عرض مشاركة واحدة
  #602  
قديم 15-07-2025, 01:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (602)
صــ 326 إلى صــ 335





13185 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "يا حسرتنا على ما فرطنا فيها" ، أمّا "يا حسرتنا" ، فندامتنا = "على ما فرطنا فيها" ، فضيعنا من عمل الجنة.
13186 - حدثنا محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا يزيد بن مهران قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "يا حسرتنا" ، قال: "يرى أهلُ النار منازلهم من الجنة فيقولون: يا حسرتنا" . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الذين كذَّبوا بلقاء الله، "يحملون أوزارهم على ظهورهم" . وقوله: "وهم" من ذكرهم = "يحملون أوزارهم" ، يقول: آثامهم وذنوبهم.
* * *
واحدها "وِزْر" ، يقال منه: "وَزَر الرجل يزِر" ، إذا أثم، قال الله: "ألا ساء ما يزرون" . (2) فإن أريد أنهم أُثِّموا، (3) قيل: "قد وُزِر القوم فهم يُوزَرُون، وهم موزورون" .
* * *
(1)
الأثر: 13186 - "يزيد بن مهران الأسدي" ، الخباز، أبو خالد. صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: "يغرب" . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4/2/290.

وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 9، وقال: "أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والخطيب بسند صحيح، عن أبي سعيد الخدري" ، وذكر الخبر.
(2)
في المطبوعة، حذف قوله: "قال الله: ألا ساء ما يزرون" .

(3)
"أثموا" بضم الهمزة وتشديد الثاء المكسورة، بالبناء للمجهول أي: رموا بالإثم.

قد زعم بعضهم أن "الوِزْر" الثقل والحمل. ولست أعرف ذلك كذلك في شاهد، ولا من رواية ثِقة عن العرب.
* * *
وقال تعالى ذكره: "على ظهورهم" ، لأن الحمل قد يكون على الرأس والمنكِب وغير ذلك، فبيَّن موضع حملهم ما يحملون منْ ذلك.
* * *
وذكر أنّ حملهم أوزارهم يومئذ على ظهورهم، نحو الذي:-
13187 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير بن سَلْمان قال، حدثنا عمرو بن قيس الملائي قال: إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيبُه ريحًا، (1) فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: لا إلا أن الله قد طيَّب ريحك وحسَّن صورتك! فيقول: كذلك كنت في الدنيا، أنا عملك الصالح، طالما ركبتك في الدنيا، فاركبني أنت اليوم! وتلا يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا، [سورة مريم: 85] . وإن الكافر يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنُه ريحًا، فيقول، هل تعرفني؟ فيقول: لا إلا أن الله قد قَبّح صورتك وأنتن ريحك! فيقول: كذلك كنتُ في الدنيا، أنا عملك السيئ، طالما ركبتني في الدنيا، فأنا اليوم أركبك = وتلا "وهم يحملون أوزارهم على ظُهورهم ألا ساء ما يزرون" . (2)
(1)
في المطبوعة: "استقبله عمله في أحسن صورة وأطيبه ريحًا" ، وهو كلام غث غير مستقيم، وكان في المخطوطة: "استقبله أحسن صورة وأطيبه ريحًا" ، سقط من الناسخ ما أثبته "شيء" ، واستظهرته من قوله بعد: "يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحًا" .

(2)
الأثر: 13187 - "الحكم بن بشير بن سلمان النهدي" ، ثقة، مضى مرارًا رقم: 1497، 2872، 3014، 6171، 9646. وكان في المطبوعة هنا "سليمان" وهو خطأ، صححته في المخطوطة، والمراجع، كما سلف أيضًا.

و "عمرو بن قيس الملائي" ، مضى مرارًا، رقم: 886، 1497، 3956، 6171، 9646.
وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 9، وزاد نسبته لابن أبي حاتم. وإسناد أبي حاتم فيما رواه ابن كثير في تفسيره 3: 303: "حدثنا أبو سعيد الأشج، قال حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عمرو بن قيس، عن أبي مرزوق" ، وساق الخبر مختصرًا بغير هذا اللفظ.
13188 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم" ، فإنه ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره، (1) إلا جاء رجل قبيح الوجه، أسودُ اللون، مُنتن الريح، عليه ثياب دَنِسة، حتى يدخل معه قبره، فإذا رآه قال له: ما أقبح وجهك! قال: كذلك كان عملك قبيحًا! قال: ما أنتن ريحك! قال: كذلك كان عملك منتنًا! قال: ما أدْنس ثيابك! قال فيقول: إن عملك كان دنسًا. قال: من أنت؟ قال: أنا عملك! قال: فيكون معه في قبره، فإذا بعث يوم القيامة قال له: إني كنت أحملك في الدنيا باللذَّات والشهوات، فأنت اليوم تحملني. قال: فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخلَه النار، فذلك قوله: "يحملون أوزارهم على ظهورهم" .
* * *
وأما قوله تعالى ذكره: "ألا ساء ما يزرون" ، فإنه يعني: ألا ساء الوزر الذي يزرون - أي: الإثم الذي يأثمونه بربهم، (2) كما:-
13189 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "ألا ساء ما يزرون" ، قال: ساء ما يعملون.
* * *
(1)
في المطبوعة: "قال ليس من رجل ظالم يموت" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
كان في المطبوعة: "الذي يأثمونه كفرهم بربهم" ، زاد "كفرهم" ، وأفسد الكلام.

وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب المحض. وقد بينت آنفا معنى قوله "أثم فلان بربه" 4: 530، تعليق: 3/6: 92/11: 180، تعليق: 3.
القول في تأويل قوله: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) }
قال أبو جعفر: وهذا تكذيب من الله تعالى ذكره هؤلاء الكفارَ المنكرين البعثَ بعد الممات في قولهم: إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ، [سورة المائدة: 29] .
يقول تعالى ذكره، مكذبًا لهم في قبلهم ذلك: "ما الحياة الدنيا" ، أيها الناس = "إلا لعب ولهو" ، يقول: ما باغي لذاتِ الحياة التي أدْنيت لكم وقرّبت منكم في داركم هذه، (1) ونعيمَها وسرورَها، فيها، (2) والمتلذذُ بها، والمنافسُ عليها، إلا في لعب ولهو، لأنها عما قليل تزول عن المستمتع بها والمتلذذِ فيها بملاذّها، أو تأتيه الأيام بفجائعها وصروفها، فَتُمِرُّ عليه وتكدُر، (3) كاللاعب اللاهي الذي يسرع اضمحلال لهوه ولعبه عنه، ثم يعقبه منه ندمًا، ويُورثه منه تَرحًا. يقول: لا تغتروا، أيها الناس، بها، فإن المغتر بها عمّا قليل يندم = "وللدار الآخرة خير للذين يتقون" ، يقول: وللعمل بطاعته، والاستعدادُ للدار الآخرة بالصالح من الأعمال التي تَبقى منافعها لأهلها، ويدوم سرورُ أهلها فيها، خيرٌ من الدار التي تفنى وشيكًا، (4) فلا يبقى لعمالها فيها سرور، ولا يدوم لهم فيها نعيم = "للذين"
(1)
انظر تفسير "الحياة الدنيا" فيما سلف 1: 245.

(2)
سياق الجملة: "ما باغي لذات الحياة. . . ونعيمها وسرورها" ، بالعطف ثم قوله: "فيها" ، سياقه: "ما باغي لذات الحياة. . . فيها" . وقوله بعد: "والمتلذذ بها" مرفوع معطوف على قوله: "ما باغي لذات الحياة" .

(3)
في المطبوعة: "فتمر عليه وتكر" غير ما في المخطوطة، وهو ما أثبته، وهو الصواب "تمر" من "المرارة" ، أي: تصير مرة بعد حلاوتها، وكدرة بعد صفائها.

(4)
في المطبوعة، حذف قوله "وشيكا" ، كأنه لم يحسن قراءتها. "وشيكا" : سريعًا.

يتقون "، يقول: للذين يخشون الله فيتقونه بطاعته واجتناب معاصيه، والمسارعة إلى رضاه =" أفلا تعقلون "، يقول: أفلا يعقل هؤلاء المكذّبون بالبعث حقيقةَ ما نخبرهم به، من أن الحياة الدنيا لعب ولهوٌ، وهم يرون من يُخْتَرم منهم، (1) ومن يهلك فيموت، ومن تنوبه فيها النوائب وتصيبُه المصائب وتفجعه الفجائع. ففي ذلك لمن عقل مدَّكر ومزدجر عن الركون إليها، واستعباد النفس لها = ودليلٌ واضح على أن لها مدبِّرًا ومصرفًا يلزم الخلقَ إخلاصُ العبادة له، بغير إشراك شيءٍ سواه معه."
* * *
القول في تأويل قوله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قد نعلم" ، يا محمد، إنه ليحزنك الذي يقول المشركون، وذلك قولهم له: إنه كذّاب = "فإنهم لا يكذبونك" .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك
[فقرأته جماعة من أهل الكوفة: (فَإنَّهُمْ لا يُكْذِبونَكَ) بالتخفيف] ، (2) بمعنى: إنهم لا يُكْذِبونك فيما أتيتهم به من وحي الله، ولا يدفعون أن يكون ذلك صحيحًا، بل يعلمون صحته، ولكنهم يجحَدون حقيقته قولا فلا يؤمنون به.
* * *
(1)
"اخترم الرجل" (بالبناء للمجهول) و "اخترمته المنية من بين أصحابه" ، أخذته من بينهم وخلا منه مكانه، كأن مكانه صار خرمًا في صفوفهم.

(2)
هذه الزيادة بين القوسين، ساقطة من المخطوطة والمطبوعة، ولكن زيادتها لا بد منها، واستظهرتها من نسبة هذه القراءة، فهي قراءة علي ونافع والكسائي. انظر معاني القرآن للفراء 1: 331، وتفسير أبي حيان 4: 111، وغيرهما.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يحكي عن العرب أنهم يقولون: "أكذبت الرجل" ، إذا أخبرت أنه جاءَ بالكذب ورواه. قال: ويقولون: "كذَّبْتُه" ، إذا أخبرت أنه كاذبٌ. (1)
* * *
وقرأته جماعة من قرأة المدينة والعراقيين والكوفة والبصرة: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ بمعنى: أنهم لا يكذّبونك علمًا، بل يعلمون أنك صادق = ولكنهم يكذبونك قولا عنادًا وحسدًا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرأة، ولكل واحدة منهما في الصحة مخرج مفهوم.
وذلك أن المشركين لا شكَّ أنه كان منهم قوم يكذبون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ويدفعونه عما كان الله تعالى ذكره خصه به من النبوّة، فكان بعضهم يقول: "هو شاعر" ، وبعضهم يقول: "هو كاهن" ، وبعضهم يقول: "هو مجنون" ، وينفي جميعُهم أن يكون الذي أتَاهم به من وحي السماء، ومن تنزيل رب العالمين، قولا. وكان بعضهم قد تبين أمرَه وعلم صحة نبوّته، وهو في ذلك يعاند ويجحد نبوّته حسدًا له وبغيًا.
* * *
فالقارئ: (فَإنَّهُمْ لا يُكْذِبونَكَ) = بمعنى (2) أن الذين كانوا يعرفون
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 331.

(2)
في المطبوعة: "يعني به" وفي المخطوطة: "معنى أن الذين. . ." ، وصواب قراءتها ما أثبت.

حقيقة نبوّتك وصدق قولك فيما تقول، يجحدونَ أن يكون ما تتلوه عليهم من تنزيل الله ومن عند الله، قولا - وهم يعلمون أن ذلك من عند الله علمًا صحيحًا = مصيبٌ، (1) لما ذكرنا من أنه قد كان فيهم من هذه صفته.
وفي قول الله تعالى في هذه السورة: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [سورة المائدة: 20] ، أوضح الدليل على أنه قد كان فيهم المعاند في جحود نبوّته صلى الله عليه وسلم، مع علمٍ منهم به وبصحة نبوّته. (2)
* * *
وكذلك القارئ: (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) = (3) بمعنى: أنهم لا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عنادًا، لا جهلا بنبوّته وصدق لَهْجته = مصيب، (4) لما ذكرنا من أنه قد كان فيهم مَنْ هذه صفته.
وقد ذَهب إلى كل واحد من هذين التأويلين جماعة من أهل التأويل.
* * *
* ذكر من قال: معنى ذلك: فإنهم لا يكذبونك ولكنهم يجحدون الحقّ على علم منهم بأنك نبيٌّ لله صادق.
13190 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك" ، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزينٌ، فقال له: ما يُحزنك؟ فقال: كذَّبني هؤلاء! قال فقال له جبريل: إنهم لا يكذبونك، هم يعلمون أنك صادق، "ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" .
13191- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن
(1)
السياق: "فالقارئ. . . مصيب" .

(2)
في المطبوعة: ". . . على أنه قد كان فيهم العناد في جحود نبوته. . . مع علم منهم به وصحة نبوته" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب، إلا أنه في المخطوطة أيضًا "به وصحة نبوته" ، فرأيت السياق يقتضي أن تكون "وبصحة" ، فأثبتها.

(3)
في المطبوعة: "يعني أنهم. . ." ، وأثبت ما في المخطوطة.

(4)
السياق: "وكذلك القارئ. . . مصيب" .

أبي صالح قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس حزين، فقال له: ما يحزنك؟ . فقال: كذَّبني هؤلاء! فقال له جبريل: إنهم لا يكذبونك، إنهم ليعلمون أنك صادق، "ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" .
13192 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" ، قال: يعلمون أنك رسول الله ويجحدون.
13193 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط: عن السدي في قوله: "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" ، لما كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة، إن محمدًا ابن أختكم، فأنتم أحقُّ مَنْ كَفَّ عنه، (1) فإنه إن كان نبيًّا لم تقاتلوهُ اليوم، وإن كان كاذبًا كنتم أحق من كف عن ابن أخته! قفوا ههنا حتى ألقى أبا الحكم فإن غُلب محمدٌ [صلى الله عليه وسلم] رجعتم سالمين، وإن غَلَب محمدٌ فإن قومكم لا يصنعون بكم شيئًا = فيومئذ سمّي "الأخنس" ، وكان اسمه "أبيّ" = (2) فالتقى الأخنس وأبو جهل، فخلا الأخنس بأبي جهل، فقال: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد، أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا! فقال أبو جهل: وَيْحك، والله إن محمدًا لصادق، وما كذب محمّد قط، ولكن إذا ذهب بنو قُصَيِّ باللواء والحجابة والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ فذلك قوله: "فإنهم لا يكذّبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" ، "فآيات الله" ، محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
(1)
في تفسير ابن كثير 3: 305، في هذا الموضع: "فأنتم أحق من ذب عنه" .

(2)
سمى "الأخنس" ، لأنه من "خنس يخنس خنوسا" ، إذا انقبض عن الشيء وتأخر ورجع.

13194- حدثني الحارث بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا قيس، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير: "فإنهم لا يكذبونك" ، قال: ليس يكذّبون محمدًا، ولكنهم بآيات الله يجحدون.
* * *
* ذكر من قال: ذلك بمعنى: فإنهم لا يكذّبونك، ولكنهم يكذِّبون ما جئت به.
13195 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية قال: قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما نتهمك، ولكن نتَّهم الذي جئت به! فأنزل الله تعالى ذكره: "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" .
13196- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب: أنّ أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنّا لا نكذبك، ولكن نكذب الذي جئت به! فأنزل الله تعالى ذكره: "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك، فإنهم لا يبطلون ما جئتهم به.
* ذكر من قال ذلك:
13197 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب: "فإنهم لا يكذبونك" ، قال: لا يبطلون ما في يديك.
* * *
وأما قوله: "ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" ، فإنه يقول: ولكن المشركين بالله، بحجج الله وآي كتابه ورسولِه يجحدون، فينكرون صحَّة ذلك كله.
* * *
وكان السدي يقول: "الآيات" في هذا الموضع، معنيٌّ بها محمّد صلى الله عليه وسلم. وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه قبلُ. (1)
* * *
(1)
انظر آخر الأثر السالف رقم: 13193.

القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) }
قال أبو جعفر: وهذا تسلية من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتعزيةٌ له عما ناله من المساءة بتكذيب قومه إيّاه على ما جاءهم به من الحق من عند الله.
يقول تعالى ذكره: إن يكذبك، يا محمد، هؤلاء المشركون من قومك، فيجحدوا نبوّتك، وينكروا آيات الله أنّها من عنده، فلا يحزنك ذلك، واصبر على تكذيبهم إياك وما تلقى منهم من المكروه في ذات الله، حتى يأتي نصر الله، (1) فقد كُذبت رسلٌ من قبلك أرسلتهم إلى أممهم، فنالوهم بمكروه، فصبروا على تكذيب قومهم إياهم، ولم يثنهم ذلك من المضيّ لأمر الله الذي أمرهم به من دعاء قومهم إليه، حتى حكم الله بينهم وبينهم = "ولا مبدّل لكلمات الله" ، يقول: ولا مغيِّر لكلمات الله = و "كلماته" تعالى ذكره: ما أنزل الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، من وعده إياه النصر على من خَالفه وضادّه، والظفرَ على من تولّى عنه وأدبر = "ولقد جاءك من نبإ المرسلين" ، يقول: ولقد جاءك يا محمد، من خبر من كان قبلك من الرسل، (2) وخبر أممهم، وما صنعتُ بهم = حين جحدوا آياتي وتمادَوا في غيهم وضلالهم = أنباء = وترك ذكر "أنباء" ، لدلالة "مِنْ" عليها.
يقول تعالى ذكره: فانتظر أنت أيضًا من النصرة والظفر مثل الذي كان منِّي فيمن
(1)
إذ في المخطوطة: "حتى أتاهم نصر الله" ، وهو سهو من الناسخ، صوابه ما في المطبوعة.

(2)
انظر تفسير "النبأ" فيما سلف ص: 262، تعليق: 3، والمراجع.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 52.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.21%)]