
16-07-2025, 10:25 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (636)
صــ 91 إلى صــ 100
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أو من كان ميتًا فأحييناه) ، هديناه= (وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات) في الضلالة أبدًا.
13841- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: (أو من كان ميتًا فأحييناه) ، قال: ضالا فهديناه.
13842- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (أو من كان ميتًا فأحييناه) ، يعني: من كان كافرًا فهديناه= (وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، يعني بالنور، القرآنَ، من صدَّق به وعمل به= (كمن مثله في الظلمات) ، يعني: بالظلمات، الكفرَ والضلالة.
13843- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، يقول: الهدى= "يمشي به في الناس" ، يقول: فهو الكافر يهديه الله للإسلام. يقول: كان مشركًا فهديناه= (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) .
13844- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (أو من كان ميتًا فأحييناه) ، هذا المؤمن معه من الله نور وبيِّنة يعمل بها ويأخذ، وإليها ينتهي، كتابَ الله = (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) ، وهذا مثل الكافر في الضلالة، متحير فيها متسكع، لا يجد مخرجًا ولا منفذًا.
13845- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط عن السدي: (أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، يقول: من كان كافرًا فجعلناه مسلمًا، وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس، وهو الإسلام، يقول: هذا كمن هو في الظلمات، يعني: الشرك.
13846- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، قال: الإسلام الذي هداه الله إليه = (كمن مثله في الظلمات) ، ليس من أهل الإسلام. وقرأ: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) ، [سورة البقرة: 257] . قال: والنور يستضيء به ما في بيته ويبصره، وكذلك الذي آتاه الله هذا النور، يستضيء به في دينه ويعمل به في نوره، (1) كما يستضيء صاحب هذا السراج. قال: (كمن مثله في الظلمات) ، لا يدري ما يأتي ولا ما يقع عليه.
* * *
القول في تأويل قوله: {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كما خذلت هذا الكافر الذي يجادلكم = أيها المؤمنون بالله ورسوله، في أكل ما حرّمت عليكم من المطاعم = عن الحق، فزينت له سوءَ عمله فرآه حسنًا، ليستحق به ما أعددت له من أليم العقاب، كذلك زيَّنت لغيره ممن كان على مثل ما هو عليه من الكفر بالله وآياته، ما كانوا يعملون من معاصي الله، ليستوجبوا بذلك من فعلهم، ما لهم عند ربهم من النَّكال. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وفي هذا أوضح البيان على تكذيب الله الزاعمين أن الله فوَّض الأمور إلى خلقه في أعمالهم، فلا صنع له في أفعالهم، (3) وأنه قد سوَّى بين جميعهم في
(1) في المطبوعة: (( في فوره )) بالفاء، والصواب ما في المخطوطة.
(2) انظر تفسير (( التزيين )) فيما سلف: ص: 37، تعليق: ص: 1، والمراجع هناك.
(3) (( التفويض) ، هو زعم القدرية والمعتزلة والإمامية من أهل الفرق، أن الأمر قد فوض إلى العبد، فإرادته كافية في إيجاد فعله، طاعة كان أو معصية، وهو خالق أفعاله، والاختيار، ينفون أن تكون أفعال العباد من خلق الله. وانظر ما سلف 1: 162 تعليق: 3 / 11: 340، تعليق: 2، وانظر ما سيأتي ص: 108، تعليق: 1.
الأسباب التي بها يصلون إلى الطاعة والمعصية. لأن ذلك لو كان كما قالوا، لكان قد زَيَّن لأنبيائه وأوليائه من الضلالة والكفر، نظيرَ ما زيَّن من ذلك لأعدائه وأهل الكفر به، وزيّن لأهل الكفر به من الإيمان به، نظيرَ الذي زيّن منه لأنبيائه وأوليائه. وفي إخباره جل ثناؤه أنه زين لكل عامل منهم عمله، ما ينبئ عن تزيين الكفر والفسوق والعصيان، وخصّ أعداءه وأهل الكفر، بتزيين الكفر لهم والفسوق والعصيان، وكرّه إليهم الإيمان به والطاعة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون، كذلك جعلنا بكل قرية عظماءَها مجرميها= يعني أهل الشرك بالله والمعصية له= (ليمكروا فيها) ، بغرور من القول أو بباطل من الفعل، بدين الله وأنبيائه = (وما يمكرون) : أي ما يحيق مكرهم ذلك، إلا بأنفسهم، لأن الله تعالى ذكره من وراء عقوبتهم على صدّهم عن سبيله = "وهم لا يشعرون" ، يقول: لا يدرون ما قد أعدّ الله لهم من أليم عذابه، (1) فهم في غيِّهم وعتوِّهم على الله يتمادَوْن.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1) انظر تفسير (( شعر )) فيما سلف: ص: 38، تعليق: 1، والمراجع هناك.
13847- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أكابر مجرميها) ، قال: عظماءها.
13848- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13849- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أكابر مجرميها) ، قال: عظماءها.
13850- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: نزلت في المستهزئين = قال ابن جريج، عن عمرو، عن عطاء، عن عكرمة: (أكابر مجرميها) ، إلى قوله: (بما كانوا يمكرون) ، بدين الله، وبنبيه عليه الصلاة والسلام وعباده المؤمنين.
* * *
والأكابر: جمع "أكبر" ، كما "الأفاضل" جمع "أفضل" . ولو قيل: هو جمع "كبير" ، فجمع "أكابر" ، لأنه قد يقال: "أكبر" ، كما قيل: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا) ، [سورة الكهف: 103] ، واحدهم "الخاسر" ، لكان صوابًا. وحكي عن العرب سماعًا "الأكابرة" و "الأصاغرة" ، و "الأكابر" ، و "الأصاغر" ، بغير الهاء، على نية النعت، كما يقال: "هو أفضل منك" . وكذلك تفعل العرب بما جاء من النعوت على "أفعل" ، إذا أخرجوها إلى الأسماء، مثل جمعهم "الأحمر" و "الأسود" ، "الأحامر" و "الأحامرة" ، و "الأساود" و "الأساودة" ، ومنه قول الشاعر: (1)
إنَّ الأحَامِرَة الثَّلاثَةَ أَهْلَكَتْ ... مَالِي، وكُنْتُ بِهِنّ قِدْمًا مُولَعًا
(1) هو الأعشى.
الخَمْرُ واللَّحْمُ السِّمِينُ إدَامُهُ ... والزَّعْفَرَانُ، فَلَنْ أرُوحَ مُبَقَّعَا (1)
* * *
وأما "المكر" ، فإنه الخديعة والاحتيال للممكور به بالغدر، ليورِّطه الماكر به مكروهًا من الأمر.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا جاءت هؤلاء المشركين الذين يجادلون المؤمنين بزخرف القول فيما حرم الله عليهم، ليصدّوا عن سبيل الله = (آية) ، يعني: حجة من الله على صحة ما جاءهم به محمد من عند الله وحقيقته (2) = قالوا لنبي الله وأصحابه: = (لن نؤمن) ، يقول: يقولون: لن نصدق بما دعانا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان به، وبما جاء به من تحريم ما ذكر أنّ الله حرّمه علينا= (حتى نؤتى) ، يعنون: حتى يعطيهم الله من المعجزات مثل الذي أعطى موسى من فلق البحر، وعيسى من إحياء الموتى،
(1) ديوانه 247، 248، وهي في نسختي المصورة من ديوان الأعشى رقم: 29، واللسان (حمر) وهو أول الشعر. وكان في المطبوعة هنا: (( السمين أديمه )) ، و (( فلن أزال مبقعا )) ، وأثبت ما في المخطوطة وفي مخطوطة الأعشى: (( السمين، وأطلى بالزعفران وقد أروح مبقعًا )) .
وهكذا جاء في المخطوطة: (( السمين إدامه )) ، والإدام ما يؤتدم به مع الخبز، أي شيء كان.
وعجيب إضافة الإدام إلى اللحم. ويروى: (( أديمه )) ، ضبطه في اللسان بفتح الألف، وهو غير مرتضى، بل الصواب إن شاء الله (( أديمه )) من (( أدام الشيء )) ، إذا أطال زمانه واستمر به.
ورواية أبي جعفر هنا (( فلن أروح مبقعًا )) ، ورواية مخطوطة ديوانه: (( وقد أروح مبقعًا )) ، وهي أجودهما. و (( المبقع )) الذي فيه لون يخالف لونه، أو لون ما أصابه الماء أو الزعفران أو ما شابههما. يعني أنه يكثر من الزعفران حتى يترك في بشرته لمعا. وأكثر ما كانوا يستعملون الزعفران في أعراسهم، إذا أعرس الرجل تزعفر. فكني بذلك عن كثرة زواجه.
وفي البيت روايات أخرى، راجعها في حواشي ديوانه، في ذيل الديوان.
(2) انظر تفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .
وإبراء الأكمه والأبرص. (1) يقول تعالى ذكره: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) ، يعني بذلك جل ثناؤه: أن آيات الأنبياء والرسل لن يُعطاها من البشر إلا رسول مرسل، (2) وليس العادلون بربهم الأوثان والأصنام منهم فيعطوها. يقول جل ثناؤه: فأنا أعلم بمواضع رسالاتي، ومن هو لها أهل، فليس لكم أيها المشركون أن تتخيَّروا ذلك عليّ أنتم، لأن تخيُّر الرسول إلى المرسِلِ دون المرسَل إليه، والله أعلم إذا أرسل رسالةً بموضع رسالاته.
* * *
القول في تأويل قوله: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، معلِّمَه ما هو صانع بهؤلاء المتمردين عليه: "سيصيب" ، يا محمد، (3) الذين اكتسبوا الإثم بشركهم بالله وعبادتهم غيره = (صغار) ، يعني: ذلة وهوان، كما:-
13851- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله) ، قال: "الصغار" ، الذلة.
* * *
وهو مصدر من قول القائل: "صَغِرَ يصغَرُ صَغارًا وصَغَرًا" ، وهو أشدّ الذلّ.
* * *
(1) انظر تفسير (( الإيتاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (أتى) .
(2) في المطبوعة: (( لم يعطها )) ، وفي المخطوطة: ما أثبت، وهو صواب محض.
(3) انظر تفسير (( الإصابة )) فيما سلف: 11: 170، تعليق 2، والمراجع هناك.
وأما قوله: (صغار عند الله) ، فإن معناه: سيصيبهم صغارٌ من عند الله، كقول القائل: "سيأتيني رزقي عند الله" ، بمعنى: من عند الله، يراد بذلك: سيأتيني الذي لي عند الله. وغير جائز لمن قال: "سيصيبهم صغار عند الله" ، أن يقول: "جئت عند عبد الله" ، بمعنى: جئت من عند عبد الله، لأن معنى "سيصيبهم صغارٌ عند الله" ، سيصيبهم الذي عند الله من الذل، بتكذيبهم رسوله. فليس ذلك بنظير: "جئت من عند عبد الله" . (1) .
* * *
وقوله: (وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) ، يقول: يصيب هؤلاء المكذبين بالله ورسوله، المستحلين ما حرَّم الله عليهم من الميتة، مع الصغار عذابٌ شديد، بما كانوا يكيدون للإسلام وأهله بالجدال بالباطل، والزخرف من القول، غرورًا لأهل دين الله وطاعته. (2)
* * *
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 253 = تفسير (( عند )) فيما سلف 2: 501/7: 490/8: 555.
(2) انظر تفسير (( المكر )) فيما سلف قريبًا ص: 95 * * *
وعند هذا الموضع، انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت منه نسختنا، وفيها ما يصيب:
(( يتلوه القول في تأويل قوله: "فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ" )) .
وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وصحبه وسلم كثيرا، ثم يتلوه ما نصه: (( بسم الله الرحمن الرحيم َرِّب يَسِّر ))
القول في تأويل قوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ}
قال أبو جعفر: ويقول تعالى ذكره: فمن يرد الله أن يهديه للإيمان به وبرسوله وما جاء به من عند ربه، فيوفقه له (1) = (يشرح صدره للإسلام) ، يقول: فسح صدره لذلك وهوَّنه عليه، وسهَّله له، بلطفه ومعونته، حتى يستنير الإسلام في قلبه، فيضيء له، ويتسع له صدره بالقبول، كالذي جاء الأثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي:-
13852- حدثنا سوّار بن عبد الله العنبري قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت أبي يحدث، عن عبد الله بن مرة، عن أبي جعفر قال: لما نزلت هذه الآية: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، قالوا: كيف يشرح الصدر؟ قال: إذا نزل النور في القلب انشرح له الصدر وانفسح. قالوا: فهل لذلك آية يعرف بها؟ قال: نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الفوت. (2)
(1) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .
(2) الأثر: 13852 - (( عبد الله بن مرة )) ، هكذا هو في المخطوطة والمطبوعة وتفسير ابن كثير، وأنا أستبعد أن يكون كذلك لأسباب.
الأول - أني أستبعد أن يكون هو (( عبد الله بن مرة الخارفي )) ، الذي يروي عن ابن عمر، ومسروق، وأبي كثف، والذي يروي عنه العمش، ومنصور. وهو مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 165، وهو ثقة.
الثاني - أن الخبر رواه أبو جعفر الطبري بأسانيد، هذا ورقم: 13853، 13854، وهي تدور على (( عمرو بن مرة )) .
الثالث - أنه سيتبين بعد مَنْ (( أبو جعفر )) الذي روى هذا الخبر، ومذكور هناك أنه روى عنه (( عمرو بن مرة )) ، ولم يذكر (( عبد الله بن مرة )) .
فمن أجل ذلك أرجح أن صوابه (( أبو عبد الله بن مرة )) ، أو (( أبو عبد الله عمرو بن مرة )) ، فسقط من النساخ.
وأما (( أبو جعفر )) الذي يدور عليه هذا الخبر، فهو موصوف في الخبر رقم 13854: (( رجل يكنى أبا جعفر، كان يسكن المدائن )) ، ثم جاءت صفة أخرى في تخريج السيوطي لهذا الخبر في الدر المنثور، قال: (( رجل من بني هاشم، وليس هو محمد بن علي )) = يعني الباقر.
وقد وقفت أولا عند (( أبي جعفر )) هذا، وظننت أنه مجهول، لأني لم أجد له ذكرًا في شيء مما بين يدي من الكتب، ولكن لما جئت إلى الخبر رقم: 13856 من رواية (( خالد بن أبي كريمة، عن عبد الله بن المسور )) ، تبين لي على وجه القطع، أن (( أبا جعفر )) هذا، الذي كان يسكن المدائن، وكان من بني هاشم، هو نفسه (( عبد الله بن المسور )) ، الذي روى عنه رقم: 13856.
وإذن، فهو (( أبو جعفر )) : (( عبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب )) (( أبو جعفر الهاشمي المدائني )) . روى عنه عمرو بن مرة، وخالد بن أبي كريمة. مترجم في ابن أبي حاتم 2 / 2 / 169، وتاريخ بغداد 10: 17، وميزان الاعتدال للذهبي 2: 78، ولسان الميزان 3: 360. قال الخطيب. (( سكن المدائن، وحدث بها عن محمد بن الحنفية) ، وذكر في بعض ما ساقه من أسانيد أخباره: (( عن خالد بن أبي كريمة (وهو الآتي برقم: 13856) ، عن أبي جعفر وهو عبد الله بن المسور، رجل من بني هاشم، كان يسكن المدائن )) .
و (( أبو جعفر )) ، (( عبد الله بن المسور )) ضعيف كذاب. قال جرير بن رقبة: (( كان أبو جعفر الهاشمي المدائني، يضع أحاديث كلام حق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلط بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتمله الناس )) . وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل: (( قال أبي: أبو جعفر المدائني، اسمه عبد الله بن مسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب. قال أبي: اضرب على حديثه، كان يضع الحديث ويكذب، وقد تركت أنا حديثه. وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدثنا عنه )) . وقال ابن أبي حاتم: (( سألت أبي عن جعفر الهاشمي فقال: الهاشميون لا يعرفونه، وهو ضعيف الحديث، يحدث بمراسيل لا يوجد لها أصل في أحاديث الثقات )) .
وإذن، فالأخبار من رقم: 13852 - 13854، ورقم: 13856 - أخبار معلولة ضعاف واهية، كما ترى.
وهذه الأخبار الثلاثة: 13852 - 13854، ذكرها ابن كثير في تفسيره 3: 394، 395، وخرجها السيوطي في الدر المنثور 3: 44، ونسب الخبر لابن المبارك في الزهد، وعبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات.
وقال ابن كثير في تفسيره 3: 395، وذكر هذه الأخبار، وخبر مسعود الذي رواه أبو جعفر برقم: 13855، 13857، ثم قال: (( فهذه طرق لهذا الحديث مرسلة ومتصلة، يشد بعضها بعضًا، والله أعلم.
وأخطأ الحافظ جدًا كما ترى، فإن حديث أبي جعفر الهاشمي، أحاديث كذاب وضاع لا تشد شيئًا ولا تحله!! وكتبه محمود محمد شاكر.
13853- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عمرو بن قيس، عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر قال: سئل
النبي صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم لما بعده استعدادًا. قال: وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، قالوا: كيف يشرح صدره، يا رسول الله؟ قال: نور يُقذف فيه، فينشرح له وينفسح. قالوا: فهل لذلك من أمارة يُعرف بها؟ قال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت."
13854- حدثنا هناد قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن عمرو بن مرة، عن رجل يكنى "أبا جعفر" ، كان يسكن المدائن قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، قال: نور يقذف في القلب فينشرح وينفسخ. قالوا: يا رسول الله، هل له من أمارة يعرف بها؟ = ثم ذكر باقي الحديث مثله. (1)
15855- حدثني هلال بن العلاء قال، حدثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد الحراني قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، قال: إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح. قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتنحِّي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت. (2)
(1) الأثران: 13853، 13854 - حديثان واهيان، كما سلف في التعليق على الخبر السالف.
و (( عمرو بن مرة المرادي )) ، ثقة مأمون. مضى مرارًا، آخرها رقم: 12396.
(2) الأثر: 13855 - (( هلال بن العلاء بن هلال الباهلي الرقى )) ، شيخ أبي جعفر، مضى برقم: 4964، وأنه صدوق، متكلم فيه.
وكأن في المطبوعة: (( محمد بن العلاء )) ، وهو شيء لا أصل له هنا. وفي المخطوطة: (( لعلي ابن العلا )) ، غير منقوطة، كأنها تقرأ (يعلي بن العلا ) ) ، ولم أجد في شيوخ أبي جعفر، ولا في الرواة، من سمى بذلك. ورأيت ابن كثير في تفسيره 3: 395، نقل عن هذا الموضع من ابن جرير قال: (( حدثني هلال بن العلاء، حدثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد )) ، فأيد هذا أن أبا جعفر روى آنفًا عن شيخه (( هلال بن العلاء )) ، أن الذي في المخطوطة تحريف على الأرجح، ولذلك أثبته كم هو في ابن كثير: (( هلال بن العلاء )) .
و (( سعيد بن عبد الملك بن واقد الحراني )) . ضعيف، ضعفه ابن أبي حاتم، والدارقطني، وقال: (( لا يحتج به )) . قال أبو حاتم: (( يتكلمون فيه، يقال إنه أخذ كتبًا لمحمد بن سلمة، فحدث بها. ورأيت فيما حدث أكاذيب، كذب )) . مترجم في ابن أبي حاتم 2 / 1 / 45، ميزان الاعتدال 1: 387، ولسان الميزان 3: 37.
و (( محمد بن سلمة الحراني )) ، ثقة، مضى برقم: 175.
و (( أبو عبد الرحيم )) ، هو (( خالد بن أبي يزيد الحراني )) ، روى ابن أخته (( محمد بن سلمة الحراني )) ، حسن الحديث متقن. مضى له ذكر في التعليق على الأثر رقم: 8396.
و (( زيد بن أبي أنيسة الجزري )) ، ثقة، مضى برقم: 4964، 8396.
و (( عمرو بن مرة المرادي )) ، مضى آنفًا في رقم: 13853، 13854.
و (( أبو عبيدة )) ، هو (( أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود )) ، مضى مرارًا كثيرة جدًا، وهو لم يسمع من أبيه، كما سلف مرارًا.
زهذا خبر ضعيف أيضًا، لضعف أحاديث (( سعيد بن واقد الحراني، عن (( محمد بن سلمة )) ، كما ذكر أبو حاتم.
ثم لأن أبا عبيدة، لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود. وسيأتي خبر عبد الله بن مسعود برقم: 13857، من طريق أخرى. فالعجب لابن كثير. كيف تكون هذه أحاديث متصلة، ثم كيف تشدها أخبار كذاب وضاع. وانظر ما أسلفت في التعليق على رقم: 13852.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|