عرض مشاركة واحدة
  #633  
قديم 16-07-2025, 10:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (633)
صــ 61 إلى صــ 70




القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنزلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن أنكر هؤلاء العادلون بالله الأوثان من قومك توحيدَ الله، وأشركوا معه الأندادَ، وجحدوا ما أنزلته إليك، وأنكروا أن يكون حقًا وكذَّبوا به = فالذين آتيناهم الكتاب، وهو التوراة والإنجيل، من بني إسرائيل= (يعلمون أنه منزل من ربّك) ، يعني: القرآن وما فيه = (بالحق) يقول: فصلا بين أهل الحق والباطل، يدلُّ على صدق الصادق في علم الله، (1) وكذبِ الكاذب المفتري عليه = (فلا تكونن من الممترين) ، يقول: فلا تكونن، يا محمد، من الشاكين في حقيقة الأنباء التي جاءتك من الله في هذا الكتاب، وغيرِ ذلك مما تضمنه، لأن الذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنَّه منزل من ربك بالحق.
* * *
وقد بيَّنا فيما مضى ما وجه قوله: (فلا تكونن من الممترين) ، بما أغنى عن إعادته، مع الرواية المروية فيه، (2) وقد:
13788- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: (فلا تكونن من الممترين) ، يقول: لا تكونن في شك مما قصَصنا عليك.
* * *
(1)
في المطبوعة: (( الصادق في علم الله )) ، وفي المخطوطة: (( الصادق علم الله )) ، والصواب ما أثبت.

(2)
انظر تفسير (( الأمتراء )) فيما سلف 3: 190 - 192 / 6: 472، 473 / 11: 260

القول في تأويل قوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكملت = "كلمة ربك" ، يعني القرآن.
* * *
سماه "كلمة" ، كما تقول العرب للقصيدة من الشعر يقولها الشاعر: "هذه كلمة فلان" . (1) .
* * *
= (صدقًا وعدلا) ، يقول: كملت كلمة ربك من الصدق والعدل.
* * *
و "الصدق" و "العدل" نصبا على التفسير للكلمة، كما يقال: "عندي عشرون درهما" . (2)
= (لا مبدِّل لكلماته) ، يقول: لا مغيِّر لما أخبر في كتبه أنه كائن من وقوعه في حينه وأجله الذي أخبر الله أنه واقع فيه، (3) وذلك نظير قوله جل ثناؤه (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ) ، [سورة الفتح:15] . فكانت إرادتهم تبديل كلام الله، مسألتهم نبيَّ الله أن يتركهم يحضرون الحرب معه، وقولهم له ولمن معه من المؤمنين: (ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ) ، بعد الخبر الذي كان الله أخبرهم تعالى ذكره في كتابه بقوله: (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) الآية، [سورة التوبة: 83] ، فحاولوا تبديل كلام الله وخبره بأنهم لن يخرجوا
(1)
انظر تفسير (( الكلمة )) فيما سلف 3: 7 - 17 / 6: 371، 410 - 412 / 8: 432 / 9: 410 / 10: 129، 313

(2)
(( التفسير )) ، هو (( التميز )) ، انظر فهارس المصطلحات فيما سلف.

(3)
انظر تفسير (( التبديل )) فيما سلف 11: 335، وفهارس اللغة (بدل) .

مع نبي الله في غَزاةٍ، ولن يقاتلوا معه عدوًّا بقولهم لهم: (ذرونا نتبعكم) ، فقال الله جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "يريدون أن يبدلوا" = بمسألتهم إياهم ذلك= كلامَ الله وخبره: (قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل) . فكذلك معنى قوله: (لا مبدِّل لكلماته) ، إنما هو: لا مغيِّر لما أخبرَ عنه من خبر أنه كائن، فيبطل مجيئه وكونه ووُقُوعه على ما أخبرَ جل ثناؤه، لأنه لا يزيد المفترون في كتب الله ولا ينقصون منها. وذلك أن اليهود والنصارى لا شك أنهم أهلُ كتب الله التي أنزلها على أنبيائه، وقد أخبر جل ثناؤه أنهم يحرِّفون غيرَ الذي أخبر أنَّه لا مبدِّل له.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13789- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلا لا مبدل لكلماته) ، يقول: صدقًا وعدلا فيما حكَم.
* * *
وأما قوله: (وهو السميع العليم) ، فإن معناه: والله "السميع" ، لما يقول هؤلاء العادلون بالله، المقسمون بالله جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها، وغير ذلك من كلام خلقه= "العليم" ، بما تؤول إليه أيمانهم من برٍّ وصدق وكذب وحِنْثٍ، وغير ذلك من أمور عباده. (1)
* * *
(1)
انظر تفسير (( السميع )) و (( العليم )) فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) و (علم) . * * *

وعند هذا الموضع، انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه: (( يتلوه القول في تأويل قوله: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم كثيرًا ))
ثم يتلو ما نصه: (( بِسْمِ الله الرحمن الرحيم
رَبِّ وَفِّقْ وأعِنْ ))

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ (116) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تطع هؤلاء العادلين بالله الأنداد، يا محمد، فيما دعوك إليه من أكل ما ذبحوا لآلهتهم، وأهلُّوا به لغير ربهم، وأشكالَهم من أهل الزيغ والضلال، فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن دين الله، ومحجة الحق والصواب، فيصدُّوك عن ذلك.
وإنما قال الله لنبيه: (وإن تطع أكثر من في الأرض) ، من بني آدم، لأنهم كانوا حينئذ كفارًا ضلالا فقال له جل ثناؤه: لا تطعهم فيما دعوك إليه، فإنك إن تطعهم ضللت ضلالهم، وكنتَ مثلهم، لأنهم لا يدعونك إلى الهدى وقد أخطأوه. ثم أخبر جل ثناؤه عن حال الذين نَهَى نبيه عن طاعتهم فيما دعوه إليه في أنفسهم، فقال: (إن يتبعون إلا الظن) ، فأخبر جل ثناؤه أنهم من أمرهم على ظن عند أنفسهم، وحسبان على صحة عزمٍ عليه، (1) وإن
(1)
هكذا في المطبوعة والمخطوطة، وأنا في شك من صوابه.

كان خطأ في الحقيقة = (وإن هم إلا يخرصون) ، يقول: ما هم إلا متخرِّصون، يظنون ويوقعون حَزْرًا، لا يقينَ علمٍ. (1)
* * *
يقال منه: "خرَصَ يخرُصُ خَرْصًا وخروصًا" ، (2)
أي كذب، و "تخرّص بظن" ، و "تخرّص بكذب" ، و "خرصتُ النخل أخرُصه" ، و "خَرِصَتْ إبلك" ، أصابها البردُ والجوع.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، إن ربك الذي نهاك أن تطيع هؤلاء العادلين بالله الأوثانَ، لئلا يُضِلوك عن سبيله، هو أعلم منك ومن جميع خلقه أيُّ خلقه يَضلّ عن سبيله بزخرف القول الذي يوحِي الشياطين بعضُهم إلى بعض، فيصدُّوا عن طاعته واتباع ما أمر به = (وهو أعلم بالمهتدين) ، يقول: وهو أعلم أيضًا منك ومنهم بمن كان على استقامة وسدادٍ، لا يخفى عليه منهم أحد. يقول: واتبع، يا محمد، ما أمرتك به، وانته عما نهيتك عنه من طاعة مَنْ نهيتك عن طاعته، فإني أعلم بالهادي والمضلِّ من خلقي، منك.
* * *
واختلف أهل العربية في موضع: "مَن" في قوله: (إن ربك هو أعلم من يضل) .
(1)
انظر مجاز القرآن أبي عبيدة 1: 206.

(2)
في المطبوعة: (( خرصا وخرصا )) ، وأثبت ما في المخطوطة، ولم أجد (( خروصًا )) ، مصدرًا لهذا الفعل، في شيء مما بين يدي من كتب اللغة، ولكن ذكره أبو حيان في تفسيره أيضًا 4: 205.

فقال بعض نحويي البصرة: موضعه خفض بنيّة "الباء" . قال: ومعنى الكلام: إن ربك هو أعلم بمن يضِلُّ. (1)
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة: موضعه رفع، لأنه بمعنى "أيّ" ، والرافع له "يضلّ" . (2)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنه رفع بـ "يضل" ، وهو في معنى "أيّ" . وغير معلوم في كلام العرب اسم مخفوض بغير خافض، فيكون هذا له نظيرا.
* * *
وقد زعم بعضهم أن قوله: (أعلم) ، في هذا الموضع بمعنى "يعلم" ، واستشهد لقيله ببيت حاتم الطائي:
فَحَالَفَتْ طَيّئٌ مِنْ دُونِنَا حِلِفًا ... وَاللهُ أَعْلَمُ ما كُنَّا لَهُمْ خُذْلا (3)
وبقول الخنساء:
القَوْمُ أَعْلَمُ أَنَّ جَفْنَتَهُ ... تَعْدُو غَدَاةَ الرِّيحِ أَوْ تَسري (4)
(1)
انظر ما سلف 11: 560، تعليق: 1، وأن قائله هو الأخفش.

(2)
انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء 1: 352، وهذا قول الفراء.

(3)
البيت ليس في ديوان حاتم، وهو في تفسير القرطبي 7: 72، عن هذا الموضع من تفسير أبي جعفر: وقوله: (( حلف )) هو بكسر الحاء واللام، ألحق اللام كسرة الحاء لضرورة الشعر. ولو قال (( حلفا )) (بفتح وكسر اللام) وهو مصدر (( حلف يحلف )) مثل (( الحلف )) (بكسر فسكون) ، لكان صوابًا، لأن (( الحلف )) الذي هو العهد، إنما سمى (( حلفًا )) بمصدر (( حلف )) بمعنى أقسم، لأن العهد يوثق باليمين والقسم.

(4)
ديوانها: 104، في رثاء أخيها صخر، وبعده: فَإِذَا أَضَاءَ وَجَاشَ مِرْجَلُهُ ... فَلَنِعْمَ رَبُّ النَّارِ والقِدْرِ

وقولها: (( تغدو )) ، أي تغدو على قومه وضيوفه. و (( غداة الريح )) ، أي غدوة في زمن الشتاء، في زمان القحط وقلة الألبان، (( وتسرى )) . يعني في الليل. وقولها: (( أضاء )) ، أي أوقد ناره لتوضع عليها القدور، ويراها الضيفان.
وهذا الذي قاله قائل هذا التأويل، وإن كان جائزًا في كلام العرب، فليس قولُ الله تعالى ذكره: (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله) ، منه. وذلك أنه عطف عليه بقوله: (وهو أعلم بالمهتدين) ، فأبان بدخول "الباء" في "المهتدين" أن "أعلم" ليس بمعنى "يعلم" ، لأن ذلك إذ كان بمعنى "يفعل" ، لم يوصل بالباء، كما لا يقال: "هو يعلم بزيد" ، بمعنى: يعلم زيدًا.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين به وبآياته: "فكلوا" ، أيها المؤمنون، مما ذكّيتم من ذبائحكم وذبحتموه الذبح الذي بينت لكم أنه تحلّ به الذبيحة لكم، وذلك ما ذبحه المؤمنون بي من أهل دينكم دين الحق، أو ذبحه مَنْ دان بتوحيدي من أهل الكتاب، دون ما ذبحه أهل الأوثان ومَنْ لا كتاب له من المجوس = (إن كنتم بآياته مؤمنين) ، يقول: إن كنتم بحجج الله التي أتتكم وأعلامه، بإحلال ما أحللت لكم، وتحريم ما حرمت عليكم من المطاعم والمآكل، مصدّقين، ودَعوا عنكم زخرف ما توحيه الشياطين بعضها إلى بعض من زخرف القول لكم، وتلبيس دينكم عليكم غرورًا.
* * *
وكان عطاء يقول في ذلك ما:-
13790- حدثنا به محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال، قلت لعطاء قوله: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) ، قال: يأمر بذكر اسمه على الشراب والطعام والذبح. وكل شيء يدلّ على ذكره يأمر به.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل العلم بكلام العرب في تأويل قوله: (وما لكم أن لا تأكلوا) .
فقال بعض نحويي البصريين: معنى ذلك: وأي شيء لكم في أن لا تأكلوا. قال: وذلك نظير قوله: (وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ) ، [سورة البقرة: 246] . يقول: أيّ شيء لنا في ترك القتال؟ قال: ولو كانت "لا" ، زائدة لا يقع الفعل. (1) ولو كانت في معنى: "وما لنا وكذا" ، لكانت: وما لنا وأن لا نقاتل.
* * *
وقال غيره: إنما دخلت "لا" للمنع، لأن تأويل "ما لك" ، و "ما منعك" واحد. "ما منعك لا تفعل ذلك" ، و "ما لك لا تفعل" ، واحد. فلذلك دخلت "لا" . قال: وهذا الموضع تكون فيه "لا" ، وتكون فيه "أنْ" ، مثل قوله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) ، [سورة النساء: 176] ، و "أن لا تضلوا" ، يمنعكم من الضلال بالبيان. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي، قولُ من قال: معنى قوله: (وما لكم) ، في هذا الموضع: وأيُّ شيء يمنعكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه؟ وذلك أنّ الله تعالى ذكره تقدّم إلى المؤمنين بتحليل ما ذكر اسم الله عليه، وإباحة أكل ما ذبح بدينه أو دين من كان يدين ببعض شرائع كتبه
(1)
قوله: (( لا يقع الفعل )) ، أي لا يتعدى، (( الوقوع )) ، التعدي.

(2)
استوفى أبو جعفر بحث هذا فيما سلف 5: 300 - 305، والفراء في معاني القرآن 1: 163 - 166، ولم يشر إلى ذلك أبو جعفر كعادته فيما سلف.

المعروفة، وتحريم ما أهلّ به لغيره، من الحيوان= وزجرهم عن الإصغاء لما يوحي الشياطين بعضهم إلى بعض من زخرف القول في الميتة والمنخنقة والمتردية، وسائر ما حرم الله من المطاعم. ثم قال: وما يمنعكم من أكل ما ذبح بديني الذي ارتضيته، وقد فصّلت لكم الحلال من الحرام فيما تطعمون، وبينته لكم بقولي: (1) (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) ، إلى قوله: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ) ، [سورة المائدة: 3] ، فلا لبس عليكم في حرام ذلك من حلاله، فتتمنعوا من أكل حلاله حذرًا من مواقعة حرامه.
فإذ كان ذلك معناه، فلا وجه لقول متأوِّلي ذلك: "وأي شيء لكم في أن لا تأكلوا" ، لأن ذلك إنما يقال كذلك، لمن كان كفَّ عن أكله رجاء ثواب بالكفّ عن أكله، وذلك يكون ممن آمن بالكفّ فكف اتّباعًا لأمر الله وتسليمًا لحكمه. ولا نعلم أحدًا من سلف هذه الأمة كفَّ عن أكل ما أحل الله من الذبائح رجاء ثواب الله على تركه ذلك، واعتقادًا منه أن الله حرَّمه عليه. فبيّنٌ بذلك، إذ كان الأمر كما وصفنا، أن أولى التأويلين في ذلك بالصواب ما قلنا.
* * *
وقد بينا فيما مضى قبل أن معنى قوله: "فصَّل" ، و "فصلنا" و "فُصِّل" بيَّن، أو بُيِّن، بما يغني عن إعادته في هذا الموضع (2) كما:-
13791- حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) ، يقول: قد بين لكم ما حرم عليكم.
13792- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد، مثله.
* * *
(1)
في المطبوعة: (( بقوله )) ، وفي المخطوطة: (( بقول )) ، وصواب قراءتها ما أثبت.

(2)
انظر تفسير (( التفصيل )) فيما سلف ص: 60، تعليق: 2، والمراجع هناك، وانظر فهارس اللغة (فصل) .

واختلفت القرأة في قول الله جل ثناؤه: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) .
فقرأه بعضهم بفتح أول الحرفين من "فَصَّلَ" و "حَرَّم" ، أي: فصّل ما حرّمه من مطاعمكم، فبيَّنه لكم.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: (وَقَدْ فَصَّلَ) بفتح فاء "فصل" وتشديد صاده، "مَا حُرِّمَ" ، بضم حائه وتشديد رائه، بمعنى: وقد فصل الله لكم المحرَّم عليكم من مطاعمكم.
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين: "وَقَدْ فُصِّلَ لَكَمْ" ، بضم فائه وتشديد صاده، "مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ" ، بضم حائه وتشديد رائه، على وجه ما لم يسمَّ فاعله في الحرفين كليهما.
* * *
وروي عن عطية العوفي أنه كان يقرأ ذلك: "وَقَدْ فَصَلَ" ، بتخفيف الصاد وفتح الفاء، بمعنى: وقد أتاكم حكم الله فيما حَرَّم عليكم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن كل هذه القراءات الثلاث التي ذكرناها، سوى القراءة التي ذكرنا عن عطية، قراءات معروفات مستفيضةٌ القراءةُ بها في قرأة الأمصار، وهن متّفقات المعاني غير مختلفات، فبأيِّ ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ فيه الصوابَ.
* * *
وأما قوله: (إلا ما اضطررتم إليه) ، فإنه يعني تعالى ذكره: أن ما أضطررنا إليه من المطاعم المحرّمة التي بيَّن تحريمها لنا في غير حال الضرورة، لنا حلال ما كنا إليه مضطرين، حتى تزول الضرورة. (1) كما:-
(1)
انظر تفسير (( اضطر )) فيما سلف 3: 56، 322 / 9: 532.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]