
17-07-2025, 04:31 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,147
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (705)
صــ 211 إلى صــ 220
ذكره، إنما وصف أنه خَلَف القومَ الذين قصّ قصصهم في الآيات التي مضت، خَلْف سوءِ رديء، ولم يذكر لنا أنهم نصارى في كتابه، وقصتهم بقصص اليهود أشبه منها بقصص النصارى. وبعدُ، فإن ما قبل ذلك خبرٌ عن بني إسرائيل، وما بعده كذلك، فما بينهما بأن يكون خبرًا عنهم أشبه، إذ لم يكن في الآية دليل على صرف الخبر عنهم إلى غيرهم، ولا جاء بذلك دليل يوجب صحة القول به.
* * *
فتأويل الكلام إذًا: فتبدَّل من بعدهم بَدَل سوء، ورثوا كتاب الله فَعُلِّموه، (1) وضيعوا العمل به، فخالفوا حكمه، يُرْشَون في حكم الله، فيأخذون الرشوة فيه من عَرَض هذا العاجل "الأدنى" ، (2) يعني ب "الأدنى" : الأقرب من الآجل الأبعد. (3) ويقولون إذا فعلوا ذلك: إن الله سيغفر لنا ذنوبنا، تمنِّيًا على الله الأباطيل، كما قال جل ثناؤه فيهم: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) ، [سورة البقرة: 79] = "وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه" ، يقول: وإن شرع لهم ذنبٌ حرامٌ مثله من الرشوة بعد ذلك، (4) أخذوه واستحلوه ولم يرتدعوا عنه. يخبر جل ثناؤه عنهم أنهم أهل إصرار على ذنُوبهم، وليسوا بأهل إنابة ولا تَوْبة.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت عنه عباراتهم.
(1) (1) في المطبوعة: (( تعلموه )) وصواب قراءة ما في المخطوطة، هو ما أثبت
(2) (2) انظر تفسير (( عرض الدنيا )) فيما سلف 9: 71.
(3) (3) انظر تفسير (( الأدنى )) فيما سلف 2: 131.
(4) (4) في المخطوطة: (( وإن شرع لهم ذنباً )) ، سيئة الكتابة، والذي في المطبوعة ليس يبعد عن الصواب، وإن كنت غير راض عنه.
* ذكر من قال ذلك:
15314- حدثنا أحمد بن المقدام قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن سعيد بن جبير في قوله: "يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عَرَض مثله يأخذوه" ، قال: يعملون الذنب، ثم يستغفرون الله، فإن عرض ذلك الذنب أخذوه.
15315- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن سعيد بن جبير: "وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه" ، قال: من الذنوب.
153116- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جبير: "يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا" ، قال: يعملون بالذنوب = "وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه" ،: قال: ذنبٌ آخر، يعملون به.
15317- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن سعيد بن جبير: "يأخذون عرض هذا الأدنى" ، قال: الذنوب= "وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه" ، قال: الذنوب.
15318- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يأخذون عرض هذا الأدنى) قال: ما أشرف لهم من شيء في اليوم من الدنيا حلالٌ أو حرام يشتهونه أخذوه، ويبتغون المغفرة، فإن يجدوا الغد مثلَه يأخذوه.
15319- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه= إلا أنه قال: يتمنَّون المغفرة.
15320- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: "يأخذون عرض هذا الأدنى" ، قال: لا يشرف لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه، حلالا كان أو حرامًا، ويتمنون المغفرة، ويقولون: "سيغفر لنا" ، وإن يجدوا عرضًا مثله يأخذوه.
15321- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "فخلف من بعدهم خلف" ، إي والله، لَخَلْفُ سَوْء ورِثوا الكتابَ بعد أنبيائهم ورسلهم، ورَّثهم الله وَعهِد إليهم، وقال الله في آية أخرى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) ، [سورة مريم: 59] ، قال: "يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا" ، تمنوا على الله أمانيّ، وغِرّةٌ يغتَرُّون بها. = "وإن يأتهم عرض مثله" ، لا يشغلهم شيء عن شيء ولا ينهاهم عن ذلك، (1) كلما أشرف لهم شيء من الدنيا أكلوه، لا يبالون حلالا كان أو حرامًا.
15322- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "يأخذون عرض هذا الأدنى" ، قال: يأخذونه إن كان حلالا وإن كان حرامًا= "وإن يأتهم عرض مثله" ، قال: إن جاءهم حلال أو حرامٌ أخذوه.
15323- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "فخلف من بعدهم خلف" إلى قوله: "ودرسوا ما فيه" ، قال: كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضيًا إلا ارتشى في الحكم، وإن خيارهم اجتمعُوا، فأخذ بعضهم على بعض العهود أن لا يفعلوا ولا يرتشوا، (2) فجعل الرجل منهم إذا استُقْضِي ارتشى، فيقال له: ما شأنك ترتشي في الحكم؟ فيقول: سيغفر لي! فيطعن عليه البقية الآخرون من بني إسرائيل فيما صنع. فإذا مات، أو نزع، وجعل مكانه رجل ممن كان يطعن عليه، فيرتشي. يقول: وإن يأت الآخرين عرضُ الدنيا يأخذوه. وأما "عرض الأدنى" ، فعرض الدنيا من المال.
15324- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي
(1) (1) في المخطوطة: (( لا يسلعهم شيء ... )) سيئة الكتابة، وكأن ما في المطبوعة صواب.
(2) (2) في المخطوطة: (( ولا يرتشى )) ، والصواب ما في المطبوعة.
قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا" ، يقول: يأخذون ما أصابوا ويتركون ما شاءوا من حلال أو حرام، ويقولون: "سيغفر لنا" .
15325- وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "يأخذون عرض هذا الأدنى" ، قال: الكتاب الذي كتبوه= "ويقولون سيغفر لنا" ، لا نشرك بالله شيئًا= "وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه" ، يأتهم المحقّ برشوة فيخرجوا له كتاب الله، ثم يحكموا له بالرشوة. وكان الظالم إذا جاءهم برشوة أخرجوا له "المثنّاة" ، وهو الكتاب الذي كتبوه، فحكموا له بما في "المثنّاة" ، بالرشوة، فهو فيها محق، وهو في التوراة ظالم، فقال الله: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ) .
15326- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جبير قوله: "فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى" ، قال: يعملون بالذنوب= "ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه" ، قال: الذنوب.
* * *
القول في تأويل قوله: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) }
وقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "ألم يؤخذ" ، على هؤلاء المرتشين في أحكامهم، القائلين: "سيغفر الله لنا فعلنا هذا" ، إذا عوتبوا على ذلك= "ميثاقُ الكتاب" ، وهو أخذ الله العهود على بني إسرائيل، بإقامة التوراة، والعمل بما
فيها. فقال جل ثناؤه لهؤلاء الذين قص قصتهم في هذه الآية، موبخًا على خلافهم أمرَه، ونقضهم عهده وميثاقه: ألم يأخذ الله عليهم ميثاق كتابه، (1) ألا يقولوا على الله إلا الحق، ولا يُضيفوا إليه إلا ما أنزله على رسوله موسى صلى الله عليه وسلم في التوراة، وأن لا يكذبوا عليه؟ كما: -
15327- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: "ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق" ، قال: فيما يوجبون على الله من غُفران ذنوبهم التي لا يَزَالون يعودون فيها ولا يَتُوبون منها.
* * *
وأما قوله: "ودرسوا ما فيه" ، فإنه معطوف على قوله: "ورثوا الكتاب" ، ومعناه: "فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب" ، "ودرسوا ما فيه" = ويعني بقوله: "ودرسوا ما فيه" ، قرأوا ما فيه، (2) يقول: ورثوا الكتاب فعلموا ما فيه ودرسوه، فضيعوه وتركوا العمل به، وخالفوا عهد الله إليهم في ذلك، كما: -
15328- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ودرسوا ما فيه" ، قال: علّموه، علّموا ما في الكتاب الذي ذكر الله، وقرأ: (بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) ، [سورة آل عمران: 79] .
* * *
قال أبو جعفر: "والدار الآخرة خير للذين يتقون" ، يقول جل ثناؤه: وما في الدار الآخرة، وهو ما في المعادِ عند الله، (3) مما أعدّ لأوليائه، والعاملين بما أنزل في كتابه، المحافظين على حدوده= "خير للذين يتقون الله" ، (4) ويخافون
(1) (1) انظر تفسير (( الميثاق )) فيما سلف 10: 110، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(2) (2) انظر تفسير (( درس )) فيما سلف 6: 546 / 12: 25 - 31 / 12: 241.
(3) (3) انظر تفسير (( الدار الآخرة )) فيما سلف من فهارس اللغة (أخر) .
(4) (4) انظر تفسير (( التقوى )) فيما سلف من فهارس اللغة (وقى) .
عقابه، فيراقبونه في أمره ونهيه، ويطيعونه في ذلك كله في دنياهم= "أفلا يعقلون" ، (1) يقول: أفلا يعقل هؤلاء الذين يأخذون عرض هذا الأدنى على أحكامهم، ويقولون: "سيغفر لنا" ، أنَّ ما عند الله في الدار الآخرة للمتقين العادِلين بين الناس في أحكامهم، خير من هذا العرض القليل الذي يستعجلونه في الدنيا على خلافِ أمر الله، والقضاء بين الناس بالجور؟
* * *
القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) }
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأ بعضهم: (يُمْسِكُونَ) بتخفيف الميم وتسكينها، من "أمْسك يمسك" .
* * *
وقرأه آخرون: (يُمَسِّكُونَ) ، بفتح الميم وتشديد السين، من "مَسَّك يُمَسِّك" .
* * *
قال أبو جعفر: ويعني بذلك: والذين يعملون بما في كتاب الله= "وأقاموا الصلاة" ، بحدودها، ولم يضيعوا أوقاتها (2) = "إنا لا نضيع أجر المصلحين" . يقول تعالى ذكره: فمن فعل ذلك من خلقي، فإني لا أضيع أجر عمله الصالح، كما: -
15329- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "والذين يمسكون بالكتاب" ، قال: كتاب الله الذي جاء به موسى عليه السلام.
(1) (1) قراءة أبي جعفر كما هو بين {أَفَلا يَعْقِلُونَ} بإلياء، وتفسيره جرى عليها، فلذلك تركتها هنا كما فسرها، وإن كنت قد وضعت الآية فيما سلف برسم مصحفنا وقراءتنا. ولم يشر أبو جعفر إلى هذه القراءة.
(2) (2) انظر تفسير (( إقامة الصلاة )) في فهارس اللغة (قوم ) ) .
15330- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد قوله: "والذين يمسكون بالكتاب" ، من يهود أو نصارى= "إنا لا نضيع أجر المصلحين" .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر، يا محمد، إذ اقتلعنا الجبل فرفعناه فوق بني إسرائيل، كأنه ظلة غمام من الظلال= وقلنا لهم: "خذوا ما آتيناكم بقوة" ، من فرائضنا، وألزمناكم من أحكام كتابنا، فاقبلوه، اعملوا باجتهاد منكم في أدائه، من غير تقصير ولا توانٍ (1) = "واذكروا ما فيه" ، يقول ما في كتابنا من العهود والمواثيق التي أخذنا عليكم بالعمل بما فيه = "لعلكم تتقون" ، يقول: كي تتقوا ربكم، فتخافوا عقابه بترككم العمل به إذا ذكرتم ما أخذ عليكم فيه من المَواثيق.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15331- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة" ، فقال لهم موسى: خذوا ما آتيناكم بقوة "، يقول: من العمل بالكتاب، وإلا خَرَّ عليكم"
(1) (1) انظر تفسير (( بقوة )) فيما سلف 1: 160، 161، 356، 357، وسائر فهارس اللغة (قوى) .
الجبل فأهلككم! فقالوا: بل نأخذ ما آتانا الله بقوّة! ثم نكثُوا بعد ذلك.
15332- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي عن ابن عباس قوله: "وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة" ، فهو قوله: (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ) ، [سورة النساء: 154] ، فقال: "خذوا ما آتيناكم بقوة" ، وإلا أرسلته عليكم.
15333- حدثني إسحاق بن شاهين قال، حدثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عامر، عن ابن عباس قال: إنّي لأعلم خَلْقِ الله لأيِّ شيء سجدت اليهود على حَرْفِ وُجوههم: لما رفع الجبل فوقهم سَجَدُوا، وجعلوا ينظرون إلى الجبل مخافةَ أن يقع عليهم. قال: فكانت سجدةً رضيها الله، فاتخذوها سُنَّة. (1)
15334- حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا داود، عن عامر، عن ابن عباس، مثله.
15335- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة" ، أي: بجدّ= "واذكروا ما فيه لعلكم تتقون" ، جبل نزعه الله من أصله ثم جعله فوق رؤوسهم، فقال: لتأخذُنّ أمري، أو لأرمينَّكم به!
15336- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال مجاهد: "وإذ نتقنا الجبل" ، قال: كما تنتق الزُّبْدَة (2)
(1) (1) الأثر: 15333 - (( إسحق بن شاهين الواسطي )) ، شيخ أبي جعفر، لم أجد له ترجمة، ومضى برقم: 7211، 9788.
و (( خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن المزني الواسطى )) ، مضى برقم: 7211. و (( داود )) هو (( داود بن أبي هند )) . و (( عامر )) هو الشعبى.
(2) (2) في المطبوعة: (( كما تنتق الربذة )) ، وهي في المخطوطة غير منقوطة، فأساء إعجامها غاية الإساءة. ونتق الزبدة )) ، هو أن تنفض السقاء لكي تقتلع منه زبدته.
= قال ابن جريج: كانوا أبوا التوراة أن يقبلوها أو يؤمنوا بها= "خذوا ما آتيناكم بقوّة" ، قال: يقول: لتؤمنن بالتوراة ولتقبلُنَّها، أو ليقعَنَّ عليكم.
15337- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله قال: هذا كتاب الله، أتقبلونه بما فيه، فإن فيه بيانُ ما أحلَّ لكم وما حرَّم عليكم، وما أمركم وما نهاكم! قالوا: انشُرْ علينا ما فيها، فإن كانت فرائضها يسيرةً وحدودها خفيفةً، قبلناها! قال: اقبلوها بما فيها! قالوا: لا حتى نعلم ما فيها، كيف حدودها وفرائضها! فراجعوا موسى مرارًا، فأوحى الله إلى الجبل فانقلع فارتفع في السماء، حتى إذا كان بين رؤوسهم وبين السماء قال لهم موسى: ألا ترون ما يقول ربِّي؟ "لئن لم تقبلوا التوراةَ بما فيها لأرمينَّكم بهذا الجبل" . قال: فحدثني الحسن البصريّ، قال: لما نظروا إلى الجبل خرَّ كلُّ رجل ساجدًا على حاجبه الأيسر، ونظر بعينه اليُمْنَى إلى الجبلِ، فَرَقًا من أن يسقط عليه، فلذلك ليس في الأرض يهوديُّ يسجدُ إلا على حاجبه الأيسر، يقولون: هذه السجدة التي رُفِعت عنا بها العقوبة= قال أبو بكر: فلما نشر الألواح فيها كتاب الله كتَبَه بيده، لم يبقَ على وجه الأرض جبلٌ ولا شجرٌ ولا حجرٌ إلا اهتزّ، فليس اليوم يهوديّ على وجه الأرضِ صغيرٌ ولا كبير تقرأ عليه التوراة إلا اهتزّ، ونَفضَ لها رأسَه.
* * *
قال أبو جعفر: واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى قوله: "نتقنا" .
فقال بعض البصريين (1) معنى "نتقنا" ، رفعنا، واستشهد بقول العجاج:
يَنْتُقُ أَقْتَادَ الشَّلِيلِ نَتْقَا (2)
(1) (1) هو أبو عبيدة، كما يظهر لك من التخريج الآتي.
(2) (2) ديوانه: 40، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 232، من آبيات يذكر فيها بعيره وسرعته وشدة سيره. و (( الشليل )) ، الحلس، أو مسح من شعر أو صوف يجعل على عجز البعير وراء الرحل. و (( الأقتاد )) جمع (( قتد )) (بفتحتين) . خشب الرحل. وكان في المطبوعة: (( السليل )) ، تابع المخطوطة، وهي غير منقوطة
وقال: يعني بقوله: "ينتق" ، يرفعها عن ظهره، وبقول الآخر: (1)
*وَنَتَقُوا أحْلامَنَا الأثَاقِلا* (2)
وقد حكي عن قائل هذه المقالة قول آخر: (3) وهو أن أصل "النتق" و "النُّتُوق" ، كل شيء قلعته من موضعه فرميت به، يقال منه: "نَتَقْتُ نَتْقًا" . قال: ولهذا قيل للمرأة الكثيرة [الولد] : "ناتق" ، (4) لأنها ترمي بأولادها رَمْيًا، واستشهد ببيت النابغة:
لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم دحقت عليك بناتق مذكار (5)
* * *
(1) (1) هو رؤبه بن العجاج.
(2) (2) ديوانه: 122، ومجاز القرآن 1: 232، واللسان (نتق) ، من أرجوزة تمدح فيها بقومه، ثم مدح سليمان بن علي، قال في ذكر قومه: فالنَّاسُ إنْ فَصَّلْتَهُمْ فَصَائِلا ... كُلُّ إلَيْنَا يَبْتَغِي الوَسَائِلا
قَدْ جَرِّبُوا أَخْلاقَنَا الجَلائِلا ... وَنَتَقُوا أَحْلامَنَا الأثاقِلا
فَلَمْ يَرَ النَّاسُ لَنَا مُعَادِلا ... أَكْثَرَ عِزًّا وَأَعَزَّ جَاهِلا
و (( الأثاقل )) جمع (( الأثقل )) ، يعنى أثقل من سائر أحلام الناس، كما يقال (( الأكابر )) ، و (( الأصاغر )) ، و (( الأماثل ))
(3) (3) يعني أبا عبيدة أيضا، ولم أجده في موضع آخر فيما طبع من مجاز القرآن.
(4) (4) في المطبوعة والمخطوطة: (( للمرأة الكبيرة )) وهو لا يصح، وإنما أسقط الناسخ ما أثبته بين القوسين، والصواب ما أثبت.
(5) (5) ديوانه: 50، واللسان (دحق) و (نتق) ، من قصيدتة التي قالها في زرعة بن عمرو بن خويلد، حين لقى النابغة بعكاظ، فأشار عليه أن يشير علي قومه بني ذبيان بترك حلف بني أسد، فأبي النابغة الغدر، فتهدده زرعة وتوعده، فلما بلغه تهدده، ذمه وهجاه، ومجد بني أسد، فقال في أول شعره: نُبِّئتُ زُرْعَةَ، وَالسَّفَاهَةُ كَاسْمِهَا ... يُهْدِي إلَيَّ غَرَائِبَ الأَشْعَارِ
ثم يقول في ذكر الغاضريين من بني أسد حلفاء بني ذبيان:وَالغَاضِرِيًّونَ الَّذِينَ تَحَمَّلُوا ... بِلِوَائِهِمْ سَيْرًا لِدَارِ قَرار
تَمْشِي بِهِمْ أُدْمٌ كَأنَّ رِحَالِهَا ... عَلَقُ هُرِيقَ عَلَى مُتُونِ صُوَارِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جَمْعًا يَظَلُّ بِهِ الفَضَاءُ مُعَضِّلا ... يَدَعُ الإِكامَ كأنَّهنَّ صَحَارِي
لَمْ يُحْرَمُوا ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يصفهم في البيت الأخير بالنعمة، ولين العيش، وأن أمهاتهم عشن بخير معيشة، فكثر ولدهن. وقوله: (( دحقت )) ، وذلك أن المرأة إذا ولدت ولدها بعضهم في إثر بعض قيل: (( دحقت )) ، (( مذكار )) تلد الذكور. ورواية الديوان وغيره: (( طفحت عليك )) ، أي: أتسعت بولدها وغلبت، كما يطفح الماء فيغطي ما حوله ويغرقه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|