
14-07-2025, 08:27 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,489
الدولة :
|
|
رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى

تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (20)
سُورَةُ الكوثر
من صــ 211 الى صــ220
الحلقة (777)
تقدم. وقال الضحاك عن ابن عباس : {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} أي يدفعه عن حقه. قتادة : يقهره ويظلمه. والمعنى متقارب. وقد تقدم في سورة "النساء" أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار ، ويقولون : إنما يحوز المال من يطعن بالسنان ، ويضرب بالحسام. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من ضم يتيما من المسلمين حتى يستغني فقد وجبت له الجنة" . وقد مضى هذا المعنى في غير موضع.
الثانية- قوله تعالى : {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} أي لا يأمر به ، من أجل بخله وتكذيبه بالجزاء. وهو مثل قوله تعالى في سورة الحاقة : {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} وقد تقدم. وليس الذم عاما حتى يتناول من تركه عجزا ، ولكنهم كانوا يبخلون ويعتذرون لأنفسهم ، ويقولون : {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} ، فنزلت هذه الآية فيهم ، وتوجه الذم إليهم. فيكون معنى الكلام : لا يفعلونه إن قدروا ، ولا يحثون عليه إن عسروا.
الثالثة- قوله تعالى : {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} أي عذاب لهم. وقد تقدم في غير موضع. {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} فروى الضحاك عن ابن عباس قال هو المصلي الذي إن صلى لم يرج لها ثوابا ، وإن تركها لم يخش عليها عقابا. وعنه أيضا : الذين يؤخرونها عن أوقاتها. وكذا روى المغيرة عن إبراهيم ، قال : ساهون بإضاعة الوقت. وعن أبي العالية : لا يصلونها لمواقيتها ، ولا يتمون ركوعها ولا سجودها.
قلت : ويدل على هذا قوله تعالى : {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} حسب ما تقدم بيانه في سورة "مريم" عليها السلام. وروي عن إبراهيم أيضا : أنه الذي إذا سجد قام برأسه هكذا ملتفتا. وقال قطرب : هو ألا يقرأ ولا يذكر الله. وفي قراءة عبدالله {الذين هم عن صلاتهم لاهون} . وقال سعد بن أبي وقاص : قال النبي صلى الله عليه وسلم [في قوله] :
{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} - قال - : "الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، تهاونا بها" . وعن ابن عباس أيضا : هم المنافقون يتركون الصلاة سرا ، يصلونها علانية {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى } ... الآية. ويدل على أنها في المنافقين قوله : {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ} ، وقال ابن وهب عن مالك. قال ابن عباس : ولو قال في صلا : الم وقال عطاء : الحمد لله الذي قال {عَنْ صَلاتِهِمْ} ولم يقل في صلاتهم. قال الزمخشري : فإن قلت : أي فرق بين قوله : {عَنْ صَلاتِهِمْ} ، وبين قولك : في صلاتهم ؟ قلت : معنى {عن} أنهم ساهون عنها سهو ترك لها ، وقلة التفات إليها ، وذلك فعل المنافقين ، أو الفسقة الشطار من المسلمين. ومعنى {في} أن السهو يعتريهم فيها ، بوسوسة شيطان ، أو حديث نفس ، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع له السهو في صلاته ، فضلا عن غيره ؛ ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم. قال ابن العربي : لأن السلامة من السهو محال ، وقد سها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته والصحابة : وكل من لا يسهو في صلاته ، فذلك رجل لا يتدبرها ، ولا يعقل قراءتها ، وإنما همه في أعدادها ؛ وهذا رجل يأكل القشور ، ويرمي اللب. وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسهو في صلاته إلا لفكرته في أعظم منها ؛ اللهم إلا أنه قد يسهو في صلاته من يقبل على وسواس الشيطان إذا قال له : اذكر كذا ، اذكر كذا ؛ لما لم يكن يذكر ، حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى.
الرابعة- قوله تعالى : {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ} أي يري الناس أنه يصلي طاعة وهو يصلي تقية ؛ كالفاسق ، يرى أنه يصلي عبادة وهو يصلي ليقال : إنه يصلي. وحقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة ، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس. وأولها تحسين السمت ؛ وهو من أجزاء النبوة ، ويريد بذلك الجاه والثناء. وثانيها : الرياء بالثياب القصار والخشنة ؛ ليأخذ بذلك هيئة
الزهد في الدنيا. وثالثها : الرياء بالقول ، بإظهار التسخط على أهل الدنيا ؛ وإظهار الوعظ والتأسف على ما يفوت من الخير والطاعة. ورابعها : الرياء بإظهار الصلاة والصدقة ، أو بتحسين الصلاة لأجل رؤية الناس ؛ وذلك يطول ، وهذا دليله ؛ قاله ابن العربي.
قلت : قد تقدم في سورة "النساء وهود وآخر الكهف" القول في الرياء وأحكامه وحقيقته بما فيه كفاية. والحمد لله.
الخامسة- ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة ؛ فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها ، لقوله عليه السلام : "ولا غمة في فرائض الله" لأنها أعلام الإسلام ، وشعائر الدين ، ولأن تاركها يستحق الذم والمقت ؛ فوجب إماطة التهمة بالإظهار ، وإن كان تطوعا فحقه أن يخفي ؛ لأنه لا يلام تركه ولا تهمة فيه ، فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان جميلا. وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين ، فتثني عليه بالصلاح. وعن بعضهم أنه رأى رجلا في المسجد قد سجد سجدة الشكر فأطالها ؛ فقال : ما أحسن هذا لو كان في بيتك. وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة. وقد مضى هذا المعنى في سورة "البقرة" عند قوله تعالى : {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ} وفي غير موضع. والحمد لله على ذلك.
السادسة- قوله تعالى : {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} فيه اثنا عشر قولا : الأول : أنه زكاة أموالهم. كذا روى الضحاك عن ابن عباس. وروى عن علي رضي الله عنه مثل ذلك ، وقاله مالك. والمراد به المنافق يمنعها. وقد روى أبو بكر بن عبدالعزيز عن مالك قال : بلغني أن قوله الله تعالى : {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قال : إن المنافق إذا صلى صلى رياءً ، وإن فاتته لم يندم عليها ، {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} الزكاة التي فرض الله عليهم. قال زيد بن أسلم : لو خفيت لهم الصلاة كما خفيت لهم الزكاة ما صلوا. القول الثاني : أن {الْمَاعُونَ} المال ، بلسان
قريش ؛ قاله ابن شهاب وسعيد بن المسيب. وقول ثالث : أنه اسم جامع لمنافع البيت كالفأس والقدر والنار وما أشبه ذلك ؛ قاله ابن مسعود ، وروي عن ابن عباس أيضا. قال الأعشى :
بأجود منه بماعونه ... إذا ما سماؤهم لم تغم
الرابع- ذكر الزجاج وأبو عبيد والمبرد أن الماعون في الجاهلية كل ما فيه منفعة ، حتى الفأس والقدر والدلو والقداحة ، وكل ما فيه منفعة من قليل وكثير ؛ وأنشدوا بيت الأعشى. قالوا : والماعون في الإسلام : الطاعة والزكاة ؛ وأنشدوا قول الراعي :
أخليفة الرحمن إنا معشر ... حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
عرب نرى لله من أموالنا ... حق الزكاة منزلا تنزيلا
قوم على الإسلام لما يمنعوا ... ماعونهم ويضيعوا التهليلا
يعني الزكاة. الخامس- أنه العارية ؛ وروي عن ابن عباس أيضا. السادس- أنه المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم ؛ قاله محمد بن كعب والكلبي. السابع- أنه الماء والكلأ. الثامن- الماء وحده. قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول : الماعون : الماء ؛ وأنشدني فيه :
يمج صبيره الماعون صبا
الصبير : السحاب. التاسع- أنه منع الحق ؛ قاله عبدالله بن عمر. العاشر- أنه المستغل من منافع الأموال ؛ مأخوذ من المعن وهو القليل ؛ حكاه الطبري ابن عباس. قال قطرب : أصل الماعون من القلة. والمعن : الشيء القليل ؛ تقول العرب : ماله سعنة ولا معنة ؛ أي شيء قليل. فسمى الله تعالى الزكاة والصدقة ونحوهما من المعروف ، ماعونا ؛ لأنه قليل من كثير. ومن الناس من قال : الماعون : أصله معونة ، والألف عوض من الهاء ؛ حكاه الجوهري. ابن العربي : الماعون : مفعول من أعان يعين ، والعون : هو الإمداد
بالقوة والآلات والأسباب الميسرة للأمر. الحادي عشر- أنه الطاعة والانقياد. حكى الأخفش عن أم أعرابي فصيح : لو قد نزلنا لصنعت بناقتك صنيعا تعطيك الماعون ؛ أي تنقاد لك وتعطيك. قال الراجز :
متى تصادفهن في البرين ... يخضعن أو يعطين بالماعون
وقيل : هو ما لا يحل منعه ، كالماء والملح والنار ؛ لأن عائشة رضوان الله عليها قالت : قلت يا رسول الله ، ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال : "الماء والنار والملح" قلت : يا رسول الله هذا الماء ، فما بال النار والملح ؟ فقال : "يا عائشة من أعطى نارا فكأنما تصدق بجميع ما طبخ بتلك النار ، ومن أعطى ملحا فكأنما تصدق بجميع ما طيب به ذلك الملح ، ومن سقى شربة من الماء حيث يوجد الماء ، فكأنما أعتق ستين نسمة. ومن سقى شربة من الماء حيث لا يوجد ، فكأنما أحيا نفسا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" . ذكره الثعلبي في تفسيره ، وخرجه ابن ماجه في سننه. وفي إسناده لين ؛ وهو القول الثاني عشر. الماوردي : ويحتمل أنه المعونة بما خف فعله وقد ثقله الله. والله أعلم. وقيل لعكرمة مولى ابن عباس : من منع شيئا من المتاع كان له الويل ؟ فقال : لا ، ولكن من جمع ثلاثهن فله الويل ؛ يعني : ترك الصلاة ، والرياء ، والبخل بالماعون.
قلت : كونها في المنافقين أشبه ، وبهم أخلق ؛ لأنهم جمعوا الأوصاف الثلاثة : ترك الصلاة ، والرياء ، والبخل بالمال ؛ قال الله تعالى : {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} ، وقال : {وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} . وهذه أحوالهم ويبعد أن توجد من مسلم محقق ، وإن وجد بعضها فيلحقه جزء من التوبيخ ، وذلك في منع الماعون إذا تعين ؛ كالصلاة إذا تركها. والله أعلم. إنما يكون منعا قبيحا في المروءة في غير حال الضرورة. والله أعلم.
سورة الكوثر وهي مكية ؛ في قول ابن عباس والكلبي ومقاتل. ومدنية ؛ في قول الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة.
وهي ثلاث آيات.
بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيمِ
1- {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}
فيه مسألتان :
الأولى- قوله تعالى : {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} قراءة العامة. {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ} بالعين. وقرأ الحسن وطلحة بن مصرف : {أنطيناك} بالنون ؛ وروته أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وهي لغة في العطاء ؛ أنطيته : أعطيته. و {الْكَوْثَرَ} : فوعل من الكثرة ؛ مثل النوفل من النفل ، والجوهر من الجهر. والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد والقدر والخطر كوثرا. قال سفيان : قيل لعجوز رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك ؟ قالت بكوثر ؛ أي بمال كثير. والكوثر من الرجال : السيد الكثير الخير. قال الكميت :
وأنت كثير يا ابن مروان طيب ... وكان أبوك ابن العقائل كوثرا
والكوثر : العدد الكثير من الأصحاب والأشياع. والكوثر من الغبار : الكثير. وقد تكوثر إذا كثر ؛ قال الشاعر :
وقد ثار الموت حتى تكوثرا
الثانية- واختلف أهل التأويل في الكوثر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم على ستة عشر قولا : الأول- أنه نهر في الجنة ؛ رواه البخاري عن أنس والترمذي أيضا
"صفحة رقم 217"
وقد ذكرناه في كتاب التذكرة وروى الترمذي ايضا عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) الكوثر : نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج ) هذا حديث حسن صحيح الثاني أنه حوض النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الموقف قاله عطاء وفي صحيح مسلم عن أنس قال : بينما نحن عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذ أغفى إغفاءه ثم رفع رأسه متبسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله قال ) نزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم : إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وأنحر إن شانئك هو الأبتر ثم قال أتدرون ما الكوثر ) قلنا الله ورسوله أعلم قال : ) فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم فأقول إنه من أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك ) والأخبار في حوضه في الموقف كثيرة ذكرناها في كتاب التذكرة وأن على أركانه الأربعة خلفاءه الأربعة رضوان الله عليهم وأن من أبغض واحدا منهم لم يسقه الآخر وذكرنا هناك من يطرد عنه فمن أراد الوقوف على ذلك تأمله هناك ثم يجوز أن يسمي ذلك النهر أو الحوض كوثرا لكثرة الواردة والشاربة من أمة محمد عليه السلام هناك ويسمى به لما فيه من الخير الكثير والماء الكثير الثالث أن الكوثر النبوة والكتاب قاله عكرمة الرابع القرآن قاله الحسن الخامس الإسلام حكاه المغيرة السادس تيسير القرآن وتخفيف الشرائع قاله الحسين بن الفضل السابع هو كثرة الأصحاب والأمة والأشياع قاله أبو بكر بن عياش ويمان بن رئاب الثامن أنه الإيثار قاله ابن كيسان التاسع أنه رفعة الذكر حكاه الماوردي العاشر أنه نور في قلبك دلك علي وقطعك عما سواي وعنه : هو الشفاعة وهو الحادي عشر وقيل : معجزات الرب هدي بها أهل الإجابة لدعوتك حكاه
"صفحة رقم 218"
الثعلبي وهو الثاني عشر الثالث عشر قال هلال بن يساف : هو لا إله إلا الله محمد رسول الله وقيل : الفقه في الدين وقيل : الصلوات الخمس وهما الرابع عشر والخامس عشر وقال ابن إسحاق : هو العظيم من الأمر وذكر بيت لبيد : وصاحب ملحوب فجعنا بفقده وعند الرداع بيت آخر كوثر أي عظيم قلت : أصح هذه الأقوال الأول والثاني لأنه ثابت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نص في الكوثر وسمع أنس قوما يتذاكرون الحوض فقال : ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم يتمارون في الحوض لقد تركت عجائز خلفي ما تصلي أمرأة منهن إلا سألت الله أن يسقيها من حوض النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفي حوضه يقول الشاعر : يا صاحب الحوض من يدانيكا وأنت حقا حبيب باريكا وجميع ما قيل بعد ذلك في تفسيره قد أعطيه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زيادة على حوضه ( صلى الله عليه وسلم ) تسليما كثيرا
الكوثر : ) 2 ( فصل لربك وانحر
) 2 (
فيه خمس مسائل : الأولى قوله تعالى : ) فصل ( أي أقم الصلاة المفروضة عليك كذا رواه الضحاك عن ابن عباس وقال قتادة وعطاء وعكرمة : فصل لربك صلاة العيد يوم النحر وأنحر نسكك وقال أنس : كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ينحر ثم يصلي فأمر أن يصلي ثم ينحر وقال سعيد بن جبير ايضا : صل لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع وأنحر البدن بمنى وقال سعيد بن جبير أيضا : نزلت في الحديبية حين حصر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن البيت فأمره الله تعالى أن يصلي وينحر البدن وينصرف ففعل ذلك قال ابن العربي : أما من
"صفحة رقم 219"
قال : إن المراد بقوله تعالى : فصل : الصلوات الخمس فلأنها ركن العبادات وقاعدة الإسلام وأعظم دعائم الدين وأما من قال : إنها صلاة الصبح بالمزدلفة فلأنها مقرونة بالنحر وهو في ذلك اليوم ولا صلاة فيه قبل النحر غيرها فخصها بالذكر من جملة الصلوات لأقترانها بالنحر قلت : وأما من قال إنها صلاة العيد فذلك بغير مكة إذ ليس بمكة صلاة عيد بإجماع فيما حكاه ابن عمر قال ابن العربي : فأما مالك فقال : ما سمعت فيه شيئا والذي يقع في نفسي أن المراد بذلك صلاة يوم النحر والنحر بعدها وقال علي رضي الله عنه ومحمد ابن كعب : المعنى ضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة وروي عن ابن عباس أيضا وروي عن علي أيضا : أن يرفع يديه في التكبير إلى نحره وكذا قال جعفر بن علي : فصل لربك وأنحر قال : يرفع يديه أول ما يكبر للإحرام إلى النحر وعن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت فصل لربك وأنحر قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لجبريل : ) ما هذه النحيرة التي أمرني الله بها ) قال : ) ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السماوات السبع وإن لكل شيء زينة وإن زينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة ) وعن أبي صالح عن ابن عباس قال : أستقبل القبلة بنحرك وقاله الفراء والكلبي وأبو الأحوص ومنه قول الشاعر : أبا حكم ما أنت عم مجالد وسيد أهل الأبطح المتناحر أي المتقابل قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول : منازلنا تتناحر أي نتقابل نحر هذا بنحر هذا أي قبالته وقال ابن الأعرابي : هو إنتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب من قولهم : منازلهم تتناحر أي تتقابل وروي عن عطاء قال : أمره أن يستوي بين السجدتين
"صفحة رقم 220"
جالسا حتى يبدو نحره وقال سليمان التيمي : يعني وأرفع يدك بالدعاء إلى نحرك وقيل : فصل معناه : وأعبد وقال محمد بن كعب القرظي : إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وأنحر يقول : إن ناسا يصلون لغير الله وينحرون لغير الله وقد أعطيناك الكوثر فلا تكن صلاتك ولا نحرك إلا لله قال ابن العربي : والذي عندي أنه أراد : أعبد ربك وأنحر له فلا يكن عملك إلا لمن خصك بالكوثر وبالحري أن يكون جميع العمل يوازي هذه الخصوصية من الكوثر وهو الخير الكثير الذي أعطاكه الله أو النهر الذي طينه مسك وعدد آنيته نجوم السماء أما أن يوازي هذا صلاة يوم النحر وذبح كبش أو بقرة أو بدنة فذلك يبعد في التقدير والتدبير وموازنة الثواب للعبادة والله أعلم الثانية قد مضى القول في سورة الصافات في الأضحية وفضلها ووقت ذبحها فلا معنى لإعادة ذلك وذكرنا أيضا في سورة الحج جملة من أحكامها قال ابن العربي : ومن عجيب الأمر : أن الشافعي قال : إن من ضحى قبل الصلاة أجزأه والله تعالى يقول في كتابه : فصل لربك وأنحر فبدأ بالصلاة قبل النحر وقد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) في البخاري وغيره عن البراء بن عازب قال ( : ) أول ما نبدأ به في يومنا هذا : أن نصلي ثم نرجع فننحر من فعل فقد أصاب نسكنا ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء ) وأصحابه ينكرونه وحبذا الموافقة الثالثة وأما ما روى عن علي عليه السلام فصل لربك وأنحر قال : وضع اليمين على الشمال في الصلاة ) خرجه الدارقطني ( فقد أختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال : الأول لا توضع فريضة ولا نافلة لأن ذلك من باب الإعتماد ولا يجوز في الفرض ولا يستحب في النفل الثاني لا يفعلها في الفريضة ويفعلها في النافلة إستعانة لأنه موضع ترخص الثالث يفعلها في الفريضة والنافلة وهو الصحيح لأنه ثبت أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وضع يده اليمنى على اليسرى من حديث وائل
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|