
16-07-2025, 10:09 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,110
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (683)
صــ 561 إلى صــ 570
الله الفاصل بيننا وبينكم (1) = (وهو خير الحاكمين) ، يقول: والله خيرُ من يفصل وأعدل من يقضي، لأنه لا يقع في حكمه مَيْلٌ إلى أحدٍ، ولا محاباة لأحدٍ.
* * *
(1) انظر تفسير "الصبر" فيما سلف 7: 508، تعليق: 1، والمراجع هناك.
= وتفسير "الحكم" فيما سلف 9: 175، 324، 462/ 11: 413.
القول في تأويل قوله: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قال الملأ الذين استكبروا) ، يعني بالملأ الجماعة من الرجال (1) = ويعني بالذين استكبروا، الذين تكبروا عن الإيمان بالله، والانتهاء إلى أمره، واتباع رسوله شعيب، لما حذرهم شعيبٌ بأسَ الله، على خلافهم أمرَ ربهم، وكفرهم به (2) = (لنخرجنك يا شعيب) ، ومن تبعك وصدقك وآمن بك، وبما جئت به معك= (من قريتنا أو لتعودن في ملتنا) ، يقول: لترجعن أنت وهم في ديننا وما نحن عليه (3) =قال شعيب مجيبًا لهم: (أولو كنا كارهين) .
ومعنى الكلام: أن شعيبًا قال لقومه: أتخرجوننا من قريتكم، وتصدّوننا عن سبيل الله، ولو كنا كارهين لذلك؟ = ثم أدخلت "ألف" الاستفهام على "واو" "ولو" .
* * *
(1) انظر تفسير "الملأ" فيما سلف ص: 542، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "استكبر" فيما سلف ص: 542، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير "الملة" فيما سلف ص: 282، تعليق: 2، والمراجع هناك.
القول في تأويل قوله: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال شعيب لقومه إذ دعوه إلى العود إلى ملتهم، والدخول فيها، وتوعَّدوه بطرده ومَنْ تبعه من قريتهم إن لم يفعل ذلك هو وهم: (قد افترينا على الله كذبًا) ، يقول: قد اختلقنا على الله كذبًا، (1) وتخرّصنا عليه من القول باطلا= إن نحن عدنا في ملتكم، فرجعنا فيها بعد إذ أنقذنا الله منها، بأن بصَّرنا خطأها وصوابَ الهدى الذي نحن عليه= وما يكون لنا أن نرجع فيها فندين بها، ونترك الحق الذي نحن عليه= (إلا أن يشاء الله ربنا) إلا أن يكون سبق لنا في علم الله أنّا نعود فيها، فيمضي فينا حينئذ قضاء الله، فينفذ مشيئته علينا= (وسع ربنا كل شيء علما) ، يقول: فإن علم ربنا وسع كل شيء فأحاط به، فلا يخفى عليه شيء كان، ولا شيء هو كائن. (2) فإن يكن سبق لنا في علمه أنّا نعود في ملتكم، ولا يخفى عليه شيء كان ولا شيء هو كائن، (3) فلا بد من أن يكون ما قد سبق في علمه، وإلا فإنا غير عائدين في ملّتكم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14853-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
(1) انظر تفسير "الافتراء" فيما سلف ص: 481، تعليق: 6، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "وسع" فيما سلف ص: 207، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(3) في المطبوعة: "فلا يخفى" بالفاء، ومثلها في المخطوطة غير منقوطة، والصواب بالواو.
حدثنا أسباط، عن السدي: (قد افترينا على الله كذبًا إن عدنا في ملتكم بعد إذن نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، يقول: ما ينبغي لنا أن نعود في شرككم بعد إذ نجانا الله منها، إلا أن يشاء الله ربنا، فالله لا يشاء الشرك، ولكن يقول: إلا أن يكون الله قد علم شيئًا، فإنه وسع كل شيء علمًا.
* * *
وقوله: (على الله توكلنا) ، يقول: على الله نعتمد في أمورنا وإليه نستند فيما تعِدوننا به من شرِّكم، أيها القوم، فإنه الكافي من توكَّل عليه. (1)
* * *
ثم فزع صلوات الله عليه إلى ربه بالدعاء على قومه= إذ أيس من فلاحهم، وانقطع رجاؤه من إذعانهم لله بالطاعة، والإقرار له بالرسالة، وخاف على نفسه وعلى من اتبعه من مؤمني قومه من فَسَقتهم العطبَ والهلكة= (2) بتعجيل النقمة، فقال: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، يقول: احكم بيننا وبينهم بحكمك الحقّ الذي لا جور فيه ولا حَيْف ولا ظلم، ولكنه عدل وحق= (وأنت خير الفاتحين) ، يعني: خير الحاكمين. (3)
* * *
ذكر الفرَّاء أنّ أهلَ عُمان يسمون القاضي "الفاتح" و "الفتّاح" . (4)
وذكر غيره من أهل العلم بكلام العرب: أنه من لغة مراد، (5) وأنشد لبعضهم بيتًا وهو: (6)
(1) انظر تفسير "التوكل" فيما سلف 7: 346/ 8: 566/ 10: 108، 184.
(2) السياق: "... بالدعاء على قومه ... بتعجيل النقمة" .
(3) انظر تفسير "الفتح" فيما سلف 2: 254/ 10: 405.
(4) انظر معاني القرآن للفراء 1: 385.
(5) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 220، 221.
(6) هو الأسعر الجعفي، أو محمد بن حمران بن أبي حمران.
أَلا أَبْلِغْ بَني عُصْمٍ رَسُولا ... بِأَنِّي عَنْ فُتَاحَتِكُمْ غَنِيُّ (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14854-حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن مسعر، عن قتادة، عن ابن عباس قال: ما كنت أدري ما قوله: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول: "تعالَ أفاتحك" ، تعني: أقاضيك.
14855-حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، يقول: اقض بيننا وبين قومنا.
14856-حدثني المثنى قال، حدثنا ابن دكين قال، حدثنا مسعر قال، سمعت قتادة يقول: قال ابن عباس: ما كنت أدري ما قوله: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، حتى سمعت ابنةَ ذي يزن تقول: "تعالَ أفاتحك" .
14857-حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، أي: اقض بيننا وبين قومنا بالحق.
14858-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: (افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ،: اقض بيننا وبين قومنا بالحق.
14859-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، أما قوله: (افتح بيننا) ، فيقول: احكم بيننا.
(1) سلف البيت وتخريجه 2: 254، ولم أنسبه هناك إلى هذا الموضع من تفسير الطبري، فقيده، ويزاد أنه في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 220، 221، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا "فإني عن فتاحتكم" ، والصواب ما سلف، وما في المخطوطة هناك.
14860-حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال الحسن البصري: افتح احكم بيننا وبين قومنا، و (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) ، [الفتح: 1] حكمنا لك حكمًا مبينًا.
14861-حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: "افتح" ، اقض.
14862-حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير قال، حدثنا مسعر، عن قتادة، عن ابن عباس قال: لم أكن أدري ما (افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول لزوجها: "انطلق أُفاتحك" .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقالت الجماعة من كفرة رجال قوم شعيب= وهم "الملأ" (1) = الذين جحدوا آيات الله، وكذبوا رسوله، وتمادوا في غيِّهم، لآخرين منهم: لئن أنتم اتبعتم شُعَيبًا على ما يقول، وأجبتموه إلى ما يدعوكم إليه من توحيد الله، والانتهاء إلى أمره ونهيه، وأقررتم بنبوَّته= (إنكم إذًا لخاسرون) ، يقول: لمغبونون في فعلكم، وترككم ملتكم التي أنتم عليها مقيمون، إلى دينه الذي يدعوكم إليه= وهالِكُون بذلك من فعلكم. (2)
* * *
(1) انظر تفسير "الملأ" فيما سلف ص561، تعليق: 22 والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "الخسارة" فيما سلف ص: 481، تعليق: 3، والمراجع هناك.
القول في تأويل قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) }
قال أبو جعفر: يقول: فأخذت الذين كفروا من قوم شعيب، الرجفة. وقد بيّنت معنى "الرجفة" قبل، وأنها الزلزلة المحركة لعذاب الله. (1)
* * *
(فأصبحوا في دارهم جاثمين) ، على ركبهم، موتَى هلكى. (2)
* * *
وكانت صفة العذاب الذي أهلكهم الله به، كما:-
14863-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإلى مدين أخاهم شعيبًا) ، قال: إن الله بعث شعيبًا إلى مدين، وإلى أصحاب الأيكة = و "الأيكة" ، هي الغيضة من الشجر = وكانوا مع كفرهم يبخَسون الكيل والميزان، فدعاهم فكذبوه، فقال لهم ما ذكر الله في القرآن، وما ردُّوا عليه. فلما عتوا وكذبوه، سألوه العذابَ، ففتح الله عليهم بابًا من أبواب جهنم، فأهلكهم الحرّ منه، فلم ينفعهم ظلٌ ولا ماء. ثم إنه بعثَ سحابةً فيها ريحٌ طيبة، فوجدوا بَرْدَ الرّيح وطيبِها، فتنادوا: الظُّلّةَ، عليكم بها "! فلما اجتمعوا تحت السحابة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم، انطبقت عليهم فأهلكتهم، فهو قوله: (فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) ، [سورة الشعراء: 189] ."
14864-حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، كان من خبر قصة شعيب وخبر قومه ما ذكر الله في القرآن. كانوا أهلَ بخسٍ للناس في مكاييلهم وموازينهم، مع كفرهم بالله، وتكذيبهم نبيَّهم. وكان يدعوهم
(1) انظر تفسير "الرجفة" فيما سلف ص: 544، 545.
(2) انظر تفسير "الجثوم" فيما سلف: ص: 545، 546.
إلى الله وعبادته، وترك ظلم الناس وبخسهم في مكاييلهم وموازينهم، فقال نُصْحًا لهم، وكان صادقا: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ، [هود: 88] . قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم= فيما ذكر لي يعقوب بن أبي سلمة= إذا ذكر شعيبًا قال: "ذاك خطيب الأنبياء" ! لحسن مراجعته قومه فيما يرادُ بهم. فلما كذَّبوه وتوعَّدوه بالرَّجْم والنفي من بلادهم، وعتوا على الله، أخذهُم عذاب يوم الظُّلة، إنه كان عذاب يوم عظيم. فبلغني أن رجلا من أهل مدين يقال له: "عمرو بن جلهاء، لما رآها قال:"
يَا قَوْم إنَّ شُعَيْبًا مُرْسَلٌ فَذَرُوا ... عنكم سُمَيْرًا وَعِمْرَانَ بْنَ شَدَّادِ
إنِّي أَرَى غَبْيَةً يَا قَوْم قَدْ طَلَعَتْ ... تَدْعُو بِصَوْتٍ عَلَى صَمَّانَةِ الْوَادِي (1) وَإِنَّكمْ لَنْ تَرَوْا فِيهَا ضَحَاءَ غَدٍ ... إلا الرَّقِيمَ يُمَشِّي بَيْنَ أنْجَادِ (2)
و "سمير" و "عمران" ، كاهناهم= و "الرقيم" ، كلبهم. (3)
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق (4) قال: فبلغني، والله أعلم، أنَّ الله سلط عليهم الحرّ حتى أنضجهم، ثم أنشأ لهم
(1) في المطبوعة: "إني أرى غيمة" ، وهي كذلك في قصص الأنبياء، وفي المخطوطة ما أثبت، وهي في الدر المنثور "عينة" خطأ، صوابه ما أثبت.
و "الغبية" (بفتح فسكون) : الدفعة الشديدة من المطر، وقيل: هي المطرة ليست بالكثيرة. وأراد بها هنا سحابة ذات غبية. و "الصمانة" . و "الصمان" ، أرض صلبة ذات حجارة إلى جنب رمل.
(2) في المطبوعة والمخطوطة: "وإنكم إن تروا" ، والصواب ما أثبت، وفي قصص الأنبياء: "فإنه لن يرى فيها" ، وفي الدر المنثور: "فإنه لا يرى" . وكان في المطبوعة: "ما فيها إلا الرقيم ..." زيادة مفسدة للوزن، ليست في المخطوطة، ولعلها من الطباعة. و "الأنجاد" جمع "نجد" ، وهي الأرض المرتفعة. و "الضحاء" بفتح الضاد، ممدودًا، مثل "الضحى" (بضم الضاد) ، وهو إذا امتد النهار وقارب أن ينتصف. وكان في المطبوعة: "ضحاة غد" .
(3) الأثر: 14869- الدر المنثور 3: 103، وقصص الأنبياء للثعلبي: 144.
(4) في المطبوعة والمخطوطة: "أبو سحق" ، وهو خطأ ظاهر.
الظُّلةَ كالسحابة السوداء، فلما رأوها ابتدرُوها يستغيثون ببَرْدها مما هم فيه من الحر، حتى إذا دَخلوا تحتها، أطبقت عليهم، فهلكوا جميعًا، ونجى الله شعيبًا والذين آمنوا معه برحمته.
14865-حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني أبو عبد الله البجلي قال: "أبو جاد" و "هوّز" و "حُطّي" و "كلمون" و "سعفص" و "قرشت" ، أسماء ملوك مدين، وكان ملكهم يوم الظلة في زمان شعيب "كلمون" ، فقالت أخت كلمون تبكيه:
كَلَمُونٌ (1) هَدَّ رُكْنِي ... هُلْكُهُ وَسْطَ المَحَلَّهْ
سَيِّدُ الْقَوْمِ أَتَاهُ الْـ ... حَتْفُ نَارًا وَسْطَ ظُلَّةْ
جُعِلَتْ نَارًا عَلَيْهِمْ، ... دَارُهُمْ كَالْمُضْمَحِلَّةْ (2)
* * *
(1) في المطبوعة والمخطوطة: "كلمون" ، هكذا، وفي التاريخ 1: 99، وسائر الكتب "كلمن" ، فتركتها على حالها هنا.
(2) الأثر: 14871- "أبو عبد الله البجلي" ، لم أجد من يكنى بها، ولكن روى أبو جعفر في تاريخه مثل هذا الخبر، في ذكر هلاء الملوك (1: 99) ، وإسناد يفسر هذا الإسناد قال:
"حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل، عن يحيى بن العلاء، عن القاسم بن سلمان، عن الشعبي قال: أبجد، وهوز، وحطي، وكلمن، وسعفص، وقرشت، كانوا ملوكًا جبابرة ..."
و "يحيى بن العلاء البجلي" ، كنيته "أبو سلمة" ، ويقال "أبو عمرو" . ولم أجد كنيته "أبو عبد الله" ، ولكن ظاهر هذا الإسناد يرجح أن "أبا عبد الله البجلي" ، هو نفسه "يحيى بن العلاء البجلي" ، والله أعلم.
و "يحيى بن العلاء البجلي" ، قال أحمد: "كذاب يضع الحديث. مترجم في التهذيب، والكبير 4/ 2 / 297، وابن أبي حاتم 4 2/ 179."
وهذا الخبر رواه البغوي (هامش تفسير ابن كثير 3: 520) ، وقصص الأنبياء للثعلبي: 144، عن أبي عبد الله البجلي، وفيها جميعًا "كلمن" ، وزدت منها ما بين القوسين، ولكني كتبته كأخواته في المخطوطة.
وروي في البغوي: "كلمن قد هد ركني" ، وفي قصص الأنبياء: "كلمن أهدد ركني" ، ولا أدري ما هذا!!
القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأهلك الذين كذبوا شعيبًا فلم يؤمنوا به، فأبادَهم، فصارت قريتهم منهم خاوية خلاءً= (كأن لم يغنوا فيها) ، يقول: كأن لم ينزلوا قطّ ولم يعيشوا بها حين هلكوا.
* * *
يقال: "غَنِيَ فلان بمكان كذا، فهو يَغْنَى به غِنًى وغُنِيًّا" ، (1) إذا نزل به وكان به، كما قال الشاعر. (2)
وَلَقَدْ يَغْنَى بِهَا جِيرَانُكِ الْ ... مُمْسِكُو مِنْكِ بِعَهْدٍ وَوِصَالِ (3)
(1) هذا المصدر الثاني "غنيا" ليس في شيء من مراجع اللغة، وضبطته بضم الغين وكسر النون وتشديد الياء، على زنة "فعول" وهكذا استظهرت. ولا أدري أيصح ذلك أم لا يصح.
(2) هو عبيد بن الأبرص.
(3) ديوانه: 58، مختارات ابن الشجري 2: 37، والخصائص لابن جني 2: 2455 والمنصف لابن جني 1: 66، والخزانة 3: 237، وهي القصيدة الفاخرة التي لم يتجشم فيها إلا ما في نهضته ووسعه، عن غير اغتصاب واستكراه أجاءه إليه، فقاد القصيدة كلها على أن آخر مصراع كل بيت منها منته إلى (ال) التعريف، كما قال ابن جني في الخصائص، أولها: يَا خَلِيلَيَّ اُرْبَعَا وَاُسْتَخْبِرَا الْـ ... مَنْزِلَ الدَّارِسَ مِنْ أهْلِ الحِلالِ
مِثْلَ سَحْقِ البُرْدِ عَفَّى بَعْدَكِ الْ ... قَطْرُ مَغْنَاهُ، وَتَأَوِيبُ الشَّمَالِ
وَلَقَدْ يَغْنَى بِه جِيرَانُكِ الْـ ... مُمْسِكُو مِنْكِ بِأَسْبَابِ الوِصَالِ
واستمر بها على ذلك النهج. وكان في المطبوعة: "المستمسكو" ، وهو تغيير لما في المخطوطة، وللرواية معًا. وقوله: "الممسكو" يعني "الممسكون" ، فحذف النون لطول الاسم، لا للإضافة. وهكذا تفعل العرب أحيانا، كما قال الأنصاري: الْحَافِظُو عَوْرةَ العَشِيرَةِ لا ... يَأْتِيهِمُ مِنْ وَرَائِنَا نَطَفُ
وقول الأخطل: أَبَنيِ كُلَيْبٍ، إِنْ عَمَّيَّ اللَّذَا ... قَتَلا المُلُوكَ وَفَكَّكَا الأَغْلالا
انظر سيبويه 1: 95، والمنصف 1: 67.
وقال رؤبة:
وَعَهْدُ مَغْنَى دِمْنَةٍ بِضَلْفَعَا (1)
إنما هو "مفعل" من "غني" .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14866-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة. (كأن لم يغنوا فيها) ،: كأن لم يعيشوا، كأن لم ينعموا.
14867-حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (كأن لم يغنوا فيها) ، يقول: كأن لم يعيشوا فيها.
14868-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (كأن لم يغنوا فيها) ، كأن لم يكونوا فيها قطُّ.
* * *
وقوله: (الذين كذبوا شعيبًا كانوا هم الخاسرين) ، يقول تعالى ذكره: لم يكن الذين اتَّبعوا شعيبًا الخاسرين، بل الذين كذّبوه كانوا هم الخاسرين الهالكين. (2) لأنه أخبر عنهم جل ثناؤه: أن الذين كذبوا شعيبًا قالوا للذين أرادُوا اتباعه: (لئن اتبعتم شعيبًا إنكم إذًا لخاسرون) ، فكذبهم الله بما أحلَّ بهم من عاجلِ نَكاله، ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ما خسر تُبَّاع شعيب، بل كانَ الذين كذبوا شعيبًا لما جاءت عقوبة الله، هم الخاسرين، دون الذين صدّقوا وآمنوا به.
* * *
(1) ديوانه: 87، ومضى منها بيت فيما سلف 2: 540 في مديح قومه بني تميم، يقول: هَاجَتْ، وَمِثْلي نَوْلُهُ أَنْ يَرْبَعَا ... حَمَامَةٌ هَاجَتْ حَمَامًا سُجَّعَا
أَبْكَتْ أَبَا الشَّعْثَاءِ وَالسَّمَيْدَعَا ... وعَهْدُ مَغْنَى دِمْنَةٍ بضَلْفَعَا
بَادَتْ وَأَمْسَى خَيْمُها تَذَعْذَعَا
و "أبو الشعثاء" يعني نفسه. و "ضلفع" ، اسم موضع.
(2) انظر تفسير "الخسران" فيما سلف ص: 565، تعليق: 2، والمراجع هناك.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|