم ؛ يؤنسه بذلك ويسليه. ثم بينهم فقال : {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} وهما في موضع جر على البدل من "الجنود" . المعنى : إنك قد عرفت ما فعل الله بهم حين كذبوا أبياءه ورسله. {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي من هؤلاء الذين لا يؤمنون بك. {فِي تَكْذِيبٍ}
لك ؛ كدأب من قبلهم. وإنما خص فرعون وثمود ؛ لأن ثمود في بلاد العرب وقصتهم عندهم مشهورة وإن كانوا من المتقدمين ، وأمر فرعون كان مشهورا عند أهل الكتاب وغيرهم ، وكان من المتأخرين في الهلاك ؛ فدل بهما على أمثالهما في الهلاك. والله أعلم.
20-
{وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ}

21-
{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}

22-
{فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}

قوله تعالى : {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ} أي يقدر على أن ينزل بهم ما أنزل بفرعون. والمحاط به كالمحصور. وقيل : أي والله عالم بهم فهو يجازيهم. {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} أي متناه في الشرف والكرم والبركة ، وهو بيان ما بالناس الحاجة إليه من أحكام الدين والدنيا ، لا كما زعم المشركون. وقيل "مجيد" : أي غير مخلوق. {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} أي مكتوب في لوح. وهو محفوظ عند الله تعالى من وصول الشياطين إليه. وقيل : هو أم الكتاب ؛ ومنه انتسخ القرآن والكتب. وروى الضحاك عن ابن عباس قال : "اللوح من ياقوتة حمراء ، أعلاه معقود بالعرش وأسفله في حجر ملك يقال له ماطريون ، كتابه نور ، وقلمه نور ، ينظر الله عز وجل فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظره ؛ ليس منها نظرة إلا وهو يفعل ما يشاء ؛ يرفع وضيعا ، ويضع رفيعا ، ويغني فقيرا ، ويفقر غنيا ؛ يحيي ويميت ، ويفعل ما يشاء ؛ لا إله إلا هو" . وقال أنس بن مالك ومجاهد ، إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله تعالى في جبهة إسرافيل. وقال مقاتل : اللوح المحفوظ عن يمين العرش. وقيل : اللوح المحفوظ الذي فيه أصناف الخلق والخليقة ، وبيان أمورهم ، وهو أم الكتاب. وقال ابن عباس : أول شيء كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ "إني أنا الله لا إله إلا أنا ، محمد رسولي ، من استسلم لقضائي ، وصبر على بلائي ، وشكر نعمائي ، كتبته صديقا وبعثته مع الصديقين ، ومن لم يستسلم لقضائي"
ولم يصبر على بلائي ، ولم يشكر نعمائي ، فليتخذ إلها سواي ". وكتب الحجاج إلى محمد بن الحنفية رضي الله عنه يتوعده ؛ فكتب إليه ابن الحنفية :" بلغني أن لله تعالى في كل يوم ثلثمائة وستين نظرة في اللوح المحفوظ ؛ يعز ويذل ، ويبتلى ويفرح ، ويفعل ما يريد ؛ فلعل نظرة منها تشغلك بنفسك ، فتشتغل بها ولا تتفرغ ". وقال بعض المفسرين : اللوح شيء يلوح للملائكة فيقرؤونه."
وقرأ ابن السميقع وأبو حيوة {قرآن مجيد} على الإضافة ؛ أي قرآن رب مجيد. وقرأ نافع {في لوح محفوظ} بالرفع نعتا للقرآن ؛ أي بل هو قرآن مجيد محفوظ في لوح. الباقون (بالجر) نعتا للوح. والقراء متفقون على فتح اللام من "لوح" إلا ما روي عن يحيى بن يعمر ؛ فإنه قرآن "لوح" بضم اللام ، أي إنه يلوج ، وهو ذو نور وعلو وشرف. قال الزمخشري : واللوح الهواء ؛ يعني اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح. وفي الصحاح : لاح الشيء يلوح لوحا أي لمح. ولاحه السفر : غيره. ولاح لوحا ولواحا : عطش ، والتاج مثله. واللوح : الكتف ، وكل عظم عريض. واللوح : الذي يكتب فيه. واللوح (بالضم) : الهواء بين السماء والأرض. والحمد لله.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.69 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.64%)]