عرض مشاركة واحدة
  #775  
قديم 14-07-2025, 08:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (20)
سُورَةُ الفيل

من صــ 191 الى صــ200
الحلقة (775)



يقول : أي : شيء ما بدا لك ، لم تكن تفعله بنا. والحلال : جمع حل. والمحال : القوة وقيل : إن عبدالمطلب لما أخذ بحلقة باب الكعبة قال :
يا رب لا أرجو لهم سواكا ... يا رب فامنع منهم حماكا
إن عدو البيت من عاداكا ... إنهم لن يقهروا قواكا
وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي :
لا هم أخز الأسودين مقصود ... الأخذ الهجمة فيها التقليد
بين حراء وثبير فالبيد ... يحبسها وهي أولات التطريد
فضمها إلى طماطم سود ... قد أجمعوا ألا يكون معبود
ويهدموا البيت الحرام المعمود ... والمروتين والمشاعر السود
أخفره يا رب وأنت محمود
قال ابن إسحاق : ثم أرسل عبدالمطلب حلقة باب الكعبة ، ثم انطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال ، فتحرزوا فيها ، ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها. فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله ، وعبأ جيشه ، وكان اسم الفيل محمودا ، وأبرهة مجمع لهدم البيت ، ثم الانصراف إلى اليمن ، فلما وجهوا الفيل إلى مكة ، أقبل نفيل بن حبيب ، حتى قام إلى جنب الفيل ، ثم أخذ بأذنه فقال له : ابرك محمود ، وارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام. ثم أرسل أذنه ، فبرك الفيل. وخرج نفيل بن حبيب يشتد ، حتى أصعد في الجبل. وضربوا الفيل ليقوم فأبى ، فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى ؛ فأدخلوا
محاجن لهم في مراقه ، فبزغوه بها ليقوم ، فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن ، فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ، ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ، ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فبرك. وأرسل الله عليهم طيرا من البحر ، أمثال الخطاطيف والبلسان ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار : حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ؛ وليس كلهم أصابت. وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي جاؤوا منها ، ويسألون عن نفيل بن حبيب ، ليدلهم على الطريق إلى اليمن. فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمه :
أين المفر والإله الطالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب
وقال أيضا :
حمدت الله إذ أبصرت طيرا ... وخفت حجارة تلقى علينا
فكل القوم يسأل عن نفيل ... كأن علي للحبشان دينا
فخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون بكل مهلك على كل سهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة ، كلما سقطت منه أنملة أتبعتها منه مدة تمث قيحا ودما ؛ حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر ، فما مات حتى أنصدع صدره عن قلبه ؛ فيما يزعمون.
وقال الكلبي ومقاتل بن سليمان - يزيد أحدهما وينقص - : سبب الفيل ما روي أن فتية من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي ، فنزلوا على ساحل البحر إلى بيعة للنصارى ، تسميها النصاري الهيكل ، فأوقدوا نارا لطعامهم وتركوها وارتحلوا ؛ فهبت ريح عاصف على النار فأضرمت البيعة نارا ، فاحترقت ، فأتى الصريخ إلى النجاشي فأخبره ،
فاستشاط غضبا. فأتاه أبرهة بن الصباح وحجر بن شرحبيل وأبو يكسوم الكنديون ؛ وضمنوا له إحراق الكعبة وسبي مكة. وكان النجاشي هو الملك ، وأبرهة صاحب الجيش ، وأبو يكسوم نديم الملك ، وقيل وزير ، وحجر بن شرحبيل من قواده ، وقال مجاهد : أبو يكسوم هو أبرهة بن الصباح. فساروا ومعهم الفيل. قال الأكثرون : هو فيل واحد. وقال الضحاك : هي ثمانية فيلة. ونزلوا بذي المجاز ، واستاقوا سرح مكة ، وفيها إبل عبدالمطلب. وأتى الراعي نذيرا ، فصعد الصفا ، فصاح : واصباحاه ثم أخبر الناس بمجيء الجيش والفيل. فخرج عبدالمطلب ، وتوجه إلى أبرهة ، وسأله في إبله. واختلف في النجاشي ، هل كان معهم ؛ فقال قوم كان معهم. وقال الأكثرون : لم يكن معهم. ونظر أهل مكة بالطير قد أقبلت من ناحية البحر ؛ فقال عبدالمطلب : (إن هذه الطير غريبة بأرضنا ، وما هي بنجدية ولا تهامية ولا حجازية) وإنها أشباه اليعاسيب. وكان في مناقيرها وأرجلها حجارة ؛ فلما أطلت على القوم ألقتها عليهم ، حتى هلكوا. قال عطاء بن أبي رباح : جاءت الطير عشية ؛ فباتت ثم صبحتهم بالغداة فرمتهم. وقال الكلبي : في مناقيرها حصى كحصى الخذف ، أمام كل فرقة طائر يقودها ، أحمر المنقار ، أسود الرأس ، طويل العنق. فلما جاءت عسكر القوم وتوافت ، أهالت ما في مناقيرها على من تحتها ، مكتوب على كل حجر اسم صاحبه المقتول به. وقيل : كان كل حجر مكتوب : من أطاع الله نجا ، ومن عصاه غوى. ثم انصاعت راجعة من حيث جاءت. وقال العوفي : سألت عنها أبا سعيد الخدري ، فقال : حمام مكة منها. وقيل : كان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها ، ويقع في دماغه ، ويخرق الفيل والدابة. ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه. وكان أصحاب الفيل ستين ألفا ، لم يرجع منهم أحد إلا أميرهم ، رجع ومعه شرذمة لطيفة. فلما أخبروا بما رأوا هلكوا. وقال الواقدي : أبرهة جد النجاشي الذي كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبرهة هو الأشرم ، سمي بذلك لأنه تفاتن مع أرياط ، حتى تزاحفا ،
ثم اتفقا على أن يلتقيا بشخصيهما ، فمن غلب فله الأمر. فتبارزا - وكان أرياط جسيما عظيما ، في يده حربة ، وأبرهة قصيرا حادرا ذا دين في النصرانية ، ومع أبرهة وزير له يقال له عتودة - فلما دنوا ضرب أرياط بحربته رأس أبرهة ، فوقعت على جبينه ، فشرمت عينه وأنفه وجبينه وشفته ؛ فلذلك سمي الأشرم. وحمل عتودة على أرياط فقتله. فاجتمعت الحبشة لأبرهة ؛ فغضب النجاشي ، وحلف ليحزن ناصية أبرهة ، ويطأن بلاده. فجز أبرهة ناصيته وملأ مزودا من تراب أرضه ، وبعث بهما إلى النجاشي ، وقال : إنما كان عبدك ، وأنا عبدك ، وأنا أقوم بأمر الحبشة ، وقد جززت ناصيتي ، وبعثت إليك بتراب أرضي ، لتطأه وتبر في يمينك ؛ فرضي عنه النجاشي. ثم بنى أبرهة كنيسة بصنعاء ، ليصرف إليها حج العرب ؛ على ما تقدم.
الرابعة- قال مقاتل : كان عام الفيل قبل مولد النبي صلى الله عليه بأربعين سنة. وقال الكلبي وعبيد بن عمير : كان قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث وعشرين سنة. والصحيح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ولدت عام الفيل" . وروي عنه أنه قال : "يوم الفيل" . حكاه الماوردي في التفسير له. وقال في كتاب أعلام النبوة : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول ، وكان بعد الفيل بخمسين يوما. ووافق من شهور الروم العشرين من أسباط ، في السنة الثانية عشرة من ملك هرمز بن أنوشروان. قال : وحكى أبو جعفر الطبري أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان لاثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشروان. وقد قيل : إنه عليه السلام حملت به أمه آمنة في يوم عاشوراء من المحرم ، وولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ؛ فكانت مدة حمله ثمانية أشهر كملا ويومين من التاسع. وقيل : إنه ولد يوم عاشوراء من شهر المحرم ؛ حكاه ابن شاهين أبو حفص ، في فضائل يوم عاشوراء له. ابن العربي : قال ابن وهب عن مالك : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ، وقال قيس بن مخرمة : ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل. وقد روى الناس عن مالك أنه قال :
من مروءة الرجل ألا يخبر بسنه ؛ لأنه إن كان صغيرا استحقروه وإن كان كبيرا استهرموه. وهذا قول ضعيف ؛ لأن مالكا لا يخبر بسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكتم سنه ؛ وهو من أعظم العلماء قدوة به. فلا بأس بأن يخبر الرجل بسنه كان كبيرا أو صغيرا. وقال عبدالملك بن مروان لعتاب بن أسيد : أنت أكبر أم النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : النبي صلى الله عليه وسلم أكبر منه ، وأنا أسن منه ؛ ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل ، وأنا أدركت سائسه وقائده أعميين مقعدين يستطعمان الناس ، وقيل لبعض القضاة : كم سنك ؟ قال : سن عتاب بن أسيد حين ولاه النبي صلى الله عليه وسلم مكة ، وكان سنه يومئذ دون العشرين.
الخامسة- قال علماؤنا : كانت قصة الفيل فيما بعد من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت قبله وقبل التحدي ؛ لأنها كانت توكيدا لأمره ، وتمهيدا لشأنه. ولما تلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السورة ، كان بمكة عدد كثير ممن شهد تلك الوقعة ؛ ولهذا قال : {أَلَمْ تَرَ} ولم يكن بمكة أحد إلا وقد رأى قائد الفيل وسائقه أعميين يتكففان الناس. وقالت عائشة رضي الله عنها مع حداثة سنها : لقد رأيت قائد الفيل وسائقه أعميين يستطعمان الناس. وقال أبو صالح : رأيت في بيت أم هانئ بنت أبي طالب نحوا من قفيزين من تلك الحجارة ، سودا مخططة بحمرة.
2-
{أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ}

قوله تعالى : {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} أي في إبطال وتضييع ؛ لأنهم أرادوا أن يكيدوا قريشا بالقتل والسبي ، والبيت بالتخريب والهدم. فحكي عن عبدالمطلب أنه بعث ابنه عبدالله على فرس له ، ينظر ما لقوا من تلك الطير ، فإذا القوم مشدخين جميعا ، فرجع يركض فرسه ، كاشفا عن فخذه ، فلما رأى ذلك أبوه قال : إن ابني هذا أفرس العرب. وما كشف عن فخذه إلا بشيرا أو نذيرا. فلما دنا من ناديهم بحيث يسمعهم الصوت ، قالوا : ما وراءك ؟ قال : هلكوا جميعا. فخرج عبدالمطلب وأصحابه ، فأخذوا أموالهم. وكانت
أموال بني عبدالمطلب منها ، وبها تكاملت رياسة عبدالمطلب ؛ لأنه احتمل ما شاء من صفراء وبيضاء ، ثم خرج أهل مكة بعده ونهبوا. وقيل : إن عبدالمطلب حفر حفرتين فملأهما من الذهب والجوهر ، ثم قال لأبي مسعود الثقفي وكان خليلا لعبدالمطلب - : اختر أيهما شئت. ثم أصاب الناس من أموالهم حتى ضاقوا ذرعا ، فقال عبدالمطلب عند ذلك :
أنت منعت الحبش والأفيالا ... وقد رعوا بمكة الأجبالا
وقد خشينا منهم القتالا ... وكل أمر لهم معضالا
شكرا وحمدا لك ذا الجلالا
قال ابن إسحاق : ولما رد الله الحبشة عن مكة عظمت العرب قريشا ، وقالوا : هم : أهل الله ، قاتل الله عنهم وكفاهم مؤونة عدوهم. وقال عبدالله بن عمرو بن مخزوم ، في قصة أصحاب الفيل :
أنت الجليل ربنا لم تدنس ... أنت حبست الفيل بالمغمس
من بعد ما هم بشر مبلس ... حبسته في هيئة المكركس
وما لهم من فرج ومنفس
والمكركس : المنكوس المطروح.
3-
{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ}

قال سعيد بن جبير : كانت طيرا من السماء لم ير قبلها ، ولا بعدها مثلها. وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إنها طير بين السماء والأرض تعشش وتفرخ" . وعن ابن عباس : كانت لها خراطيم كخراطيم الطير ، وأكف كأكف الكلاب وقال عكرمة : كانت طيرا خضرا ، خرجت من البحر ، لها رؤوس كرؤوس السباع. ولم تر قبل ذلك ولا بعده. وقالت عائشة رضي الله عنها : هي أشبه شيء بالخطاطيف. وقيل : بل كانت أشباه الوطاويط ، حمراء وسوداء. وعن
سعيد بن جبير أيضا : هي طير خضر لها مناقير صفر. وقيل : كانت بيضا. وقال محمد بن كعب : هي طير سود بحرية ، في مناقيرها وأظفارها الحجارة. وقيل : إنها العنقاء المُغرِب التي تضرب بها الأمثال ؛ ؛ قال عكرمة : "أبابيل" أي مجتمعة. وقيل : متتابعة ، بعضها في إثر بعض ؛ قال ابن عباس ومجاهد. وقيل مختلفة متفرقة ، تجيء من كل ناحية من ها هنا وها هنا ؛ قال ابن مسعود وابن زيد والأخفش. قال النحاس : وهذه الأقوال متفقة ، وحقيقة المعنى : أنها جماعات عظام. يقال : فلان يؤبل على فلان ؛ أي يعظم عليه ويكثر ؛ وهو مشتق من الإبل. واختلف في واحد (أبابيل) ؛ فقال الجوهري : قال الأخفش يقال : جاءت إبلك أبابيل ؛ أي فرقا ، وطيرا أبابيل. قال : وهذا يجيء في معنى التكثير ، وهو من الجمع الذي لا واحد له. وقال بعضهم : واحده أبول. مثل عجول. وقال بعضهم - وهو المبرد - : إبيل مثل سكين. فال : ولم أجد العرب تعرف له واحدا في غير الصحاح. وقيل في واحده إبال. وقال رؤبة بن العجاج في الجمع :
ولعبتْ طيرٌ بهم أبابيلْ ... فصيروا مثل كعصف مأكول
وقال الأعشى :
طريق وجبار رواء أصوله ... عليه أبابيل من الطير تنعب
وقال آخر :
كادت تهد من الأصوات راحلتي ... إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
وقال آخر :
تراهم إلى الداعي سراعا كأنهم ... أبابيل طير تحت دجن مسخن
قال الفراء : لا واحد له من لفظه. وزعم الرؤاسي - وكان ثقة - أنه سمع في واحدها "إبالة" مشددة. وحكى الفراء "إبالة" مخففا. قال : سمعت بعض العرب يقول : ضغث على إبالة. يريد : خصبا على خصب. قال : ولو قال قائل إيبال كان صوابا ؛ مثل دينار ودنانير. وقال إسحاق بن عبدالله بن الحارث بن نوفل : الأبابيل : مأخوذ من الإبل المؤبلة ؛ وهي الأقاطيع.
4-
{تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}

في الصحاح : "حجارة من سجيل" قالوا : حجارة من طين ، طبخت بنار جهنم ، مكتوب فيها أسماء القوم ؛ لقوله تعالى : {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} وقال عبدالرحمن بن أبزى : {مِنْ سِجِّيلٍ} : من السماء ، وهي الحجارة التي نزلت على قوم لوط. وقيل من الجحيم. وهي "سجين" ثم أبدلت اللام نونا ؛ كما قالوا في أصيلان أصيلال. قال ابن مقبل :
ضربا تواصت به الأبطال سجينا
وإنما هو سجيلا. وقال الزجاج : {مِنْ سِجِّيلٍ} أي مما كتب عليهم أن يعذبوا به ؛ مشتق من السجل. وقد مضى القول في سجيل في "هود" مستوفى. قال عكرمة : كانت ترميهم بحجارة معها ، فإذا أصاب أحدهم حجر منها خرج به الجدري لم ير قبل ذلك اليوم. وكان الحجر كالحمصة وفوق العدسة. وقال ابن عباس : كان الحجر إذا وقع على أحدهم نفط جلده ، فكان ذلك أول الجدري. وقراءة العامة {تَرْمِيهِمْ} بالتاء ، لتأنيث جماعة الطير. وقرأ الأعرج وطلحة {يرميهم} بالياء ؛ أي يرميهم الله ؛ دليله قوله تعالى : {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} ويجوز أن يكون راجعا إلى الطير ، لخلوها من علامات التأنيث ، ولأن تأنيثها غير حقيقي.
5-
{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}

أي جعل الله أصحاب الفيل كورق الزرع إذا أكلته الدواب ، فرمت به من أسفل. شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزائه. روى معناه عن ابن زيد وغيره. وقد مضى القول في العصف في سورة "الرحمن" . ومما يدل على أنه ورق الزرع قول علقمة :
تسقي مذانب قد مالت عصيفتها ... حدورها من أتى الماء مطموم
وقال رؤبة بن العجاج :
ومسهم ما مس أصحاب الفيل ... ترميهم حجارة من سجيل
ولعبت طير بهم أبابيل ... فصيروا مثل كعصف مأكول
العصف : جمع ، واحدته عصفة وعصافة ، وعصيفة. وأدخل الكاف في {كَعَصْفٍ} للتشبيه مع مثل ، نحو قوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ومعنى {مَأْكُولٍ} حبه. كما يقال : فلان حسن ؛ أي حسن وجهه. وقال ابن عباس : {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} أن المراد به قشر البر ؛ يعني الغلاف الذي تكون فيه حبة القمح. ويروى أن الحجر كان يقع على أحدهم فيخرج كل ما في جوفه ، فيبقى كقشر الحنطة إذا خرجت منه الحبة. وقال ابن مسعود : لما رمت الطير بالحجارة ، بعث الله ريحا فضربت الحجارة فزادتها شدة ، فكانت لا تقع على أحد إلا هلك ، ولم يسلم منهم إلا رجل من كندة ؛ فقال :
فإنك لو رأيت ولم تريه ... لدى جنب المغمس ما لقينا
خشيت الله إذ قد بث طيرا ... وظل سحابة مرت علينا
وباتت كلها تدعو بحق ... كأن لها على الحبشان دينا
ويروى أنها لم تصبهم كلهم ، لكنها أصابت من شاء الله منهم. وقد تقدم أن أميرهم رجع وشرذمة لطيفة معه ، فلما أخبروا بما رأوا هلكوا. فالله أعلم. وقال ابن إسحاق : لما رد الله الحبشة عن مكة ، عظمت العرب قريشا وقالوا : أهل الله ، قاتل عنهم ، وكفاهم مؤونة عدوهم ، فكان ذلك نعمة من الله عليهم.
سورة قريش
مكية ؛ في قول الجمهور. ومدنية ؛ في قول الضحاك والكلبي وهي أربع آيات
بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيمِ
1-
{لِإِيلافِ قُرَيْشٍ}

قيل : إن هذه السورة متصلة بالتي قبلها في المعنى. يقول : أهلكت أصحاب الفيل لإيلاف قريش ؛ أي لتأتلف ، أو لتتفق قريش ، أو لكي تأمن قريش فتؤلف رحلتيها. وممن عد السورتين واحدة أبي بن كعب ، ولا فصل بينهما في مصحفه. وقال سفيان بن عيينة : كان لنا إمام لا يفصل بينهما ، ويقرؤهما معا. وقال عمرو بن ميمون الأودي : صلينا المغرب خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ فقرأ في الأولى : {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} وفي الثانية {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} و {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} . وقال الفراء : هذه السورة متصلة بالسورة الأولى ؛ لأنه ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة ، ثم قال : {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش. وذلك أن قريشا كانت تخرج في تجارتها ، فلا يُغار عليها ولا تُقرب في الجاهلية. يقولون هم أهل بيت الله جل وعز ؛ حتى جاء صاحب الفيل




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]