عرض مشاركة واحدة
  #657  
قديم 16-07-2025, 02:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,320
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (657)
صــ 301 إلى صــ 310





والآخر منهما: أن يكون "الإهلاك" هو "البأس" بعينه، فيكون في ذكر "الإهلاك" الدلالةُ على ذكر "مجيء البأس" ، وفي ذكر "مجيء البأس" الدلالة على ذكر "الإهلاك" .
وإذا كان ذلك كذلك، كان سواء عند العرب، بُدئ بالإهلاك ثم عطف عليه بالبأس، أو بدئ بالبأس ثم عطف عليه بالإهلاك. وذلك كقولهم: "زرتني فأكرمتني" ، إذ كانت "الزيارة" هي "الكرامة" ، فسواء عندهم قدم "الزيارة" وأخر "الكرامة" ، أو قدم "الكرامة" وأخر "الزيارة" فقال: "أكرمتني فزرتني" . (1)
* * *
وكان بعض أهل العربية يزعم أن في الكلام محذوفًا، لولا ذلك لم يكن الكلام صحيحًا = وأن معنى ذلك: وكم من قرية أهلكناها، فكان مجيء بأسنا إياها قبل إهلاكنا. (2) وهذا قول لا دلالة على صحته من ظاهر التنزيل، ولا من خبر يجب التسليم له. وإذا خلا القولُ من دلالة على صحته من بعض الوجوه التي يجبُ التسليم لها، كان بيّنًا فساده.
* * *
وقال آخر منهم أيضًا: معنى "الفاء" في هذا الموضع معنى "الواو" . وقال: تأويل الكلام: وكم من قرية أهلكناها، وجاءها بأسنا بياتًا. وهذا قول لا معنى له، إذ كان لـ "الفاء" عند العرب من الحكم ما ليس للواو في الكلام، فصرفها إلى الأغلب من معناها عندهم، ما وجد إلى ذلك سبيل، أولى من صرفها إلى غيره.
* * *
فإن قال: وكيف قيل: (فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون) ، وقد علمت أن الأغلب من شأن "أو" في الكلام، اجتلابُ الشك، وغير جائز أن يكون في خبر الله شك؟
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 371.

(2)
هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 371، قال: (( وإن شئت كان المعنى: وكم من قرية أهلكناها، فكان مجيء البأس قبل الإهلاك، فأضمرت كان. )) .


قيل: إن تأويل ذلك خلافُ ما إليه ذهبتَ. وإنما معنى الكلام: وكم من قرية أهلكناها فجاء بعضها بأسنا بياتًا، وبعضها وهم قائلون. ولو جعل مكان "أو" في هذا الموضع "الواو" ، لكان الكلام كالمحال، ولصار الأغلب من معنى الكلام: أن القرية التي أهلكها الله جاءها بأسه بياتًا وفي وقت القائلة. وذلك خبرٌ عن البأس أنه أهلك من قد هلك، وأفنى من قد فني. وذلك من الكلام خَلْفٌ. (1) ولكن الصحيح من الكلام هو ما جاء به التنزيل، إذ لم يفصل القرى التي جاءها البأس بياتًا، من القرى التي جاءها ذلك قائلةً. ولو فُصلت، لم يخبر عنها إلا بالواو.
وقيل: "فجاءها بأسنا" خبرًا عن "القرية" أن البأس أتاها، وأجرى الكلام على ما ابتدئ به في أول الآية. ولو قيل: "فجاءهم بأسنا بياتًا" ، لكان صحيحًا فصيحًا، ردًّا للكلام إلى معناه، إذ كان البأس إنما قصد به سكان القرية دون بنيانها، وإن كان قد نال بنيانها ومساكنها من البأس بالخراب، نحوٌ من الذي نال سكانها. وقد رجع في قوله: (أو هم قائلون) ، إلى خصوص الخبر عن سكانها دون مساكنها، لما وصفنا من أن المقصود بالبأس كان السكان، وإن كان في هلاكهم هلاك مساكنهم وخرابها. (2)
ولو قيل: "أو هي قائلة" ، كان صحيحًا، إذ كان السامعون قد فهموا المراد من الكلام.
* * *
فإن قال قائل: أو ليس قوله: (أو هم قائلون) ، خبرًا عن الوقت الذي أتاهم فيه بأس الله من النهار؟
قيل: بلى!
(1)
(( خلف )) (بفتح فسكون) . يقال: (( هذا خلف من القول )) ، أي: رديء ساقط ومنه المثل: (( سكت ألفًا، ونطق خلفًا )) .

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 371.

فإن قال: أو ليس المواقيت في مثل هذا تكون في كلام العرب بالواو الدالِّ على الوقت؟
قيل: إن ذلك، وإن كان كذلك، فإنهم قد يحذفون من مثل هذا الموضع، استثقالا للجمع بين حرفي عطف، إذ كان "أو" عندهم من حروف العطف، (1) وكذلك "الواو" ، فيقولون: "لقيتني مملقًا أو أنا مسافر" ، بمعنى: أو وأنا مسافر، فيحذفون "الواو" وهم مريدوها في الكلام، لما وصفت. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلم يكن دعوى أهل القرية التي أهلكناها، إذ جاءهم بأسنا وسطوتُنا بياتًا أو هم قائلون، إلا اعترافهم على أنفسهم بأنهم كانوا إلى أنفسهم مسيئين، وبربهم آثمين، ولأمره ونهيه مخالفين. (3)
* * *
وعنى بقوله جل ثناؤه: (دعواهم) ، في هذا الموضع دعاءَهم.
* * *
ولـ "الدعوى" ، في كلام العرب، وجهان: أحدهما: الدعاء، والآخر: الادعاء للحق.
ومن "الدعوى" التي معناها الدعاء، قول الله تبارك وتعالى: (فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ) [سورة الأنبياء: 15] ، ومنه قول الشاعر: (4)
(1)
في المخطوطة: (( إذ كان وعندهم من حروف العطف )) بياض، وفوق البياض (كذا) ، وفي الهامش حرف (ط) . والذي في المطبوعة شبيه بالصواب.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 372.

(3)
انظر بيان قول (( بربهم آثمين )) فيما سلف ص: 171، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
كثير عزة.

وَإِنْ مَذِلَتْ رِجْلِي دَعَوْتُكِ أَشْتَفِي ... بِدَعْوَاكِ مِنْ مَذْلٍ بِهَا فَيَهُونُ (1)
* * *
وقد بينا فيما مضى قبل أن "البأس" و "البأساء" الشدة، بشواهد ذلك الدالة على صحته، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2)
* * *
وفي هذه الآية الدلالةُ الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: "ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم" .
* * *
وقد تأوّل ذلك كذلك بعضهم.
14323- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن ميسرة الزرَّاد قال، قال عبد الله بن مسعود: قال رسول الله: ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم - قال قلت لعبد الملك: كيف يكون ذلك؟ قال: فقرأ هذه الآية: (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا) ، الآية (3) .
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل: (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) ؟ وكيف أمكنتهم الدعوى بذلك، وقد جاءهم بأس الله بالهلاك؟ أقالوا ذلك قبل الهلاك؟ فإن كانوا قالوه قبل الهلاك، فإنهم قالوا قبل
(1)
ديوانه 2: 245، في باب الزيادات، نهاية الأرب 2: 125، واللسان (مذل) .

(( مذلت رجله (بفتح وسكون) ومذلا (بفتحتين) : خدرت، كانوا يزعمون أن المرء إذا خدرت رجله ثم دعا باسم مَنْ أحب، زال خدرها.
(2)
انظر تفسير (( البأس )) فيما سلف ص: 299، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(3)
الأثر: 14323 - (( عبد الملك بن ميسرة الهلالي الزراد )) ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 503، 504، 1326، مات في العشر الثاني من المئة الثانية. لم يدرك ابن مسعود ولا غيره من الصحابة. فإسناده منقطع.

وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره 3: 448، عن الطبري ولم يخرجه. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 67، ولم ينسبه إلى غير ابن أبي حاتم.
(( أعذر من نفسه )) ، إذا أمكن معاقبة بذنبه منها. يعني: أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم، فيعذروا من أنفسهم، ويستوجبوا العقوبة، ويكون لمن يعذبهم عذر في إلحاق العذاب بهم.
مجيء البأس، والله يخبر عنهم أنهم قالوه حين جاءهم، لا قبل ذلك؟ أو قالوه بعد ما جاءهم، فتلك حالة قد هلكوا فيها، فكيف يجوز وصفهم بقيل ذلك إذا عاينوا بأس الله، وحقيقة ما كانت الرسل تَعِدهم من سطوة الله؟. (1)
قيل: ليس كل الأمم كان هلاكها في لحظة ليس بين أوّله وآخره مَهَلٌ، بل كان منهم من غرق بالطوفان. فكان بين أوّل ظهور السبب الذي علموا أنهم به هالكون، وبين آخره الذي عمَّ جميعهم هلاكُه، المدة التي لا خفاء بها على ذي عقل. ومنهم من مُتِّع بالحياة بعد ظهور علامة الهلاك لأعينهم أيامًا ثلاثة، كقوم صالح وأشباههم. فحينئذ لما عاينوا أوائل بأس الله الذي كانت رسل الله تتوعدهم به، وأيقنوا حقيقة نزول سطوة الله بهم، دعوا: (يا ويلنا إنا كنا ظالمين) ، فلم يك ينفعهم إيمانهم مع مجيء وعيد الله وحلول نقمته بساحتهم. فحذّر ربنا جل ثناؤه الذين أرسل إليهم نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم من سطوته وعقابه على كفرهم به وتكذيبهم رسوله، ما حلَّ بمن كان قبلهم من الأمم إذ عصوا رُسله، واتبعوا أمر كل جبار عنيد.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لنسألن الأمم الذين أرسلت إليهم رسلي: ماذا عملت فيما جاءتهم به الرسل من عندي من أمري ونهيي؟ هل عملوا بما أمرتهم به، وانتهوا عما نهيتهم عنه، وأطاعوا أمري، أم عصوني فخالفوا ذلك؟ = (ولنسألن
(1)
في المخطوطة وصل الكلام هكذا: (( وحقيقة ما كانت الرسل تعدهم من سطوة الله وليس كل الأمم )) ، بالواو، وليس فيها (( قيل )) ، وقد أحسن الناشر الأول فيما فعل، وإن كنت أظن أن في الكلام سقطًا.

المرسلين) ، يقول: ولنسألن الرسل الذين أرسلتهم إلى الأمم: هل بلغتهم رسالاتي، وأدَّت إليهم ما أمرتهم بأدائه إليهم، أم قصّروا في ذلك ففرَّطوا ولم يبلغوهم؟.
* * *
وكذلك كان أهل التأويل يتأولونه.
* ذكر من قال ذلك:
14324- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) ، قال: يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عما بلغوا.
14325- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم) إلى قوله: (غائبين) ، قال: يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما كانوا يعملون.
14326- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) ، يقول فلنسألن الأمم: ما عملوا فيما جاءت به الرسل؟ ولنسألن الرسل: هل بلغوا ما أرسلوا به؟
14327- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، قال مجاهد: (فلنسألن الذين أرسل إليهم) ، الأمم = ولنسألن الذين أرسلنا إليهم عما ائتمناهم عليه: هل بلغوا؟ (1)
* * *
(1)
الأثر: 14327 - (( أبو سعد المدني )) ، مضى في الأثر رقم: 14322، ولم أعرف من هو، ولم أجد له ترجمة.

القول في تأويل قوله: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلنخبرن الرسل ومَنْ أرسلتهم إليه بيقين علمٍ بما عملوا في الدنيا فيما كنت أمرتهم به، وما كنت نهيتهم عنه (1) = "وما كنا غائبين" ، عنهم وعن أفعالهم التي كانوا يفعلونها.
* * *
فإن قال قائل: وكيف يسأل الرسلَ، والمرسل إليهم، وهو يخبر أنه يقصّ عليهم بعلم بأعمالهم وأفعالهم في ذلك؟
قيل: إن ذلك منه تعالى ذكره ليس بمسألة استرشاد، ولا مسألة تعرّف منهم ما هو به غير عالم، وإنما هو مسألة توبيخ وتقرير معناها الخبر، كما يقول الرجل للرجل: "ألم أحسن إليك فأسأت؟" ، و "ألم أصلك فقطعت؟" . فكذلك مسألة الله المرسلَ إليهم، بأن يقول لهم: "ألم يأتكم رسلي بالبينات؟ ألم أبعث إليكم النذر فتنذركم عذابي وعقابي في هذا اليوم من كفر بي وعبد غيري" ؟ كما أخبر جل ثناؤه أنه قائل لهم يومئذ: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) ،
[سورة يس: 60-61] ، ونحو ذلك من القول الذي ظاهره ظاهر مسألة، ومعناه الخبر والقصص، وهو بعدُ توبيخ وتقرير.
وأما مسألة الرسل الذي هو قصص وخبر، فإن الأمم المشركة لما سئلت في القيامة قيل لها: (ألم يأتكم رُسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم) ؟ أنكر ذلك كثير منهم وقالوا: "ما جاءنا من بشير ولا نذير" . فقيل للرسل: "هل بلغتم ما أرسلتم به" ؟ أو قيل لهم: "ألم تبلغوا إلى هؤلاء ما أرسلتم به؟" ، كما جاء الخبر
(1)
انظر تفسير (( القصص )) فيما سلف 9: 402 /12: 120

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما قال جل ثناؤه لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) ، [سورة البقرة: 143] . فكل ذلك من الله مسألة للرسل على وجه الاستشهاد لهم على من أرسلوا إليه من الأمم، وللمرسَل إليهم على وجه التقرير والتوبيخ، وكل ذلك بمعنى القصص والخبر.
فأما الذي هو عن الله منفيٌّ من مسألته خلقه، فالمسألة التي هي مسألة استرشاد واستثبات فيما لا يعلمه السائل عنها ويعلمه المسؤول، ليعلم السائل علم ذلك من قِبَله، فذلك غير جائز أن يوصف الله به، لأنه العالم بالأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها، وهي المسألة التي نفاها جل ثناؤه عن نفسه بقوله: (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) ، [سورة الرحمن: 39] ، وبقوله: (وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) ، [سورة القصص: 78] ، يعني: لا يسأل عن ذلك أحدًا منهم مستثبت، (1) ليعلم علم ذلك من قبل مَنْ سأل منه، لأنه العالم بذلك كله وبكل شيء غيره.
* * *
وقد ذكرنا ما روي في معنى ذلك من الخبر في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته. (2)
* * *
وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول في معنى قوله: (فلنقصن عليهم بعلم) ، أنه ينطق لهم كتاب عملهم عليهم بأعمالهم.
هذا قولٌ غيرُ بعيد من الحق، غير أن الصحيح من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه تَرْجُمان، فيقول له: "أتذكر يوم فعلت كذا وفعلت كذا" ؟ حتى
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: (لا يسأل عن ذلك أحدًا منهم علم مستثبت ) ) وهو غير مستقيم، والصواب ما أثبت.

(2)
انظر ما سلف 3: 145 - 154.

يذكره ما فعل في الدنيا (1) = والتسليم لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من التسليم لغيره.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) }
قال أبو جعفر: "الوزن" مصدر من قول القائل: "وزنت كذا وكذا أزِنه وَزْنًا وزِنَةً" ، مثل: "وَعدته أعده وعدًا وعدة" .
وهو مرفوع بـ "الحق" ، و "الحق" به. (2)
* * *
ومعنى الكلام: والوزن يوم نسأل الذين أرسل إليهم والمرسلين، الحق = ويعني بـ "الحق" ، العدلَ.
* * *
وكان مجاهد يقول: "الوزن" ، في هذا الموضع، القضاء.
14328- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "والوزن يومئذ" ، القضاء.
* * *
(1)
هذا الخبر الذي صححه الطبري، لم أجده بتمامه، ووجدت صدره من رواية ابن خزيمة، عن أبي خالد عبد العزيز بن أبان القرشي، قال: حدثنا بشير بن المهاجر، عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة، ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان )) (حادي الأرواح 2: 108، 109) ، وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد: 346، بلفظ: (ليس منكم من أحد إلا سيكلمه الله عز وجل ... ) ) ، ثم قال: (( رواه البزار، وفيه عبد العزيز بن أبان، وهو متروك )) . وسيأتي في التعليق على رقم: 14333.

وأما الأخبار بمعنى هذا الخبر، فقد جاءت بالأسانيد الصحاح. رواه الترمذي بهذا اللفظ في أبواب صفة القيامة، من حديث عدي بن حاتم، وقال: (( هذا حديث حسن صحيح )) .
(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 373.

وكان يقول أيضًا: معنى "الحق" ، هاهنا، العدل.
* ذكر الرواية بذلك:
14329- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد: (والوزن يومئذ الحق) ، قال: العدل.
* * *
وقال آخرون: معنى قوله: (والوزن يومئذ الحق) ، وزن الأعمال.
* ذكر من قال ذلك:
14330- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: (والوزن يومئذ الحق) ، توزن الأعمال.
14331- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (والوزن يومئذ الحق) ، قال: قال عبيد بن عمير: يؤتى بالرجل العظيم الطويل الأكول الشَّروب، فلا يزن جناح بَعُوضة.
14332- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (والوزن يومئذ الحق) ، قال: قال عبيد بن عمير: يؤتى بالرجل الطويل العظيم فلا يزن جناح بعوضة.
14333- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يوسف بن صهيب، عن موسى، عن بلال بن يحيى، عن حذيفة قال: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام، قال: يا جبريل، زِن بينهم! فردَّ من بعضٍ على بعض. قال: وليس ثم ذهبٌ ولا فضة. قال: فإن كان للظالم حسنات، أخذ من حسناته فترد على المظلوم، (1) وإن لم يكن له حسنات حُمِل عليه من
(1)
في المطبوعة أسقط من الكلام ما لا يستقيم إلا به، فرددتها إلى أصلها من المخطوطة. كان في المطبوعة: (( يا جبريل زن بينهم، فرد على المظلوم ... )) .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]