عرض مشاركة واحدة
  #637  
قديم 16-07-2025, 10:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (637)
صــ 101 إلى صــ 110





13856- حدثني سعيد بن الربيع الرازي قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن خالد بن أبي كريمة، عن عبد الله بن المسور قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل النور القلبَ انفسح وانشرح. قالوا: يا رسول الله، وهل لذلك من علامة تعرف؟ قال: نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت. (1)
(1)
الأثر: 13856 - (( خالد بن أبي كريمة الأصبهاني )) و (( أبو عبد الرحمن الاسكاف )) وثقه أحمد وأبو داود، وابو حاتم وابن وابن حبان وقال (( يخطئ )) ، وضعفه ابن معين مترجم في التهذيب. والكبير 2 / 1 / 154. وابن أبي حاتم 1 / 2 / 349. قال البخاري (( عن معاوية ابن قرة، وأبي جعفر عبد الله بن مسور المسوري )) ، ولم يذكر فيه جرحًا.

و (( عبد الله بن مسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي المدائني )) ، سلف برقم: 13852، وأنه هو (( أبو جعفر )) المدائني، وأنه كذاب وضاع. وانظر تخريج الخبر والتعليق عليه هناك.
13857- حدثني ابن سنان القزاز قال، حدثنا محبوب بن الحسن الهاشمي، عن يونس، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، قالوا: يا رسول الله، وكيف يُشرح صدره؟ قال: يدخل فيه النور فينفسح. قالوا: وهل لذلك من علامة يا رسول الله؟ قال: التجافي عن دار الغرور، والإنالة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل أن ينزل الموت. (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13859- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، أما "يشرح صدره للإسلام" ، فيوسع صدره للإسلام. (2)
13860- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، بـ "لا إله إلا الله" .
13861- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءة: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، بـ "لا إله إلا الله" يجعل لها في صدره متَّسعًا.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن أراد الله إضلاله عن سبيل الهدى، يَشغله بكفره وصدِّه عن سبيله، ويجعل صدره بخذلانه وغلبة الكفر عليه، (3) حرجًا. (4)
* * *
و "الحرج" ، أشد الضيق، وهو الذي لا ينفذه، من شدة ضيقه، (5) وهو ههنا الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة، ولا يدخله نور الإيمان، لريْن الشرك عليه. وأصله من "الحرج" ، و "الحرج" جمع "حَرَجة" ، وهي الشجرة الملتف بها
(1)
الأثر: 13857 - (( ابن سنان القزاز )) ، شيخ الطبري، هو: (( محمد بن سنان القزاز )) مضى برقم: 157، 1999، 2056، 5419، 6822.

و (( محبوب بن الحسن الهاشمي البصري )) ، (( محبوب )) لقب، وهو به أشهر، واسمه: (( محمد بن الحسن بن هلال بن أبي زينب فيروز القرشي )) ، مولى بني هاشم. ثقة، وضعفوه مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 1 / 67، في (( محمد بن الحسن البصري )) ، وابن أبي حاتم في (( محمد ابن الحسن البصري )) 3 / 2 / 228، ثم في (( محبوب بن الحسن بن هلال )) 4 / 1 / 388، ولم يشر إلى أن اسمه (( محمد بن الحسن )) .
و (( يونس )) هو: (( يونس بن عبيد بن دينار العبدي )) ، ثقة، مضى برقم: 2616، 4931، 10574.
و (( عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة )) ، هذا إشكال شديد، فإن (( عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود )) ، متأخر جدًا، روى عن أبي إسحاق السبيعي وطبقته ومات سنة 160، أو سنة 165. و (( يونس بن عبيد )) ، أعلى طبقة منه، روى عن إبراهيم التيمي، والحسن البصري، وابن سيرين. ومات سنة 140، فهو في طبقة شيوخه، فلو كان يونس روى عنه، لذكر مثل ذلك في ترجمة (( عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة )) .
وأنا أرجح أن صواب الإسناد: (( عن يونس، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عتبة )) .
وهو (( عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي )) ، كنيته (( أبو عبد الرحمن )) ، وهو الذي يروي عن عمه (( عبد الله بن مسعود )) ، وولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، ومات سنة 74. فهو الخليق أن يروي عنه (( يونس بن عبيد )) .
وهذا أيضًا خبر ضعيف، لضعف (( محبوب بن الحسن )) ، وإذن فكل ما قاله الحافظ ابن كثير من أن هذه الأخبار جاءت بأسانيد مرسلة ومتصلة يشد بعضها بعضًا، قول ينفيه شرح هذه الأسانيد كما رأيت، والله الموفق للصواب، وكتبه محمود محمد شاكر.
(2)
تخطيت في الترقيم رقم: 13858: خطأ.

(3)
في المطبوعة: (( لشغله بكفره ... يجعل صدره )) ، الأخيرة بغير واو، وفي المخطوطة كما أثبتها، وبغير واو في (( يجعل صدره )) ، والسياق يقتضي ما أثبت.

(4)
انظر تفسير (( الإضلال )) فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) .

(5)
في المطبوعة: (( لا ينفذ )) ، وأثبت ما في المخطوطة. وهو الصواب.

الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيء لشدة التفافها بها، (1) كما:-
13862- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا عبد الله بن عمار = رجل من أهل اليمن= عن أبي الصلت الثقفي: أن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه قرأ هذه الآية: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا) بنصب الراء. قال: وقرأ بعض مَنْ عنده من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضَيِّقًا حَرِجًا" . قال صفوان: فقال عمر: ابغوني رجلا من كنانة واجعلوه راعيًا، (2) وليكن مُدْلجيًّا. (3) قال: فأتوه به. فقال له عمر: يا فتى، ما الحرجة؟ قال: "الحرجة" فينا، الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعيةٌ ولا وحشيَّة ولا شيء. قال: فقال عمر: كذلك قلبُ المنافق لا يصل إليه شيء من الخير. (4)
13863- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا) ، يقول: من أراد الله أن يضله يضيق عليه صدره حتى يجعل الإسلام عليه ضيقًا، والإسلام واسع. وذلك حين يقول: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، [سورة الحج:78] ، يقول: ما جعل
(1)
انظر تفسير (( الحرج )) فيما سلف 8: 518 / 10: 85.

(2)
قوله: (( واجعلوه راعيًا )) ، أي التمسوه، وليكن راعيًا، ليس من معنى (( الجعل )) الذي هو التصيير. وهذا استعمال عربي عريق في (( جعل )) ، ولكنهم لم يذكروه في المعاجم، وهو دائر في كلام العرب، وهذا من شواهده، فليقيد في مكانه من كتب العربية.

(3)
(( مدلج )) قبيلة من بني مرة بن عبد مناة بن كنانة، وهم القافة المشهورون، ويدل هذا الخبر على أن أرض مرعاهم كانت كثيرة الشجر.

(4)
الأثر: 13862 - (( عبد الله بن عمار اليمامي )) ، قال ابن أبي حاتم: (( مجهول )) ، وذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 129.

و (( أبو الصلت الثقفي )) ، روى عن عمر، وروى عنه عبد الله بن عمار اليمامي، هذا الحديث. مترجم في التهذيب، والكني للبخاري: 44، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 394.
وهذا خبر عزيز جدًا. في بيان رواية اللغة وشرحها، وسؤال الأعراب والرعاة عنها.
عليكم في الإسلام من ضيق.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال: بعضهم معناه: شاكًّا.
* ذكر من قال ذلك:
13864- حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا حميد، عن مجاهد: (ضيقًا حرجًا) قال: شاكًّا.
13865- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ضيقًا حرجًا) أما "حرجًا" ، فشاكًّا.
* * *
وقال آخرون: معناه: ملتبسًا.
* ذكر من قال ذلك:
13866- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (يجعل صدره ضيقًا حرجًا) ، قال: ضيقًا ملتبسًا.
13867- حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن الحسن، عن قتادة أنه كان يقرأ: (ضَيِّقًا حَرَجًا) ، يقول: ملتبسًا.
* * *
وقال آخرون: معناه: أنه من شدة الضيق لا يصل إليه الإيمان.
* ذكر من قال ذلك:
13868- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير: (يجعل صدره ضيقًا حرجًا) ، قال: لا يجد مسلكًا إلا صُعُدًا.
13869- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عطاء الخراساني: (ضيقًا حرجًا) ، قال: ليس للخير فيه منفَذٌ.
13870- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن عطاء الخراساني، مثله.
13871- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج عن ابن جريج قوله: (ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيقًا حرجًا) ، بلا إله إلا الله، لا يجد لها في صدره مَسَاغًا.
13872- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءةً في قوله: (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا) ، بلا إله إلا الله، حتى لا تستطيع أن تدخله.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعضهم: (ضَيِّقًا حَرَجًا) بفتح الحاء والراء من (حرجًا) ، وهي قراءة عامة المكيين والعراقيين، بمعنى جمع "حرجة" ، على ما وصفت. (1)
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة: "ضَيِّقًا حَرِجًا" ، بفتح الحاء وكسر الراء.
* * *
ثم اختلف الذين قرأوا ذلك في معناه.
فقال بعضهم: هو بمعنى: "الحَرَج" . وقالوا: "الحرَج" بفتح الحاء والراء، و "الحرِج" بفتح الحاء وكسر الراء، بمعنى واحد، وهما لغتان مشهورتان، مثل: "الدَّنَف" و "الدَّنِف" ، و "الوَحَد" و "الوَحِد" ، و "الفَرَد" و "الفَرِد" .
* * *
وقال آخرون منهم: بل هو بمعنى الإثم، من قولهم: "فلان آثِمٌ حَرِجٌ" ، وذكر عن العرب سماعًا منها: "حَرِجٌ عليك ظُلمي" ، بمعنى: ضِيقٌ وإثْم. (2)
(1)
انظر ص: 103، 104.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 353، 354.

قال أبو جعفر: والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان مستفيضتان بمعنى واحد، وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ، لاتفاق معنييهما. وذلك كما ذكرنا من الروايات عن العرب في "الوحَد" و "الفَرَد" بفتح الحاء من "الوحد" والراء من "الفرد" ، وكسرهما، بمعنى واحدٍ.
* * *
وأما "الضيِّق" ، فإن عامة القرأة على فتح ضاده وتشديد يائه، خلا بعض المكيين فإنه قرأه: "ضَيْقًا" ، بفتح الضاد وتسكين الياء، وتخفيفه.
وقد يتجه لتسكينه ذلك وجهان:
أحدهما أن يكون سكنه وهو ينوي معنى التحريك والتشديد، كما قيل: "هَيْنٌ لَيْنٌ" ، بمعنى: هيِّنٌ ليِّنٌ.
والآخر: أن يكون سكنه بنية المصدر، من قولهم: "ضاق هذا الأمر يضيق ضَيْقًا" ، كما قال رؤبة:
قَدْ عَلِمْنَا عِنْدَ كُلِّ مَأْزِقِ ... ضَيْقٍ بِوَجْهِ الأمْرِ أَوْ مُضَيِّقِ (1)
ومنه قول الله: (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) ، [سورة النحل: 127] . وقال رؤبة أيضًا * وَشَفَّها اللَّوحُ بِمَأْزُولٍ ضَيَقْ * (2)
(1)
ليسا في ديوانه، ولم أجدهما في مكان آخر، ومنها أبيات في الزيادات: 179، 180، ولم يذكرا معها. وكان في المطبوعة: (( وقد علمنا )) بزيادة الواو. وكان فيها: (( أي مضيق )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب إن شاء الله.

(2)
ديوانه: 105، والوساطة: 14. (( مأزول )) من (( الأزل )) (بسكون الزاي) ، وهو الضيق والجدب وشدة الزمان، وفي حديث الدجال: (( أنه يحضر الناس ببيت المقدس، فيؤزلون أزلا )) ، أي: يقحطون ويضيق عليهم. ومعنى: (( مأزول )) ، أصابه القحط، يعني مرعى، ومثله قول الراجز: إنَّ لَهَا لَرَاعِيًا جَرِيَّا ... أَبْلا بمَا يَنْفَعُها قَوِيَّا

لَمْ يَرْعَ مَأْزُولا وَلا مَرْعِيَّا ... حَتَّى علاَ سَنَامُهَا عُلِيَّا
و (( شفها )) أنحل جسمها، وأذهب شحمها. و (( اللوح )) (بضم اللام) وهو أعلى اللغتين، و (( اللوح )) (بفتح فسكون) : وهو العطش الذي يلوح الجسم، أي يغيره. وقوله: (( ضيق )) حرك (( الياء )) بالفتح. وعده القاضي الجرجاني في أخطاء رؤبة.
بمعنى: ضيّق. وحكي عن الكسائي أنه كان يقول: "الضيِّقُ" ، بالكسر: في المعاش والموضع، وفي الأمر "الضَّيْق" .
* * *
قال أبو جعفر: وفي هذه الآية أبينُ البيان لمن وُفّق لفهمهما، عن أن السبب الذي به يُوصل إلى الإيمان والطاعة، غير السبب الذي به يُوصل إلى الكفر والمعصية، وأن كلا السببين من عند الله. (1) وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر عن نفسه أنه يشرح صدرَ من أراد هدايته للإسلام، ويجعل صدر من أراد إضلاله ضيِّقًا عن الإسلام حَرَجًا كأنَّما يصعد في السماء. ومعلومٌ أن شرح الصدر للإيمان خِلافُ تضييقه له، وأنه لو كان يوصل بتضييق الصدر عن الإيمان إليه، لم يكن بين تضييقه عنه وبين شرحه له فرق، ولكان من ضُيِّق صدره عن الإيمان، قد شُرِح صدره له، ومن شرح صدره له، فقد ضُيِّق عنه، إذ كان مَوْصولا بكل واحد منهما= أعني من التضييق والشرح = إلى ما يُوصَل به إلى الآخر. ولو كان ذلك كذلك، وجب أن يكون الله قد كان شرح صدرَ أبي جهل للإيمان به، وضيَّق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه. وهذا القول من أعظم الكفر بالله. وفي فساد ذلك أن يكون كذلك، الدليلُ الواضح على أن السَّبب الذي به آمن المؤمنون بالله ورسله، وأطاعه المطيعون، غير السبب الذي كفر به الكافرون بالله وعصاه العاصون، وأن كِلا السببين من عند الله وبيده، لأنه أخبر جل ثناؤه أنه هو
(1)
هذا رد على المعتزلة، وانظر ما سلف ص: 92، تعليق: 3، وهو من أجود الردود على دعوى المعتزلة.

الذي يشرح صدرَ هذا المؤمن به للإيمان إذا أراد هدايته، ويضيِّق صدر هذا الكافر عنه إذا أراد إضلالَه.
* * *
القول في تأويل قوله: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}
قال أبو جعفر: وهذا مثل من الله تعالى ذكره، ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه، مثل امتناعه من الصُّعود إلى السماء وعجزه عنه، لأن ذلك ليس في وسعه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13873- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عطاء الخراساني: (كأنما يصعد في السماء) ، يقول: مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء.
13874- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن عطاء الخراساني، مثله.
13875- وبه قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءةً: "يجعل صدره ضيقًا حرجًا" ، بلا إله إلا الله، حتى لا تستطيع أن تدخله، "كأنما يصعد في السماء" ، من شدّة ذلك عليه.
13876- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، مثله.
13877- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (كأنما يصعد في السماء) ، من ضيق صدره.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والعراق: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ) ، بمعنى: "يتصعَّد" ، فأدغموا التاء في الصاد، فلذلك شدَّدوا الصاد.
* * *
وقرأ ذلك بعض الكوفيين: "يَصَّاعَدُ" ، بمعنى: "يتصاعد" ، فأدغم التاء في الصاد، وجعلها صادًا مشدَّدة.
* * *
وقرأ ذلك بعض قرأة المكيين: "كَأَنَّمَا يَصْعَدُ" ، من "صَعِد يصعَد" .
* * *
وكل هذه القراءات متقاربات المعانى، وبأيِّها قرأ القارئ فهو مصيب، غير أني أختار القراءة في ذلك بقراءة من قرأه: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ) ، بتشديد الصاد بغير ألف، بمعنى: "يتصعد" ، لكثرة القرأة بها، (1) ولقيل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "مَا تَصَعَّدَني شَيْء مَا تَصَعَّدَتْنِي خُطْبَةُ النّكاح" .
* * *
القول في تأويل قوله: {كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كما يجعل الله صدر مَنْ أراد إضلاله ضيقًا حرجًا، كأنما يصعد في السماء من ضيقه عن الإيمان فيجزيه بذلك، كذلك يسلّط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله ممن أبَى الإيمان بالله ورسوله، فيغويه ويصدّه عن سبيل الحق.
* * *
(1)
انظر تفسير (( الصعود )) فيما سلف 7: 299 - 302.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.45 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]