
15-07-2025, 11:04 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (622)
صــ 526 إلى صــ 535
حماد، عن أيوب، عن مجاهد أنه كان يقرأ هذا الحرف: (يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا) .
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ مَنْ أَنزلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا}
(1) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، لمشركي قومك القائلين لك: "ما أنزل الله على بشر من شيء" = قل: "من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا" ، يعني: جلاءً وضياء من ظلمة الضلالة (2) = "وهدى للناس" ، يقول: بيانًا للناس، يبين لهم به الحق من الباطل فيما أشكل عليهم من أمر دينهم (3) = "تجعلونه قراطيس تبدونها" .
* * *
فمن قرأ ذلك: (تَجْعَلُونَهُ) ، جعله خطابًا لليهود على ما بيّنت من تأويل من تأوّل ذلك كذلك.
* * *
ومن قرأه بالياء: (يَجْعَلُونَهُ) ، فتأويله في قراءته: يجعله أهله قراطيس، وجرى الكلام في "يبدونها" بذكر "القراطيس" ، والمراد منه المكتوب في القراطيس، يراد: يبدون كثيرًا مما يكتبون في القراطيس فيظهارونه للناس، ويخفون كثيرًا مما يثبتونه في القراطيس فيسرُّونه ويكتمونه الناس. (4)
* * *
(1) أثبت الآية على قراءتنا في مصحفنا، وإن كان تفسير أبي جعفر بعد على القراءة الأخرى. فليتنبه قارئ التفسير إلى موضع الخلاف كما حرره أبو جعفر، ص: 524، 525.
(2) انظر تفسير "النور" فيما سلف 10: 338، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير "الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .
(4) انظر تفسير "القرطاس" فيما سلف ص365: 366.
ومما كانوا يكتمونه إياهم، ما فيها من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته، كالذي:-
13545 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا" ، اليهود.
13546 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: "قل" يا محمد "من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس يجعلونه قراطيس يبدونها" ، يعني يهود، لما أظهروا من التوراة = "ويخفون كثيرًا" ، مما أخفوا من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه = قال ابن جريج: وقال عبد الله بن كثير: إنه سمع مجاهدًا يقول: "يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا" ، قال: هم يهود، الذين يبدونها ويخفون كثيرًا.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وعلمكم الله جل ثناؤه بالكتاب الذي أنزله إليكم، (1) ما لم تعلموا أنتم من أخبار من قبلكم، ومن أنباء من بعدكم، وما هو كائن في معادكم يوم القيامة = "ولا آباؤكم" ، يقول: ولم يعلمه آباؤكم، أيها المؤمنون بالله من العرب وبرسوله صلى الله عليه وسلم، كالذي:-
13547 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن أيوب، عن مجاهد: "وعلمتم" ، معشرَ العرب "ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم" .
(1) في المطبوعة والمخطوطة: "الكتاب" بغير باء الجر، والصواب إثباتها، فإن مفعول "علمكم" ، هو: "ما لم تعلموا" .
13548 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال عبد الله بن كثير: إنه سمع مجاهدًا يقول في قوله: "وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم" ، قال: هذه للمسلمين.
* * *
وأما قوله: "قل الله" ، فإنه أمرٌ من الله جل ثناؤه نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يجيبَ استفهامَه هؤلاء المشركين عما أمره باستفهامهم عنه بقوله: "قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا" ، (1) بقيل الله، (2) كأمره إياه في موضع آخر في هذه السورة بقوله: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ، [سورة الأنعام: 63] . (3) فأمره باستفهام المشركين عن ذلك، كما أمره باستفهامهم إذ قالوا: "ما أنزل الله على بشر من شيء" ، عمن أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس. ثم أمره بالإجابة عنه هنالك بقيله: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [سورة الأنعام: 64] ، كما أمره بالإجابة ههنا عن ذلك بقيله: الله أنزله على موسى، كما:-
13549 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس" ، قال: الله أنزله. (4)
* * *
ولو قيل: معناه: "قل: هو الله" ، على وجه الأمر من الله له بالخبر عن
(1) هذه القراءة الأخرى التي اختارها أبو جعفر، فتركت تفسيره على حاله، لئلا يختلط الكلام على قارئه.
(2) قوله "بقيل الله" متعلق بقوله "أن يجيب. . ." .
(3) وتركت هذه الآية أيضًا على قراءة أبي جعفر التي اختارها "لئن أنجيتنا" ، كما سلف ص: 414، وأما قراءتنا في مصحفنا: "لئن أنجانا" . وانظر ما مضى في ترجيح أبي جعفر أولى القراءتين على الأخرى.
(4) الأثر: 13549 - هذا مختصر الأثر السالف رقم: 13540.
ذلك = لا على وجه الجواب، إذ لم يكن قوله: "قل من أنزل الكتاب" مسألة من المشركين لمحمد صلى الله عليه وسلم، فيكون قوله: "قل الله" ، جوابًا لهم عن مسألتهم، وإنما هو أمرٌ من الله لمحمد بمسألة القوم: "من أنزل الكتاب" ؟ فيجب أن يكون الجواب منهم غير الذي قاله ابن عباس من تأويله = كان جائزًا، (1) من أجل أنه استفهام، ولا يكون للاستفهام جوابٌ، وهو الذي اخترنا من القول في ذلك لما بينا.
* * *
وأما قوله: "ثم ذرهم في خوضهم يلعبون" ، فإنه يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ثم ذَرْ هؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثان والأصنام، (2) بعد احتجاجك عليهم في قيلهم: "ما أنزل الله على بشر من شيء" ، بقولك: "من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس" ، وإجابتك ذلك بأن الذي أنزله: الله الذي أنزل عليك كتابه = "في خوضهم" ، يعني: فيما يخوضون فيه من باطلهم وكفرهم بالله وآياته (3) = "يلعبون" ، يقول: يستهزئون ويسخرون. (4)
* * *
وهذا من الله وعيد لهؤلاء المشركين وتهدُّد لهم: يقول الله جل ثناؤه: ثم دعهم لاعبين، يا محمد. فإني من وراء ما هم فيه من استهزائهم بآياتي بالمرصاد، وأذيقهم بأسي، وأحلّ بهم إن تمادوا في غَيِّهم سَخَطي. (5)
* * *
(1) قوله: "كان جائزًا" ، جواب قوله آنفًا "ولو قيل: معناه. . ." ، وما بينهما فصل.
(2) انظر تفسير "ذر" فيما سلف ص: 441، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير "الخوض" فيما سلف 9: 320/11: 436.
(4) انظر تفسير "اللعب" فيما سلف ص: 441، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(5) في المطبوعة: "وتهديد لهم" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض، ولكن الناشر غيره في جميع المواضع السالفة، فجعله "تهديد" ، ولا أدري لم؟
القول في تأويل قوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهذا القرآن، يا محمد = "كتاب" .
* * *
وهو اسم من أسماء القرآن، قد بينته وبينت معناه فيما مضى قبلُ بما أغنى عن إعادته، ومعناه مكتوب، فوضع "الكتاب" مكان "المكتوب" . (1)
* * *
= "أنزلناه" ، يقول: أوحيناه إليك = "مبارك" ، وهو "مفاعل" من "البركة" (2) = "مصدّق الذي بين يديه" ، يقول: صدّق هذا الكتاب ما قبله من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه قبلك، لم يخالفها [دلالة ومعنى] (3) "نورًا وهدى للناس" ، يقول: هو الذي أنزل إليك، يا محمد، هذا الكتاب مباركًا، مصدقًا كتاب موسى وعيسى وغير ذلك من كتب الله. ولكنه جل ثناؤه ابتدأ الخبر عنه، إذ كان قد تقدم [من] الخبر عن ذلك ما يدل على أنه [له] مواصل، (4) فقال: "وهذا كتاب أنزلناه إليك مبارك" ، ومعناه: وكذلك أنزلت إليك كتابي هذا مباركًا، كالذي أنزلت من التوراة إلى موسى هدى ونورًا.
* * *
وأما قوله: "ولتنذر أمَّ القرى ومن حولها" ، فإنه يقول: أنزلنا إليك، يا محمد،
(1) انظر تفسير "كتاب" فيما سلف 1: 97، 99.
(2) انظر تفسير "مبارك" فيما سلف 7: 25.
(3) في المطبوعة: "لم يخالفها ولا ينبأ وهو معنى نورًا وهدى" ، وهو كلام لا يستقيم.
وفي المخطوطة: "لم يخالفها ولا ينبأ ومعنى نورًا وهدى" ، وهو غير منقوط، وهو أيضًا مضطرب، فرجحت ما كتبته بين القوسين استظهارًا لسياق المعنى.
(4) في المطبوعة: "ما يدل على أنه به متصل" ، وفي المخطوطة: "ما يدل على أنه من أصل" ، فرجحت ما أثبت، وزدت "من" و "له" بين القوسين، فإن هذا هو حق المعنى إن شاء الله.
هذا الكتاب مصدِّقًا ما قبله من الكتب، ولتنذِر به عذابَ الله وبأسَه مَنْ في أم القرى، وهي مكة = "ومن حولها" ، شرقًا وغربًا، من العادلين بربّهم غيره من الآلهة والأنداد، والجاحدين برسله، وغيرهم من أصناف الكفار.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13550 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "ولتنذر أم القرى ومن حولها" ، يعنى ب "أم القرى" ، مكة = "ومن حولها" ، من القرى إلى المشرق والمغرب.
13551- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ولتنذر أم القرى ومن حولها" ، و "أم القرى" ، مكة = "ومن حولها" ، الأرض كلها.
13552 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: "ولتنذر أم القرى" ، قال: هي مكة = وبه عن معمر، عن قتادة قال: بلغني أن الأرض دُحِيَتْ من مكة.
13553- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولتنذر أم القرى ومن حولها" ، كنا نُحَدّث أن أم القرى، مكة = وكنا نحدَّث أن منها دُحيت الأرض.
13554 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط عن السدي: "ولتنذر أم القرى ومن حولها" ، أما "أم القرى" فهي مكة، وإنما سميت "أم القرى" ، لأنها أول بيت وضع بها.
* * *
وقد بينا فيما مضى العلة التي من أجلها سميت مكة "أم القرى" ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن كان يؤمن بقيام الساعة والمعادِ في الآخرة إلى الله، ويصدِّق بالثواب والعقاب، فإنه يؤمن بهذا الكتاب الذي أنزلناه إليك، يا محمد، ويصدق به، ويقرّ بأن الله أنزله، ويحافظ على الصلوات المكتوبات التي أمرَه الله بإقامتها، (2) لأنه منذرُ من بلغه وعيدَ الله على الكفر به وعلى معاصيه، وإنما يجحد به وبما فيه ويكذِّب، أهل التكذيب بالمعاد، والجحود لقيام الساعة، لأنه لا يرجو من الله إن عمل بما فيه ثوابًا، ولا يخاف إن لم يجتنب ما يأمره باجتنابه عقابًا.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزلُ مِثْلَ مَا أَنزلَ اللَّهُ}
قال أبو جعفر: يعني جل ذكره بقوله: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا" ، ومن أخطأ قولا وأجهل فعلا = "ممن افترى على الله كذبًا" ، يعني: ممن اختلق
(1) انظر تفسير "أم القرى" فيما سلف 1: 108، وانظر أيضًا الأثر رقم: 6589.
(2) انظر تفسير "المحافظة على الصلوات" فيما سلف 5: 167، 168.
على الله كذبًا، (1) فادعى عليه أنه بعثه نبيًّا وأرسله نذيرًا، وهو في دعواه مبطل، وفي قيله كاذب.
* * *
وهذا تسفيهٌ من الله لمشركي العرب، وتجهيلٌ منه لهم، في معارضة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، والحنفيِّ مسيلمة، لنبي الله صلى الله عليه وسلم، بدعوى أحدهما النبوّة، ودعوى الآخر أنه قد جاء بمثل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم = ونفْيٌ منه عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم اختلاقَ الكذب عليه ودعوى الباطل.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم فيه نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
13555 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء" ، قال: نزلت في مسيلمة أخي بني عدي بن حنيفة، فيما كان يسجع ويتكهن به = "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" ، نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أخي بني عامر بن لؤي، كان كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، (2) وكان فيما يملي "عزيز حكيم" ، فيكتب "غفور رحيم" ، فيغيره، ثم يقرأ عليه "كذا وكذا" ، لما حوَّل، فيقول: "نعم، سواءٌ" . فرجع عن الإسلام ولحق بقريش وقال لهم: لقد كان ينزل عليه "عزيز حكيم" فأحوِّله، ثم أقرأ ما كتبت، (3) فيقول: "نعم سواء" ! ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة، إذ
(1) انظر تفسير "الافتراء" فيما سلف ص: 296، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(2) في المطبوعة: "كان يكتب للنبي. . ." ، والصواب الجيد ما في المخطوطة.
(3) في المطبوعة: "ثم أقول لما أكتب" ، وفي المخطوطة: "ثم أقول أكتب" ، وفوق الكلام حرف (ط) من الناسخ، دلالة على الخطأ، وأنه خطأ قديم في النسخة التي نقل عنها. ورجحت قراءتها كما أثبت، وهو سياق الكلام.
نزل النبي صلى الله عليه وسلم بمرّ. (1)
* * *
وقال بعضهم: بل نزل ذلك في عبد الله بن سعد خاصة.
* ذكر من قال ذلك:
13556 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوحَ إليه شيء" إلى قوله: "تجزون عذاب الهون" . قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أسلم، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أملى عليه: "سميعًا عليمًا" ، كتب هو: "عليمًا حكيمًا" ، وإذا قال: "عليمًا حكيمًا" كتب: "سميعًا عليمًا" ، فشكّ وكفر، وقال: إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إليّ، وإن كان الله ينزله فقد أنزلت مثل ما أنزل الله! قال محمد: "سميعًا عليمًا" فقلت أنا: "عليمًا حكيمًا" ! فلحق بالمشركين، ووشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي، أو لبني عبد الدار. فأخذوهم فعُذِّبوا حتى كفروا، وجُدِعت أذن عمار يومئذ. (2) فانطلق عمار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما لقي، والذي أعطاهم من الكفر، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولاه، فأنزل الله في شأن ابن أبي سرح وعمار وأصحابه: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا}
(1) "مر" ، هي "مر الظهران" .
(2) "جدعت أذنه" ، قطعت، وكان يقال له "الأجدع" ، انظر ابن سعد 3: 181.
وكان في المطبوعة والمخطوطة: "وجدع أذن عمار" ، ذهب إلى تذكير "الأذن" ، والصواب تأنيثها، لم يذكروا فيها تذكيرًا فيما أعلم. وهذا خبر غريب وقد روى ابن سعد في الطبقات 3: 181 عن ابن عمر: "رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة، على صخرة قد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين! أمن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر، هلموا إلي! = وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت، فهي تذبذب، وهو يقاتل أشد القتال" .
ثم قال: "قال: شعبة: لم ندر أنها أصيبت باليمامة" . فهذا خبر آخر، والمشهور من خبره أنها أصيبت مع النبي صلى الله عليه وسلم. كأن ذلك كان في بعض الغزوات.
[سورة النحل:106] ، فالذي أكره: عمار وأصحابه = والذي شرح بالكفر صدرًا، فهو ابن أبي سرح. (1)
* * *
وقال آخرون: بل القائل: "أوحي إلي ولم يوح إليه شيء" ، مسيلمة الكذاب.
* ذكر من قال ذلك:
13557 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" ، ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في مسيلمة. ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت فيما يرى النائم كأنّ في يديّ سوارين من ذهب، فكبرا عليّ وأهمّاني، (2) فأوحى إليّ: أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأوَّلتهما في منامي الكذَّابين اللذين أنا بينهما، كذّاب اليمامةِ مُسيلمة، وكذّاب صنعاء العنسي. وكان يقال له: "الأسود" . (3)
13558 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: "أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء" ، قال: نزلت في مسيلمة.
13559- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة = وزاد فيه: وأخبرني الزهري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم رأيتُ في يديّ سوارين من ذهب، فكبر ذلك عليّ، فأوحي إلي"
(1) الأثر: 13556 - كان حق هذا الخبر أن يذكر في تفسير آية "سورة النحل" ، لبيان أنها نزلت أيضًا في "عبد الله بن سعد بن أبي سرح" ، ولكن أبا جعفر لم يفعل، وذلك دلالة أخرى قاطعة على اختصاره تفسيره.
(2) في المخطوطة: "فأهمني" ، وعلى الكلمة حرف (ط) دلالة على الخطأ، والصواب ما في المطبوعة، موافقًا لرواية البخاري ومسلم.
(3) الأثر: 13557 - خبر الرؤيا، رواه البخاري (الفتح 8: 69، 70) ، ومسلم في صحيحه: 15: 34.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|