عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16-07-2025, 12:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (630)
صــ 31 إلى صــ 40





13734- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمرقال: قال الحسن: "وليقولوا دَرَسَتْ" : يقول: تقادمت وانمحت.
* * *
وقرأ ذلك آخرون: "دَرَسَ" ، من "درس الشيء" ، تلاه.
13735- حدثني أحمد بن يوسف الثعلبي قال، حدثنا أبو عبيدة قال، حدثنا حجاج، عن هارون قال: هي في حرف أبي بن كعب وابن مسعود: "وَلِيَقُولُوا دَرَسَ" ، قال: يعني النبي صلى الله عليه وسلم، قرَأ.
* * *
وإنما جاز أن يقال مرة: "دَرَسْتَ" ، ومرة "دَرَسَ" ، فيخاطب مرة، ويخبر مرة، من أجل القول.
* * *
قال أبو جعفر: وقد بينا أولى هذه القراءات في ذلك الصواب عندنا، والدلالة على صحة ما اخترنا منها.
* * *
وأما تأويل قوله: "ولنبينه لقوم يعلمون" ، يقول تعالى ذكره: كما صرفنا الآيات والعبر والحجج في هذه السورة لهؤلاء العادلين بربهم الآلهة والأنداد، كذلك نصرف لهم الآيات في غيرها، كيلا يقولوا لرسولنا الذي أرسلناه إليهم: "إنما تعلمت ما تأتينا به تتلوه علينا من أهل الكتاب" ، فينزجروا عن تكذيبهم إياه، وتقوُّلهم عليه الإفك والزور، ولنبين بتصريفنا الآيات الحقَّ، لقوم يعلمون الحق إذا تبيَّن لهم فيتبعوه ويقبلوه، وليسوا كمن إذا بُيِّن لهم عَمُوا عنه فلم يعقلوه، وازدادوا من الفهم به بعدًا. (1)
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: (( من الفهم به )) ، والسياق يقتضي ما أثبت.

القول في تأويل قوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: اتبع، يا محمد، ما أمرك به ربك في وحيه الذي أوحاه إليك، فاعمل به، وانزجر عما زجرك عنه فيه، ودع ما يدعوك إليه مشركو قومك من عبادة الأوثان والأصنام، فإنه لا إله إلا هو. يقول: لا معبود يستحق عليك إخلاص العبادة له إلا الله الذي هو فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح، وجاعلُ الليل سكنًا، والشمسَ والقمر حسبانًا = (وأعرض عن المشركين) ، يقول: ودع عنك جدالهم وخصومتهم. (1) ثم نسخ ذلك جل ثناؤه بقوله في براءة: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، الآية [سورة التوبة: 5] . كما:-
13736- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أما قوله: (وأعرض عن المشركين) ونحوه، مما أمر الله المؤمنين بالعفو عن المشركين، فإنه نسخ ذلك قوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أعرض عن هؤلاء المشركين بالله، ودع عنك جدالهم وخصومتهم ومسابَّتهم = (ولو شاء
(1)
انظر تفسير (( أعرض )) فيما سلف 11: 436، تعليق: 2، والمراجع هناك.

الله ما أشركوا) ، يقول: لو أراد ربُّك هدايتهم واستنقاذهم من ضلالتهم، للطف لهم بتوفيقه إياهم فلم يشركوا به شيئًا، ولآمنوا بك فاتبعوك وصدَّقوا ما جئتهم به من الحق من عند ربك = (وما جعلناك عليهم حفيظًا) ، يقولُ جل ثناؤه: وإنما بعثتك إليهم رسولا مبلِّغًا، ولم نبعثك حافظًا عليهم ما هم عاملوه، تحصي ذلك عليهم، فإن ذلك إلينا دونك (1) = (وما أنت عليهم بوكيل) ، يقول: ولست عليهم بقيِّم تقوم بأرزاقهم وأقواتهم ولا بحفظهم، فما لم يُجْعل إليك حفظه من أمرهم. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13737- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولو شاء الله ما أشركوا) ، يقول سبحانه: لو شئتُ لجمعتهم على الهدى أجمعين.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به: ولا تسبُّوا الذين يدعو المشركون من دون الله من الآلهة والأنداد، فيسبَّ المشركون اللهَ جهلا منهم بربهم، واعتداءً بغير علم، كما:-
13738- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولا تسبوا الذين
(1)
انظر تفسير (( حفيظ )) فيما سلف ص: 25، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( وكيل )) فيما سلف ص: 13، تعليق: 2، والمراجع هناك.

يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم) ، قال: قالوا: يا محمد، لتنتهين عن سبِّ آلهتنا، أو لنهجوَنَّ ربك! فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم، فيسبوا الله عدوًا بغير علم.
13739- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم) ، كان المسلمون يسبون أوثان الكفار، فيردّون ذلك عليهم، فنهاهم الله أن يستسِبُّوا لربهم، (1) فإنهم قومٌ جهلة لا علم لهم بالله.
13740- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم) ، قال: لما حضر أبا طالب الموتُ، قالت قريش: انطلقوا بنا فلندخل على هذا الرجل، فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه، فإنا نستحي أن نقتله بعد موته، فتقول العرب: "كان يمنعه فلما مات قتلوه" ! فانطلق أبو سفيان، وأبو جهل، والنضر بن الحارث، وأمية وأبيّ ابنا خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمرو بن العاص، والأسود بن البختري، وبعثوا رجلا منهم يقال له: "المطلب" ، قالوا: استأذن على أبي طالب! فأتى أبا طالب فقال: هؤلاء مشيخة قومك يريدون الدخولَ عليك! فأذن لهم، فدخلوا عليه فقالوا: يا أبا طالب، أنت كبيرنا وسيدنا، وإنّ محمدًا قد آذانا وآذى آلهتنا، فنحبّ أن تدعوه فتنهاهُ عن ذكر آلهتنا، ولندَعْه وإلهه! فدعاه، فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو طالب: هؤلاء قومك وبنو عمك! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تريدون؟ قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا، وندعك وإلهك! قال له أبو طالب:
(1)
(( استسب له )) ، عرضه للسب وجره إليه. وفي حديث أبي هريرة: (لا تمشِيَنَّ أَمَامَ أَبِيكَ، ولا تجلِسْ قَبْلَهُ، ولا تَدْعُه باسْمه، ولا تَسْتَسِبَّ لهُ) ، أي: لا تعرضه للسب وتجره إليه، بأن تسب أبا غيرك، فيسب أباك مجازاة لك = وهذا أدب يفتقده الناس يومًا بعد يوم.

قد أنصفك قومك، فاقبل منهم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم إن أعطيتكم هذا، هل أنتم معطيَّ كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب، ودانت لكم بها العجم، وأدَّت لكم الخراج؟ (1) قال أبو جهل: نعم وأبيك، لنعطينكها وعشرَ أمثالها، فما هي؟ قال: قولوا:" لا إله إلا الله "! فأبوا واشمأزُّوا. قال أبو طالب: يابن أخي، قل غيرها، فإن قومك قد فزعوا منها! قال: يا عم، ما أنا بالذي أقول غيرها حتى يأتوني بالشمس فيضعوها في يديّ، (2) ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يديّ ما قلت غيرها! إرادةَ أن يُؤْيسهم، فغضبوا وقالوا: لتكفّنَّ عن شتمك آلهتنا، أو لنشتمنك ولنشتمن من يأمرك. فذلك قوله (فيسبوا الله عدوًا بغير علم) ."
13741- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: كان المسلمون يسبون أصنام الكفار، فيسب الكفار الله عدوًا بغير علم، فأنزل الله: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم) .
13742- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (فيسبوا الله عدوًا بغير علم) قال: إذا سببت إلهه سبَّ إلهك، فلا تسبوا آلهتهم.
* * *
قال أبو جعفر: وأجمعت الحجة من قرأة الأمصار على قراءة ذلك: (3) (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، بفتح العين، وتسكين الدال، وتخفيف الواو من قوله: (عدوًا) ، على أنه مصدر من قول القائل: "عدا فلان على فلان" ،
(1)
في المطبوعة: (( ودانت لكم بها العجم بالخراج )) ، وفي المطبوعة: (( ودانت لكم بها العجم الحراح )) غير منقوطة، وفي تفسير ابن كثير 3: 374، ما أثبته، وهو الصواب إن شاء الله.

(2)
في المطبوعة: (( حتى يأتوا بالشمس )) ، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)
في المطبوعة: (( وأجمعت الأمة من قراء الأمصار )) ، لم يحسن قراءة ما في المخطوطة.

إذا ظلمه واعتدى عليه، "يعدو عَدْوًا وعُدُوًّا وعُدْوانًا" . و "الاعتداء" ، إنما هو: "افتعال" ، من ذلك. (1)
* * *
روى عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: "عُدُوًّا" مشددة الواو.
13743- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون، عن عثمان بن سعد: (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عُدُوًّا) ، مضمومة العين، مثقّلة. (2)
* * *
وقد ذكر عن بعض البصريين أنه قرأ ذلك: (3) "فَيَسُبُّوا الَله عَدُوًّا" ، يوجِّه تأويله إلى أنهم جماعة، كما قال جل ثناؤه: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ) ، [سورة الشعراء: 77] ، وكما قال: (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) ، [سورة الممتحنة: 1] ويجعل نصب "العدوّ" حينئذ على الحال من ذكر "المشركين" في قوله: (فيسبوا) ، = فيكون تأويل الكلام: ولا تسبوا أيها المؤمنون الذين يدعو المشركون من دون الله، فيسب المشركون الله، أعداءَ الله، بغير علم. وإذا كان التأويل هكذا، كان "العدوّ" ، من صفة "المشركين" ونعتهم، كأنه قيل: فيسب المشركون أعداء الله، بغير علم= ولكن "العدوّ" لما خرج مخرج النكرة وهو نعت للمعرفة، نصب على الحال.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندي في ذلك، قراءةُ من قرأ بفتح العين وتخفيف الواو، لإجماع الحجة من القرأة على قراءة ذلك كذلك، وغير جائز خلافُها فيما جاءت به مجمعة عليه. (4)
* * *
(1)
انظر تفسير (( عدا )) فيما سلف 10: 522، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
الأثر: 13743 - (( عثمان بن سعد التميمي )) ، أبو بكر الكاتب المعلم. روى عن أنس، والحسن والبصري، وابن سيرين، وعكرمة، والمجاهد. تكلموا فيه. مترجم في التهذيب.

(3)
نسبها ابن خالويه في شواذ القراءات: 40، إلى بعض المكيين، ولم يبينه. وقال أبو حيان في تفسيره 4: 200 (( وقال ابن عطية: وقرأ بعض المكيين، وعينه الزمخشري فقال: عن ابن كثير )) .

(4)
في المطبوعة أسقط (( به )) ، وهي ثابتة في المخطوطة.

القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) }
يقول تعالى ذكره: كما زيّنا لهؤلاء العادلين بربهم الأوثَانَ والأصنام، عبادةَ الأوثان وطاعةَ الشيطان بخذلاننا إيّاهم عن طاعة الرحمن، (1) كذلك زيَّنا لكل جماعةٍ اجتمعت على عملٍ من الأعمال من طاعة الله ومعصيته، عملَهم الذي هم عليه مجتمعون، (2) ثم مرجعهم بعد ذلك ومصيرهم إلى ربهم (3) = "فينبئهم بما كانوا يعملون" . يقول: فيُوقفهم ويخبرهم بأعمالهم التي كانوا يعملون بها في الدنيا، (4) ثم يجازيهم بها، إن كان خيرًا فخيرًا، وإن كان شرًّا فشرًّا، أو يعفو بفضله، ما لم يكن شركًا أو كفرًا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وحلف بالله هؤلاء العادلون بالله جَهْد حَلِفهم، وذلك أوكدُ ما قدروا عليه من الأيمان وأصعبُها وأشدُّها (5) = (لئن جاءتهم
(1)
انظر تفسير (( زين )) فيما سلف 11: 357

(2)
انظر تفسير (( أمة )) فيما سلف 11: 354، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير (( المرجع )) فيما سلف 11: 407، تعليق: 5، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير (( أنبأ )) فيما سلف 11: 434، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(5)
انظر (( أقسم )) و (( جهد أيمانهم )) فيما سلف 10: 407 - 409، ولم يفسرهما.

آية) ، يقول: قالوا: نقسم بالله لئن جاءتنا آية تصدِّق ما تقول، يا محمد، مثلُ الذي جاء مَنْ قبلنا من الأمم = (ليؤمنن بها) ، يقول: قالوا: لنصدقن بمجيئها بك، وأنك لله رسولٌ مرسل، وأنّ ما جئتنا به حقُّ من عند الله.
وقيل: "ليؤمنن بها" ، فأخرج الخبر عن "الآية" ، والمعنى لمجيء الآية.
يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل إنما الآيات عند الله) ، وهو القادر على إتيانكم بها دون كل أحد من خلقه = (وما يشعركم) ، يقول: وما يدريكم (1) = (أنها إذا جاءت لا يؤمنون) ؟
* * *
وذكر أن الذين سألوه الآية من قومه، هم الذين آيس الله نبيَّه من إيمانهم من مشركي قومه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13744- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) ، إلى قوله: (يجهلون) ، سألت قريش محمدًا أن يأتيهم بآية، واستحلفهم: ليؤمننّ بها.
13745- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح: (لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) ، ثم ذكر مثله.
13746- حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي قال: كلّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قريشًا، (2) فقالوا:
(1)
انظر تفسير (( أشعر )) فيما سلف 11: 316، تعليق: 2، والمراجع هناك. وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 204.

(2)
في المطبوعة: (( قريش )) بالرفع، والصواب من المخطوطة.

يا محمد، تخبرنا أن موسى كان معه عصًا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، وتخبرنا أنّ عيسى كان يحيي الموتى، وتخبرنا أن ثَمُود كانت لهم ناقة، فأتنا بشيء من الآيات حتى نصدقك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيَّ شيء تحبُّون أن آتيكم به؟ قالوا: تجعَلُ لنا الصَّفَا ذهبًا. فقال لهم: فإن فعلت تصدقوني؟ قالوا: نعم والله، لئن فعلت لنتبعنّك أجمعين! (1) فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، فجاءه جبريل عليه السلام فقال له: لك ما شئت، (2) إن شئتَ أصبح ذهبًا، ولئن أرسل آيةً فلم يصدقوا عند ذلك لنعذبنَّهم، وإن شئت فأنْدِحْهُم حتى يتوب تائبهم. (3) فقال: بل يتوب تائبهم. فأنزل الله تعالى: (وأقسموا بالله) إلى قوله: (يجهلون) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المخاطبين بقوله: (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) .
فقال بعضهم: خوطب بقوله: (وما يشعركم) المشركون المقسمون بالله،
(1)
في المطبوعة: (( أجمعون )) ، والصواب من المخطوطة.

(2)
في المطبوعة أسقط (( له )) ، وهي في المخطوطة.

(3)
في المطبوعة: (( فاتركهم حتى يتوب تائبهم )) ، وفي المخطوطة: (( ما نرحهم )) ، غير منقوطة، ورجحت أن صواب ما أثبت، وإن كنت لم أجد هذا الحرف في كتب اللغة، وهو عندي من قولهم: (( ندحت الشيء ندحا )) ، إذ أوسعته وأفسحته، ومنه قيل: (( إن لك في هذا الأمر ندحة )) (بضم النون وفتحها وسكون الدال) و (( مندوحة )) ، أي: سعة وفسحة. فقولهم: (( أندحهم )) ، أي: أفسح لهم، واجعل لهم مندوحة في هذا الأمر حتى يتوب تائبهم. وهو حق المعنى إن شاء الله، والقياس يعين عليه.

لئن جاءتهم آية ليؤمنن= وانتهى الخبر عند قوله: (وما يشعركم) ، ثم استُؤنف الحكم عليهم بأنهم لا يؤمنون عند مجيئها استئنافًا مبتدأ.
* * *
* ذكر من قال ذلك:
13747- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (وما يشعركم) ، قال: ما يدريكم. قال: ثم أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون.
13748- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما يشعركم) ، وما يدريكم= "أنها إذا جاءت" ، قال: أوجب عليهم أنها إذا جاءت لا يؤمنون.
13749- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، سمعت عبد الله بن زيد يقول: "إنما الآيات عند الله" ، ثم يستأنف فيقول: إنها إذا جاءت لا يؤمنون.
13750- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (إنما الآيات عند الله وما يشعركم) ، وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت. ثم استقبل يخبر عنهم فقال: إذا جاءت لا يؤمنون.
* * *
وعلى هذا التأويل قراءةُ من قرأ ذلك بكسر ألف: "إنَّها" ، على أن قوله: "إِنَّهَا إِذَا جَاءَتَ لا يُؤْمِنُون" ، خبر مبتدأ منقطعٌ عن الأول.
* * *
وممن قرأ ذلك كذلك، بعضُ قرأة المكيين والبصريين.
* * *
وقال آخرون منهم: بل ذلك خطابٌ من الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قالوا: وذلك أنّ الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بآيةٍ، المؤمنون به. قالوا: وإنما كان سببَ مسألتهم إيّاه ذلك، أن المشركين حَلَفوا أنّ الآية




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.24 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]