
17-07-2025, 04:26 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,175
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (704)
صــ 201 إلى صــ 220
بكسر العين من "فيعِل" ، وهي الهمزة من "بيئس" ، فلعلَّ الذي قرأ ذلك كذلك قرأه على هذه.
* * *
وذكر عن آخر من الكوفيين أيضًا أنه قرأه: (بَيْئَسٍ) ، نحو القراءة التي ذكرناها قبل هذه، وذلك بفتح الباء وتسكين الياء وفتح الهمزة بعد الياء، على مثال "فَيْعَل" مثل "صَيْقَل" .
* * *
وروي عن بعض البصريين أنه قرأه: (بَئِسٍ) بفتح الباء وكسر الهمزة، على مثال "فَعِل" ، كما قال ابن قيس الرقيَّات:
لَيْتَنِي أَلْقَي رُقَيَّةَ فِي خَلْوَةٍ مِنْ غَيْرِ مَا بَئِسِ (1)
* * *
وروي عن آخر منهم أنه قرأ: (بِئْسَ) بكسر الباء وفتح السين، على معنى: بِئْسَ العذاب.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه القراءات عندي بالصواب، قراءةُ من قرأه: (بَئِيسٍ) بفتح الباء، وكسر الهمزة ومدّها، على مثال "فَعِيل" ، كما قال ذو الإصبع العَدْوانيّ:
حَنَقًا عَلَيَّ، وَمَا تَرَى لِي فِيهِمُ أَثَرًا بَئيسَا (2)
(1) (1) ديوانه: 386، والخزانة 3: 587، والعينى (بهامش الخزانة) 4: 379، ورواية صاحب الخزانة (( من غير ما أنس )) ، وشرحها فقال: (( الأنس، بفتحتين، بمعنى الإنس، بكسر الهمزة وسكون النون، وما زائدة، وفيه مضاف محذوف، تقديره: في غير حضور إنس )) ، وهذا في ظني، اجتهاد من صاحب الخزانة، وأن البيت مصحف صوابه ما في الطبري. وأما العينى، فكتب (( من غير ما يبس )) (بالياء ثم الباء) ، وهو تصحيف لا شك فيه، ومثله في الديوان منقولاً عنه. والصواب ما شرحه أبو جعفر.
(2) (2) الأغاني 3: 102، 103، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 231 من شعر جيد في ابن عم له كان يعاديه، فكان يتدسس إلى مكارهه، ويؤلب عليه، ويسعى بينه وبين عمه، ويبغيه شراً، فقال فيه:وَليَ ابْنُ عَمٍّ لا يَزَا ... لُ إِلَىَّ مُنْكَرُه دَسِيسَا
دَبَّتْ لَهُ، فأحَسَّ بَعْ ... دَ البُرْءِ مِنْ سَقَمٍ رَسِيسَا
إِمَّا عَلانِيَةً، وَإِمَّا ... مُخْمِرًا أَكْلا وَهِيسًا
إِنِّي رَأَيتُ بَني أَبِيـ ... ـــكَ يحمِّجُون إِليَّ شُوسَا
حَنَقًا عَليَّ، ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقوله: (( دبت له )) ، يعني العداوة. و (( الرسيس )) : أول الحمى، وقوله: (( مخمرا )) أي يستر ما يريد، (( أخمر الشيء )) : ستره. (( الأكل الوهيس )) : الشديد، يعنى ما يغتابه به ويأكل به لحمه. و (( التحميج )) ، إدامة النظر، والقلب كاره أو محنق. و (( الشوس )) جمع (( أشوس )) ، وهو الذي ينظر بمؤخر عينه مغيظاً يتحرق. وكان في المطبوعة: (( ولن ترى )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وإنما جاء بها من الأغاني.
= لأن أهل التأويل أجمعوا على أن معناه: شديد، فدلّ ذلك على صحة ما اخترنا. (1)
* ذكر من قال ذلك:
15289- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج قال، أخبرني رجل عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: "وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس" ،: أليم وجيع.
15290- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "بعذاب بئيس" ، قال: شديد.
15291- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "بعذاب بئيس" ، أليم شديد.
15292- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "بعذاب بئيس" قال: موجع.
15293- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "بعذاب بئيس" ، قال: بعذاب شديد.
(1) انظر تفسير "البائس" فيما سلف 12: 304، تعليق: 2، والمراجع هناك.
القول في تأويل قوله: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما تمرَّدوا، فيما نهوا عنه من اعتدائهم في السبت، واستحلالهم ما حرَّم الله عليهم من صيد السمك وأكله، وتمادوا فيه (1) "قلنا لهم كونوا قردة خاسئين" ، أي: بُعَداء من الخير. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15294- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فلما عتوا عما نهوا عنه" ، يقول: لما مَرَد القوم على المعصية= "قلنا لهم كونوا قردة خاسئين" ، فصارُوا قردةً لها أذناب، تعاوى، بعدما كانوا رجالا ونساءً.
15295- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: "فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين" ، فجعل الله منهم القردة والخنازير. فزعم أن شباب القوم صارُوا قردةً، وأن المشيخة صاروا خنازيرَ.
15296- حدثني المثني قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن السدي، عن أبي مالك أو سعيد بن جبير قال: رأى موسى عليه السلام رجلا يحمل قصَبًا يوم السبت، فضرب عنقه.
* * *
(1) (1) انظر تفسير (( عتا )) فيما سلف 12: 543.
(2) (2) انظر تفسير (( خسأ )) فيما سلف 2: 174، 175.
القول في تأويل قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "وإذ تأذن" ، واذكر، يا محمد، إذ آذن ربك، وأعلم. (1)
* * *
=وهو "تفعل" من "الإيذان" ، كما قال الأعشى، ميمون بن قيس:
أَذِنَ اليَوْمَ جِيرَتِي بِخُفُوفِ صَرَمُوا حَبْلَ آلِفٍ مَأْلُوفِ (2)
يعني بقوله: "أذِن" ، أعلم. وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع. (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15297- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "وإذ تأذن ربك" ، قال: أمرَ ربك.
15298- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: "وإذ تأذن ربك" ، قال: أمر ربك.
* * *
وقوله: "ليبعثن عليهم" ، يعني: أعلم ربك ليبعثن على اليهود من يسومهم سوء
(1) (1) كان في المطبوعة: (( إذ أذن ربك فأعلم )) ، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) (2) ديوانه: 211، مطلع قصيدة له طويلة. وفي الديوان المطبوع (( بحفوفي )) ، وهو خطأ صرف، صوابه في مصورة ديوانه. و (( الخفوف )) مصدر قولهم: (( خف القوم عن منزلهم خفوفاً )) ، ارتحلوا، أو أسرعوا في الارتحال، وفي خطبته صلى الله عليه وسلم في مرضه: (( أيها الناس، إنه قد دنا منى خفوف من بين أظهركم )) ، أي قرب ارتحال، منذراً صلى الله عليه وسلم بموته.
(3) (3) انظر تفسير (( الإذن )) فيما سلف 11: 215، تعليق: 2، والمراجع هناك.
العذاب. (1) قيل: إن ذلك، العربُ، بعثهم الله على اليهود، يقاتلون من لم يسلم منهم ولم يعط الجزية، ومن أعطى منهم الجزية كان ذلك له صغارًا وذلة.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15299- حدثني المثني بن إبراهيم وعلي بن داود قالا حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب" ، قال: هي الجزية، والذين يسومونهم: محمد صلى الله عليه وسلم وأمّته، إلى يوم القيامة.
15300- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب" ، فهي المسكنة، وأخذ الجزية منهم.
15301- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال ابن عباس: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب" ، قال: يهود، وما ضُرب عليهم من الذلة والمسكنة.
15302- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب" ، قال: فبعث الله
(1) (1) انظر تفسير (( البعث )) فيما سلف من فهارس اللغة (بعث) ، وأخشى أن يكون الصواب: (( يعنى: أعلم ربك ليرسلن على اليهود )) .
عليهم هذا الحيَّ من العرب، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة.
15303- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم" ، قال: بعث عليهم هذا الحي من العرب، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة. = وقال عبد الكريم الجزريّ: يُستحبُّ أن تُبعث الأنباط في الجزية. (1)
15304- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم" ، قال: العرب= "سوء العذاب" ، قال: الخراج. وأوّلُ من وضع الخراج موسى عليه السلام، فجبى الخراجَ سبعَ سنين.
15305- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم" ، قال: العرب= "سوء العذاب" ؟ قال: الخراج. قال: وأول من وضع الخراج موسى، فجبى الخراج سبعَ سنين.
15306- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب" ، قال: هم أهل الكتاب، بعث الله عليهم العرب يجبُونهم الخراجَ إلى يوم القيامة، فهو سوء العذاب. ولم يجب نبيٌّ الخراجَ قطُّ إلا مُوسى صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنةً، ثم أمسك، وإلا النبي صلى الله عليه وسلم.
15307- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب" ، قال: يبعث عليهم هذا الحي من العرب، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة.
15308- قال أخبرنا معمر قال، أخبرني عبد الكريم، عن
(1) (1) القائل: (( قال عبد الكريم الجزرى ... )) ، إلى آخر الكلام، هو (( معمر )) ، وسيأتي بيان ذلك ومصداقه في ا "لأثر رقم: 15308، رواية معمر، عن عبد الكريم، عن ابن المسيب."
ابن المسيب قال: يستحبُّ أن تبعث الأنباط في الجزية. (1)
15309- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط عن السدي: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب" ، يقول: إن ربك يبعث على بني إسرائيل العرب، فيسومونهم سوء العذاب، يأخذون منهم الجزية ويقتلونهم.
15310- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة" ، ليبعثن على يَهُود.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد، لسريعٌ عقابه إلى من استوجَب منه العقوبة على كفره به ومعصيته= "وإنه لغفور رحيم" ، يقول: وإنه لذو صفح عن ذنوب من تاب من ذنوبه، فأناب وراجع طاعته، يستر عليها بعفوه عنها= "رحيم" ، له، أن يعاقبه على جرمه بعد توبته منها، لأنه يقبل التوبة ويُقِيل العَثْرة. (2)
* * *
(1) (1) الأثر: 15308 - انظر ختام الأثر السالف رقم: 15303.
(2) (2) انظر تفسير (( سريع العقاب )) ، و (( غفور )) ،و (( رحيم )) فيما سلف من فهارس اللغة (سرع) و (غفر) و (رحم) .
القول في تأويل قوله: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وفرّقنا بني إسرائيل في الأرض (1) = "أممًا يعني: جماعات شتى متفرِّقين، (2) كما: -"
15311- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "وقطعناهم في الأرض أممًا" ، قال: في كل أرض يدخلها قومٌ من اليهود. (3)
15312- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وقطعناهم في الأرض أممًا" ، قال: يهود.
* * *
وقوله: "منهم الصالحون" ، يقول: من هؤلاء القوم الذين وصفهم الله من بني إسرائيل= "الصالحون" ، يعني: من يؤمن بالله ورسله= "ومنهم دون ذلك" ، يعني: دون الصالح. وإنما وصفهم الله جل ثناؤه بأنهم كانوا كذلك قبل ارتدادِهم عن دينهم، وقبل كفرهم بربهم، وذلك قبل أن يبعث فيهم عيسى ابن مريم صلوات الله عليه.
* * *
وقوله: "وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون" ، يقول: واختبرناهم بالرخاء في العيش، (4) والخفض في الدنيا والدعة، والسعة في الرزق، وهي
(1) (1) انظر تفسير (( قطع )) فيما سلف ص: 164.
(2) (2) انظر تفسير (( أمة )) فيما سلف ص: 184، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(3) (3) الأثر: 15311 - (( إسحق بن إسماعيل )) ، هو (( أبو يزيد )) (( حبويه )) ، انظر ما سلف رقم: 15221، والتعليق عليه هناك.
(4) (4) انظر تفسير (( الابتلاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (بلا) .
"الحسنات" التي ذكرها جل ثناؤه (1) ويعني ب "السيئات" ، الشدة في العيش، والشظف فيه، والمصائب والرزايا في الأموال (2) = "لعلهم يرجعون" ، يقول: ليرجعوا إلى طاعة ربهم وينيبوا إليها، ويتوبوا من معاصيه.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فخلف من بعد هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم (3) = "خلف" يعني: خَلف سوء. يقول: حدث بعدهم وخلافَهم، وتبدل منهم، بَدَلُ سَوْءٍ.
* * *
يقال منه: "هو خَلَف صِدْقٍ" ، "وخَلْفُ سَوْءٍ" ، وأكثر ما جاء في المدح بفتح "اللام" ، وفي الذم بتسكينها، وقد تحرَّك في الذم، وتسكّن في المدح، ومن ذلك في تسكينها في المدح قول حسان:
لَنَا القَدَمُ الأُولَى إلَيْكَ، وَخَلْفُنَا لأَوَّلِنَا فِي طَاعَةِ اللهِ تَابِعُ (4)
(1) (1) انظر تفسير (( الحسنات )) فيما سلف من فهارس اللغة (حسن) .
(2) (2) انظر تفسير (( السيئات )) فيما سلف من فهارس اللغة (سوأ) .
(3) (3) انظر تفسير (( خلف )) فيما سلف ص: 122، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(4) (4) ديوانه: 254، وسيرة ابن هشام 3: 283 واللسان (خلف) ، وسيأتي في التفسير 11: 59 بولاق، من قصيدة بكى فيها سعد بن معاذ، في يوم بنى قريظة ورجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشهداء. وقوله: (( القدم الأولى )) ، يعنى سابقة الأنصار في الإسلام.وروى السيرة: (( في ملة الله تابع )) .
وأحسب أنّه إذا وُجّه إلى الفساد، مأخوذ من قولهم: "خَلَف اللبن" ، إذا حمض من طُول تَركه في السقاء حتى يفسد، فكأنَّ الرجل الفاسد مشبَّهٌ به. وقد يجوز أن يكون منه قولهم (1) "خَلَف فم الصائم" ، إذا تغيرت ريحه. وأما في تسكين "اللام" في الذمّ، فقول لبيد:
ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ وَبَقِيتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ (2)
* * *
وقيل: إن الخلف الذي ذكر الله في هذه الآية أنهم خَلَفوا من قبلهم، هم النصارى.
* ذكر من قال ذلك:
15313- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "فخلف من بعدهم خلف" ، قال: النصارى.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى
(1) (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( منه قولهم )) ، وهو خطأ.
(2) (2) ديوانه، القصيدة: 8، واللسان (خلف) ، وغيرها كثير. يرثي بها أربد، صاحبه وابن عمه، قال:قَضِّ اللُّبَانَةَ لا أَبَالَكَ وَاذْهبِ ... وَالْحَقْ بأُسْرَتِكَ الكِرام الغُيَّبِ
ذَهَبَ الَّذِين ... ذَهَبَ الَّذِين
يَتَأَكَّلُونَ مَغَالَةً وَخِيَانَةً ... وَيُعَابُ قَائلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَشْغَبِ
يَا أرْبَدَ الخَيْرِ الكريمُ جُدُودُهُ ... خَلَّيْتَني أَمْشِي بِقَرْنٍ أعْضَبِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إنَّ الرَّزِيَّةَ، لا رَزِيَّةَ مِثْلُهَا ... فِقْدَانُ كُلَّ أَخٍ كَضَوْءِ الكَوْكَبِ
(( المغالة )) الفحش في العداوة والوشاية عن تعاديه، و (( القرن الأعْضب )) ، المكسور، يعنى أنه قد فتر حده بموت أربد.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|