عرض مشاركة واحدة
  #771  
قديم 17-07-2025, 11:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (771)
صــ 301 إلى صــ 310



ومنه قول الآخر: (1)
إِذَا لَقَيْتُكَ تُبْدِي لِي مُكَاشَرَةً ... وَإِنْ أُغَيَّبْ، فَأَنْتَ العَائِبُ اللُّمَزَهْ (2)
= (فإن أعطوا منها رضوا) ، يقول: ليس بهم في عيبهم إياك فيها، وطعنهم عليك بسببها، الدِّينُ، ولكن الغضب لأنفسهم، فإن أنت أعطيتهم منها ما يرضيهم رضوا عنك، وإن أنت لم تعطهم منهم سخطوا عليك وعابوك.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
هو زياد الأعجم.

(2)
مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 263، إصلاح المنطق: 475، والجمهرة لابن دريد 3: 18، والمقاييس 6: 66، واللسان (همز) ، وسيأتي في التفسير 30: 188 (بولاق) بغير هذه الرواية، وهي: تُدْلِي بِوُدٍّ إذَا لاقَيْتَنِي كَذِبًا ... وَإِنْ أُغَيِّبْ فأنت الهَامِزُ اللُّمَزَهْ

وهي رواية ابن السكيت، وابن فارس، والطبري بعد، ورواية ابن دريد، وصاحب اللسان، وابن دريد. إذَا لَقِيتُكَ عن شَحْطٍ تُكَاشِرُني
وقوله: "وإن أغيب" بالبناء للمجهول، لا كما ضبط في مجاز القرآن.
16813- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) ، قال: يروزك. (1)
16814- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) ، يروزك ويسألك، (2) قال ابن جريج: وأخبرني داود بن أبي عاصم قال: قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة فقسمها ههنا وههنا حتى ذهبت. قال: ورآه رجل من الأنصار فقال: ما هذا بالعدل؟ فنزلت هذه الآية.
16815- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) ، يقول: ومنهم من يطعُنُ عليك في الصدقات. وذكر لنا أن رجلا من أهل البادية حديثَ عهدٍ بأعرابيّةٍ، أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم ذهبًا وفضة، فقال: يا محمد، والله لئن كان الله أمرك أن تعدل، ما عدلت! فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ويلك! فمن ذا يعدل عليك بعدي! ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: احذروا هذا وأشباهه فإن في أمتي أشباه هذا، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم. وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "والذي نفسي بيده ما أعطيكم شيئا ولا أمنعكموه، إنما أنا خازن."
16816- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) ، قال: يطعن.
16817- قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري
(1)
"رازه يروزه روزًا" ، اختبره وامتحنه، وقد ذكر هذا الخبر في المعاجم من كلام مجاهد، وفسروه فقالوا: "يقال: رزت ما عند فلان، إذا اختبرته وامتحنته. والمعنى: يمتحنك ويذوق أمرك، هل تخاف لائمته أم لا" .

(2)
"رازه يروزه روزًا" ، اختبره وامتحنه، وقد ذكر هذا الخبر في المعاجم من كلام مجاهد، وفسروه فقالوا: "يقال: رزت ما عند فلان، إذا اختبرته وامتحنته. والمعنى: يمتحنك ويذوق أمرك، هل تخاف لائمته أم لا" .

عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قَسْمًا، إذ جاءه ابن ذي الخُوَيْصِرَة التميمي، (1) فقال: اعدل، يا رسول الله! فقال: ويلك، ومن يعدل إن لم أعدل! فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه! قال: دَعْه، فإن له أصحابًا يحتقر أحدكم صلاته مع صَلاتهم، (2) وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة، (3) فينظر في قُذَذَه فلا ينظر شيئًا، (4) ثم ينظر في نَصْله، فلا يجد شيئًا، ثم ينظر في رِصَافه فلا يجد شيئًا، (5) قد سبق الفَرْثَ والدم، (6) آيتهم رجل، أسود، (7) إحدى يده = أو قال: يديه = مثل ثدي المرأة، أو مثل البَضْعَة تَدَرْدَرُ، (8) يخرجون على حين فترة من الناس. قال: فنزلت: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) = قال أبو سعيد: أشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن عليًّا رحمة الله عليه حين، قتلهم جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. (9)
16817م- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في
(1)
في مسلم والبخاري "ذو الخويصرة" ، ليس فيها (ابن) ، وهذا هو المعروف المشهور.

(2)
في المطبوعة: "يحقر" ، وهي كذلك في رواية الخبر في الصحيحين، ولكن هكذا جاءت في المخطوطة.

(3)
"مرق السهم من الرمية" ، خرج من الجانب الآخر خروجًا سريعًا. و "الرمية" ، المرمية، يعني الصيد المرمي بالسهم ونحوه.

(4)
"القذذ" جمع "قذة" (بضم القاف) ، وهي ريش السهم.

(5)
"الرصاف" جمع "رصفة" (بفتحات) ، وهي العقبة التي تلوى على موضع الفوق من السهم.

(6)
"الفرث" ، سرجين الدابة، ما دام في كرشها.

(7)
"الآية" ، العلامة.

(8)
"البضعة" القطعة من اللحم. "تدردر" ، "تتدردر" ، أي: تضطرب.

(9)
الأثر: 16817 - هذا حديث صحيح الإسناد، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 6: 455) ومسلم في صحيحه 7: 165، من طريق الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.

وجاء الخبر من طرق صحاح كثيرة، انظر شرح البخاري، وصحيح مسلم.
قوله: (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) ، قال: هؤلاء المنافقون، قالوا: والله ما يعطيها محمد إلا من أحبَّ، ولا يؤثر بها إلا هواه! فأخبر الله نبيه، وأخبرهم أنه إنما جاءت من الله، وإن هذا أمر من الله ليس من محمد: (إنما الصدقات للفقراء) ، الآية.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو أنّ هؤلاء الذين يلمزونك، يا محمد، في الصدقات، رضَوا ما أعطاهم الله ورسوله من عطاء، وقسم لهم من قسم = (وقالوا حسبنا الله) ، يقول: وقالوا: كافينا الله، (1) = (سيؤتينا الله من فضله ورسوله) ، يقول: سيعطينا الله من فضل خزائنه، ورسوله من الصدقة وغيرها (2) = (إنا إلى الله راغبون) ، يقول: وقالوا: إنا إلى الله نرغب في أن يوسع علينا من فضله، فيغنينا عن الصدقة وغيرها من صلات الناس والحاجة إليهم.
* * *
(1)
انظر تفسير "حسب" فيما سلف ص: 49، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "آتى" و "فضل" في فهارس اللغة (آتى) ، (فضل) .

القول في تأويل قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما الصدقات إلا للفقراء والمساكين، (1) ومن سماهم الله جل ثناؤه.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في صفة "الفقير" و "المسكين" .
فقال بعضهم: "الفقير" ، المحتاج المتعفف عن المسألة، و "المسكين" ، المحتاج السائل. (2)
* ذكر من قال ذلك:
16818- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، قال: "الفقير" ، الجالس في بيته = "والمسكين" ، الذي يسعى.
16819- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، = قال: "المساكين" ، الطوافون، و "الفقراء" ، فقراء المسلمين.
16820- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن جرير بن حازم قال، حدثني رجل، عن جابر بن زيد: أنه سئل عن "الفقراء" ، قال: "الفقراء" ، المتعففون، و "المساكين" ، الذين يسألون.
(1)
في المطبوعة: "لا ينال الصدقات" ، وهو كلام غير مستقيم، والصواب ما كان في المخطوطة، ولكنه لم يحسن قراءته.

(2)
انظر تفسير "المسكين" فيما سلف 13: 560، تعليق: 2، والمراجع هناك.

16821- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله الجزريّ قال: سألت الزهري عن قوله: (إنما الصدقات للفقراء) ، قال: الذين في بيوتهم لا يسألون، و "المساكين" ، الذين يخرجون فيسألون. (1)
16822- حدثنا الحارث قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الوارث بن سعيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "الفقير" الذي لا يسأل، و "المسكين" ، الذي يسأل.
16823- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، قال: "الفقراء" ، الذين لا يسألون الناس، أهلُ حاجة (2) = و "المساكين" ، الذين يسألون الناس.
16824- حدثنا الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا عبد الوارث، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "الفقراء" ، الذين لا يسألون، و "المساكين" الذين يسألون.
* * *
وقال آخرون: "الفقير" ، هو ذو الزمانة من أهل الحاجة، و "المسكين" ، هو الصحيح الجسم منهم. (3)
* ذكر من قال ذلك:
16825- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، قال: "الفقير" ، من به زَمانة = و "المسكين" ، الصحيح المحتاج.
(1)
الأثر: 16821 - "معقل بن عبيد الله الجزري العبسي، الحراني" ، ثقة، ليس به بأس. مترجم في التهذيب، والكبير 4 \ 1 \ 393، وابن أبي حاتم 4 \ 1 \ 286.

وكان في المطبوعة: "الحراني" ، مكان "الجزري" ، وهو صواب، ولكني أثبت ما كان في المخطوطة.
(2)
في المطبوعة: "وهو أهل حاجة" ، زاد ما ليس في المخطوطة.

(3)
في المطبوعة، أسقط "منهم" .

16826- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، أما "الفقير" ، فالزَّمِن الذي به زَمانة، وأما "المسكين" ، فهو الذي ليست به زمانة.
* * *
وقال آخرون: "الفقراء" ، فقراء المهاجرين، و "المساكين" ، من لم يهاجر من المسلمين، وهو محتاج.
* ذكر من قال ذلك:
16827- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا جرير بن حازم، عن علي بن الحكم، عن الضحاك بن مزاحم: (إنما الصدقات للفقراء) ، قال: فقراء المهاجرين = و "المساكين" ، الذين لم يهاجروا. (1)
16828- قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: (إنما الصدقات للفقراء) ، المهاجرين، قال: سفيان: يعني: ولا يعطى الأعراب منها شيئًا.
16829- حدثنا ابن وكيع قال: حدثني أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كان يقال: إنما الصدقة لفقراء المهاجرين.
16830- قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قال: كانت تجعل الصدقة في فقراء المهاجرين، وفي سبيل الله.
16831- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزي قالا (2) كان ناس من المهاجرين لأحدهم الدار، والزوجة، والعبد، والناقة يحج عليها ويغزو، فنسبهم الله إلى أنهم فقراء، وجعل لهم سهمًا في الزكاة.
16832- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا
(1)
الأثر: 16827 - "علي بن الحكم البناني" ، ثقة، له أحاديث. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 181.

(2)
في المطبوعة: "قال" ، والصواب من المخطوطة.

سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: كان يقال: إنما الصدقات في فقراء المهاجرين، وفي سبيل الله.
* * *
وقال آخرون: "المسكين" ، الضعيف الكسب. (1)
* ذكر من قال ذلك:
16833- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن عون، عن محمد قال: قال عمر: ليس الفقير بالذي لا مال له، ولكن الفقير الأخلقُ الكسْب = قال يعقوب: قال ابن علية: "الأخلق" ، المحارَفُ، عندنا. (2)
16834- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب عن ابن سيرين: أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال: ليس المسكين بالذي لا مال له، ولكن المسكين الأخلقُ الكسْبِ.
* * *
وقال بعضهم: "الفقير" ، من المسلمين، و "المسكين" من أهل الكتاب.
* ذكر من قال ذلك:
16835- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عمر بن نافع قال: سمعت عكرمة في قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، قال: لا تقولوا لفقراء المسلمين "مساكين" ، إنما "المساكين" ، مساكين أهل الكتاب.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: "الفقير" ،
(1)
في المطبوعة: "الضعيف البئيس" ، لم يحسن قراءة المخطوطة، وكان فيها: "النسب" ، وهو تحريف، دل على صوابه الآثار التالية.

(2)
أراد عمر: أن الفقير، هو الذي لم يقدم لآخرته شيئًا يثاب عليه، وأن الفقر الأكبر إنما هو فقر الآخرة، وأن فقر الدنيا أهون الفقرين. و "الأخلق" من قولهم: "هضبة خلقاء" ، ملساء لا نبات بها. وللجبل المصمت الذي لا يؤثر فيه شيء "أخلق" . وفي حديث فاطمة بنت قيس: "أما معاوية، فرجل أخلق من المال" ، أي: خلو عار منه.

وأما "المحارف" ، كما فسره ابن علية، فهو المنقوص الحظ، فهو محدود محروم، إذا طلب الرزق لم يرزق، ضد "المبارك" .
هو ذو الفقر أو الحاجة، ومع حاجته يتعفّف عن مسألة الناس والتذلل لهم، في هذا الموضع = و "المسكين" هو المحتاج المتذلل للناس بمسألتهم.
وإنما قلنا إن ذلك كذلك، وإن كان الفريقان لم يُعْطَيا إلا بالفقر والحاجة، دون الذلة والمسألة، (1) لإجماع الجميع من أهل العلم أن "المسكين" ، إنما يعطى من الصدقة المفروضة بالفقر، وأن معنى "المسكنة" ، عند العرب، الذلة، كما قال الله جل ثناؤه: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) ، [سورة البقرة: 61] ، يعني بذلك: الهون والذلة، لا الفقر. فإذا كان الله جل ثناؤه قد صنَّف من قسم له من الصدقة المفروضة قسمًا بالفقر، فجعلهم صنفين، كان معلومًا أن كل صنف منهم غير الآخر. وإذ كان ذلك كذلك، كان لا شك أن المقسوم له باسم "الفقير" ، غير المقسوم له باسم الفقر و "المسكنة" ، والفقير المعطَى ذلك باسم الفقير المطلق، هو الذي لا مسكنة فيه. والمعطى باسم المسكنة والفقر، هو الجامع إلى فقره المسكنة، وهي الذلّ بالطلب والمسألة.
= فتأويل الكلام، إذ كان ذلك معناه: إنما الصدقات للفقراء: المتعفِّف منهم الذي لا يسأل، والمتذلل منهم الذي يسأل.
* * *
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا في ذلك خبَرٌ.
16836- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكين بالذي تردّه اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، إنما المسكين المتعفف! اقرءوا إن شئتم: (لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) ، (2) [سورة البقرة: 273] ."
(1)
في المطبوعة: "الذل والمسكنة" ، والصواب ما في المخطوطة، ولم يحسن قراءتها.

(2)
الأثر: 16836 - "إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري" روى له الجماعة، مضى برقم: 6884، 8398.

و "شريك بن أبي نمر" ، هو "شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي" ثقة، روى له البخاري ومسلم، مترجم في التهذيب، والكبير 2 \ 2 \ 237، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 363.
وهذا الخبر رواه البخاري من طريق محمد بن جعفر عن شريك بن أبي نمر (الفتح 8: 152) ، ورواه مسلم في الصحيح من طريق إسماعيل بن جعفر، عن شريك، ومن طريق محمد بن جعفر، عن شريك، عن عطاء بن يسار، وعبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة (7: 129) .
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما المسكين المتعفف" على نحو ما قد جرى به استعمال الناس من تسميتهم أهل الفقر "مساكين" ، لا على تفصيل المسكين من الفقير.
ومما ينبئ عن أن ذلك كذلك، انتزاعه صلى الله عليه وسلم بقول الله: (1) اقرءوا إن شئم: (لا يسألون الناس إلحافًا) ، وذلك في صفة من ابتدأ الله ذكره ووصفه بالفقر فقال: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) ، [سورة البقرة: 273] .
* * *
وقوله: (والعاملين عليها) ، وهم السعاة في قبضها من أهلها، ووضعها في مستحقِّيها، يعطون ذلك بالسعاية، أغنياء كانوا أو فقراء.
* * *
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16837- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألت الزهري: عن "العاملين عليها" ، فقال: السعاة.
16838- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (والعاملين عليها) ، قال: جُباتها الذين يجمعونها ويسعون فيها.
16839- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد:
(1)
في المطبوعة: "انتزاعًا لقول الله" ، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة. يقال: "انتزع بالآية، وبالشعر" ، إذا تمثل به.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]