عرض مشاركة واحدة
  #758  
قديم 17-07-2025, 10:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (758)
صــ 171 إلى صــ 180





أعمل عملا بعد الإسلام، إلا أن أسقي الحاج! وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام، إلا أن أعمر المسجد الحرامَ! وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم! فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم = وذلك يوم الجمعة = ولكن إذا صلى الجمعة دخلنا عليه! فنزلت: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) ، إلى قوله: (لا يستوون عند الله) ، (1)
16561- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عمرو، عن الحسن قال: نزلت في علي، وعباس، وعثمان، وشيبة، تكلموا في ذلك، فقال العباس: ما أراني إلا تارك سقايتنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقيموا على سقايتكم، فإن لكم فيها خيرًا."
16562- ... قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن إسماعيل، عن الشعبي قال: نزلت في علي، والعباس، تكلما في ذلك.
16563- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرت عن أبي صخر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار، وعباس بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، فقال طلحة، أنا صاحب البيت، معي مفتاحه، لو أشاء بِتُّ فيه! وقال عباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، ولو أشاء بِتُّ في المسجد! وقال علي: ما أدري ما تقولان، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد! فأنزل الله: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) ، الآية كلها.
16564- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن قال: لما نزلت (أجعلتم سقاية الحاج) ، قال العباس:
(1)
الأثر 16560 - "يحيى بن أبي كثير الطافي" ، ثقة، روى له الجماعة، روى عن زيد بن سلام بن أبي سلام، وأرسل عن أبي سلام الحبشي وغيره وهذا من مرسله عن النعمان بن بشير، أو عن أبي سلام. وقد مضى برقم: 9189، 11505 - 11507.

ما أراني إلا تارك سقايتنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرًا" .
16565- حدثني محمد بن الحسن قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله) ، قال: افتخر علي، وعباس، وشيبة بن عثمان، فقال للعباس: أنا أفضلكم، أنا أسقي حُجَّاج بيت الله! وقال شيبة: أنا أعمُر مسجد الله! وقال علي: أنا هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجاهد معه في سبيل الله! فأنزل الله: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله) ، إلى: (نعيم مقيم) .
16566- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أجعلتم سقاية الحاج) ، الآية، أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسرُوا يوم بدر يعيِّرونهم بالشرك، فقال العباس: أما والله لقد كنَّا نَعمُر المسجدَ الحرام، ونفُكُّ العاني، ونحجب البيتَ، ونسقي الحاج! فأنزل الله: (أجعلتم سقاية الحاج) ، الآية.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: أجعلتم، أيها القوم، سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله = (لا يستوون) هؤلاء، وأولئك، ولا تعتدل أحوالهما عند الله ومنازلهما، لأن الله تعالى لا يقبل بغير الإيمان به وباليوم الآخر عملا = (والله لا يهدي القوم الظالمين) ، يقول: والله لا يوفّق لصالح الأعمال من كان به كافرًا ولتوحيده جاحدا.
* * *
ووضع الاسم موضع المصدر في قوله: (كمن آمن بالله) ، إذ كان معلومًا
معناه، كما قال الشاعر: (1)
لَعَمْرُكَ مَا الفِتْيَانُ أَنْ تَنْبُتَ اللِّحَى ... وَلَكِنَّمَا الفِتْيَانُ كُلُّ فَتًى نَدِي (2)
فجعل خبر "الفتيان" ، "أن" ، وهو كما يقال: "إنما السخاء حاتم، والشعر زهير" .
* * *
القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) }
قال أبو جعفر: وهذا قضاءٌ من الله بَيْن فِرَق المفتخرين الذين افتخرَ أحدهم بالسقاية، والآخرُ بالسِّدانة، والآخر بالإيمان بالله والجهاد في سبيله. يقول تعالى ذكره: (الذين أمنوا) بالله، وصدقوا بتوحيده من المشركين = (وهاجروا) دورَ قومهم (3) = (وجاهدوا) المشركين في دين الله (4) = (بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله) ، وأرفع منزلة عنده، (5) من سُقَاة الحاج وعُمَّار المسجد الحرام، وهم بالله مشركون = (وأولئك) ، يقول: وهؤلاء الذين وصفنا صفتهم، أنهم آمنوا وهاجروا وجاهدوا = (هم الفائزون) ، بالجنة، الناجون من النار. (6)
* * *
(1)
لم أعرف قائله.

(2)
معاني القرآن للفراء 1: 427، شرح شواهد المغني: 325. و "الندي" ، السخي.

(3)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 427.

(4)
انظر تفسير "هاجر" فيما سلف ص: 81، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(5)
انظر تفسير "جاهد" فيما سلف ص: 163، تعليق: 2، والمراجع هناك.

= وتفسير "سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .
(6)
انظر تفسير "الدرجة" فيما سلف: 13: 389، تعليق: 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يبشر هؤلاء الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله (1) = (ربُّهم برحمة منه) ، لهم، أنه قد رحمهم من أن يعذبهم = وبرضوان منه لهم، بأنه قد رضي عنهم بطاعتهم إياه، وأدائهم ما كلَّفهم (2) = (وجنات) ، يقول: وبساتين (3) = (لهم فيها نعيم مقيم) ، لا يزول ولا يبيد، ثابت دائمٌ أبدًا لهم. (4)
16567- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله سبحانه: أُعطيكم أفضل من هذا، فيقولون: ربَّنا، أيُّ شيء أفضل من هذا؟ قال: رِضْواني. (5)
* * *
(1)
انظر تفسير "الفوز" فيما سلف 11: 286، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "التبشير" فيما سلف ص: 131 تعليق: 4، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الرضوان" فيما سلف 11: 245، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "النعيم" فيما سلف 10: 461، 462.

= وتفسير "مقيم" فيما سلف 10: 293.
(5)
الأثر: 16567 - مضى هذا الخبر بإسناده ولفظه، وسلف تصحيحه برقم: 651 (ج 6: 262) . وكان في المطبوعة: "أبو أحمد الموسوي" ، خطأ محض، لم يحسن قراءة المخطوطة.

القول في تأويل قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره = (خالدين فيها) ، ماكثين فيها، يعنى في الجنات (1) = (أبدا) ، لا نهاية لذلك ولا حدَّ (2) = (إن الله عنده أجر عظيم) ، يقول: إن الله عنده لهؤلاء المؤمنين الذين نعتَهم جل ثناؤه النعتَ الذي ذكر في هذه الآية = (أجر) ، ثواب على طاعتهم لربّهم، وأدائهم ما كلفهم من الأعمال (3) = (عظيم) ، وذلك النعيم الذي وعدَهم أن يعطيهم في الآخرة. (4)
* * *
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم بطانة وأصدقاء تفشون إليهم أسرارَكم، وتطلعونهم على عورة الإسلام وأهله، وتؤثرون المُكْثَ بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام (5) = (إن استحبُّوا الكفر على الإيمان) ، يقول: إن اختاروا الكفر بالله، على التصديق به والإقرار
(1)
انظر تفسير "الخلود" فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) .

(2)
انظر تفسير "أبدًا" فيما سلف 11: 244، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الأجر" فيما سلف من فهارس اللغة (أجر) .

(4)
انظر تفسير "عظيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عظم) .

(5)
انظر تفسير "ولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

بتوحيده = (ومن يتولهم منكم) ، يقول: ومن يتخذهم منكم بطانة من دون المؤمنين، ويؤثر المقَام معهم على الهجرة إلى رسول الله ودار الإسلام (1) = (فأولئك هم الظالمون) ، يقول: فالذين يفعلون ذلك منكم، هم الذين خالفوا أمرَ الله، فوضعوا الولاية في غير موضعها، وعصوا الله في أمره. (2)
* * *
وقيل: إن ذلك نزل نهيًا من الله المؤمنين عن موالاة أقربائهم الذين لم يهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام.
* ذكر من قال ذلك:
16568- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) ، قال: أمروا بالهجرة، فقال العباس بن عبد المطلب: أنا أسقي الحاج! وقال طلحة أخو بني عبد الدار: أنا صاحب الكعبة، فلا نهاجر! فأنزلت: (لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء) ، إلى قوله: (يأتي الله بأمره) ، بالفتح، في أمره إياهم بالهجرة. هذا كله قبل فتح مكة.
* * *
(1)
انظر تفسير "التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

(2)
انظر تفسير "الظلم" فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) .

القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) }
قال أبو جعفر: يقول تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) يا محمد، للمتخلفين عن الهجرة إلى دار الإسلام، المقيمين بدار الشرك: إن كان المقام مع آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم = وكانت (أموال اقترفتموها) ، يقول: اكتسبتموها (1) = (وتجارة تخشون كسادها) ، بفراقكم بلدَكم = (ومساكن ترضونها) ، فسكنتموها = (أحب إليكم) ، من الهجرة إلى الله ورسوله، من دار الشرك = ومن جهاد في سبيله، يعني: في نصرة دين الله الذي ارتضاه (2) = (فتربصوا) ، يقول: فتنظّروا (3) = (حتى يأتي الله بأمره) ، حتى يأتي الله بفتح مكة = (والله لا يهدي القوم الفاسقين) ، يقول: والله لا يوفّق للخير الخارِجين عن طاعته وفي معصيته. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "الاقتراف" فيما سلف 12: 76: 173، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الجهاد" فيما سلف من: 173، تعليق: 5، والمراجع هناك.

= وتفسير "سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .
(3)
انظر تفسير "التربص" فيما سلف 9؛ 323: تعليق: 3، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .

= وتفسير "الفسق" فيما سلف من فهارس اللغة (فسق)
16569- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (حتى يأتي الله بأمره) ، بالفتح.
16570- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) ، فتح مكة.
16571- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها) ، يقول: تخشون أن تكسد فتبيعوها = (ومساكن ترضونها) ، قال: هي القصور والمنازل.
16572- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وأموال اقترفتموها) ، يقول: أصبتموها.
* * *
القول في تأويل قوله: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (لقد نصركم الله) ، أيها المؤمنون = في أماكن حرب توطِّنون فيها أنفسكم على لقاء عدوّكم، ومشاهد تلتقون فيها أنتم وهم كثيرة = (ويوم حنين) ، يقول: وفي يوم حنين أيضًا قد نصركم.
* * *
و (حنين) وادٍ، فيما ذكر، بين مكة والطائف. وأجرِيَ، لأنه مذكر اسم لمذكر. وقد يترك إجراؤه، ويراد به أن يجعل اسمًا للبلدة التي هو بها، (1) ومنه قول الشاعر: (2)
نَصَرُوا نَبِيَّهُمْ وَشَدُّوا أَزْرَهُ ... بِحُنَيْنَ يَوْمَ تَوَاكُلِ الأَبْطَالِ (3)
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 429.

(2)
هو حسان بن ثابت.

(3)
ديوانه: 334، ومعاني القرآن للفراء 1: 429، واللسان (حنن) ، وسيأتي في التفسير 16: 111 (بولاق) ، وهو بيت مفرد.

وقوله: "تواكل الأبطال" ، من قولهم: "تواكل القوم" ، إذا اتكل بعضهم على بعض، ولم يعفه في مأزق الحرب. وفي الحديث أنه نهى عن المواكلة، وهو: أن يكل كل امرئ صاحبه إلى نفسه، فلا يعينه فيما ينويه، وهو مفض إلى الضعف والتقاطع وفساد الأمور، أعاذنا الله من كل ذلك.
16573- حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي قال، حدثنا أبان العطار قال، حدثنا هشام بن عروة، عن عروة قال: "حُنَين" ، واد إلى جنب ذي المجاز. (1)
* * *
(إذ أعجبتكم كثرتكم) ، وكانوا ذلك اليوم، فيما ذكر لنا، اثنى عشر ألفًا.
* * *
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك اليوم: لن نغلب من قِلَّة.
* * *
وقيل: قال ذلك رجل من المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
وهو قول الله: (إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئًا) ، يقول: فلم تغن عنكم كثرتكم شيئا (2) = (وضاقت عليكم الأرض بما رحبت) ، يقول: وضاقت الأرض بسعتها عليكم.
* * *
و "الباء" ههنا في معنى "في" ، ومعناه: وضاقت عليكم الأرض في رحبها، وبرحبها. (3)
* * *
يقال منه: "مكان رحيب" ، أي واسع. وإنما سميت الرِّحاب "رحابًا" لسَعَتَها.
* * *
= (ثم وليتم مدبرين) ، عن عدوكم منهزمين = "مدبرين" ، يقول: وليتموهم، الأدبار، وذلك الهزيمة. يخبرهم تبارك وتعالى أن النصر بيده ومن عنده، وأنه ليس
(1)
الأثر: 16572 - هو جزء من كتاب عروة، إلى عبد الملك بن مروان، الذي خرجته فيما سلف رقم: 16083، ورواه الطبري في تاريخه، في أثناء خبر طويل 2: 125.

(2)
انظر تفسير "أغنى" فيما سلف: 13: 445، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 430.

بكثرة العدد وشدة البطش، وأنه ينصر القليلَ على الكثير إذا شاء، ويخلِّي الكثيرَ والقليلَ، فَيهْزِم الكثيرُ. (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16574- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين) ، حتى بلغ: (وذلك جزاء الكافرين) ، قال: "حنين" ، ماء بين مكة والطائف، قاتل عليها نبيُّ الله هوازن وثقيفَ، وعلى هوازن: مالك بن عوف أخو بني نصر، وعلى ثقيف: عبد يا ليل بن عمرو الثقفيّ. قال: وذُكر لنا أنه خرج يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر ألفًا: عشرة آلافٍ من المهاجرين والأنصار، وألفان من الطُّلقَاء، وذكر لنا أنَّ رجلا قال يومئذٍ: "لن نغلب اليوم بكَثْرة" ! قال: وذكر لنا أن الطُّلقَاء انجفَلوا يومئذ بالناس، (2) وجلَوْا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل عن بغلته الشهباء. وذكر لنا أن نبيَّ الله قال: "أي رب، آتني ما وعدتني" ! قال: والعباسُ آخذ بلجام بغلةِ رسول الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ناد يا معشر الأنصار، ويا معشر المهاجرين!" ، فجعل ينادي الأنصار فَخِذًا فخِذًا، ثم قال: "نادِ بأصحاب سورة البقرة!" . (3) قال: فجاء الناس عُنُقًا واحدًا. (4) فالتفت نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، وإذا عصابة من الأنصار، فقال: هل معكم غيركم؟ فقالوا: يا نبي الله، والله لو عمدت إلى بَرْك الغِمادِ من ذي يَمَنٍ
(1)
في المطبوعة: "ويخلي القليل فيهزم الكثير" ؛ حذف بسوء رأيه فأفسد الكلام. وإنما أراد أن الله يخلي بين الكثير والقليل فلا ينصر القليل، فيهزم الكثير القليل، على ما جرت به العادة من غلبة الكثير على القليل.

(2)
"انجفل القوم عن رئيسهم" ، ذعروا، فانقلعوا من حوله، ففروا مسرعين.

(3)
في المطبوعة: "ثم نادى بأصحاب سورة البقرة" ، غير ما في المخطوطة عبثا.

(4)
قوله: "عنقا واحدا" ، أي: جملة واحدة. ويقال: "جاء القوم عنقا عنقا" ، أي: طائفة طائفة. ويقال: "هم عليه عنق" ، أي: هم عليه إلب واحد.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]