
15-07-2025, 02:25 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (610)
صــ 406 إلى صــ 415
13311 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: "ما جرحتم بالنهار" ، قال: ما عملتم بالنهار.
13312- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
13313 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وهو الذي يتوفاكم بالليل" ، يعني بذلك نومهم = "ويعلم ما جرحتم بالنهار" ، أي: ما عملتم من ذنب فهو يعلمه، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
13314 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" ، قال: أمّا وفاته إياهم بالليل، فمنامهم = وأما "ما جرحتم بالنهار" ، فيقول: ما اكتسبتم بالنهار.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا الكلام وإن كان خبرًا من الله تعالى عن قدرته وعلمه، فإنّ فيه احتجاجًا على المشركين به، الذين كانوا ينكرون قدرته على إحيائهم بعد مماتهم وبعثهم بعد فنائهم. فقال تعالى ذكره محتجًا عليهم: "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى" ، يقول: فالذي يقبض أرواحكم بالليل ويبعثكم في النهار، لتبلغوا أجلا مسمى، وأنتم ترون ذلك وتعلمون صحّته، غير منكرٍ له القدرة على قبض أرواحكم وإفنائكم، ثم ردِّها إلى أجسادكم، وإنشائكم بعد مماتكم، فإن ذلك نظير ما تعاينون وتشاهدون، وغير منكر لمن قدر على ما تعاينون من ذلك، القدرةُ على ما لم تعاينوه. وإن الذي لم تروه ولم تعاينوه من ذلك، شبيه ما رأيتم وعاينتم.
* * *
القول في تأويل قوله: {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) }
(1)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: "ثم يبعثكم" ، يثيركم ويوقظكم من منامكم (2) = "فيه" يعني في النهار، و "الهاء" التي في "فيه" راجعة على "النهار" (3) = "ليقضي أجلٌ مسمى" ، يقول: ليقضي الله الأجل الذي سماه لحياتكم، وذلك الموت، فيبلغ مدته ونهايته (4) = "ثم إليه مرجعكم" ، يقول: ثم إلى الله معادكم ومصيركم (5) = "ثم ينبئكم بما كنتم تعملون" ، يقول: ثم يخبركم بما كنتم تعملون في حياتكم الدنيا، (6) ثم يجازيكم بذلك، إن خيرًا فخيرًا وإن شرًّا فشرًّا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13315 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ثم يبعثكم فيه" ، قال: في النهار.
13316 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: "ثم يبعثكم فيه" ، في النهار، و "البعث" ، اليقظة.
13317- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة مثله.
(1) أسقط في المطبوعة والمخطوطة: "ثم يبعثكم فيه" ، وهو نص التلاوة.
(2) انظر تفسير "البعث" فيما سلف 2: 84، 85/5: 457/10: 229.
(3) في المطبوعة والمخطوطة: "والهاء التي فيه راجعة" ، بإسقاط "في" ، والصواب إثباتها.
(4) انظر تفسير "أجل مسمى" فيما سلف 6: 43/11: 259.
(5) انظر تفسير "المرجع" فيما سلف 6: 464/10: 391/11: 154.
(6) انظر تفسير "النبأ" فيما سلف ص: 335 تعليق: 2، والمراجع هناك.
13318 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ثم يبعثكم فيه" ، قال: بالنهار. (1)
13319 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عبد الله بن كثير: "ثم يبعثكم فيه" ، قال: يبعثكم في المنام.
* * *
= "ليقضي أجل مسمى" ، وذلك الموت.
* ذكر من قال ذلك:
13320 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ليقضي أجل مسمى" ، وهو الموت.
13321 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ليقضي أجل مسمى" ، قال: هو أجل الحياة إلى الموت.
13322 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عبد الله بن كثير: "ليقضي أجل مسمى" ، قال: مدّتهم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "وهو القاهر" ، والله الغالب خلقه، العالي عليهم بقدرته، (2) لا المقهور من أوثانهم وأصنامهم، المذلَّل المعْلُوّ عليه
(1) في المطبوعة: "في النهار" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) انظر تفسير "القاهر" فيما سلف ص: 288.
لذلته (1) = "ويرسل عليكم حفظة" ، وهي ملائكته الذين يتعاقبونكم ليلا ونهارًا، يحفظون أعمالكم ويحصونها، ولا يفرطون في حفظ ذلك وإحصائه ولا يُضيعون. (2)
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13323 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "ويرسل عليكم حفظة" ، قال: هي المعقبات من الملائكة، يحفظونه ويحفظون عمله.
13324 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، يقول: حفظة، يا ابن آدم، يحفظون عليك عملك ورزقك وأجلك، إذا توفَّيت ذلك قبضت إلى ربك = "حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، يقول تعالى ذكره: إن ربكم يحفظكم برسل يعقِّب بينها، يرسلهم إليكم بحفظكم وبحفظ أعمالكم، إلى أن يحضركم الموت، وينزل بكم أمر الله، فإذا جاء ذلك أحدكم، توفاه أملاكنا الموكَّلون بقبض الأرواح، ورسلنا المرسلون به = "وهم لا يفرطون" ، في ذلك فيضيعونه. (3)
* * *
فإن قال قائل: أو ليس الذي يقبض الأرواح ملك الموت، فكيف قيل: "توفته رسلنا" ، "والرسل" جملة وهو واحد؟ أو ليس قد قال: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ
(1) في المطبوعة: "المغلوب عليه لذلته" وهو خطأ وسوء تصرف، والذي في المخطوطة هو الصواب.
(2) انظر تفسير "الحفظ" بمعانيه فيما سلف 5: 167/8: 296، 297، 562/10: 343، 562.
(3) انظر تفسير "التوفي" فيما سلف ص: 405 تعليق: 1، والمراجع هناك.
الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [سورة السجدة: 11] ؟
قيل: جائز أن يكون الله تعالى ذكره أعان ملك الموت بأعوان من عنده، فيتولون ذلك بأمر ملك الموت، فيكون "التوفي" مضافًا = وإن كان ذلك من فعل أعوان ملك الموت = إلى ملك الموت (1) إذ كان فعلهم ما فعلوا من ذلك بأمره، كما يضاف قتلُ من قتل أعوانُ السلطان وجلدُ من جلدوه بأمر السلطان، إلى السلطان، وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه، ولا وليه بيده.
* * *
وقد تأول ذلك كذلك جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13325 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم في قوله: "حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، قال: كان ابن عباس يقول: لملك الموت أعوانٌ من الملائكة.
13326- حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس، عن الحسن بن عبيد الله في قوله: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، قال: سئل ابن عباس عنها فقال: إن لملك الموت أعوانًا من الملائكة.
13327 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم في قوله: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، قال: أعوان ملك الموت.
13328- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، قال: الرسل توفَّى الأنفس، ويذهب بها ملك الموت.
13329 - حدثنا هناد قال، حدثنا حفص، عن الحسن بن عبيد الله،
(1) السياق: "فيكون التوفي مضافًا. . . إلى ملك الموت" .
عن إبراهيم، عن ابن عباس: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، أعوان ملك الموت من الملائكة. (1)
13330- [حدثنا هناد قال، حدثنا حفص، عن الحسن بن عبيد الله، عن ابن عباس: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" . قال: أعوان ملك الموت من الملائكة] . (2)
13331- حدثنا هناد قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم: "توفته رسلنا" ، قال: هم الملائكة أعوان ملك الموت.
13332 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: "توفته رسلنا" ، قال: إن ملك الموت له رسل، فيرسل ويرفع ذلك إليه = وقال الكلبي: إن ملك الموت هو يلي ذلك، فيدفعه، إن كان مؤمنًا، إلى ملائكة الرحمة، وإن كان كافرًا إلى ملائكة العذاب.
13333 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "توفته رسلنا" ، قال: يلي قبضَها الرسل، ثم يدفعونها إلى ملك الموت.
13334 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور عن إبراهيم في قوله: "توفته رسلنا" ، قال: تتوفاه الرسل، ثم يقبض منهم ملك الموت الأنفس = قال الثوري: وأخبرني الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم قال: هم أعوان لملك الموت = قال الثوري: وأخبرني
(1) الأثر: 13329 - كان تفسير هذه الآية في هذا الخبر: "قال: الرسل توفى الأنفس، ويذهب بها ملك الموت" ، وهذا مخالف كل المخالفة لما في المخطوطة، فأثبت ما فيها، وكأنه الصواب إن شاء الله.
(2) الأثر: 13330 - هذا الأثر ليس في المخطوطة، ولذلك وضعته بين قوسين، وظني أنه تكرار من تصرف ناسخ، فإن إسناده إسناد الذي قبله، إلا أنه ليس فيه "عن إبراهيم" بين "الحسن بن عبيد الله" و "ابن عباس" .
رجل، عن مجاهد قال: جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست يتناول من حيث شاء، وجعلت له أعوان يتوفَّون الأنفس ثم يقبضها منهم.
13335 حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن ابن عباس في قوله: "توفته رسلنا" ، قال: أعوان ملك الموت من الملائكة.
13336 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم قال: الملائكة أعوان ملك الموت.
13337- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: "توفته رسلنا" ، قال: يتوفونه، ثم يدفعونه إلى ملك الموت.
13338 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه قال: سألت الربيع بن أنس عن ملك الموت، أهو وحده الذي يقبض الأرواح، قال: هو الذي يلي أمرَ الأرواح، وله أعوان على ذلك، ألا تسمع إلى قول الله تعالى ذكره: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ؟ [سورة الأعراف: 37] . وقال: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، غير أن ملك الموت هو الذي يسير كل خطوة منه من المشرق إلى المغرب. قلت: أين تكون أرواح المؤمنين؟ قال: عند السدرة في الجنة.
13339- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا محمد بن مسلم، عن إبراهيم بن ميسرة، عن مجاهد قال: ما من أهل بيت شَعَرٍ ولا مَدَرٍ إلا وملك الموت يُطيف بهم كل يوم مرتين.
* * *
وقد بينا أن معنى "التفريط" ، التضييع، فيما مضى قبل. (1) وكذلك تأوله المتأوّلون في هذا الموضع.
(1) انظر تفسير "التفريط" فيما سلف ص: 345، 346.
13340- حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وهم لا يفرطون" ، يقول: لا يضيعون.
13341 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وهم لا يفرطون" ، قال: لا يضيعون.
* * *
القول في تأويل قوله: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم ردت الملائكة الذين توفَّوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم، إلى الله سيدهم الحق، (1) "ألا له الحكم" ، يقول: ألا له الحكم والقضاء دون من سواه من جميع خلقه (2) = "وهو أسرعُ الحاسبين" ، يقول: وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم، أيها الناس، وأحصاها، وعرف مقاديرها ومبالغها، (3) لأنه لا يحسب بعقد يد، ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه منه خافية، ولا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (4) [سورة سبأ: 3] .
* * *
(1) انظر تفسير "المولى" فيما سلف 6: 141/7: 278، وغيرها من فهارس اللغة مادة (ولي) .
(2) انظر تفسير "الحكم" فيما سلف 9: 175، 324، 462.
(3) انظر تفسير "الحساب" فيما سلف: 207، 274، 275/6: 279.
(4) هذا تضمين آية "سورة سبأ" : 3.
القول في تأويل قوله: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم، الداعين إلى عبادة أوثانهم: من الذين ينجيكم = "من ظلمات البر" ، إذا ضللتم فيه فتحيَّرتم، فأظلم عليكم الهدى والمحجة = ومن ظلمات البحر إذا ركبتموه، فأخطأتم فيه المحجة، فأظلم عليكم فيه السبيل، فلا تهتدون له = غير الله الذي إليه مفزعكم حينئذ بالدعاء (1) = "تضرعًا" ، منكم إليه واستكانة جهرًا (2) = "وخفية" ، يقول: وإخفاء للدعاء أحيانًا، وإعلانًا وإظهارًا تقولون: لئن أنجيتنا من هذه يا رب (3) = أي من هذه الظلمات التي نحن فيها = "لنكونن من الشاكرين" ، يقول: لنكونن ممن يوحدك بالشكر، ويخلص لك العبادة، دون من كنا نشركه معك في عبادتك.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1) في المطبوعة: "الذي مفزعكم" ، والصواب من المخطوطة.
(2) انظر تفسير "التضرع" فيما سلف ص: 355.
(3) في المطبوعة والمخطوطة، كان نص الآية {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ} وهي قراءة باقي السبعة، وقراءتنا المثبتة في مصحفنا هي قراءة الكوفيين. وقد جرى أبو جعفر في تفسيره على قراءة عامة الناس، ولم يشر إلى قراءتنا، وجرى على ذلك في تفسيره الآية. وقال القرطبي: قرأ الكوفيون "لئن أنجانا" ، واتساق المعنى بالتاء، كما قرأ أهل المدينة والشام.
وانظر معاني القرآن للفراء 1: 338. وظني أن أبا جعفر قد اختصر التفسير في هذا الموضع اختصارًا شديدًا، فترك كثيرًا كان يظن به أن يقوله.
* ذكر من قال ذلك:
13342 - حدثني محمد بن سعيد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعًا وخفية" ، يقول: إذا أضل الرجل الطريق، دعا الله: "لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين" . (1)
13343 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر" ، يقول: من كرْب البر والبحر.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء العادلين بربهم سواه من الآلهة، إذا أنت استفهمتهم عمن به يستعينون عند نزول الكرب بهم في البر والبحر: الله القادرُ على فَرَجكم عند حلول الكرب بكم، ينجيكم من عظيم النازل بكم في البر والبحر من همّ الضلال وخوف الهلاك، ومن كرب كل سوى ذلك وهمّ = لا آلهتكم التي تشركون بها في عبادته، ولا أوثانكم التي تعبدونها من دونه، التي لا تقدر لكم على نفع ولا ضرّ، ثم أنتم بعد تفضيله عليكم بكشف النازل بكم من الكرب، ودفع الحالِّ بكم من جسيم الهم، تعدلون به آلهتكم وأصنامكم، فتشركونها في عبادتكم إياه. وذلك منكم جهل
(1) تركت الخبر على قراءة الناس لا قراءتنا في مصحفنا.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|