عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 17-07-2025, 11:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,625
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (763)
صــ 221 إلى صــ 230





ذلك! فقال: يا رسول الله، إن أصحابك قد شق عليهم، وقالوا: فأيَّ المال نتخذ؟ فقال: لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وزوجةً تُعين أحدكم على دينه. (1)
16662- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، بمثله. (2)
16663- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد قال: لما نزلت هذه الآية: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) ، قال المهاجرون: وأيَّ المال نتّخذ؟ فقال عمر: اسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه. قال: فأدركته على بعيرٍ فقلت: يا رسول الله، إن المهاجرين قالوا: فأيَّ المال نتخذه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لسانًا ذاكرًا، وقلبًا
(1)
الأثر: 16661 - خبر عمر هذا رواه أبو جعفر من طرق. أولها هذا، ثم رقم: 16662، 16663، 16666.

و "سالم بن أبي الجعد الأشجعي، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارا. روى عن عمر، ولم يدركه. ومن هذا، هذا الخبر، ورقم: 16663."
فهذا خبر ضعيف، لانقطاعه. وانظر تخريج الخبر التالي، وروايته في المسند من طريق عبد الله بن عمرو بن مرة، عن عمرو بن مرة، عن سالم، عن ثوبان.
(2)
الأثر: 16662 - "سالم بن أبي الجعد" ، عن "ثوبان" ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشتراه ثم أعتقه.

و "سالم بن أبي الجعد" لم يسمع من ثوبان، قال أحمد: "لم يسمع سالم من ثوبان، ولم يلقه. بينهما: معدان بن أبي طلحة. وليست هذه الأحاديث بصحاح" .
وهذا الخبر رواه أحمد في المسند 5: 278 من طريق إسرائيل، عن منصور، عن سالم.
ثم رواه أيضا 5: 282، من طريق وكيع، عن عبد الله بن عمرو بن مرة، عن عمرو بن مرة، عن سالم، عن ثوبان.
ورواه الترمذي في كتاب التفسير، من طريق عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن منصور، بنحوه، وقال: "هذا حديث حسن. سألت محمد بن إسماعيل (البخاري) فقلت له: سالم بن أبي الجعد سمع ثوبان؟ فقال! لا؛ قلت له، ممن سمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمع من جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وذكر غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" .
وسيأتي من طريق سالم عن ثوبان برقم: 16666.
وانظر تفسير ابن كثير 4: 155.
شاكرًا، وزوجةً مؤمنةً، تعين أحدكم على دينه. (1)
16664- حدثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة قال: توفي رجل من أهل الصُّفة، فوُجد في مئزرِه دينارٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيَّةٌ! ثم توفي آخر فوُجد في مئزره ديناران، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيَّتان! (2)
16665- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن صديّ بن عجلان أبي أمامة قال: مات رجل: من أهل الصُّفة، فوجد في مئزره دينارٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيّةٌ! ثم توفيّ آخر، فوجد في مئزره ديناران، فقال نبي الله: كيّتان! (3)
16666- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم، عن ثوبان قال: كنا في سفر، ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال المهاجرون: لوددنا أنَّا علمنا أيُّ المال خيرٌ فنتخذه؟ إذ نزل في الذهب والفضة ما نزل! فقال عمر: إن شئتم سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك! فقالوا: أجل!
(1)
الأثر: 16663 - انظر تخريج الآثار السالفة.

(2)
الأثران: 16664، 16665 - "شهر بن حوشب" ، مضى توثيقه مرارا.

فهذا خبر صحيح الإسناد، رواه أحمد في المسند 5: 253، من طرق، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن شهر. ورواه من طريق روح، عن معمر، عن قتادة، ومن طريق حسين، عن شيبان، عن قتادة.
ورواه أيضا 5: 252 عن حجاج قال: سمعت شعبة يحدث عن قتادة وهاشم = قال حدثني شعبة أنبأنا قتادة قال: سمعت أبا الحسن يحدث = قال هاشم في حديثه: أبو الجعد مولى لبني ضبيعة، عن أبي أمامة.
ثم رواه أيضا 5: 253، من حجاج، عن شعبة، عن عبد الرحمن، من أهل حمص، من بني العداء، من كندة، مختصرا.
وروى أحمد نحوه في حديث علي بن أبي طالب، بإسناد ضعيف رقم: 788، 1155، 1156، 1157.
وانظر تفسير ابن كثير 4: 158، 159.
(3)
الأثران: 16664، 16665 - "شهر بن حوشب" ، مضى توثيقه مرارا.

فهذا خبر صحيح الإسناد، رواه أحمد في المسند 5: 253، من طرق، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن شهر. ورواه من طريق روح، عن معمر، عن قتادة، ومن طريق حسين، عن شيبان، عن قتادة.
ورواه أيضا 5: 252 عن حجاج قال: سمعت شعبة يحدث عن قتادة وهاشم = قال حدثني شعبة أنبأنا قتادة قال: سمعت أبا الحسن يحدث = قال هاشم في حديثه: أبو الجعد مولى لبني ضبيعة، عن أبي أمامة.
ثم رواه أيضا 5: 253، من حجاج، عن شعبة، عن عبد الرحمن، من أهل حمص، من بني العداء، من كندة، مختصرا.
وروى أحمد نحوه في حديث علي بن أبي طالب، بإسناد ضعيف رقم: 788، 1155، 1156، 1157.
وانظر تفسير ابن كثير 4: 158، 159.
فانطلق، فتبعته أوضع على بعيري، (1) فقال: يا رسول الله إن المهاجرين لما أنزل الله في الذهب والفضة ما أنزل قالوا: وددنا أنّا علمنا أيّ المال خير فنتخذه؟ قال: نعم! فيتخذ أحدكم لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وزوجةٌ تعين أحدَكم على إيمانه. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، القولُ الذي ذكر عن ابن عمر: من أن كل مالٍ أدّيت زكاته فليس بكنز يحرُم على صاحبه اكتنازُه وإن كثر = وأنّ كل مالٍ لم تُؤَّد زكاته فصاحبه مُعاقب مستحقٌّ وعيدَ الله، إلا أن يتفضل الله عليه بعفوه وإن قلّ، إذا كان مما يجبُ فيه الزكاة.
وذلك أن الله أوجب في خمس أواقٍ من الوَرِق على لسان رسوله رُبع عُشْرها، (3) وفي عشرين مثقالا من الذهب مثل ذلك، رُبْع عشرها. فإذ كان ذلك فرضَ الله في الذهب والفضَّة على لسان رسوله، فمعلومٌ أن الكثير من المال وإن بلغ في الكثرة ألوفَ ألوفٍ، لو كان = وإن أدِّيت زكاته = من الكنوز التي أوعدَ الله أهلَها عليها العقاب، لم يكن فيه الزكاة التي ذكرنا من رُبْع العُشْر. لأن ما كان فرضًا إخراجُ جميعِه من المال، وحرامٌ اتخاذه، فزكاته الخروجُ من جميعه إلى أهله، لا رُبع عُشره. وذلك مثلُ المال المغصوب الذي هو حرامٌ على الغاصب إمساكُه، وفرضٌ عليه إخراجه من يده إلى يده، التطهّر منه: ردُّه إلى صاحبه. فلو كان ما زادَ من المال على أربعة آلاف درهم، أو ما فضل عن حاجة ربِّه التي لا بد منها، مما يستحق صاحبُه باقتنائه = إذا أدَّى إلى أهل السُّهْمان حقوقهم منها من الصدقة = وعيدَ الله، لم يكن اللازمُ ربَّه فيه رُبْع عشره، بل كان اللازم له الخروج من جميعه إلى أهله، وصرفه فيما يجب عليه صرفه، كالذي ذكرنا
(1)
"أوضع الراكب" ، أسرع بدابته إسراعا دون العدو الشديد.

(2)
الأثر: 16666 - مكرر الخبر رقم: 16662، وانظر تخريج الأخبار السالفة.

(3)
"الورق" (بكسر الراء) ، الفضة.

من أن الواجب على غاصِبِ رجلٍ مالَه، رَدُّه على ربِّه.
* * *
وبعدُ، فإن فيما:-
16667- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، قال معمر، أخبرني سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من رجل لا يؤدِّي زكاةَ ماله إلا جُعل يوم القيامة صفائحَ من نار يُكْوَى بها جبينه وجبهته وظهره، (1) في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين الناس، ثم يرى سبيله، وإن كانت إبلا إلا بُطِحَ لها بقاع قرقرٍ، (2) تطؤه بأخفافها = حسبته قال: وتعضه بأفواهها = يردّ أولاها على أخراها، حتى يقضي بين الناس، ثم يرى سبيله. وإن كانت غنمًا فمثل ذلك، إلا أنها تنطحه بقُرُونها، وتطؤُه بأظلافها. (3)
* * *
= وفي نظائر ذلك من الأخبار التي كرهنا الإطالة بذكرها، الدلالةُ الواضحة على أن الوعيد إنما هو من الله على الأموال التي لم تُؤَدَّ الوظائفُ المفروضةُ فيها لأهلها من الصدقة، لا على اقتنائها واكتنازها. وفيما بيّنا من ذلك البيانُ الواضح على أن الآية لخاصٍّ، كما قال ابن عباس، وذلك ما:-
16668- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي،
(1)
في المخطوطة: "جسه" غير منقوطة، والذي في مسلم: "جنباه وجبينه" والاختلاف في هذه الأحرف ذكره مسلم في صحيحه، وأثبت ما في المخطوطة لموافقته لما في مسند أحمد رقم: 7706.

(2)
"بطح" (بالبناء للمجهول) ، ألقي على وجهه. و "القاع" : الأرض المستوية الفسيحة. و "قرقر" ، هي الصحراء البارزة الملساء.

(3)
الأثر: 16667 - حديث صحيح. رواه مسلم مطولا في صحيحه 7: 67، من طريق محمد بن عبد الملك الأموي، عن عبد العزيز بن المختار، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبي صالح. ورواه من طرق أخرى عن أبي صالح، ومن طرق عن أبي هريرة.

ورواه أحمد في مسنده رقم: 7553، مطولا، وقد استوفى أخي السيد أحمد تخريجه هناك. ثم رواه أيضا رقم: 7706، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن سهيل بن أبي صالح، مختصرا، وفيه: "جبينه وجبهته وظهره" فمن أجل ذلك أثبت ما كان في المخطوطة (تعليق: 1) .
قال حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) ، يقول: هم أهل الكتاب. وقال: هي خاصَّة وعامةٌ.
* * *
قال أبو جعفر: يعني بقوله: "هي خاصة وعامة" ، هي خاصة من المسلمين فيمن لم يؤدِّ زكاة ماله منهم، وعامة في أهل الكتاب، لأنهم كفار لا تقبل منهم نفقاتهم إن أنفقوا. يدلُّ على صحة ما قلنا في تأويل قول ابن عباس هذا، ما:-
16669- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) ، إلى قوله: (هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) ، قال: هم الذين لا يؤدُّون زكاة أموالهم. قال: وكل مالٍ لا تؤدَّى زكاته، كان على ظهر الأرض أو في بطنها، فهو كنز وكل مالٍ تؤدَّى زكاته فليس بكنز كان على ظهر الأرض أو في بطنها.
16670- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (والذين يكنزون الذهب والفضة) ، قال: "الكنز" ، ما كنز عن طاعة الله وفريضته، وذلك "الكنز" . وقال: افترضت الزكاة والصلاة جميعًا لم يفرَّق بينهما.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما قلنا: "ذلك على الخصوص" ، لأن "الكنز" في كلام العرب: كل شيء مجموع بعضُه على بعضٍ، في بطن الأرض كان أو على ظهرها، يدلُّ على ذلك قول الشاعر: (1)
لا دَرَّ دَرِّيَ إنْ أَطْعَمْتُ نَازِلَهُمْ ... قَرْفَ الْحَتِيِّ وعِنْدِي الْبُرُّ مَكْنُوزُ (2)
(1)
هو المتنخل الهذلي.

(2)
ديوان الهذليين 2: 15، اللسان (كنز) ، وغيرهما كثير، وهي أبيات جياد، وصف فيها جوع الجائع وصفا لا يبارى، يقول بعده، ووصف رجلا ضاعت نعمه، وشردته البيد: * * *لَوْ أنَّهُ جَاءَني جَوْعَانُ مُهْتَلِكٌ ... مِنْ بُؤسِ النَّاسِ، عَنْهُ الخيْرُ مَحْجُوزُ

أعْيَى وقَصَّرَ لَمَّا فَاتَهُ نَعَمٌ ... يُبَادِرُ اللَّيْلَ بالعَلْيَاء مَحْفُوزُ
حَتَّى يَجِيءَ، وَجِنُّ اللَّيْلِ يُوغِلُهُ ... والشَّوْكُ فِي وَضَحِ الرِّجْلَيْنِ مَرْكُوزُ
قَدْ حَالَ دُونَ دَرِيسَيْهِ مُؤَوِّبَةٌ ... نِسْعٌ، لَهَا بِعِضَاهِ الأرْضِ تَهْرِيزُ
كَأنَّمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَلبَّتِهِ ... مِنْ جُلْبَةِ الجُوعِ جَيَّارٌ وإرْزِيزُ
لَبَاتَ أُسْوَةَ حَجَّاجٍ وَإخْوَتِهِ ... فِي جَهْدِنا، أوْ لَهُ شَفٌّ وَتْمرِيزُ
"القرف" ، ما يقرف عن الشيء، وهي قشره. و "الحتى" الدوم. يقول: لا أطعمه الخسيس، والبر عندي مخزون بعضه على بعض.
ثم يقول: ضاعت إبله، فتقاذفته البيد، فهو من قلقه يصعد على الروابي يتنور نارا يقصدها.
ثم قال: يدفعه سواد الليل ومخاوفه، وقد أضناه السير، فوقع في أرض ذات شوك، فعلق به، لا يكاد ينقشه من شدة ضعفه. ثم يقول: اشتدت ريح الشمال الباردة بالليل = وهي المؤوبة، والشمال، هي النسع = فطيرت عنه ثوبيه الباليين، فأخذه الجوع والبرد، فحمي جوفه من شدة الجوع، وذلك هو "الجيار" ، واصطكت أسنانه، وذلك هو "الإرزيز" . ثم يقول: لو جاءني هذا الجائع المشرد، لكان بين أهله، فهو عندي بمنزلة حجاج وإخوته، وهم أولاد المتنخل، في ساعة العسرة، بل لكان له فضل عليهم = وهو "الشف" =، ولكان له زيادة وتمييز = وهو "التمزيز" .
يعني بذلك: وعندي البرُّ مجموع بعضه على بعض. وكذلك تقول العرب للبدن المجتمع: "مكتنز" ، لانضمام بعضه إلى بعض.
وإذا كان ذلك معنى "الكنز" ، عندهم، وكان قوله: (والذين يكنزون الذهب والفضة) ، معناه: والذين يجمعون الذهب والفضة بعضَها إلى بعض ولا ينفقونها في سبيل الله، وهو عامٌّ في التلاوة، ولم يكن في الآية بيانُ كم ذلك القدر من الذهب والفضّة الذي إذا جمع بعضُه إلى بعض، (1) استحقَّ الوعيدَ = (2) كان معلومًا أن خصوص ذلك إنما أدرك، لوقْف الرسول عليه، وذلك كما بينا من أنه المال الذي لم يودَّ حق الله منه من الزكاة دون غيره، لما قد أوضحنا من الدلالة على صحته.
(1)
في المخطوطة والمطبوعة: "لم يكن في الآية" ، بغير واو، والصواب إثباتها.

(2)
السياق: "وإ ذا كان ذلك معنى الكنز عندهم. . . كان معلوما. . ." .

وقد كان بعض الصحابة يقول: هي عامة في كل كنز غير أنها خاصّة في أهل الكتاب، وإياهم عَنَى الله بها.
* ذكر من قال ذلك:
16671- حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا حصين، عن زيد بن وهب قال: مررت بالرَّبَذَة، فلقيت أبا ذَرّ، فقلت: يا أبا ذرّ، ما أنزلك هذه البلاد؟ قال: كنت بالشأم، فقرأت هذه الآية: (والذين يكنزون الذهب والفضة) ، الآية، فقال معاوية: ليست هذه الآية فينَا، إنما هذه الآية في أهل الكتاب! قال: فقلت: إنها لفينا وفيهم! قال: فارتَفَع في ذلك بيني وبينه القولُ، فكتب إلى عثمان يشكُوني، فكتب إليَّ عثمان أنْ أقبل إليّ! قال: فأقبلت، فلما قدمت المدينة ركِبني الناسُ كأنهم لم يروني قبل يومئذ، فشكوت ذلك إلى عثمان، فقال لي: تَنَحَّ قريبًا. قلت: والله لن أدعَ ما كنت أقول! (1)
16672- حدثنا أبو كريب وأبو السائب وابن وكيع قالوا، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا حصين، عن زيد بن وهب قال: مررنا بالربذة، ثم ذكر عن أبي ذر نحوه. (2)
(1)
الأثر: 16671 - "أبو حصين" ، "عبد الله بن أحمد بن يونس اليربوعي" ، شيخ الطبري، ثقة. مضى برقم: 12336.

و "حصين" ، هو "حصين بن عبد الرحمن الهذلي" ، ثقة سلف مرارا، آخرها رقم: 12193، 12304.
و "زيد بن وهب الجهني" تابعي كبير، هاجر إلى رسول الله، ولم يدركه. مضى برقم: 4222، 16527، 16528.
وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه (الفتح 3: 217 / 8: 244) ، أولهما من طريق هشيم، عن حصين، والثاني من طريق جرير، عن حصين.
ورواه ابن سعد في الطبقات 4 / 1 / 166، من طريق هشيم، عن حصين.
وسيرويه أبو جعفر من طريق هشيم أيضا برقم: 16674.
(2)
الأثر: 16672 - هذا مكرر الذي قبله.

16673- حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس، عن أشعث وهشام، عن أبي بشر قال، قال أبو ذر: خرجت إلى الشأم، فقرأت هذه الآية: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) ، فقال معاوية: إنما هي في أهل الكتاب! قال فقلت: إنها لفينا وفيهم. (1)
16674- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن زيد بن وهب قال: مررت بالرَّبَذة، فإذا أنا بأبي ذر قال قلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشأم، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) ، قال: فقال: نزلت في أهل الكتاب. فقلت: نزلت فينا وفيهم = ثم ذكر نحو حديث هشيم، عن حصين. (2)
* * *
فإن قال قائل: فكيف قيل: (ولا ينفقونها في سبيل الله) ، فأخرجت "الهاء" و "الألف" مخرج الكناية عن أحدِ النوعين.
قيل: يحتمل ذلك وجهين:
أحدهما: أن يكون "الذهب والفضة" مرادًا بها الكنوز، كأنه قيل: والذين يكنزون الكنوز ولا ينفقونَها في سبيل الله، لأن الذهب والفضة هي "الكنوز" ، في هذا الموضع.
والأخر أن يكون استغنى بالخبر عن إحداهما في عائد ذكرهما، من الخبر عن الأخرى، لدلالة الكلام على الخبر عن الأخرى مثل الخبر عنها، وذلك كثير موجود في كلام العرب وأشعارها، ومنه قول الشاعر: (3)
(1)
الأثر: 16673 - "أبو بشر" ، هو: "جعفر بن أبي وحشية" ، مضى مرارا. وهو إسناد منقطع.

(2)
الأثر: 16674 - هو مكرر الأثر السالف رقم: 16671، انظر تخريجه هناك.

(3)
هو عمرو بن امرئ القيس، من بني الحارث بن الخزرج، جد عبد الله بن رواحة، جاهلي قديم.

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَكَ رَاض، وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ (1)
فقال: "راض" ، ولم يقل: "رضوان" ، وقال الآخر: (2)
إِنَّ شَرْخَ الشَّبَابِ والشَّعَرَ الأسْ ... وَدَ مَا لَمْ يُعَاصَ كانَ جُنُونَا (3)
فقال: "يعاص" ، ولم يقل: "يعاصيا" في أشياء كثيرة. ومنه قول الله: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا) ، [سورة الجمعة: 11] ، ولم يقل: "إليهما"
* * *
القول في تأويل قوله: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنزتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنزونَ (35) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فبشر هؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضة، ولا يخرجون حقوق الله منها، يا محمد، بعذاب أليم = (يوم يحمى عليها في نار جهنم) ، فـ "اليوم" من صلة "العذاب الأليم" ، كأنه قيل: يبشرهم بعذاب أليم، يعذبهم الله به في يوم يحمى عليها.
(1)
جمهرة أشعار العرب: 127، سيبويه 1: 37، 38 (منسوبا لقيس بن الخطيم، وهو خطأ) ، ومعاني القرآن للفراء 1: 434، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 258، الخزانة 2: 190، وغيرها، ومضى بيت منها 2: 21، وسيأتي في التفسير 22: 68 / 26: 99 (بولاق) من قصيدة قالها لمالك بن العجلان النجاري، في خبر طويل، يقول له: يا مَالِ، والسَّيِّدُ المُعَمَّمُ قَدْ ... يَطْرَأُ فِي بَعْضِ رأيِهِ السَّرَفُ

خالَفْتَ فِي الرأيِ كُلَّ ذِي فَخَرٍ ... وَالحقُّ، يا مَالِ، غيرُ مَا تَصِفُ.
(2)
هو حسان بن ثابت.

(3)
ديوانه: 413، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 258، والكامل 2: 79، واللسان (شرخ) ، و "الشرخ" : الحد، أي غاية ارتفاعه، يعني بذلك: أقصى قوته ونضارته وعنفوانه.

ويعني بقوله: (يحمي عليها) ، تدخل النار فيوقد عليها، أي: على الذهب والفضة التي كنزوها = (في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم) .
* * *
وكل شيء أدخل النار فقد أحمي إحماءً، يقال منه: "أحمَيت الحديدة في النار أحميها إحماءً" .
* * *
وقوله: (فتكوى بها جباههم) ، يعني بالذهب والفضة المكنوزة، يحمى عليها في نار جهنم، يكوي الله بها. يقول: يحرق الله جباهَ كانزيها وجنوبَهم وظهورهم = (هذا ما كنزتم) ، ومعناه: ويقال لهم: هذا ما كنزتم في الدنيا، أيها الكافرون الذين منعوا كنوزهم من فرائض الله الواجبة فيها لأنفسكم = (فذوقوا ما كنتم تكنزون) ، يقول: فيقال لهم: فاطعَمُوا عذاب الله بما كنتم تمنعون من أموالكم حقوقَ الله وتكنزونها مكاثرةً ومباهاةً. (1)
وحذف من قوله: (هذا ما كنزتم) و "يقال لهم" ، لدلالة الكلام عليه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16675- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن حميد بن هلال قال: كان أبو ذر يقول: بشّر الكنّازين بكيّ في الجباه، وكيّ في الجنوب، وكيٍّ في الظهور، حتى يلتقي الحرُّ في أجوافهم. (2)
(1)
انظر تفسير "ذاق" فيما سلف ص: 15، تعليق: 4، والمراجع هناك.

(2)
الأثر: 16675 - "حميد بن هلال العدوي" ، ثقة، متكلم فيه، لأنه دخل في عمل السلطان. وقال البزار في مسنده: لم يسمع من أبي ذر. ومات حميد في ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق. مضى برقم: 13768.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]