عرض مشاركة واحدة
  #780  
قديم 18-07-2025, 11:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (780)
صــ 391 إلى صــ 400





17017- حدثني المثنى قال، حدثنا محمد بن رجاء أبو سهل العباداني قال، حدثنا عامر بن يساف اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير اليمامي قال: جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله مالي ثمانية آلاف، جئتك بأربعة آلاف، فاجعلها في سبيل الله، وأمسكت أربعة آلاف لعيالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله فيما أعطيت وفيما أمسكت! وجاء رجل آخر فقال: يا رسول الله، بتُّ الليلة أجرُّ الماء على صاعين، فأما أحدهما فتركت لعيالي وأما الآخر فجئتك به، أجعله في سبيل الله، فقال: بارك الله فيما أعطيت وفيما أمسكت! فقال ناس من المنافقين: والله ما أعطى عبد الرحمن إلا رياءً وسمعة، ولقد كان الله ورسوله غنيَّين عن صاع فلان! فأنزل الله: (الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات) ، يعني عبد الرحمن بن عوف: (والذين لا يجدون إلا جهدهم) ، يعني صاحب الصاع = (فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم) . (1)
17018- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال، قال ابن عباس: أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يجمعوا صدَقاتهم، وإذا عبد الرحمن بن عوف قد جاء بأربعة آلاف، فقال: هذا مالي أقرِضُه الله، وقد بقي لي مثله. فقال له: بورك لك فيما أعطيت وفيما أمسكت! فقال المنافقون: ما أعطى إلا رياءً، وما أعطى صاحبُ الصّاع إلا رياءً، إن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا! وما يصنع الله بصاع من شيء!
(1)
الأثر: 17017 - "ومحمد بن رجاء" ، "أبو سهل العباداني" ، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من المراجع.

و "عامر بن يساف اليمامي" ، وهو "عامر بن عبد الله بن يساف" وثقه ابن معين وغيره، وقال ابن عدي: "منكر الحديث عن الثقات. ومع ضعفه يكتب حديثه" . مترجم في ابن أبي حاتم 3 \ 1 329، وميزان الاعتدال 2: 7، وتعجيل المنفعة: 206، ولسان الميزان 3: 224.
و "يحيى بن أبي كثير اليمامي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 12760.
17019- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) ، إلى قوله: (ولهم عذاب أليم) ، قال: أمر النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين أن يتصدّقوا، فقام عمر بن الخطاب: فألفَى ذلك مالي وافرًا، فآخذ نصفه. (1)
قال: فجئت أحمل مالا كثيرًا. فقال له رجل من المنافقين: ترائِي يا عمر! فقال: نعم، أرائي الله ورسوله، (2) وأما غيرهما فلا! قال: ورجلٌ من الأنصار لم يكن عنده شيء، فواجَرَ نفسه ليجرّ الجرير على رقبته بصاعين ليلته، (3) فترك صاعًا لعياله، وجاء بصاع يحمله، فقال له بعض المنافقين: إن الله ورسوله عن صاعك لغنيَّان! فذلك قول الله تبارك وتعالى: (الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم) ، هذا الأنصاري = (فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم) .
* * *
وقد بينا معنى "اللمز" في كلام العرب بشواهده وما فيه من اللغة والقراءة فيما مضى. (4)
* * *
وأما قوله: (المطوّعين) ، فإن معناه: المتطوعين، أدغمت التاء في
(1)
في المطبوعة: "فقام عمر بن الخطاب، فألفى مالا وافرًا، فأخذ نصفه" ، لم يحسن قراءة ما في المخطوطة، فحرف وبدل وحذف، وأساء بما فعل غاية الإساءة. وإنما هذا قول عمر، يقول: فألفى هذا الأمر بالصدفة، مالي وافرا، فآخذ نصفه.

(2)
في المطبوعة: "فقال عمر: أراني الله. . .، وفي المخطوطة:" فقال نعم: إن الله ورسوله "، لم يحسن كتابتها، وأثبت الصواب من الدر المنثور 3: 263."

(3)
في المطبوعة: "فآجر نفسه" ، وهي الصواب المحض، من قولهم: "أجر المملوك يأجره أجرًا، فهو مأجور" و "آجره إيجارًا، ومؤاجرة" . وأما ما أثبته عن المخطوطة، فليس بفصيح، وإنما هو قياس ضعيف على قولهم في: "آمرته" ، "وأمرته" ، وقولهم في "آكله" ، "وأكله" على البدل، وذلك كله ليس بفصيح ولا مرضي. وإنما أثبتها لوضوحها في المخطوطة، ولأنه من الكلام الذي يقال مثله.

(4)
انظر تفسير "اللمز" فيما سلف ص: 300، 301، 382.

الطاء، فصارت طاء مشددة، كما قيل: (وَمَنْ يَطَّوَّعْ خَيْرًا) [سورة البقرة: 158] ، (1) يعني: يتطوّع. (2)
* * *
وأما "الجهد" ، فإن للعرب فيه لغتين. يقال: "أعطاني من جُهْده" ، بضم الجيم، وذلك فيما ذكر، لغة أهل الحجاز = ومن "جَهْدِه" بفتح الجيم، وذلك لغة نجد. (3)
وعلى الضم قراءة الأمصار، وذلك هو الاختيار عندنا، لإجماع الحجة من القرأة عليه.
وأما أهل العلم بكلام العرب من رواة الشعر وأهل العربية، فإنهم يزعمون أنها مفتوحة ومضمومة بمعنى واحد، وإنما اختلاف ذلك لاختلاف اللغة فيه، كما اختلفت لغاتهم في "الوَجْد" ، "والوُجْد" بالضم والفتح، من: "وجدت" . (4)
* * *
وروي عن الشعبي في ذلك ما:-
17020- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن عيسى بن المغيرة، عن الشعبي قال: "الجَهْدُ" ، و "الجُهْد" ، الجَهْدُ في العمل، والجُهْدُ في القوت. (5)
17021- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن عيسى بن المغيرة، عن الشعبي، مثله.
(1)
هذه القراءة، ذكرها أبو جعفر فيما سلف 3: 247، وهي قراءة عامة قرأة الكوفيين.

وأما قراءتنا في مصحفنا اليوم: (ومن تطوع خيرا) .
(2)
انظر تفسير "التطوع" فيما سلف 3: 247، 441 \ 14: 382، وانظر معاني القرآن للفراء 1: 447.

(3)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 447،ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 264، وما سلف ص: 382.

(4)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 447،ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 264، وما سلف ص: 382.

(5)
في المطبوعة، حذف قوله: "الجهد، والجهد" وجعل "فالجهد" ، "الجهد" ، وبدأ به الكلام. وأثبت ما في المخطوطة.

17022- قال، حدثنا ابن إدريس، عن عيسى بن المغيرة، عن الشعبي قال: الجَهْد في العمل، والجُهد في القِيتَة. (1)
* * *
(1)
في المطبوعة: "والجهد في المعيشة" ، لم يحسن قراءة المخطوطة، فغيرها. و "القوت"

و "القيت" (بكسر القاف) و "القيتة" (بكسر القاف) ، كله واحد، وهو المسكة من الرزق، وما يقوم به بدن الإنسان من الطعام.
القول في تأويل قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ادع الله لهؤلاء المنافقين، الذين وصفت صفاتهم في هذه الآيات (1) بالمغفرة، أو لا تدع لهم بها.
وهذا كلام خرج مخرج الأمر، وتأويله الخبر، ومعناه: إن استغفرت لهم، يا محمد، أو لم تستغفر لهم، فلن يغفر الله لهم.
وقوله: (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، يقول: إن تسأل لهم أن تُسْتر عليهم ذنوبهم بالعفو منه لهم عنها، وترك فضيحتهم بها، فلن يستر الله عليهم، ولن يعفو لهم عنها، ولكنه يفضحهم بها على رءوس الأشهاد يوم القيامة (2) (ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله) ، يقول جل ثناؤه: هذا الفعل من الله بهم، وهو ترك عفوه لهم عن ذنوبهم، من أحل أنهم جحدوا توحيد الله ورسالة رسوله = (والله لا يهدي القوم الفاسقين) ، يقول: والله لا يوفق للإيمان به وبرسوله، (3)
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "وصف صفاتهم" ، وما أثبت أبين.

(2)
انظر تفسير "الاستغفار" و "المغفرة" فيما سلف من فهارس اللغة (غفر) .

(3)
انظر تفسير "الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .

من آثر الكفر به والخروج عن طاعته، على الإيمان به وبرسوله. (1)
* * *
ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حين نزلت هذه الآية قال: "لأزيدنّ في الاستغفار لهم على سبعين مرة" ، رجاءً منه أن يغفر الله لهم، فنزلت: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) [سورة المنافقون: 6] .
17023- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عبد الله بن أبي ابن سلول قال لأصحابه: لولا أنكم تُنْفقون على محمد وأصحابه لانفَضُّوا من حوله! وهو القائل: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ) [سورة المنافقون: 8] ، فأنزل الله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأزيدنّ على السبعين! فأنزل الله: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) ، فأبى الله تبارك وتعالى أن يغفر لهم.
17024- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن شباك، عن الشعبي قال: دعا عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى جنازة أبيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قال: حُباب بن عبد الله بن أبيّ. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنت عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول، إن "الحُبَاب" هو الشيطان. (2)
ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنه قد قيل لي: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، فأنا استغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين، وألبسه النبي صلى الله عليه وسلم قميصَه وهو عَرِقٌ.
(1)
انظر تفسير "الفسق" فيما سلف: 339، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
"الحباب" (بضم الحاء) ، الحية، قال ابن كثير: "ويقع على الحية أيضا، كما يقال لها الشيطان، فهما مشتركان فيه" .

17025- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إن تستغفر لهم سبعين مرة) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سأزيد على سبعين استغفارة! فأنزل الله في السورة التي يذكر فيها المنافقون: (لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) ، عزمًا. (1)
17026- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
17027- قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
17028- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
17029- قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن الشعبي قال: لما ثَقُل عبد الله بن أبيّ، انطلق ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن أبي قد احْتُضِر، فأحبُّ أن تشهده وتصليّ عليه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما اسمك؟ قال: الحُباب بن عبد الله. قال: بل أنت عبد الله بن عبد الله بن أبي، إن "الحباب" اسم شيطان. قال: فانطلق معه حتى شهده وألبسه قميصه وهو عَرِق، وصلى عليه، فقيل له: أتصلي عليه وهو منافق؟ فقال: إن الله قال: (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، ولأستغفرن له سبعين وسبعين! = قال هشيم: وأشكُّ في الثالثة.
17030- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) إلى قوله: (القوم الفاسقين) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية: أسمعُ ربّي قد رَخّص لي فيهم، فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة،
(1)
"عزما" ، يعني توكيدًا، وحقًا واجبًا.

فلعل الله أن يغفر لهم! فقال الله، من شدة غضبه عليهم: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [سورة المنافقون: 6] .
17031- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، فقال نبي الله: قد خيَّرني ربي، فلأزيدنهم على سبعين! فأنزل الله (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) ، الآية.
17032- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: لما نزلت: (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأزيدنّ على سبعين! فقال الله: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) .
* * *
القول في تأويل قوله: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فرح الذين خلَّفهم الله عن الغزو مع رسوله والمؤمنين به وجهاد أعدائه = (بمقعدهم خلاف رسول الله) ، يقول: بجلوسهم في منازلهم (1) = (خلاف رسول الله) ، يقول: على الخلاف لرسول الله في جلوسه
(1)
انظر تفسير "القعود" فيما سلف 9: 85 \ 14: 277.

ومقعده. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالنَّفْر إلى جهاد أعداء الله، فخالفوا أمْرَه وجلسوا في منازلهم.
* * *
وقوله: (خِلاف) ، مصدر من قول القائل: "خالف فلان فلانًا فهو يخالفه خِلافًا" ، فلذلك جاء مصدره على تقدير "فِعال" ، كما يقال: "قاتله فهو يقاتله قتالا" ، ولو كان مصدرًا من "خَلَفه" لكانت القراءة: "بمقعدهم خَلْفَ رسول الله" ، لأن مصدر: "خلفه" ، "خلفٌ" لا "خِلاف" ، ولكنه على ما بينت من أنه مصدر: "خالف" ، فقرئ: (خلاف رسول الله) ، وهي القراءة التي عليها قرأة الأمصار، وهي الصواب عندنا.
* * *
وقد تأول بعضهم ذلك بمعنى: "بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، (1) واستشهد على ذلك بقول الشاعر: (2)
عَقَبَ الرَّبِيعُ خِلافَهُمْ فَكَأَنَّمَا ... بَسَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَا (3)
(1)
هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 264.

(2)
هو الحارث بن خالد المخزومي.

(3)
الأغاني 3: 336 (دار الكتب) 15: 128 (ساسي) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 264، واللسان (عقب) ، (خلف) ، من قصيدة روى بعضها أبو الفرج في أغانيه، يقوله في عائشة بنت طلحة تعريضًا، وتصريحًا ببسرة جاريتها، يقول قبله: يَا رَبْع بُسرَةَ إن أضَرَّ بِكَ البِلَى ... فَلَقد عَهِدتُكَ آهلا مَعْمورًا

ورواية أبي الفرج "عقب الرذاذ" ، و "الرذاذ" صغار المطر. وأما "الربيع" ، فهو المطر الذي يكون في الربيع. قال أبو الفرج الأصبهاني: "وقوله: عقب الرذاذ، يقول: جاء الرذاذ بعده. ومنه يقال: عقب لفلان غنى بعد فقر = وعقب الرجل أباه: إذا قام بعده مقامه. وعواقب الأمور، مأخوذة منه، واحدتها عاقبة. . . والشواطب: النساء اللواتي يشطبن لحاء السعف، يعملن منه الحصر. ومنه السيف المشطب، والشطبية: الشعبة من الشيء. ويقال: بعثنا إلى فلان شطبية من خيلنا، أي: قطعة" . قلت: وإنما وصف آثار الغيث في الديار، فشبه أرضها بالحصر المنمقة، للطرائق التي تبقى في الرمل بعد المطر.
وذلك قريبٌ لمعنى ما قلنا، لأنهم قعدوا بعده على الخلافِ له.
* * *
وقوله: (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) ، يقول تعالى ذكره: وكره هؤلاء المخلفون أن يغزُوا الكفار بأموالهم وأنفسهم (1) = (في سبيل الله) ، يعني: في دين الله الذي شرعه لعباده لينصروه، (2) ميلا إلى الدعة والخفض، وإيثارًا للراحة على التعب والمشقة، وشحًّا بالمال أن ينفقوه في طاعة الله.
* * *
= (وقالوا لا تنفروا في الحر) ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفرهم إلى هذه الغزوة، وهي غزوة تبوك، في حرّ شديدٍ، (3) فقال المنافقون بعضهم لبعض: "لا تنفروا في الحر" ، فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) لهم، يا محمد = (نار جهنم) ، التي أعدّها الله لمن خالف أمره وعصى رسوله = (أشد حرًّا) ، من هذا الحرّ الذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا فيه. يقول: الذي هو أشد حرًا، أحرى أن يُحذر ويُتَّقى من الذي هو أقلهما أذًى = (لو كانوا يفقهون) ، يقول: لو كان هؤلاء المنافقون يفقهون عن الله وعظَه، ويتدبَّرون آي كتابه، (4) ولكنهم لا يفقهون عن الله، فهم يحذرون من الحرّ أقله مكروهًا وأخفَّه أذًى، ويواقعون أشدَّه مكروهًا (5) وأعظمه على من يصلاه بلاءً.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "الجهاد" فيما سلف ص: 358، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .

(3)
انظر تفسير "النفر" فيما سلف 58: 536 \ 14: 251، 254.

(4)
انظر تفسير "فقه" فيما سلف ص: 51، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(5)
في المطبوعة والمخطوطة: "ويوافقون أشده مكروهًا" ، وهو خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت.

17033- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) ، إلى قوله: (يفقهون) ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَ الناس أن ينبعثوا معه، وذلك في الصيف، فقال رجال: يا رسول الله، الحرُّ شديدٌ، ولا نستطيع الخروجَ، فلا تنفر في الحرّ! فقال الله: (قل نار جهنم أشد حرًّا لو كانوا يفقهون) ، فأمره الله بالخروج.
17034- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتاده في قوله: (بمقعدهم خلاف رسول الله) ، قال: هي غزوة تبوك. (1)
17035- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرٍّ شديدٍ إلى تبوك، فقال رجل من بني سَلِمة: لا تنفروا في الحرّ! فأنزل الله: (قل نار جهنم) ، الآية.
17036- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: [ثم] ذكر قول بعضهم لبعض، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد، وأجمع السير إلى تبوك، على شدّة الحرّ وجدب البلاد. يقول الله جل ثناؤه: (وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرًّا) . (2)
* * *
(1)
في المطبوعة: "من عزوة تبوك" ، والصواب ما في المخطوطة.

(2)
الأثر: 17036 - سيرة ابن هشام 4: 196، وهو تابع الأثر السالف رقم: 17012. والزيادة بين القوسين منه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]