
15-07-2025, 02:41 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,648
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (597)
صــ 276 إلى صــ 285
13101 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، قال ابن طاوس، عن أبيه: إن الله تعالى ذكره لما خلق الخلق، لم يعطف شيء على شيء، حتى خلق مئة رحمة، فوضع بينهم رحمة واحدة، فعطف بعضُ الخلق على بعض.
13102- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، بمثله.
13103 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، وأخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة، حسبته أسنده قال: إذا فرغ الله عز وجلّ من القضاء بين خلقه، أخرج كتابًا من تحت العرش فيه: "إن رحمتي سبقت غضبي، وأنا أرحم الراحمين" ، قال: فيخرج من النار مثل أهل الجنة = أو قال: "مِثلا أهل الجنة" ، ولا أعلمه إلا قال: "مثلا" ، وأما "مثل" فلا أشك = مكتوبًا ها هنا، وأشار الحكم إلى نحره، "عتقاء الله" ، فقال رجل لعكرمة: يا أبا عبد الله، فإن الله يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [سورة المائدة: 37] ؟ قال: ويلك! أولئك أهلها الذين هم أهلها.
13104- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، حسبت أنه أسنده قال: إذا كان يوم القيامة، أخرج الله كتابًا من تحت العرش = ثم ذكر نحوه، غير أنه قال: فقال رجل: يا أبا عبد الله، أرأيت قوله: "يريدون أن يخرجوا من النار" ؟ = وسائر الحديث مثل حديث ابن عبد الأعلى.
13105- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما"
قضى الله الخلق، كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: "إنّ رحمتي سبقت غضبي" . (1)
13106 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو: أنه كان يقول: إن لله مئة رحمة، فأهبط رحمةً إلى أهل الدنيا، يتراحم بها الجن والإنس، وطائر السماء، وحيتان الماء، ودوابّ الأرض وهوامّها. وما بين الهواء. واختزن عنده تسعًا وتسعين رحمة، حتى إذا كان يوم القيامة، اختلج الرحمةَ التي كان أهبطها إلى أهل الدنيا، (2) فحواها إلى ما عنده، فجعلها في قلوب أهل الجنة، وعلى أهل الجنة. (3)
13107 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: قال عبد الله بن عمرو: إن لله مئة رحمة، أهبط منها إلى الأرض رحمة واحدة، يتراحم بها الجنّ والإنس، والطير والبهائم وهوامُّ الأرض.
13108 - حدثنا محمد بن عوف قال، أخبرنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج قال، حدثنا صفوان بن عمرو قال، حدثني أبو المخارق زهير بن سالم قال، قال عمر لكعب: ما أوَّل شيء ابتدأه الله من خلقه؟ فقال كعب: كتب الله كتابًا لم يكتبه بقلم ولا مداد، ولكنه كتب بأصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت (4) "أنا الله لا إله إلا أنا، سبقت رحمتي غضبي" . (5)
* * *
(1) الأثر: 13105 - رواه أحمد في مسنده بهذا الإسناد رقم: 8112، ولفظه: "غلبت غضبي" . وانظر تعليق أخي السيد أحمد عليه هناك. وانظر التعليق على الأثر السالف رقم: 13096.
(2) "اختلج الشيء" : جذبه وانتزعه.
(3) الأثر: 13106 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 6، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وأبي الشيخ.
(4) هكذا في المطبوعة، وفي الدر المنثور، "يتلوها" ، وهي في المخطوطة كذلك، إلا أنها غير منقوطة، وأنا في ريب من أمر هذا الحرف، أخشى أن يكون محرفًا عن شيء آخر لم أتبينه، وإن كان المعنى مستقيما على ضعف فيه.
(5) الأثر: 13108 - "محمد بن عوف بن سفيان الطائي" ، شيخ الطبري مضى، برقم: 5445، 12194.
و "أبو المغيرة" : عبد القدوس بن الحجاج الخولاني "، مضى برقم: 10371، 12194."
و "صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي" ، مضى برقم: 7009، 12807.
و "أبو المخارق" : "زهير بن سالم العنسي" . ذكره ابن حبان في الثقات، "روى له أبو داود وابن ماجه حديثًا واحدًا" . وقال الدارقطني: "حمصي، منكر الحديث" ، مترجم في التهذيب، والكبير 2/1/390، وابن أبي حاتم 1/2/587، وميزان الاعتدال 1: 353.
وهذا الخبر، خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 6، ولم ينسبه لغير ابن جرير. وهو خبر كما ترى، عن كعب الأحبار، مشوب بما كان من دأبه في ذكر الإسرائليات.
القول في تأويل قوله: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ}
قال أبو جعفر: وهذه "اللام" التي في قوله: "ليجمعنكم" ، لام قسم.
* * *
ثم اختلف أهل العربية في جالبها، فكان بعض نحويي الكوفة يقول: إن شئت جعلت "الرحمة" غاية كلام، ثم استأنفت بعدها: "ليجمعنكم" . قال: وإن شئت جعلتَه في موضع نصب = يعني: كتب ليجمعنكم = كما قال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ [سورة الأنعام: 54] ، يريد: كتب أنه من عمل منكم = قال: والعرب تقول في الحروف التي يصلح معها جوابُ كلام الأيمان ب "أن" المفتوحة وب "اللام" ، (1) فيقولون: "أرسلت إليه أن يقوم" ، "وأرسلت إليه ليقومن" . قال: وكذلك قوله: ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ، [سورة يوسف: 35] . قال: وهو في القرآن كثير. ألا ترى أنك لو قلت: "بدا لهم أن يسجنوه" ، لكان صوابًا؟ (2)
(1) هكذا في المطبوعة والمخطوطة، وهو في معاني القرآن "جواب الأيمان" ، وهو الأجود.
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 328. وهذا نص كلامه.
وكان بعض نحويي البصرة يقول: نصبت "لام" "ليجمعنكم" ، لأن معنى: "كتب" [: فرضَ، وأوجب، وهو بمعنى القسم] ، (1) كأنه قال: والله ليجمعنكم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أن يكون قوله: "كتب على نفسه الرحمة" ، غايةً، وأن يكون قوله: "ليجمعنكم" ، خبرًا مبتدأ = ويكون معنى الكلام حينئذ: ليجمعنكم الله، أيها العادلون بالله، ليوم القيامة الذي لا ريب فيه، لينتقم منكم بكفركم به.
وإنما قلت: هذا القول أولى بالصواب من إعمال "كتب" في "ليجمعنكم" ، لأن قوله: "كتب" قد عمل في الرحمة، فغير جائز، وقد عمل في "الرحمة" ، أن يعمل في "ليجمعنكم" ، لأنه لا يتعدَّى إلى اثنين.
* * *
فإن قال قائل: فما أنت قائل في قراءة من قرأ: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ، [سورة الأنعام: 54] بفتح "أنّ" ؟
قيل: إن ذلك إذ قرئ كذلك، فإن "أنّ" بيانٌ عن "الرحمة" ، وترجمة عنها. لأن معنى الكلام: كتب على نفسه الرحمة أن يرحم [من تاب] من عباده بعد اقتراف السوء بجهالة ويعفو، (2) و "الرحمة" ، يترجم عنها ويبيَّن معناها بصفتها. وليس من صفة الرحمة "ليجمعنكم إلى يوم القيامة" ، فيكون مبينًا به عنها. فإذ كان ذلك كذلك، فلم يبق إلا أن تنصب بنية تكرير "كتب" مرة أخرى معه، ولا ضرورة بالكلام إلى ذلك، فيوجَّه إلى ما ليس بموجود في ظاهره.
(1) الزيادة التي بين القوسين، استظهرتها من سياق التفسير، ليستقيم الكلام. وهي ساقطة من المخطوطة والمطبوعة.
(2) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام، استظهرتها من معنى الآية. وانظر ما سيأتي في تفسيرها ص: 392، 393.
وأما تأويل قوله: "لا ريب فيه" ، فإنه لا شك فيه، (1) يقول: في أنّ الله يجمعكم إلى يوم القيامة، فيحشركم إليه جميعًا، ثم يؤتى كلَّ عامل منكم أجرَ ما عمل من حسن أو سيئ.
* * *
القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "الذين خسروا أنفسهم" ، العادلين به الأوثانَ والأصنامَ. يقول تعالى ذكره: ليجمعن الله = "الذين خسروا أنفسهم" ، يقول: الذين أهلكوا أنفسهم وغبنوها بادعائهم لله الندَّ والعَدِيل، فأوبقوها بإستيجابهم سَخَط الله وأليم عقابه في المعاد. (2)
* * *
وأصل "الخسار" ، الغُبْنُ. يقال منه ": خسر الرجل في البيع" ، إذا غبن، كما قال الأعشى:
لا يَأخُذُ الرِّشْوَةَ فِي حُكْمِهِ ... وَلا يُبَالِي خَسَرَ الخَاسِر (3)
(1) انظر تفسير "الريب" فيما سلف 8: 592، تعليق: 5، والمراجع هناك.
(2) في المطبوعة والمخطوطة "بإيجابهم سخط الله" وهو لا يستقيم صوابه ما أثبت.
(3) ديوانه: 105، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 187. وهكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة "خسر الخاسر" ، ورواية ديوانه وغيره: "غَبَنَ الْخَاسِر" بتحريك الباء بالفتح. والذي نص عليه أصحاب اللغة أن "الغبن" بفتح وسكون، في البيع، وأن "الغبن" (بفتحتين) في الرأي، وهو ضعفه. فكأن ما جاء في رواية ديوان الأعشى، ضرورة، حركت الباء وهي ساكنة إلى الفتح. وأما رواية أبي جعفر، فهي على الصواب يقال: "خسر خسرًا (بفتح فسكون) ، وخسرًا (بفتحتين) ."
وهذا البيت من قصيدته في هجاء علقمة بن علاثة ومدح عامر بن الطفيل، ذكرت خبرها في أبيات سلفت منها 1: 474/2: 131/5: 477، 478. وقبل البيت: حَكَّمْتُمُونِي، فَقَضَى بَيْنَكُمْ ... أَبْلَجُ مِثْلُ القَمَرِ البَاهِرِ
وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته. (1)
* * *
وموضوع "الذين" في قوله: "الذين خسروا أنفسهم" ، نصبٌ على الرد على "الكاف والميم" في قوله: "ليجمعنكم" ، على وجه البيان عنها. وذلك أنّ الذين خسروا أنفسهم، هم الذين خوطبوا بقوله: "ليجمعنّكم" .
* * *
وقوله: "فهم لا يؤمنون" ، يقول: "فهم" ، لإهلاكهم أنفسهم وغَبْنهم إياه حظَّها = "لا يؤمنون" ، أي لا يوحِّدون الله، ولا يصدِّقون بوعده ووعيده، ولا يقرُّون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لا يؤمن هؤلاء العادلون بالله الأوثانَ، فيخلصوا له التوحيد، ويُفْرِدوا له الطاعة، ويقرّوا بالألوهية، جهلا = "وله ما سكن في الليل والنهار" ، يقول: وله ملك كل شيء، لأنه لا شيء من خلق الله إلا وهو ساكنٌ في الليل والنهار. فمعلوم بذلك أن معناه ما وصفنا= "وهو السميع" ، يقول: وهو السميع ما يقول هؤلاء المشركون فيه، من ادّعائهم له شريكًا، وما يقول غيرهم من خلقه (2) = "العليم" ، بما يضمرونه في أنفسهم، وما يظهارونه بجوارحهم، لا يخفى عليه شيء من ذلك، فهو يحصيه عليهم، ليوفّي كل
(1) انظر تفسير "الخسار" فيما سلف 10: 409، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(2) في المطبوعة: "من خلاف ذلك" ، غير ما في المخطوطة بسوء رأيه.
إنسان ثوابَ ما اكتسبَ، وجزاء ما عمل.
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: "سكن" ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13109 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وله ما سكن في الليل والنهار" ، يقول: ما استقرَّ في الليل والنهار.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، لهؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثانَ والأصنامَ، والمنكرين عليك إخلاص التوحيد لربك، الداعين إلى عبادة الآلهة والأوثان: أشيئًا غيرَ الله تعالى ذكره: "أتخذ وليًّا" ، أستنصره وأستعينه على النوائب والحوادث، (1) كما:-
13110 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "قل أغير الله اتخذ وليًّا" ، قال: أما "الولي" ، فالذي يتولَّونه ويقرّون له بالربوبية.
* * *
= "فاطر السماوات والأرض" ، يقول: أشيئًا غير الله فاطر السماوات والأرض أتخذ وليًّا؟ ف "فاطر السماوات" ، من نعت "الله" وصفته، ولذلك خُفِض. (2)
(1) انظر تفسير "الولي" فيما سلف 10: 424، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 328، 329.
ويعني بقوله: "فاطر السماوات والأرض" ، مبتدعهما ومبتدئهما وخالقهما، كالذي:-
13111 - حدثنا به ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما "فاطر السماوات والأرض" ، حتى أتاني أعرابيّان يختصمان في بئر، فقال أحدهما لصاحبه: "أنا فَطَرتها" ، يقول: أنا ابتدأتها.
13112 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فاطر السماوات والأرض" ، قال: خالق السماوات والأرض.
13113 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "فاطر السماوات والأرض" ، قال: خالق السماوات والأرض.
* * *
يقال من ذلك: "فطرها الله يَفطُرُها وَيفطِرها فَطرًا وفطورًا" (1) = ومنه قوله: هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ [سورة الملك: 3] ، يعني: شقوقًا وصدوعًا. يقال: "سيف فُطارٌ" ، إذا كثر فيه التشقق، وهو عيب فيه، ومنه قول عنترة:
وَسَيْفِي كَالْعَقِيقَةِ فَهْوَ كِمْعِي، ... سِلاحِي، لا أَفَلَّ وَلا فُطَارَا (2)
(1) هذه العبارة عن معنى "فطر" ، فاسدة جدًا، ولا شك عندي في أن الكلام قد سقط منه شيء، فتركته على حاله، مخافة أن يكون في نص أبي جعفر شيء لم تقيده كتب اللغة. ومن شاء أن يستوفي ذلك، فليراجع كتب اللغة.
(2) ديوانه، في أشعار الستة الجاهلين: 384، وأمالي ابن الشجري 1: 19، واللسان (فطر) (عقق) (كمع) (فلل) ، من أبياته التي قالها وتهدد بها عمارة بن زياد العبسي، وكان يحسد عنترة على شجاعته، ويظهر تحقيره، ويقول لقومه بني عبس: "إنكم قد أكثرتم من ذكره، ولوددت أني لقيته خاليا حتى أريحكم منه، وحتى أعلمكم أنه عبد" ! فقال عنترة: أحَوْلِي تَنْفُضُ اسْتُكَ مِذْرَوَيهَا ... لِتَقْتُلَنِي? فَهَا أنَا ذَا، عُمَارَا!
مَتَى ما تَلْقَنِى خِلْوَينَ، تَرْجُفْ ... رَوَانِفُ ألْيَتَيْكَ وتُسْتَطَارَا
وَسَيْفِي صَارِمٌ قَبَضَتْ عَلَيْهِ ... أشَاجِعُ لا تَرَى فِيهَا انْتِشَارَا
وسَيْفِي كالعَقِيقِة. . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و "العقيقة" : شقة البرق، وهو ما انعق منه، أي: تشقق. و "الكمع" و "الكميع" الضجيع. و "الأفل" : الذي قد أصابه الفل، وهو الثلم في حده.
ومنه يقال: "فَطَر ناب الجمل" ، إذا تشقق اللحم فخرج، ومنه قوله: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ [سورة الشورى: 5] ، أي: يتشققن، ويتصدعن.
* * *
وأما قوله: "وهو يطعم ولا يطعم" ، فإنه يعني: وهو يرزق خلقه ولا يرزق، كما:-
13114 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وهو يطعم ولا يطعم" ، قال: يَرْزق، ولا يُرزق.
* * *
وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك: (1) (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يَطْعَمُ) ، أي: أنه يُطعم خلقه، ولا يأكل هو = ولا معنى لذلك، لقلة القراءة به.
* * *
(1) في المطبوعة والمخطوطة: "أنه كان يقول ذلك" ، وهو خلط شديد، صواب قراءته ما أثبت. وهذه القراء التالية، ذكرها ابن خالويه في شواذ القراءات: 36، ونسبها إلى الأعمش، وذكرها أبو حيان في تفسيره 4: 85، 86، ونسبها أيضًا إلى مجاهد وابن جبير، وأبي حيوة، وعمرو بن عبيد، وأبي عمرو، في رواية عنه.
القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، للذين يدعونك إلى اتخاذ الآلهة أولياء من دون الله، ويحثّونك على عبادتها: أغير الله فاطر السماوات والأرض، وهو يرزقني وغيري ولا يرزقه أحد، أتخذ وليًّا هو له عبد مملوك وخلق مخلوق؟ وقل لهم أيضًا: إني أمرني ربي: "أن أكون أول من أسلم" يقول: أوّل من خضع له بالعبودية، وتذلّل لأمره ونهيه، وانقاد له من أهل دهرِي وزماني = "ولا تكوننَّ من المشركين" ، يقول: وقل: وقيل لي: لا تكونن من المشركين بالله، الذين يجعلون الآلهة والأنداد شركاء.
= وجعل قوله: "أمرت" بدلا من: "قيل لي" ، لأن قوله "أمرت" معناه: "قيل لي" . فكأنه قيل: قل إني قيل لي: كن أول من أسلم، ولا تكونن من المشركين= فاجتزئ بذكر "الأمر" من ذكر "القول" ، إذ كان "الأمر" ، معلومًا أنه "قول" .
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين العادلين بالله، الذين يدعونك إلى عبادة أوثانهم: إنّ ربي نهاني عن عبادة شيء سواه = "وإني أخاف إن عصيت ربي" ، فعبدتها = "عذاب يوم عظيم" ، يعني: عذاب يوم القيامة. ووصفه تعالى ب "العظم" لعظم هَوْله، وفظاعة شأنه.
* * *
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|