
16-07-2025, 10:22 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,368
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (635)
صــ 81 إلى صــ 90
13818- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13819- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم) ، قال: جادلهم المشركون في الذبيحة فقالوا: أما ما قتلتم بأيديكم فتأكلونه، وأما ما قتل الله فلا تأكلونه! يعنون "الميتة" ، فكانت هذه مجادلتهم إياهم.
13820- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) الآية، يعني عدوّ الله إبليس، أوحى إلى أوليائه من أهل الضلالة فقال لهم: خاصموا أصحاب محمد في الميتة فقولوا: "أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون، وأما ما قتل الله فلا تأكلون، وأنتم تزعمون أنكم تتبعون أمرَ الله" ! فأنزل الله على نبيه: (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) ، وإنا والله ما نعلمه كان شرك قط إلا بإحدى ثلاث: أن يدعو مع الله إلهًا آخر، أو يسجد لغير الله، أو يسمي الذبائح لغير الله.
13821- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ، إن المشركين قالوا للمسلمين: كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله، وما ذبح الله فلا تأكلونه، وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟ فقال الله: لئن أطعتموهم فأكلتم الميتة، إنكم لمشركون.
13822- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم) ، قال: كانوا يقولون: ما ذكر الله عليه وما ذبحتم فكلوا! فنزلت: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) .
13823- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) إلى قوله:
(ليجادلوكم) ، قال يقول: يوحي الشياطين إلى أوليائهم: تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون مما قتل الله! فقال: إن الذي قتلتم يذكر اسم الله عليه، وإن الذي مات لم يذكر اسم الله عليه.
13824- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم) ، هذا في شأن الذبيحة. قال: قال المشركون للمسلمين: تزعمون أن الله حرم عليكم الميتة، وأحل لكم ما تذبحون أنتم بأيديكم، وحرم عليكم ما ذبح هو لكم؟ وكيف هذا وأنتم تعبدونه! فأنزل الله هذه الآية: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ، إلى قوله: (لمشركون) .
* * *
وقال آخرون: كان الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قومًا من اليهود.
* ذكر من قال ذلك:
13825- حدثنا محمد بن عبد الأعلى وسفيان بن وكيع قالا حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس = قال ابن عبد الأعلى: خاصمت اليهودُ النبي صلى الله عليه وسلم = وقال ابن وكيع: جاءت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم = فقالوا: نأكل ما قتلنا، ولا نأكل ما قتل الله! فأنزل الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنّ الشياطين يوحون إلى أوليائهم ليجادلوا المؤمنين في تحريمهم أكل الميتة، بما ذكرنا من جدالهم إياهم = وجائز أن يكون الموحون كانوا شياطين الإنس يوحون إلى أوليائهم منهم= وجائز أن يكونوا شياطين الجن أوحوا إلى أوليائهم من الإنس= وجائز أن يكون الجنسان كلاهما تعاونا على ذلك، كما أخبر الله عنهما في الآية
الأخرى التي يقول فيها: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) ، [سورة الأنعام: 112] . بل ذلك الأغلب من تأويله عندي، لأن الله أخبر نبيه أنه جعل له أعداء من شياطين الجن والإنس، كما جعل لأنبيائه من قبله، يوحي بعضهم إلى بعض المزيَّنَ من الأقوال الباطلة، ثم أعلمه أن أولئك الشياطين يوحون إلى أوليائهم من الإنس ليجادلوه ومن تبعه من المؤمنين فيما حرمَ الله من الميتة عليهم.
* * *
واختلف أهل التأويل في الذي عنى الله جل ثناؤه بنهيه عن أكله مما لم يذكر اسم الله عليه.
فقال بعضهم: هو ذبائح كانت العرب تذبحها لآلهتها.
* ذكر من قال ذلك:
13826- حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال: قلت لعطاء: ما قوله: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) ؟ قال: يأمر بذكر اسمه على الشراب والطعام والذبح. قلت لعطاء: فما قوله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ؟ قال: ينهى عن ذبائح كانت في الجاهلية على الأوثان، كانت تذبحها العرب وقريش.
* * *
وقال آخرون: هي الميتة. (1)
* ذكر من قال ذلك:
13827- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن عطاء
(1) هذه الترجمة: (( وقال آخرون: هي الميتة )) ، ليست في المخطوطة، ولكن إثباتها كما في المطبوعة هو الصواب إن شاء الله.
بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ، قال: الميتة.
* * *
وقال آخرون: بل عنى بذلك كلَّ ذبيحة لم يذكر اسمُ الله عليها.
* ذكر من قال ذلك:
13828- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن جَهِير بن يزيد قال: سُئِل الحسن، سأله رجل قال له: أُتِيتُ بطيرِ كَرًى، (1) فمنه ما ذبح فذكر اسم الله عليه، ومنه ما نسي أن يذكر اسم الله عليه، واختلط الطير؟ فقال الحسن: كُلْه، كله! قال: وسألت محمد بن سيرين فقال: قال الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) . (2)
13829- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن أيوب وهشام، عن محمد بن سيرين، عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال: كلوا من ذبائح أهل الكتاب والمسلمين، ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه.
13830- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن أشعث، عن ابن سيرين، عن عبد الله بن يزيد قال: كنت اجلس إليه في حلقة، فكان يجلس فيها ناس من الأنصار هو رأسهم، فإذا جاء سائل فإنما يسأله ويسكتون. قال: فجاءه رجل فسأله، فقال: رجل ذبح فنسي أن يسمِّي؟ فتلا هذه الآية:
(1) في المطبوعة: (( بطير كذا )) وهو خطأ لا شك فيه. وفي المخطوطة: (( بطير كدى )) برسم الدال، وهو خطأ لا معنى له. والصواب ما أثبت (( كرى )) (بفتحتين) جمع (( الكروان )) وهو طائر بين الدجاجة والحمامة، حسن الصوت، يؤكل لحمه، ذكر صاحب لسان العرب أنه يدعى الحجل والقبيح، والصحيح أنه ضرب من الطير شبيه به. ويقال له عند صيده (( أطرق كرى، أطرق كرى، إن النعام في القرى )) ، فيجبن ويلتصق بالأرض، فيلقي عليه ثوب فيصاد.
(2) الأثر: 13828 - (( جهير بن يزيد العبدي )) ، حدث عن معاوية بن قرة، وابن سيرين - روى عنه أبو أسامة، وموسى بن إسماعيل، والقعنبي. وثقه يحيى بن معين وابن حبان، وغيرهما. ولم يذكر فيه البخاري جرحًا. مترجم في تعجيل المنفعة: 74، والكبير 1 / 2 / 253، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 547 قال ابن حجر: (( جهير، بصيغة التصغير، وقيل: بوزن عظيم )) .
(ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ، حتى فرغ منها.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عنى بذلك ما ذُبح للأصنام والآلهة، وما مات أو ذبحه من لا تحلّ ذبيحته.
وأما من قال: "عنى بذلك: ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم الله" ، فقول بعيد من الصواب، لشذوذه وخروجه عما عليه الحجة مجمعة من تحليله، وكفى بذلك شاهدًا على فساده. وقد بينا فساده من جهة القياس في كتابنا المسمى: "لطيف القول في أحكام شرائع الدين" ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
* * *
وأما قوله "(وإنه لفسق) ، فإنه يعني: وإنّ أكْل ما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة، وما أهل به لغير الله، لفسق."
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى: "الفسق" ، في هذا الموضع. (1)
فقال بعضهم: معناه: المعصية.
فتأويل الكلام على هذا: وإنّ أكلَ ما لم يذكر اسم الله عليه لمعصية لله وإثم.
* ذكر من قال ذلك:
13831- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وإنه لفسق) ، قال: "الفسق" ، المعصية.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: الكفر.
* * *
وأما قوله: (وإن الشياطين ليوحون إلي أوليائهم) ، فقد ذكرنا اختلاف
(1) انظر تفسير (( الفسق )) فيما سلف من فهارس اللغة (فسق) .
المختلفين في المعنيّ بقوله: (وإن الشياطين ليوحون) ، والصوابَ من القول فيه = وأما إيحاؤهم إلى أوليائهم، فهو إشارتهم إلى ما أشاروا لهم إليه: إما بقول، وإما برسالة، وإما بكتاب.
* * *
وقد بينا معنى: "الوحي" فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
وقد:-
13832- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا عكرمة، عن أبي زُمَيل قال: كنت قاعدًا عند ابن عباس، فجاءه رجل من أصحابه، فقال: يا ابن عباس، زعم أبو إسحاق أنه أوحي إليه الليلة! = يعني المختار بن أبي عبيد = فقال ابن عباس: صدق! فنفرت فقلت: يقول ابن عباس "صدق" ! فقال ابن عباس: هما وحيان، وحي الله، ووحي الشيطان، فوحي الله إلى محمد، ووحي الشياطين إلى أوليائهم. ثم قرأ: (وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) . (2)
* * *
وأما الأولياء: فهم النصراء والظهراء، في هذا الموضع. (3)
* * *
ويعني بقوله: (ليجادلوكم) ، ليخاصموكم، بالمعنى الذي قد ذكرت قبل. (4)
* * *
وأما قوله: (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) ، فإنه يعني: وإن أطعتموهم
(1) انظر تفسير (( الوحي )) فيما سلف 9: 399، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(2) الأثر: 13832 - (( أبو زميل )) هو: (( سماك بن الوليد الحنفي )) ، روى عن ابن عباس، وابن عمر، ومالك بن مرثد، وعروة بن الزبير. روى عنه شعبة، ومسعر، وعكرمة بن عمار. وهو ثقة مترجم التهذيب، والكبير 2 / 2 /174، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 280.
و (( المختر بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي )) ، كذاب متنبئ خبيث، فقتله الله بيد مصعب بن الزبير وأصحابه سنة 67 من الهجرة، وله خبر طويل فيه كذبه وما فعل، وما فعل الناس به.
(3) انظر تفسير (( الولي )) فيما سلف 10: 497، تعليق: 5، والمراجع هناك.
(4) انظر تفسير (( الجدال )) فيما سلف من فهارس اللغة (جدل) .
في أكل الميتة وما حرم عليكم ربكم; كما:-
13833- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وإن أطعتموهم) ، يقول: وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه.
13834- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن أطعتموهم) ، فأكلتم الميتة.
* * *
وأما قوله: (إنكم لمشركون) ، يعني: إنكم إذًا مثلهم، إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالا. فإذا أنتم أكلتموها كذلك، فقد صرتم مثلهم مشركين.
* * *
قال أبو جعفر: واختلف أهل العلم في هذه الآية، هل نسخ من حكمها شيء أم لا؟ فقال بعضهم: لم ينسخ منها شيء، وهي محكمة فيما عُنيت به. وعلى هذا قول عامة أهل العلم. (1)
* * *
وروي عن الحسن البصري وعكرمة، ما:-
13835- حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا قال: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين. ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) ، فنسخ واستثنى من ذلك فقال: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) [سورة المائدة: 5] .
* * *
(1) انظر (( الناسخ والمنسوخ )) ، لأبي جعفر النحاس صلى الله عليه وسلم: 144، قال: (( وفي هذه السورة = يعني سورة الأنعام = شيء قد ذكره قوم هو عن الناسخ والمنسوخ بمعزل، ولكنا نذكره ليكون الكتاب عام الفائدة ... )) ثم ذكر الآية، وما قيل في ذلك، إلى صلى الله عليه وسلم: 146.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أن هذه الآية محكمة فيما أنزلت، لم ينسخ منها شيء، وأن طعام أهل الكتاب حلال، وذبائحهم ذكيّة. وذلك مما حرم الله على المؤمنين أكله بقوله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ، بمعزل. لأن الله إنما حرم علينا بهذه الآية الميْتة، وما أهلّ به للطواغيت، وذبائحُ أهل الكتاب ذكية سمُّوا عليها أو لم يسمُّوا، لأنهم أهل توحيد وأصحاب كتب لله، يدينون بأحكامها، يذبحون الذبائح بأديانهم، كما يذبح المسلم بدينه، سمى الله على ذبيحته أو لم يسمِّه، إلا أن يكون ترك من ذكر تسمية الله على ذبيحته على الدينونة بالتعطيل، أو بعبادة شيء سوى الله، فيحرم حينئذ أكل ذبيحته، سمى الله عليها أو لم يسم.
* * *
القول في تأويل قوله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}
قال أبو جعفر: وهذا الكلام من الله جلّ ثناؤه يدل على نهيه المؤمنين برسوله يومئذ عن طاعة بعض المشركين الذين جادلوهم في أكل الميتة، بما ذكرنا عنهم من جدالهم إياهم به، وأمره إياهم بطاعة مؤمن منهم كان كافرًا، فهداه جلّ ثناؤه لرشده، ووفقه للإيمان. فقال لهم: أطاعة من كان ميتًا، يقول: من كان كافرًا؟ فجعله جل ثناؤه لانصرافه عن طاعته، وجهله بتوحيده وشرائع دينه، وتركه الأخذ بنصيبه من العمل لله بما يؤديه إلى نجاته، بمنزلة "الميت" الذي لا ينفع نفسه بنافعة، ولا يدفع عنها من مكروه نازلة= (فأحييناه) ، يقول: فهديناه للإسلام، فأنعشناه، فصار يعرف مضارّ نفسه ومنافعها، ويعمل في خلاصها من سَخَط
الله وعقابه في معاده. فجعل إبصاره الحق تعالى ذكره بعد عَمَاه عنه، ومعرفته بوحدانيته وشرائع دينه بعد جهله بذلك، حياة وضياء يستضيء به فيمشي على قصد السبيل، ومنهج الطريق في الناس (1) = (كمن مثله في الظلمات) ، لا يدري كيف يتوجه، وأي طريق يأخذ، لشدة ظلمة الليل وإضلاله الطريق. فكذلك هذا الكافر الضال في ظلمات الكفر، لا يبصر رشدًا ولا يعرف حقًّا، = يعني في ظلمات الكفر. يقول: أفَطَاعة هذا الذي هديناه للحق وبصَّرناه الرشاد، كطاعة من مثله مثل من هو في الظلمات متردّد، لا يعرف المخرج منها، في دعاء هذا إلى تحريم ما حرم الله، وتحليل ما أحل، وتحليل هذا ما حرم الله، وتحريمه ما أحلّ؟
* * *
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجلين بأعيانهما معروفين: أحدهما مؤمن، والآخر كافر.
ثم اختلف أهل التأويل فيهما.
فقال بعضهم: أما الذي كان مَيْتًا فأحياه الله، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأما الذي مثله في الظلمات ليس بخارج منها، فأبو جهل بن هشام.
* ذكر من قال ذلك:
13836- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا سليمان بن أبي هوذة، عن شعيب السراج، عن أبي سنان عن الضحاك في قوله: (أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه = (كمن مثله في الظلمات) ، قال: أبو جهل بن هشام. (2)
* * *
(1) انظر تفسير (( الموت )) ، و (( الإحياء )) فيما سلف من فهارس اللغة (موت) و (حيي) .
(2) الأثر: 13836 - (( سليمان بن أبي هوذة )) ، روى عن حماد بن سلمة، [وأبي هلال الراسبي، وعمرو بن أبي قيس. لم يذكر فيه البخاري جرحًا. وقال أبو زرعة: (( صدوق لا بأس به )) . مترجم في الكبير 2 / 2 / 42، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 148.
وأما (( شعيب السراج )) ، فلم أجد له ذكرًا فيما بين يدي من الكتب
وقال آخرون: بل الميت الذي أحياه الله، عمار بن ياسر رحمة الله عليه. وأما الذي مثله في الظلمات ليس بخارج منها، فأبو جهل بن هشام.
* ذكر من قال ذلك:
13837- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن بشر بن تيم، عن رجل، عن عكرمة: (أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، قال: نزلت في عمار بن ياسر. (1)
13838- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن بشر، عن تيم، عن عكرمة: (أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، عمار بن ياسر = (كمن مثلة في الظلمات) ، أبو جهل بن هشام. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في الآية قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13839- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (أو من كان ميتًا فأحييناه) قال: ضالا فهديناه= (وجعلنا له نورًا يمشي به في للناس) ، قال: هدى= (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) ، قال: في الضلالة أبدًا.
13840- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
(1) الأثران: 13837، 13838 - (( بشر بن تيم بن مرة )) ، ويقال: (( بشير بن تيم بن مرة )) . وهو في الإسناد الأول، بينه وبين عكرمة (( عن رجل )) . وقد قال البخاري في الكبير 1 / 2 /96: (( بشير بن تيم بن مرة )) عن عكرمة، قاله لنا الحميدي، عن ابن عيينه. مرسل، ولم يذكر فيه جرحًا، وجعله (( بشيرًا )) وأما ابن أبي حاتم 1 / 1 / 372 فقد ترجمه في (( بشير )) ، كمثل ما قال البخاري، ولم يذكر (( بشرا )) ، ولكنه ترجمه قبل 1 / 1 / 352 في (( بشر بن تيم )) وقال: (( مكي )) ، روى عنه ابن جريج، وابن عيينة. سمعت أبي يقول ذلك. وابن عيينة يقول: (( بشير )) . ولكنه هنا في المخطوطة في الموضعين (( بشر بن تيم )) ، في رواية ابن عيينة يقول، فتركت ما كان في المخطوطة على حاله، لئلا يكون اختلافًا على ابن عيينة.
(2) الأثران: 13837، 13838 - (( بشر بن تيم بن مرة )) ، ويقال: (( بشير ابن تيم بن مرة )) . وهو في الإسناد الأول، بينه وبين عكرمة (( عن رجل )) . وقد قال البخاري في الكبير 1 / 2 /96: (( بشير بن تيم بن مرة )) عن عكرمة، قاله لنا الحميدي، عن ابن عيينه. مرسل، ولم يذكر فيه جرحًا، وجعله (( بشيرًا )) وأما ابن أبي حاتم 1 / 1 / 372 فقد ترجمه في (( بشير )) ، كمثل ما قال البخاري، ولم يذكر (( بشرا )) ، ولكنه ترجمة قبل 1 / 1 / 352 في (( بشر بن تيم )) وقال: (( مكي )) ، روى عنه ابن جريج، وابن عيينة. سمعت أبي يقول ذلك. وابن عيينة يقول: (( بشير )) . ولكنه هنا في المخطوطة في الموضعين (( بشر بن تيم )) ، في رواية ابن عيينة يقول، فتركت ما كان في المخطوطة على حاله، لئلا يكون اختلافًا على ابن عيينة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|