عرض مشاركة واحدة
  #603  
قديم 15-07-2025, 02:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (603)
صــ 336 إلى صــ 345






كان قبلك من الرسل إذ كذبهم قومهم، واقتد بهم في صبرهم على ما لَقُوا من قومهم.
* * *
وبنحو ذلك تأوَّل من تأوَّل هذه الآية من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13198 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا" ، يعزِّي نبيه صلى الله عليه وسلم كما تسمعون، ويخبره أن الرسل قد كُذّبت قبله، فصبروا على ما كذبوا، حتى حكم الله وهو خير الحاكمين.
13199 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: "ولقد كذبت رسل من قبلك" ، قال: يعزّي نبيَّه صلى الله عليه وسلم.
13200 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "ولقد كذبت رسل من قبلك" ، الآية، قال: يعزِّي نبيّه صلى الله عليه وسلم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن كان عظم عليك، يا محمد، إعراض هؤلاء المشركين عنك، وانصرافهم عن تصديقك فيما جئتهم به من الحق الذي
بعثتُك به، فشقَّ ذلك عليك، ولم تصبر لمكروه ما ينالك منهم (1) = "فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض" ، يقول: فإن استطعت أن تتَّخذ سَرَبا في الأرض مثلَ نَافِقاء اليَرْبُوع، وهي أحد جِحَرِته فتذهب فيه (2) = "أو سُلمًا في السماء" ، يقول: أو مصعدًا تصعد فيه، كالدَّرَج وما أشبهها، كما قال الشاعر: (3)
لا تُحْرِزُ الْمَرْءُ أَحْجَاءُ البِلادِ، وَلا ... يُبْنَى لَهُ فِي السَّمَاوَاتِ السَّلالِيم (4)
= "فتأتيهم بآية" ، منها = يعني بعلامةٍ وبرهان على صحة قولك، (5) غير الذي أتيتك = فافعل. (6)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك: قال بعض أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13201 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
(1)
انظر تفسير "الإعراض" فيما سلف ص: 262، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "ابتغى" فيما سلف 10: 394، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
هو تميم بن أبي بن مقبل.

(4)
من قصيدة له جيدة، نقلها قديمًا، والبيت في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 190، وشرح شواهد المغني: 227، واللسان (سلم) (حجا) ، وغيرها، وقبل البيت، وهي أبيات حسان: إنْ يَنْقُصِ الدّهْرُ مِنِّي، فالفَتَى غَرَضٌ ... لِلدَّهْرِ، من عَوْدهِ وَافٍ وَمَثْلُومُ

وَإنْ يَكُنْ ذَاكَ مِقْدَارًا أُصِبْتُ بِهِ ... فَسِيرَة الدَّهْرِ تَعْوِيجٌ وتَقْويمُ
مَا أطْيَبَ العَيْشَ لَوْ أَن الفَتَى حَجَرٌ ... تَنْبُو الحَوَادِثَ عَنْهُ وهو مَلْمُومُ
لا يمنع المرءَ أنصارٌ وَرَابيةٌ ... تَأْبَى الهَوَانَ إذَا عُدَّ الجَرَاثِيمُ
لا يُحْرِزُ المَرْءَ. . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و "أحجاه البلاد" : نواحيها وأطرافها. ويروى "أعناء البلاد" ، وهو مثله في المعنى.
(5)
انظر تفسير "آية" فيما سلف في فهرس اللغة (أيي) .

(6)
قوله: "فافعل" ، أي: "إن استطعت أن تبتغي نفقًا. . . فافعل" .

معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض أو سلمًا في السماء" ، و "النفق" السَّرب، فتذهب فيه = "فتأتيهم بآية" ، أو تجعل لك سلَّمًا في السماء، (1) فتصعد عليه، فتأتيهم بآية أفضل مما أتيناهم به، فافعل.
13202 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض" ، قال: سَرَبًا = "أو سلمًا في السماء" ، قال: يعني الدَّرَج.
13203 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض أو سلمًا في السماء" ، أما "النفق" فالسرب، وأما "السلم" فالمصعد.
13204- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: "نفقًا في الأرض" ، قال: سربًا.
* * *
وتُرِك جواب الجزاء فلم يذكر، لدلالة الكلام عليه، ومعرفة السامعين بمعناه. وقد تفعل العرب ذلك فيما كان يُفهم معناه عند المخاطبين به، فيقول الرجل منهم للرجل: "إن استطعت أن تنهض معنا في حاجتنا، إن قدرت على مَعُونتنا" ، ويحذف الجواب، وهو يريد: إن قدرت على معونتنا فافعل. فأما إذا لم يعرف المخاطب والسامع معنى الكلام إلا بإظهار الجواب، لم يحذفوه. لا يقال: "إن تقم" ، فتسكت وتحذف الجواب، لأن المقول ذلك له لا يعرف جوابه إلا بإظهاره،
(1)
في المخطوطة: "تجعل لهم سلمًا" ، والجيد ما في المطبوعة.

حتى يقال: "إن تقم تصب خيرًا" ، أو: "إن تقم فحسن" ، وما أشبه ذلك. (1) ونظيرُ ما في الآية مما حذف جَوَابه وهو مراد، لفهم المخاطب لمعنى الكلام قول الشاعر: (2)
فَبِحَظٍّ مِمَّا نَعِيشُ، وَلا تَذْ ... هَبْ بِكِ التُّرَّهَاتُ فِي الأهْوَالِ (3)
والمعنى: فبحظٍّ مما نعيش فعيشي. (4)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين يكذبونك من هؤلاء الكفار، يا محمد، فيحزنك تكذيبهم إياك، لو أشاء أن أجمعهم على استقامة من الدِّين، وصوابٍ من محجة الإسلام، حتى تكون كلمة جميعكم واحدة، وملتكم وملتهم واحدة، لجمعتهم على ذلك، ولم يكن بعيدًا عليَّ، لأنّي القادرُ على ذلك بلطفي، ولكني لم أفعل ذلك لسابق علمي في خلقي، ونافذ قضائي فيهم، من قبل أن أخلقهم وأصوِّر أجسامهم = "فلا تكونن" ، يا محمد، "من الجاهلين" ، يقول:
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 331، 332.

(2)
هو عبيد بن الأبرص.

(3)
مضى البيت وتخريجه فيما سلف 3: 284. وكان البيت في المخطوطة على الصواب كما أثبته، وإن كان غير منقوط. أما المطبوعة، فكان فيها هكذا. فتحطْ مما يعش ولا تذهب ... بك التُرهّات في الأهوال

أساء قراءة المخطوطة، وحرفه.
(4)
في المطبوعة: "والمعنى: فتحط مما يعش فيعشى" ، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة.

فلا تكونن ممن لا يعلم أن الله لو شاء لجَمع على الهدى جميع خلقه بلطفه، (1) وأنَّ من يكفر به من خلقه إنما يكفر به لسابق علم الله فيه، ونافذ قضائه بأنه كائنٌ من الكافرين به اختيارًا لا إضطرارًا، فإنك إذا علمت صحة ذلك، لم يكبر عليك إعراضُ من أعرض من المشركين عما تدعُوه إليه من الحق، وتكذيبُ من كذَّبك منهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13205 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنى معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يقول الله سبحانه: لو شئتُ لجمعتهم على الهدى أجمعين.
* * *
قال أبو جعفر: وفي هذا الخبر من الله تعالى ذكره، الدلالةُ الواضحة على خطإ ما قال أهل التَّفْويض من القدريّة، (2) المنكرون أن يكون عند الله لطائف لمن شاءَ توفيقه من خلقه، يلطفُ بها له حتى يهتدِيَ للحقّ، فينقاد له، وينيبَ إلى الرشاد فيذعن به ويؤثره على الضلال والكفر بالله. وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه لو شاءَ الهداية لجميع من كفر به، حتى يجتمعوا على الهدى، فعلَ. ولا شك أنه لو فعل ذلك بهم، كانوا مهتدين لا ضلالا. وهم لو كانوا مهتدين، كان لا شك أنّ كونهم مهتدين كان خيرًا لهم. وفي تركه تعالى ذكره أن يجمعهم على الهدى، تركٌ منه أن يفعل بهم في دينهم بعض ما هو خيرٌ لهم فيه، مما هو قادر على فعله بهم، وقد
(1)
انظر تفسير "الجاهل" فيما سلف 2: 182، وتفسير "جهالة" 8: 88 - 92.

(2)
"أهل التفويض" : هم الذين يقولون: إن الأمر فوض إلى الإنسان، فإرادته كافية في إيجاد فعله، طاعة كان أو معصية، وهو خالق لأفعاله، والاختيار بيده. انظر ما سلف 1: 162، تعليق: 1.

وأما "القدرية" ، و "أهل القدر" ، فهم الذين ينفون القدر. وأما الذين يثبتون القدر، وهم أهل الحق، فهم: "أهل الإثبات" . وانظر ما سلف 1: 162، تعليق: 1.
ترك فعله بهم. وفي تركه فعل ذلك بهم، أوضحُ الدليل أنه لم يعطهم كل الأسباب التي بها يصلون إلى الهداية، ويتسبّبون بها إلى الإيمان.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا يكبُرنّ عليك إعراض هؤلاء المعرضين عنك، وعن الاستجابة لدعائك إذا دعوتهم إلى توحيد ربّهم والإقرار بنبوّتك، فإنه لا يستجيب لدعائك إلى ما تدعوه إليه من ذلك، (1) إلا الذين فتح الله أسماعهم للإصغاء إلى الحق، وسهَّل لهم اتباع الرُّشد، دون من ختم الله على سمعه، فلا يفقه من دعائك إياه إلى الله وإلى اتباع الحق إلا ما تفقه الأنعام من أصوات رُعاتها، فهم كما وصفهم به الله تعالى ذكره: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [سورة البقرة: 171] = "والموتى يبعثهم الله" ، يقول: والكفارُ يبعثهم الله مع الموتى، فجعلهم تعالى ذكره في عداد الموتى الذين لا يسمعون صوتًا، ولا يعقلون دعاء، ولا يفقهون قولا إذ كانوا لا يتدبرون حُجج الله، ولا يعتبرون آياته، ولا يتذكرون فينزجرون عما هم عليه من تكذيب رُسل الله وخلافهم. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "الاستجابة" فيما سلف 3: 483، 484/7: 486 - 488.

(2)
في المطبوعة: "ولا يتذكرون فينزجروا" وفي المخطوطة: "ولا يتذكروا فينزجروا" والصواب ما أثبته.

13206 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "إنما يستجيب الذين يسمعون" ، المؤمنون، للذكر = "والموتى" ، الكفار، حين يبعثهم الله مع الموتى.
13207- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13208 - حدثني بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "إنما يستجيب الذين يسمعون" ، قال: هذا مَثَل المؤمن، سمع كتاب الله فانتفع به وأخذ به وعقله. والذين كذَّبوا بآياتنا صم وبكم، وهذا مثل الكافر أصم أبكم، لا يبصر هدًى ولا ينتفع به.
13209 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان الثوري، عن محمد بن جحادة، عن الحسن: "إنما يستجيب الذين يسمعون" ، المؤمنون = "والموتى" ، قال: الكفار.
13210- حدثني ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن محمد بن جحادة قال: سمعت الحسن يقول في قوله: "إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله" ، قال: الكفار.
* * *
وأما قوله: "ثم إليه يرجعون" ، فإنه يقول تعالى ذكره: ثم إلى الله يرجع المؤمنون الذين استجابوا لله والرسول، (1) والكفارُ الذين يحول الله بينهم وبين أن يفقهوا عنك شيئًا، فيثيب هذا المؤمن على ما سلف من صالح عمله في الدنيا بما وعد أهل الإيمان به من الثواب، ويعاقب هذا الكافرَ بما أوعدَ أهل الكفر به من العقاب، لا يظلم أحدًا منهم مثقال ذرة.
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "ثم إلى الله يرجعون المؤمنون" ، وليس بشيء هنا، والجيد ما أثبته.


القول في تأويل قوله: {وَقَالُوا لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنزلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (37) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء العادلون بربهم، المعرضون عن آياته: "لولا نزل عليه آيه من ربه" ، يقول: قالوا: هلا نزل على محمد آية من ربه؟ (1) كما قال الشاعر: (2)
تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَل مَجْدِكُمْ ... بَنِي ضَوْطَرَي، لَولا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا (3)
بمعنى: هلا الكميَّ.
* * *
و "الآية" ، العلامة. (4)
* * *
وذلك أنهم قالوا: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا [سورة الفرقان: 7،8] . قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لقائلي هذه المقالة لك: "إنّ الله قادر على أن ينزل آية" ، يعني: حجة على ما يريدون ويسألون= "ولكن أكثرهم لا يعلمون" ، يقول: ولكن أكثر الذين يقولون ذلك فيسألونك آية، (5) لا يعلمون ما عليهم في الآية إن نزلها من البلاء، ولا يدرون ما وجه ترك إنزال ذلك عليك، ولو علموا السبب الذي من أجله لم أنزلها عليك، لم يقولوا ذلك، ولم يسألوكه، ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك.
* * *
(1)
انظر تفسير "لولا" فيما سلف 2: 552، 553/10: 448/ 11: 262،

(2)
هو جرير.

(3)
مضى البيت وتخريجه وتفسيره وصواب نسبته فيما سلف 2: 552، 553.

(4)
انظر تفسير "الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .

(5)
في المخطوطة: "ولكن أكثرهم الذين يقولون" ، والجيد ما في المطبوعة.

القول في تأويل قوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المعرضين عنك، المكذبين بآيات الله: أيها القوم، لا تحسبُنَّ الله غافلا عما تعملون، أو أنه غير مجازيكم على ما تكسبون! وكيف يغفل عن أعمالكم، أو يترك مجازاتكم عليها، وهو غير غافل عن عمل شيء دبَّ على الأرض صغيرٍ أو كبيرٍ، (1) ولا عمل طائر طار بجناحيه في الهواء، بل جعل ذلك كله أجناسًا مجنَّسة وأصنافًا مصنفة، (2) تعرف كما تعرفون، وتتصرف فيما سُخِّرت له كما تتصرفون، ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها، ومُثْبَت كل ذلك من أعمالها في أم الكتاب، ثم إنه تعالى ذكره مميتها ثم منشرها ومجازيها يوم القيامة جزاءَ أعمالها. يقول: فالرب الذي لم يضيِّع حفظَ أعمال البهائم والدوابّ في الأرض، والطير في الهواء، حتى حفظ عليها حركاتها وأفعالها، وأثبت ذلك منها في أم الكتاب، وحشرها ثم جازاها على ما سلف منها في دار البلاء، أحرى أن لا يُضيع أعمالكم، ولا يُفَرِّط في حفظ أفعالكم التي تجترحونها، أيها الناس، حتى يحشركم فيجازيكم على جميعها، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا، إذ كان قد خصكم من نعمه، وبسط عليكم من فضله، ما لم يعمَّ به غيركم في الدنيا، وكنتم بشكره أحقَّ، وبمعرفة واجبه عليكم أولى، لما أعطاكم من العقل الذي به بين الأشياء تميِّزون، والفهم
(1)
انظر تفسير "دابة" فيما سلف 3: 275.

(2)
انظر تفسير "أمة" فيما سلف 10: 465، تعليق: 1، والمراجع هناك.

الذي لم يعطه البهائم والطيرَ، الذي به بين مصالحكم ومضارِّكم تفرِّقون.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13211 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "أمم أمثالكم" ، أصناف مصنفة تُعرَف بأسمائها.
13212- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13213- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم" ، يقول: الطير أمة، والإنس أمة، والجن أمة.
13214 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "إلا أمم أمثالكم" ، يقول: إلا خلق أمثالكم.
13215- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنى حجاج، عن ابن جريج في قوله: "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم" ، قال: الذرّة فما فوقها من ألوان ما خلق الله من الدواب.
* * *
وأما قوله: "ما فرطنا في الكتاب من شيء" ، فإن معناه: ما ضيعنا إثبات شيء منه، كالذي:-
13216 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "ما فرطنا في الكتاب من شيء" ، ما تركنا شيئًا إلا قد كتبناه في أم الكتاب.
13217 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:
"ما فرطنا في الكتاب من شيء" ، قال: لم نُغفِل الكتاب، ما من شيء إلا وهو في الكتاب. (1)
13218- وحدثني به يونس مرة أخرى، قال في قوله: "ما فرطنا في الكتاب من شيء" ، قال: كلهم مكتوبٌ في أم الكتاب.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]