عرض مشاركة واحدة
  #623  
قديم 15-07-2025, 11:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,414
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (623)
صــ 536 إلى صــ 545





أن انفخهما، فنفخهما فطارا، فأوّلت ذلك كذاب اليمامة وكذاب صنعاء العنسي. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله قال: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء" ، ولا تمانُع بين علماء الأمة أن ابن أبي سرح كان ممن قال: "إني قد قلت مثل ما قال محمد" ، وأنه ارتدّ عن إسلامه ولحق بالمشركين، فكان لا شك بذلك من قيله مفتريًا كذبًا. وكذلك لا خلاف بين الجميع أن مسيلمة والعنسيّ الكذابين، ادّعيا على الله كذبًا. أنه بعثهما نبيين، وقال كل واحد منهما إنّ الله أوحى إليه، وهو كاذب في قيله. فإذ كان ذلك كذلك، فقد دخل في هذه الآية كل من كان مختلقًا على الله كذبًا، وقائلا في ذلك الزمان وفي غيره: "أوحى الله إلي" ، وهو في قيله كاذب، لم يوح الله إليه شيئًا. فأما التنزيل، فإنه جائز أن يكون نزل بسبب بعضهم = وجائز أن يكون نزل بسبب جميعهم = وجائز أن يكون عني به جميعُ المشركين من العرب = إذ كان قائلو ذلك منهم، فلم يغيّروه. فعيّرهم الله بذلك، وتوعّدهم بالعقوبة على تركهم نكيرَ ذلك، ومع تركهم نكيرَه هم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مكذبون، ولنبوّته جاحدون، ولآيات كتاب الله وتنزيله دافعون، فقال لهم جل ثناؤه: "ومن أظلم ممن ادّعى عليّ النبوّة كاذبًا" ، وقال: "أوحي إلي" ، ولم يوح إليه شيء، ومع ذلك يقول: "ما أنزل الله على بشر من شيء" ، فينقض قولَه بقوله، ويكذب بالذي تحققه، وينفي ما يثبته. وذلك إذا تدبره العاقلُ الأريب علم أن فاعله من عقله عديم.
* * *
وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله: "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" ، ما:-
(1)
الأثر: 13559 - انظر التعليق على رقم: 13557.

13560 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" ، قال: زعم أنه لو شاء قال مثله = يعني الشعر.
* * *
فكأنّ ابن عباس في تأويله هذا على ما تأوّله، يوجِّه معنى قول قائل: "سأنزل مثل ما أنزل الله" ، إلي: سأنزل مثل ما قال الله من الشعر. وكذلك تأوّله السدي. وقد ذكرنا الرواية عنه قبل فيما مضى. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولو ترى، يا محمد، حين يغمر الموت بسكراته هؤلاء الظالمين العادلين بربهم الآلهة والأنداد، والقائلين: "ما أنزل الله على بشر من شيء" ، والمفترين على الله كذبًا، الزاعمين أنّ الله أوحى إليه ولم يوحَ إليه شيء، والقائلين: "سأنزل مثل ما أنزل الله" ، (2) فتعاينهم وقد غشيتهم سكرات الموت، ونزل بهم أمر الله، وحان فناء آجالهم، والملائكة باسطو أيديهم يضربون وجوههم وأدبارهم، كما قال جل ثناؤه: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} [سورة محمد: 27، 28] . يقولون لهم: أخرجوا أنفسكم.
(1)
لم يذكر "الشعر" في خبر السدي السالف رقم: 13556، ولعل أبا جعفر نسي أن يكتبه، أو لعله أراد أن ذلك مروي في خبر السدي السالف وإن كان لم يذكره هناك.

(2)
هكذا جاء على الجمع في المخطوطة أيضًا "والمفترين. . . الزاعمين. . . والقائلين" ، والسياق يقتضي الإفراد، ولكني تركته على حاله، لظهور معناه، وإن كنت أرجح أن الصواب: "والمفتري على الله كذبًا الزاعم أن الله أوحى إليه ولم يوح إليه شيء، والقائل: سأنزل مثل ما أنزل الله" .

و "الغمرات" جمع "غمرة" ، و "غمرة كل شيء" ، كثرته ومعظمه، وأصله الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها، ومنه قول الشاعر: (1)
وَهَلْ يُنْجِي مِنَ الْغَمَرَاتِ إلا ... بُرَاكَاءُ القِتَالِ أوِ الفِرَارُ (2)
* * *
وروي عن ابن عباس في ذلك، ما:-
13561 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: قوله: "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت" ، قال: سكرات الموت.
13562 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "في غمرات الموت" ، يعني سكرات الموت.
* * *
وأما "بسط الملائكة أيديها" ، (3) فإنه مدُّها. (4)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في سبب بسطها أيديها عند ذلك.
فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
13563 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
(1)
هو بشر بن أبي حازم.

(2)
شرح المفضليات: 677، النقائض: 423، الأغاني 13: 137، ديوان الخنساء: 216، واللسان (برك) ، وغيرها. وهذا البيت آخر قصيدة في المفضليات، وروايته: "ولا ينجي" . و "البراكاء" (بفتح الباء وضمها) : الثبات في ساحة الحرب، والجد في القتال، وهو من "البروك" ، يبرك المقاتل في مكانه، أي: يثبت. وكان في المطبوعة: "تراك للقتال" ، وهو خطأ صرف. وفي المخطوطة: "براكا للقتال" ، وهو أيضًا خطأ.

(3)
في المطبوعة: "أيديهم" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.

(4)
انظر تفسير "بسط الأيدي" فيما سلف 10: 100، 213.

معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم" ، قال: هذا عند الموت، "والبسط" ، الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم.
13564 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي، قال حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم" ، يقول: "الملائكة باسطو أيديهم" ، يضربون وجوههم وأدبارهم = والظالمون في غمرات الموت، وملك الموت يتوفّاهم.
13565 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "والملائكة باسطو أيديهم" ، يضربونهم.
* * *
وقال آخرون: بل بسطها أيديها بالعذاب.
* ذكر من قال ذلك:
13566 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: "والملائكة باسطو أيديهم" ، قال: بالعذاب.
13567 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: "والملائكة باسطو أيديهم" ، بالعذاب.
* * *
وكان بعض نحويي الكوفيين يتأوّل ذلك بمعنى: باسطو أيديهم بإخراج أنفسهم. (1)
* * *
فإن قال قائل: ما وجه قوله: "أخرجوا أنفسكم" ، ونفوس بني آدم إنما يخرجها من أبدان أهلها رب العالمين؟ فكيف خوطب هؤلاء الكفار، وأمروا في
(1)
هو الفراء في معاني القرآن 1: 345.

حال الموت بإخراج أنفسهم؟ فإن كان ذلك كذلك، فقد وجب أن يكون بنو آدم هم يقبضون أنفس أجسامهم!
قيل: إن معنى ذلك بخلاف الذي [إليه] ذهبت (1) وإنما ذلك أمرٌ من الله على ألسن رُسله الذين يقبضون أرواحَ هؤلاء القوم من أجسامهم، بأداء ما أسكنها ربها من الأرواح إليه، وتسليمها إلى رسله الذين يتوفَّونها.
* * *
القول في تأويل قوله: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما تقولُ رسل الله التي تقبض أرواحَ هؤلاء الكفار لها، (2) يخبر عنها أنها تقول لأجسامها ولأصحابها: "أخرجوا أنفسكم" ، إلى سخط الله ولعنته، فإنكم اليوم تُثابون على كفركم بالله، (3) وقيلكم عليه الباطل، وزعمكم أن الله أوحى إليكم ولم يوحَ إليكم شيئًا، وإنكاركم أن يكون الله أنزل على بشر شيئًا، (4) واستكباركم عن الخضوع لأمر الله وأمر رسوله، والانقياد لطاعته = "عذابَ الهون" ، وهو عذاب جهنم الذي يُهينُهم فيذلّهم، حتى يعرفوا صَغَار أنفسهم وذِلَّتَها، كما:-
13568 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما "عذاب الهون" ، فالذي يهينهم.
(1)
الزيادة بين القوسين يقتضيها السياق.

(2)
قوله: "لها" ، أي للكفار.

(3)
انظر تفسير "الجزاء" فيما سلف من فهارس اللغة (جزي) .

(4)
في المطبوعة والمخطوطة: "وإنذاركم أن يكون الله أنزل على بشر شيئًا" ، وهو لا معنى له، وإنما هو تحريف من الناسخ، والصواب ما أثبت.

13569 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "اليوم تجزون عذاب الهون" ، قال: عذاب الهون، في الآخرة = "بما كنتم تعملون" .
* * *
والعرب إذا أرادت ب "الهون" معنى "الهوان" ، ضمت "الهاء" ، وإذا أرادت به الرفق والدَّعَة وخفة المؤونة، فتحت "الهاء" ، (1) فقالوا: هو "قليل هَوْن المؤونة" ، ومنه قول الله: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا} [سورة الفرقان: 63] ، يعني: بالرفق والسكينة والوقار، ومنه قول جندل بن المثنَّى الطُّهويّ: (2)
وَنَقْضَ أَيْامٍ نَقَضْنَ أَسْرَهُ ... هَوْنًا وَأَلْقَى كُلُّ شَيْخٍ فَخرَهُ (3)
ومنه قول الآخر: (4)
هَوْنَكُمَا لا يَرُدُّ الدَّهْرُ ما فَاتَا ... لا تَهْلِكَا أَسَفًا فِي إِثْرِ مَنْ مَاتَا (5)
(1)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 200.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "المثني بن جندل الطهوي" وهو خطأ صرف، وإنما هو "جندل بن المثني الطهوي" ، وهو شاعر إسلامي راجز، كان يهاجي الراعي. انظر سمط اللآلى ص: 644، وغيره.

(3)
لم أعثر على الرجز، وإن كنت أذكره. و "الأسر" : القوة. وقوله: "ألقى كل شيخ فخره" ، كناية عن عجز الشيخ إذا بلغ السن.

(4)
هو ذو جدن الحميري، ويقال هو: "علقمة بن شراحيل بن مرثد الحميري" .

(5)
سيرة ابن هشام 1: 39، تاريخ الطبري 2: 107، الأغاني 16: 70، معجم ما استعجم: 1398، ومعجم البلدان (بينون) و (سلحون) واللسان (هون) ، وبعد البيت: أبَعْدَ بَيْنُونَ لاَ عَيْنٌ وَلاَ أثَرٌ ... وَبَعْدَ سَلْحُونَ يَبْنِي النَّاس أبْيَاتَا

وَبَعْدَ حِمْيَرَ إذْ شَالَتْ نعَامَتُهُمْ ... حَتَّهُمُ غَيْبُ هَذَا الدَّهْرِ حتَّاتَا
و "بينون" ، و "سلحون" ، و "غمدان" من حصون اليمن التي هدمها أرياط الحبشي، في غزوة اليمن، فذكرها ذو جدن، يأسى على ما دخل أهل حمير من الذل والهوان.
يريد: أرْوِدا. (1) وقد حكي فتح "الهاء" في ذلك بمعنى "الهوان" ، واستشهدوا على ذلك ببيت عامر بن جُوَين: (2)
يُهِينُ النفُوسَ، وَهَوْنُ النُّفُو ... سِ عِنْدَ الكَرِيهَةِ أَغْلَى لَهَا (3)
والمعروف من كلامهم، ضمُّ "الهاء" منه، إذا كان بمعنى الهوان والذل، كما قال ذو الإصبع العدواني:
اذْهَبْ إلَيْكَ فَمَا أُمِّي بِرَاعِيَةٍ ... تَرْعَى الْمَخَاضَ وَلا أُغْضِي عَلَى الهُونِ (4)
يعني: على الهوان = وإذا كان بمعنى الرفق، ففتْحُها.
* * *
(1)
في المطبوعة: "رودا" ، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة. و "الإرواد" ، الإمهال والرفق، والتأني، ومنه قيل: "رويدك" ، أي: أمهل، وتأن، وترفق.

(2)
هكذا قال أبو جعفر، والمشهور أنه للخنساء، وهو في شعرها، وبعض أبيات قصيدة الخنساء، تروى لعامر بن جوين الطائي، فلعل هذا مما يروى له من شعرها. أو لعله من شعر عامر بن جوين، وروى للخنساء.

(3)
ديوان الخنساء: 215، والأغاني 13: 136، والنقائض: 423، واللسان (هون) . وروايتهم جميعًا "يوم الكريهة أبقى لها" . وفي المطبوعة: "أعلى" ، والصواب من المخطوطة.

(4)
شرح المفضليات: 323، وما بعدها، والأمالي 1: 256، واللسان (هون) ، وغيرها كثير. وقد جاء أبو جعفر برواية لم تذكر إلا في اللسان، عن ابن بري، وأما رواية الرواة، فهي: عَنِّي إلَيْكَ فَمَا أُمِّي بِرَاعِيَةٍ ... تَرْعَى المَخَاضَ، وَلا رأيي بمَغْبُونِ

إِنِّي أَبِيٌّ ذُو مُحَافَظَةٍ ... وَابنُ أَبِيٍّ أَبِيٍّ مِنْ أَبِيِّينِ
لا يُخْرِجُ القَسْرُ مِنِّي غَيْرَ مَا بِيَةٍ ... وَلا أَلِينُ لِمَنْ لا يَبْتَغِي لِينِي
عَفٌّ نَدُودٌ، إذَا مَا خِفْتُ مِنْ بَلَدٍ ... هُونًا، فَلَسْتُ بوَقَّافٍ عَلَى الهُونِ
فالشاهد في البيت الأخير
القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ}
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما هو قائل يوم القيامة لهؤلاء العادلين به الآلهة والأنداد، يخبر عبادَه أنه يقول لهم عند ورودهم عليه: "لقد جئتمونا فرادى" .
ويعني بقوله: "فرادى" ، وُحدانًا لا مال معهم، ولا إناث، ولا رقيق، (1) ولا شيء مما كان الله خوّلهم في الدنيا = "كما خلقناكم أوّل مرة" ، عُرَاة غُلْفًا غُرْلا حُفاة، كما ولدتهم أمهاتهم، (2) وكما خلقهم جل ثناؤه في بطون أمهاتهم، لا شيء عليهم ولا معهم مما كانوا يتباهَوْن به في الدنيا.
* * *
و "فرادى" ، جمع، يقال لواحدها: "فَرِد" ، كما قال نابغة بني ذبيان:
مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مَوْشيٍّ أَكَارِعُهُ ... طَاوِي المَصِيرِ كَسَيْفِ الصَّيْقَلِ الفَرِدِ (3)
(1)
في المطبوعة: "ولا أثاث ولا رفيق" ، والصواب ما في المخطوطة، يعني نساءهم وخدمهم، وانظر الأثر التالي رقم: 13571، وانظر تفسير البغوي (بهامش ابن كثير 3: 361) قال: "وحدانا لا مال معكم، ولا زوج، ولا ولد، ولا خدم" . فهذا صواب القراءة بحمد الله.

(2)
"غلف جمع" أغلف "، وهو الذي لم يختتن. و" الغرل "جمع" أغرل "، وهو أيضًا الذي لم يختتن، وهذا حديث مسلم في صحيحه من حديث عائشة:" يحشر الناس يوم القيامة حفة عراة غرلا "(17: 192، 193) ."

(3)
ديوانه: 26، واللسان (فرد) ، وغيرهما كثير. من قصيدته المشهورة التي اعتذر بها إلى النعمان بن المنذر، يقول قبله في صفة الثور: كأنّ رَحْلِي وَقَدْ زَالَ النَّهَارُ بِنَا ... يَوْمَ الجَلِيلِ عَلَى مُسْتَأنِسٍ وَحَدِ

و "وجرة" ، منزل بين مكة والبصرة، مربة للوحوش والظباء. "موشي أكارعه" ، في قوائمه نقط سود. "طاوي المصير" ، ضامر البطن، و"المصير "جمع" مصران". يصف بياض الثور والتماعه. كأنه سيف مصقول جديد الصقل.
و "فَرَدٌ" و "فريد" ، كما يقال: "وَحَد" و "وَحِد" و "وحيد" في واحد "الأوحاد" . وقد يجمع "الفَرَد" "الفُرَاد" كما يجمع "الوَحَد" ، "الوُحَاد" ، ومنه قول الشاعر: (1)
تَرَى النَّعَرَاتِ الزُّرْقَ فَوْقَ لَبَانِه ... فُرَادَى وَمَثْنًى أَصْعَقَتْهَا صَوَاهِلُهْ (2)
وكان يونس الجرْميّ، (3) فيما ذكر عنه، يقول: "فُراد" جمع "فَرْد" ، كما قيل: "تُؤْم" و "تُؤَام" للجميع. ومنه: "الفُرَادى" ، و "الرُّدَافى" و "القُرَانى" . (4) يقال: "رجل فرد" و "امرأة فرد" ، إذا لم يكن لها أخٌ. "وقد فَرد الرجلُ فهو يفرُد فرودًا" ، يراد به تفرَّد، "فهو فارد" .
* * *
13570 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، [قال ابن زيد قال] ، أخبرني عمرو: أن ابن أبي هلال حدثه: أنه سمع القرظيّ يقول: قرأت عائشةُ زوجُ النبي صلى الله عليه وسلم قولَ الله: "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة" ، فقالت: واسوأتاه، إن الرجال والنساء يحشرون جميعًا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه" ، لا ينظر الرجال إلى النساء، ولا النساء إلى الرجال، شغل بعضهم عن بعض. (5)
* * *
(1)
هو تميم بن أبي بن مقبل.

(2)
مضى البيت وتخريجه وتفسيره 7: 543، بغير هذه الرواية، فراجعه هناك.

(3)
مضى في 10: 120، تعليق: 1، ذكر "يونس [الحرمري] " ، وقد أشكل على أمره، كما ذكرت هناك، وصح بهذا أنه "الجرمي" ، ولم أجد في قدماء النحاة من يقال له: "يونس الجرمي" ، وذكرت هناك أن "يونس بن حبيب" ، ضبي لا جرمي، فعسى أن يهديني من يقرأ هذا إلى الصواب فيه، متفضلا مشكورا.

(4)
في المطبوعة: "والغواني" ، وفي المخطوطة: "والعواي" غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت، يقال: جاءوا قرانى "أي مقترنين، قال ذو الرمة: قُرَانَى وَأَشْتَاتًا، وَحَادٍ يَسُوقُهَا ... إلَى المَاءِ مِنْ جَوْزِ التَّنُوفَةِ مُطْلِقُ"

(5)
الأثر: 13570 - "عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري" ، ثقة مضى برقم: 1387، 5973، 6889، 10330. وأما "ابن أبي هلال" ، فهو: "سعيد بن أبي هلال الليثي المصري" ، ثقة. مضى برقم: 1495، 5465.

وأما "القرظي" ، فقد بينه الحاكم في المستدرك في إسناده وأنه: "عثمان بن عبد الرحمن القرظي" ، ولكنه مع هذا البيان، لم يزل مجهولا، فإني لم أجد له ترجمة ولا ذكرًا في شيء من الكتب. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "القرطبي" ، وهو خطأ. وهذا الخبر، أخرجه الحاكم في المستدرك 4: 565، من طريق "عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث" ، ليس فيه "قال ابن زيد" ، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ، وعلق عليه الذهبي فقال: "صحيح، فيه انقطاع" . والذي في إسناد الطبري "قال ابن زيد قال" ، عندي أنه زيادة من الناسخ، لأن عبد الله بن وهب، يروي مباشرة عن "عمرو بن الحارث" ، كما يروي عن "عبد الرحمن بن زيد بن أسلم" ، ولما كثر إسناد أبي جعفر "حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد" ، أسرع قلم الناسخ بإثبات "ابن زيد" مقمحًا في هذا الإسناد، كما دل عليه إسناد الحاكم. وانقطاع هذا الإسناد، كما بينه الذهبي، هو فيما أرجح، أن "عثمان بن عبد الرحمن القرظي" لم يسمع من عائشة.
وأما قوله: "وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم" ، فإنه يقول: خلفتم أيها القوم ما مكناكم في الدنيا مما كنتم تتباهون به فيها، خلفكم في الدنيا فلم تحملوه معكم.
وهذا تعيير من الله جل ثناؤه لهؤلاء المشركين بمباهاتهم التي كانوا يتباهون بها في الدنيا بأموالهم.
* * *
وكل ما ملكته غيرك وأعطيته: "فقد خوّلته" ، (1) يقال منه: "خال الرجل يَخَال أشدّ الخِيال" بكسر الخاء = "وهو خائل" ، ومنه قول أبي النجم:
أَعْطَى فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ يُبَخَّلِ ... كَومَ الذُّرَى مِنْ خَوَلِ المُخَوِّلِ (2)
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "وكل من ملكته غيرك. . ." ، وهو خطأ محض، صوابه ما أثبت.

(2)
لامية أبي النجم في كتاب (الطرائف) ، والمراجع هناك، وسيأتي في التفسير 23: 127 (بولاق) ، وهو مطلع رجزه، وقبله: الَحْمُد لِله الوَهُوبِ المُجْزِلُ

وقوله: "كوم الذرى" ، أي: عظام الأسمنة، "كوم" جمع "كوماء" ، وهي الناقة العظيمة السنام. و "المخول" بكسر الواو، الله الرَّزَّاق ذو القوة المتين. وانظر تعليقي على البيت في طبقات فحول الشعراء: 576، تعليق: 4.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.59 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.25%)]