
17-07-2025, 12:16 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (712)
صــ 281 إلى صــ 290
بينهما. فشبههم الله بها، إذ كانوا لا يتذكَّرون ما يرون بأبصارهم من حُججه، ولا يتفكرون فيما يسمعون من آي كتابه. ثم قال: (بل هم أضل) ، يقول: هؤلاء الكفرة الذين ذَرَأهم لجهنم، أشدُّ ذهابًا عن الحق، وألزم لطريق الباطل من البهائم، (1) لأن البهائم لا اختيار لها ولا تمييز، فتختار وتميز، وإنما هي مسَخَّرة، ومع ذلك تهرب من المضارِّ، وتطلب لأنفسها من الغذاء الأصلح. والذين وصفَ الله صفتهم في هذه الآية، مع ما أعطوا من الأفهام والعقول المميِّزة بين المصالح والمضارّ، تترك ما فيه صلاحُ دنياها وآخرتها، وتطلب ما فيه مضارّها، فالبهائم منها أسدُّ، وهي منها أضل، كما وصفها به ربُّنا جل ثناؤه.
وقوله: (أولئك هم الغافلون) ، يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفتُ صفتهم، القومُ الذين غفلوا =يعني: سهوًا (2) عن آياتي وحُججي، وتركوا تدبُّرها والاعتبارَ بها والاستدلالَ على ما دلّت عليه من توحيد ربّها، لا البهائم التي قد عرّفها ربُّها ما سخَّرها له.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره (ولله الأسماء الحسنى) ،، وهي كما قال ابن عباس: -
15451 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي، قال حدثني عمي، قال حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ، ومن أسمائه: "العزيز الجبار" ، وكل أسمائه حسن.
(1) انظر تفسير (( الضلال )) فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) .
(2) انظر تفسير (( غفل )) فيما سلف ص: 115، تعليق: 1، والمراجع هناك.
15452 - حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية، عن هشام بن حسّان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها كُلَّها دخل الجنة" . (1)
* * *
وأما قوله: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) ، فإنه يعني به المشركين. (2)
* * *
وكان إلحادهم في أسماء الله، أنهم عدَلوا بها عمّا هي عليه، فسموا بها آلهتهم وأوثانهم، وزادوا فيها ونقصوا منها، فسموا بعضها "اللات" اشتقاقًا منهم لها من اسم الله الذي هو "الله" ، وسموا بعضها "العُزَّى" اشتقاقًا لها من اسم الله الذي هو "العزيز" .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15453 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: ثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) ، قال: إلحاد الملحدين: أن دعوا "اللات" في أسماء الله.
(1) الأثر: 15452 - (( هشام بن حسان القردوسي )) ، ثقة. روى له الجماعة، مضى برقم: 2827، 7287، 9837، 10258. وهذا إسناد صحيح. رواه البخاري من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة (الفتح 5: 262 / 11: 180 - 194) ، شرحه ابن حجر مستقصى غاية الاستقصاء.
ورواه مسلم في صحيحه، من مثل طريق البخاري، ثم من طريق معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة (مسلم 17: 4، 5) .
ورواه أحمد في مسنده من طرق، رقم: 7493، 7612، 8131، 9509، 10486، 10539، 10696. وانظر تخريجه هناك.
وفي بعض طرقه زيادة: (( وإن الله وتر يحب الوتر )) أو (( إنه وتر يحب الوتر )) .
(2) انظر تفسير (( ذر )) فيما سلف من فهارس اللغة (وذر) .
15454 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) قال: اشتقوا "العزى" من "العزيز" ، واشتقوا "اللات" من "الله" .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله (يلحدون) .
فقال بعضهم: يكذّبون.
* ذكر من قال ذلك:
15455 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية، عن ابن عباس، قوله: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) قال: الإلحاد: التكذيب.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: يشركون.
* ذكر من قال ذلك.
15456- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا أبو ثور، عن معمر، عن قتادة: (يلحدون) قال: يشركون. (1)
* * *
وأصل "الإلحاد" في كلام العرب: العدول عن القصد، والجورُ عنه، والإعراض. ثم يستعمل في كل معوَجّ غير مستقيم، ولذلك قيل للحْد القبر: "لحد" ، لأنه في ناحية منه، وليس في وسطه. يقال منه: "ألحد فلانٌ يُلْحِد إلحادًا" ، و "لَحد يلْحَد لَحْدًا ولُحُودًا" . (2) وقد ذكر عن الكسائي أنه كان يفرّق بين "الإلحاد" و "اللحٍْد" ، فيقول
(1) الأثر: 10456 - (( ابن ثور )) هو (( محمد بن ثور الصنعانى )) ، مضى في الإسناد مرارًا، آخره رقم: 15437، حيث صححت خطأ آخر هناك. ثم ما سيأتي: 15459. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا (( حدثنا أبو ثور )) ، وهو خطأ محض.
(2) (2) المصدر الثاني (( اللحود )) ، قلما نجده في معاجم اللغة، فقيده.
في "الإلحاد" : إنه العدول عن القصد، وفي "اللحد" إنه الركون إلى الشيء. وكان يقرأ جميع ما في القرآن: (يُلْحِدُونَ) بضم الياء وكسر الحاء، إلا التي في النحل، فإنه كان يقرؤها: "يَلْحَدُون" بفتح الياء والحاء، (1) ويزعم أنه بمعنى الركون.
وأما سائر أهل المعرفة بكلام العرب، فيرون أن معناهما واحدٌ، وأنهما لغتان جاءتا في حرفٍ واحدٍ بمعنى واحد.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قراء أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين: (يُلْحِدُون) ، بضم الياء وكسر الحاء من "ألحد يُلْحِد" في جميع القرآن.
* * *
وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة: "يَلْحَدُونَ" بفتح الياء والحاء من "لَحَد يَلْحَدُ" .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك، أنهما لغتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ في ذلك. غير أنِّي أختار القراءة بضمِّ الياء على لغة من قال: "ألحد" ، لأنها أشهر اللغتين وأفصحهما.
* * *
وكان ابن زيد يقول في قوله: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) ، إ نه منسوخٌ.
15457 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (وذَرُوا الذين يلحدون في أسمائه) قال: هؤلاء أهل الكفر، وقد نُسِخ، نَسَخه القتال.
* * *
(1) آية سورة النحل: 103 على قراءة الكسائى: "لِسَانُ الَّذِي يَلْحَدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ" . وهي قراءة عامة قرأة أهل الكوفة / كما قال بن جرير بعد في تفسيره 14: 120 (بولاق) ، ولم يفرد الكسائي بالذكر هناك، لأنه خالفهم في قراءة الحرف في غير هذا الموضع.
= ولا معنى لما قال ابن زيد في ذلك من أنه منسوخ، لأن قوله: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) ، ليس بأمر من الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم بترك المشركين أن يقولوا ذلك، حتى يأذن له في قِتالهم، وإنما هو تهديدٌ من الله للملحدين في أسمائه، ووعيدٌ منه لهم، كما قال في موضع آخر: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ، [سورة الحجر: 3] الآية، وكقوله: (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ، [سورة العنكبوت: 66] وهو كلام خرج مخرج الأمر بمعنى الوعيد والتهديد، ومعناه: أنْ مَهِّل الذين يلحدون، يا محمد، في أسماء الله إلى أجل هم بالغوه، (1) فسوف يجزون، إذا جاءهم أجل الله الذي أجلهم إليه، (2) جزاءَ أعمالهم التي كانوا يعملونها قبل ذلك من الكفر بالله، والإلحاد في أسمائه، وتكذيب رسوله.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن الخلق الذين خلقنا "أمة" ، يعني جماعة (3) = "يهدون" ، يقول: يهتدون بالحق (4) = (وبه يعدلون) ، يقول: وبالحق يقضُون ويُنصفون الناس، (5) كما قال ابن جريج: -
15458 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن
(1) في المطبوعة: (( أن تمهل )) لم يحسن قراءة المخطوطة.
(2) في المطبوعة: (( الذي أجله إليهم )) ، غير الضمائر، فأفسد الكلام إفساداً
(3) انظر تفسير (( أمة )) فيما سلف ص: 208. تعليق: 2. والمراجع هناك
(4) انظر تفسير (( هدى )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .
(5) انظر تفسير (( عدل )) فيما سلف ص: 172، تعليق. 3، والمراجع هناك
ابن جريج، قوله: (أمة يهتدون بالحق وبه يعدلون) قال ابن جريج: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: هذه أمتي! قال: بالحق يأخُذون ويعطون ويَقْضُون.
15459 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) ... (1)
15460 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) ، بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأها: هذه لكم، وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلَها: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) ، [سورة الأعراف: 159] .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين كذبوا بأدلتنا وأعلامِنا، فجحدوها ولم يتذكروا بها، سنمهله بغِرَّته ونزين له سوء عمله، (2) حتى يحسب أنه فيما هو عليه من تكذيبه بآيات الله إلى نفسه محسن، وحتى يبلغ الغايةَ التي كُتِبَتْ له من
(1) وضعت هذه النقط، لأن الخبر لم يتم، فإما أن يكون سقط من الناسخ، وإما أن يكون إسناداً آخر للخبر الذي يليه.
(2) فاجأنا أبو جعفر بطرح ضمير الجمع منصرفاً إلى ضمير المفرد، وهو غريب جداً. ولكن هكذا هو في المخطوطة والمطبوعة. وتركته على حاله، لأني أظن أن أبا جعفر كان أحياناً يستغرقه ما يريد أن يكتب، فربما مال به الفكر من شق الكلام إلى شق غيره. وقد مضى مثل ذلك في بعض المواضع، حيث أشرت إليها. وهذا مفيد في معرفة تأليف المؤلفين، وما الذي يعتريهم وهم يكتبون. ولذلك لم أغيره، احتفاظاً بخصائص ما كتب أبو جعفر. وأنا أستبعد أن يكون ذلك من الناسخ، لأن الجملة أطول من يسهو الناسخ في نفلها كل هذا السهو، ويدخل في جميع ضمائرها كل هذا التغيير. ثم انظر ما سيأتي ص: 338، تعليق: 2.
المَهَل، ثم يأخذه بأعماله السيئة، فيجازيه بها من العقوبة ما قد أعدَّ له. وذلك استدراج الله إياه.
* * *
وأصل "الاستدراج" اغترارُ المستدرَج بلطف من [استدرجه] ، (1) حيث يرى المستدرَج أن المستدرِج إليه محسنٌ، حتى يورِّطه مكروهًا.
* * *
وقد بينا وجه فعل الله ذلك بأهل الكفر به فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأُؤخر هؤلاء الذين كذّبوا بآياتنا. [وأصل "الإملاء" من قولهم: "مضى عليه مليٌّ، ومِلاوَة ومُلاوَة] ، ومَلاوة" = بالكسر والضم والفتح = "من الدهر" ، (3) وهي الحين، ومنه قيل: انتظرتُك مليًّا. (4)
* * *
(1) ما بين القوسين، ساقط من المخطوطة والمطبوعة، والسياق يقتضيها كما ترى.
(2) غاب عني موضعه فلم أجده.
(3) لا شك أنه قد سقط من كلام أبي جعفر شيء، أتممته استظهاراً، من مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 234، وضعته بين قوسين. وسيتبين لك بعد أن الكلام في هذه الفقرات مقطع غير متصل، فلا أدري أهو من الناسخ أم من أبي جعفر، ولذلك فصلت بعضه عن بعض. فتنبه إلى هذا الفصل بين المتتابعين، بكلام مفسر، كما ترى. وكان في المطبوعة: (( ملاءة )) . وأثبت ما في المخطوطة.
(4) انظر تفسير (( الإملاء )) فيما سلف 7: 421، 422.
= (1) ليبلغوا بمعصيتهم ربهم، المقدارَ الذي قد كتبه لهم من العقاب والعذاب ثم يقبضهم إليه.
* * *
(إن كيدي) .
* * *
والكيد: هو المكر. (2)
* * *
وقوله: (متين) ، يعني: قويٌّ شديدٌ، ومنه قول الشاعر: (3) [عدلن عدول الناس وأقبح] يَبْتَلِي أَفَانِينَ مِنْ أُلْهُوبِ شَدٍّ مُمَاتِنِ (4)
يعني: سيرًا شديدًا باقيًا لا ينقطع. (5)
* * *
(1) سياق الكلام: (وأواخر هؤلاء ... ليبلغوا ... ) )
(2) انظر تفسير (( الكيد )) فيما سلف 7: 156 / 8: 547.
(3) لم أعرف قائله.
(4) جاء البيت في المطبوعة:عَدَلْنَ عُدُولَ الناسِ وأقبح يبتلى ... أقاس من الهراب شد مُمَاتِن
وفي المخطوطة:عدلن عدول الناس دامح سلى ... اماسن من الهرب سد مماتن
غير منقوط إلا ما نقطته.
وصدر البيت لم أعرف له وجهاً، وأما قراءة عجز البيت، فصوابه قراءته ما أثبته بلا ريب، وإنما يصف نوقاً أو خيلا. و (( الأفانين )) جمع (( أفنون )) ، وهو الجرى المختلط من جرى الفرس والناقة. يقال: (( جرى الفرس أفانين من الجرى )) ، و (( أفتن الفرس في جريه )) ، و (( الألهوب )) : أن يجتهد الفرس في عدوه ويضطرم، حتى يثير الغبار. يقال: (( شد ألهوب )) . ويقال: (( ألهب الفرس )) ، اضطرم جريه. و (( الشد )) ، العدو. يقال: (( شد الفرس وغيره في العدو، شداً واشتد )) ، أي: أسرع وعدا عدواً شديداً. وتركت صدر البيت بحاله، حتى أجد له مرجعاً يصححه.
(5) في المخطوطة: (( يعنى سبباً شديداً )) ، وما في المطبوعة قريب من الصواب.
القول في تأويل قوله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أو لم يتفكر هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا، فيتدبروا بعقولهم، ويعلموا أن رسولَنا الذي أرسلناه إليهم، لا جنَّة به ولا خَبَل، وأن الذي دعاهم إليه هو [الرأي] الصحيح، والدين القويم، والحق المبين؟ (1) وإنما نزلت هذه الآية فيما قيل، (2) كما: -
15461 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان على الصَّفا، (3) فدعا قريشًا، فجعل يفخِّذُهم فخذًا فخذًا: "يا بني فلان، يا بني فلان!" (4) فحذّرهم بأس الله، ووَقَائع الله، فقال قائلهم: "إن صاحبكم هذا لمجنون! باتَ يصوّت إلى الصباح =أو: حتى أصبح!" فأنزل الله تبارك وتعالى: (أوَ لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين) .
* * *
(1) في المطبوعة: (( هو الدين الصحيح القويم )) ، غير ما في المخطوطة، وزدت ما بين القوسين استظهاراً من السياق.
(2) في المطبوعة: (( ولذا نزلت هذه الآية )) ، وفي المخطوطة: (( وإذا أنزلت )) ، ورأيت أن الصواب ما أثبت، على شك منى أن يكون الكلام خرم.
(3) هكذا في المطبوعة والمخطوطة وابن كثير: "كان على الصفا" وأرجح أن صوابها "قام على الصفا" كما جاء في سائر الأخبار في تفسير آية سورة الشعراء: 214، (تفسير الطبري) : 19: 73- 76 بولاق.
(4) (( فخذ الرجل بنى فلان تفخيداً )) ، دعاهم فخذاً فخذاً. و (( الفخذ )) فرقة من فرق الجماعات والعشائر. يقال: (( الشعب )) ، ثم (( القبيلة )) ، ثم (( الفصيلة )) ، ثم (( العمارة )) ثم (( البطن )) ، ثم (( الفخذ )) .
ويعني بقوله: (إن هو إلا نذير مبين) ،: ما هو إلا نذيرٌ ينذركم عقاب الله على كفركم به، (1) إن لم تنيبوا إلى الإيمان به. (2)
* * *
ويعني بقوله: (مبين) ، قد أبان لكم، أيها الناس، إنذارُه ما أنذركم به من بأس الله على كفركم به. (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أو لم ينظر هؤلاء المكذبون بآيات الله، في ملك الله وسلطانه في السموات وفي الأرض، (4) وفيما خلق جل ثناؤه من شيء فيهما، فيتدبروا ذلك، ويعتبروا به، ويعلموا أن ذلك لمنْ لا نظير له ولا شبيه، (5) ومِنْ فِعْلِ من لا ينبغي أن تكون العبادة والدين الخالص إلا له، فيؤمنوا به، ويصدقوا رسوله وينيبوا إلى طاعته، ويخلعوا الأنداد والأوثان، ويحذرُوا أن تكون آجالهم قد اقتربت، (6) فيهلكوا على كفرهم، ويصيروا إلى عذاب الله وأليم عقابه.
* * *
وقوله: (فبأي حديث بعده يؤمنون) ، يقول: فبأيّ تخويفٍ وتحذير ترهيب بعد تحذير محمد صلى الله عليه وسلم وترهيبِه الذي أتاهم به من عند الله في آي كتابه،
(1) في المطبوعة: (( منذركم )) ، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) انظر تفسير (( النذير )) فيما سلف 11: 369، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير (( مبين )) فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .
(4) انظر تفسير (( الملكوت )) فيما سلف 11: 470.
(5) في المطبوعة: (( ممن لا نظير له )) ، غير ما في المخطوطة، بلا علة.
(6) انظر تفسير (( الأجل )) فيما سلف ص: 73، تعليق: 2، والمراجع هناك.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|